تأثير وسائط النعمة
إن نعمة الله تعمل في قلب الإنسان لتوقظه، إما بِنَخْس مباشر للضمير، وإما عن طريق وسائط روحية تؤثر فيه ، مثل قراءة روحية تهتز نفسه هزا، أو عظة عميقة تستطيع أن تدخل إلى أعماقه فيستيقظ، أو قداس روحى يسمعه فيحمل نفسه إلى أجواء أخرى غير أجواء الخطية، أو اجتماع روحى ينقله من جو الخطيئة الذي يعيش فيه إلى جو مُغاير فيصحو..
وما أكثر القصص التي فيها استيقظ خطاة بوسائط النعمة...
فهكذا استيقظ أوغسطينوس، عندما قرأ حياة القديس العظيم الأنبا انطونيوس، وشعر بلذة وعمق الحياة النسكية التى عاشها ذلك القديس العجيب.. وتاب أوغسطينوس، وتحول إلى نبع من الروحيات إرتوى منه كثيرون..
وبيلاجية الممثلة والراقصة المشهورة في أنطاكية، كيف استيقظت؟
لقد ذهبت إلى الكاتدرائية الكبرى في أنطاكية، ربما للفرجة إذ كان عدد كبير من الأساقفة في زيارة لها . وتصادف أن القديس نونيوس كان يعظ من كل قلبه عن الحياة الأخرى وما فيها من بركات للأبرار ودينونة للخطاة. وكان يتكلم بالروح، بتأثير عميق في النفوس، بكلام بسيط ولكنه قوى نفاذ. وإذ بخوف الله يدخل في قوة إلى قلب بيلاجية، فتصحو لنفسها، وإذا بدموعها تنهمر على الرغم منها.. وتصر في داخلها على مقابلة القديس نونيوس بعد انصرافه من الكاتدرائية، وتبدأ قصة توبة، تتحول بها إلى قديسة تصنع عجائب..
إن نفس التأثير الروحى أيقظ أيضا أفدوكيا الخاطئة...
إلى أنها نالت عاشت في الخطية زمانا، قادها فيه شيطان اليأس إلى الاستسلام وخدر ضميرها. ولكن كيف استيقظت؟ لذلك قصة: كانت في بعلبك. وحدث أن راهبا قديسا يدعى جرمانوس زار صديقا له كان يقيم بيت مجاور لهذه الخاطئة. وفي منتصف الليل كان الراهب يصلى صلوات عميقة ، وكان يقرأ فصولا مؤثرة من الكتاب المقدس ومن الكتب الروحية، وكان صوته مرتفع ربما ليطرد النوم عنه. وكانت هذه الخاطئة تتجسس بأذنيها أصوات جيرانها. فسمعت هذه الصلوات وهذه القراءات الروحية، وتأثرت بها جدا وهزت مشاعرها، فأدركها الحزن على نفسها، واستيقظت روحها داخلها. وفي الصباح ذهبت وقابلت القديس جرمانوس، الذي وعظها كثيرا وتأثرت جدا بوعظه، وبدأت معها قصة توبة.. فتعمدت، والتحقت ببيت للعذارى، وارتفعت في حياة الروح والنسك، حتى صارت أما لهذا البيت، وانتهى بها الأمر إكليل الشهادة، وتعيد لها الكنيسة في اليوم الخامس من برمهات (باسم أود كسيا) حقا انه خطر على الإنسان، أن يبقى في جو واحد فقط هو جو الخطية...
بحيث يؤثر عليه هذا الجو تأثيرا كاملا، ويسيطر عليه، ولا يعطيه فرصة أن يتنفس هواء
جديد ا.. أما وسائط النعمة، فإنها تقدم تأثيرا جديدا يقيم توزانا داخل قلب الإنسان، ويشعره بخطورة موقفه، فيستيقظ لنفسه.. كما أنها تغرس فيه مشاعر من نوع آخر، تقربه إلى الله وحياة البر، وبخاصة إن كان الخاطئ قد أتعبته الخطية، ولكنه بقى فيها إذ لم يجد غيرها، أولم يجد من يقوده خارجها.. وهكذا تؤدى الوسائط الروحية عملها في إيقاظ النفس الخاطئة..