أمثلة لم تؤجل توبتها
يعجبني في داود النبي، أنه كان سريع التوبة..
كان إنسانا مثلنا، يمكن أن يخطئ. ولكن قلبه كان رقيقا حساسا، يستجيب لصوت الله بسرعة، ويتوب توبة صادقة دون تأجيل أو إبطاء. ظهر هذا لما وبخته أبيجايل في لطف، حينما أراد الانتقام لنفسه من نابال الكرملي، فلم يجادلها ولم يبرر موقفه، وإنما قال لها "مبارك عقلك. ومباركة أنت، لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء وانتقام يدي لنفسي" (1صم 25: 33).
وكانت توبته سريعة جدًا، لما عد الشعب. إذ ضربه قلبه. وقال "أخطأت جدًا فيما فعلت.. انحمقت جدًا.." (2صم 24: 21، 17).
ولما نبهه ناثان إلى خطيئته نحو امرأة أوريا الحثي، لم يجادل، إنما قال "أخطأت إلى الرب" (2صم 12: 7، 13). وامتلأت مزاميره بعبارات التوبة الصادقة والانسحاق، وبلل فراشه بدموعه (مز 50، مز 6).
كذلك كانت توبة أهل نينوى، توبة القديسة بائيسة..
فمع أن يونان النبي أعطى نينوى فرصة طويلة لتتوب، ونادى قائلًا "بعد أربعين يوما تنقلب نينوى" (يون 3: 4).. إلا أن هذه المدينة العظيمة لم يؤجل توبتها إلى قرب نهاية هذه المدة، إنما تابت مباشرة في المسوح والرماد، توبة عميقة، شملت الكل. فرفع الله غضبه عنها..
والقديسة بائيسة، التي اخذ الرب روحها في نفس يوم توبتها، في نفس الأمسية التي أتفقدها فيها القديس يوحنا القصير، لو أنها أجلت توبتها، وموعد صعود روحها تلك الليلة، ترى ماذا كان سيصبح مصيرها؟
سعيد إذن من يستغل الفرصة التي يرسلها الله لتوبته، ولا يقسي قلبه من يدرى، ربما هذه الفرصة لا تعود..
حدث هذا مع سجان فيلبى، الذي كان حافظا للسجن، حينما أحدث الرب زلزلة في نصف الليل، فانفتحت أبواب السجن، وانفكت القيوم، لإنقاذ بولس وسيلا. وهذا لم يتأخر، وإنما قال لبولس وسيلا "سيدي، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" (أع 16: 30).وآمن. وأخذ بولس وسيلا إلى بيته "في تلك الساعة من الليل"- أي بدون أي إبطاء - "اعتم في الحال هو والذين له أجمعون" (أع 16: 33).
أليس درسا لنا في قصة سجان فيلبى، أن نقرأ عبارة "في الحال"..
وأيضًا عبارة "في تلك الساعة من الليل". وكان ذلك "نحو نصف الليل (أع 16: 25). لماذا إذن نؤجل توبتنا.
نفس الأسلوب نقرأه تقريبا في توبة زكا..
قول الرب له "أسرع وانزل". وقد نفذ زكا في الحال، وأخذ المسيح على بيته. وفي ذلك يقول الإنجيلي "فأسرع ونزل وقبله فرحا" (لو 19: 6). وهكذا قال الرب: (اليوم) حدث خلاص لهذا البيت.
إن أمور التوبة، لا يجوز فيها التأجيل مطلقا، إنما يناسبها عبارات: الآن، كما في قصة الابن الضال.
(لو 15). (في الحال)، (في تلك الساعة) كما في قصة سجان فيلبى (أع 16) (أسرع)، (واليوم) كما في قصة زكا (لو 19).
كل قصص التوبة في سير القديسين، تتميز أيضًا بعدم التأجيل:
مريم القبطية، حالما أمكنها أن تدخل كنيسة القيامة وتتبارك من الأيقونة للحال نفذت ما عزمت عليه في توبتها. وهكذا صارت سائحة قديسة..
وبيلاجية، لما تأثرت بعظة القديس نونيوس، لم تتركه حتى منحها نعمة العماد، ونترك لكم باقي التفاصيل في أمثلة التاريخ..