المصريون القدماء – وقد شهد لهم الأولون والآخرون بالبراعة في علمي الفلك والطبيعة وفي رصد النجوم وإبداع التقويم – لم ينظموا تقويمهم بطريق الصدفة بل إستنبطوه بحكمة بالغة ومقدرة فائقة من طول المدة الزمنية للدورة الظاهرية لنجم (سبدت) عند قدماء المصريين هو بعينه نجم ألفا من مجموعة نجوم كلب الجبار المعروف باللغات الأوربية: A Canis Majoris The Dog star وهو بعينه نجم سيريوس (Sirius) كما أنه بعينه نجم سوذس ( Sothis) وهو تحريف يوناني للاسم المصري (سبدت) وهو كذلك بعينةنجم الشعري اليمانية عند العرب. وهو ألمع النجوم في السماء وهو واحد من مجموعة نجوم كلب الجبار (Canis Majoris The Great) التي هي صورة جنوبية قديمة جدا كانت معروفة عند قدماء المصريين.
إذن السنة القبطية المصرية ليست سنة شمسية قطعا وليست سنة قمرية وليست نجميه مطلقة وإنما سنة نجمية شعرية لتحديد طولها على أساس طول المدة الزمنية للدورة الظاهرية لنجم الشعري اليمانية (سبدت عند قدماء المصريين).
ولنشرح ذلك على مرحلتين:
المرحلة الأولى:
إن المصريين القدماء جعلوا سنتهم اثني عشر شهرا بعدد الاثني عشر برجًا الموجودة في منطقة البروج تدور فيها كواكبنا السيارة وتسمى زودياك (Zodiac ) وجعلوا كلا منها ثلاثين يوما وخصصوا أربعة أشهر لفصل الفيضان وأربعة أشهر للزراعة وأربعة أشهر للحصاد. ثم أضافوا إليها خمسة أيام سموها الشهر الصغير: Pikouji nabot وهى التي تسمى أيام النسي فوصل طولها بذلك إلى 365 ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وجعلوا رأس سنتهم يوم أول شهر توت وهو أول شهور السنة القبطية (المصرية) وهو نفسه يوم العيد التقليدي لشروق نجم الشعري اليمانية على الأفق الشرقي قبيل شروق الشمس في يوم وصول فيضان النيل إلى العاصمة منف ولكنهم لاحظوا أن طول السنة عندهم أقصر من طول السنة الطبيعية بدليل أن نجم الشعري اليمانية كان يتقدم ظاهريا سنة بعد أخرى. وبما أن النجم ثابت فقد كانت أيام الأعياد الدينية والمدنية وعيد رأس السنة أول الأعياد هي التي تحل قبل موعدها بحركة تقهقرية مستمرة وإن كان بفرق ضئيل فهي تشبه في ذلك مبادرة الاعتدالين (precession of Equinoxes) مع الفارق لأنها تنتسب إلى نجم الشعري اليمانية ولا تنتسب إلى الشمس. وقد اشتكى الكاتب المصري إلى الإله آمون أيام الرعامسة في الأسرة التاسعة عشرة من أن أيام الأعياد الدينية تسير القهقرى وكان هذا دائما موضع تأفقه وقد سجل التاريخ لنا هذه الشكوى.
المرحلة الثانية: (إصلاح التقويم):
فى عام 239 قبل الميلاد توصل الكهنة المصريون في أيام حكم بطليموس الثالث ( Euergetes) وزوجته الملكة برينيكى (247-222 قبل الميلاد) إلى إزالة أسباب هذه الشكوى، فقد لاحظ الكهنة التباين بين سنتهم المكونة من 365 يوما فقط والسنة الطبيعية فاجتمعوا في تلك السنة بهيئة مجلس كهنوتي بمعبد مدينة كانوب (بلدة أبو قيرة الحالية) وقد أتوا إليها من جميع المعابد في شطرى الوادى وتناولت أبحاثهم وقرارتهم إصلاح التقويم. أ) بحث الكهنة للتقويم ولهم باع طويل في رصد النجوم – فوجدوا أنه إذا طلع نجم الشعري اليمانية (سبدت) شروق الشمس بثوان بحيث يتراءى في الأفق الشرقى قبل أن يخفيه ضوء الشمس وفي مستوى ارتفاع الشمس الطالعة فوق الأفق على خط عرض 30 درجة في نواحي منف وعين شمس – وهذا الوضع يسمى علميا بالشروق الاحتراقي. ففي هذه الحالة يتقدم نجم الشعري اليمانية ظاهريا بمعدل يوم كل أربعة أعوام وبما أن النجم ثابت فقد كانت الأعياد الدينية عندهم وأولها عيد رأس السنة (يوم أول شهر توت) هي التي تبكر في مواعيد حلولها كل أربعة سنوات على التوالي أي أن سنتهم التي طولها 365 يوما فقط كانت تقل يوما كل أربعة سنوات بسبب أن نجم الشعري اليمانية كان يتقدم ظاهريا يوما كل أربعة سنوات ووجدوا أن نجم الشعري اليمانية دار دورته الظاهرية وعاد إلى شروقه الاحتراقي بعد مرور (365 يوما × 4 سنوات) = 1460 سنة طول كل منها 365 يوما فقط، ولاحظوا بثاقب نظرهم أن اتفاق حدوث الشروق الاحتراقى لنجم الشعري اليمانية مع فجر يوم أول شهر توت (رأس السنة المصرية) قد تم بعد فوات سنة أخرى طولها 365 يوما فقط فاستنبطوا أن كل 1460 سنة طبيعية تعادل 1461 (1460 + 1) سنة طول كل منها 365 يوما فقط. فلأجل أن يتساوى طول السنة عندهم مع طول السنة الطبيعية النجمية – الشعرية قام الكهنة بتجزئة طول السنة الزائدة وهو 365 يوما فقط على طول السنة الطبيعية وهو طول الفترة الزمنية للدورة الظاهرية لنجم الشعري اليمانية فكان الناتج هكذا:-365 يوما / 1460 سنة طبيعية نجمية – شعرية = 1 / 4 ربع يوم بالضبط أي ست ساعات. ب) قرر الكهنة في مجلسهم الكهنوتي إضافة ربع يوم سنويا إلى سنتهم المكونة من 365 يوما فقط و6 ساعات متخذين نجم (سبدت) (الشعري اليمانية) أساسا لبناء تقويمهم. فاستقام بذلك الحساب وأصبح ما كان ناقصا من قبل في نظام الفصول والسنة وفى القواعد الموضوعة بخصوص النظام العام لمصر قد أصلح فالفصول تتوالى بنظام مطلق على حسب النظام الفعلي لطقس مصر وزراعة مصر ولا يحدث مستقبلا أن بعض العياد الدينية أو المدنية يحتفل بها في غير مواعيدها الطبيعية.
فاتباع سير نجم الشعري اليمانية الظاهري كان هو التطبيق العلمى لحلول الأعياد الدينية والمدنية في مواعيدها الصحيحة على مدار السنة دون تغيير أو تبديل أو تزحزح.
وعرف حينذاك نظام الكبس أي أن كل أربع سنوات يكون ثلاث منها طول الواحدة 365 يوما فقط وسنة واحدة تالية يكون طولها 366 يوما على أن يضاف اليوم الزائد إلى الشهر الصغير أي إلى أيام النسي الخمسة فتصبح ستة. وفى عام 238 قبل الميلاد صدر مرسوم باسم بطليموس الثالث (Euergetes) أذيع في كل انحاء البلاد وقد كان الكهنة المصريون هم الواضعون الحقيقيون لهذا المنشور المعروف باسم مرسوم كانوب (Decree of Canops) وقد نقش على لوحات من الحجر الجيرى باللغة المصرية القديمة وهى المسماة باللغة الهيروغليفية أي اللغة المقدسة وكذلك بالخط (الديموطيقى) وأيضا باللغة اليونانية ولدينا منه حتى الأن أربع نسخ منها ثلاث بالقاهرة وواحدة بمتحف اللوفر بباريس بفرنسا لا تختلف كثيرا الواحدة منها عن الأخرى وأهم هذه النسخ الأربع وأوضحها النسخة التي وجدت بتانيس.
ويعتبر مرسوم كانوب هذا وثيقة ذات أهمية عظمى لأن الغرض الأساسي منه كما جاء في بعض نصوصه هو تسجيل إصلاح التقويم المصري (القبطي) ونشرة في أنحاء البلاد. وتاريخ هذا المرسوم هو اليوم السابع عشر من الشهر الأول من فصل الشتاء من السنة التاسعة من حكم جلالة ملك الوجهين القبلي والبحري بطليموس الثالث محبوب بتاح ( Euer getes) ويوافق تاريخ صدوره يوم 6 مارس سنة 237 قبل الميلاد وقد جاء في الفقرة الرابعة عشرة (أنه منذ الآن سنضيف يوما كل أربع سنوات إلى خمسة الأيام التي هي شهر النسئ قبل السنة الجديدة حتى يعلم الكل أن ما كان ناقصا من قبل في نظام الفصول والسنة قد تم إصلاحه). ومما لا شك فيه أن علوم الفلك التي ورثها كهنة قدماء المصريين عن أسلافهم كانت كافية لتجعلهم يصيبون الهدف في وضع تصميم السنة الكبيسة.
وقد ترجم هذا المرسوم إلى اللغات الأجنبية الفرنسية والألمانية والإنجليزية من زمن وأخيرا ترجمة إلى اللغة العربية الأثري الكبير المرحوم الأستاذ سليم حسن في الجزء الخامس عشر من موسوعته عن تاريخ "مصر القديمة" (الموسوعة كاملة موجودة بالمكتبة الاستعارية بكنيسة القديس تكلاهيمانوت بالإسكندرية). ولا أنسى أن أقول أن المصريين القدماء -وعلى رأسهم الكهنة- صمموا التقويم المصري تأسيسا على طول الفترة الزمنية للدورة الظاهرية لنجم الشعري اليمانية لأن اتباع طول السنة النجمية الشعرية أفضل بكثير جدا من اتباع طول السنة الشمسية لأنها لا توصل إلى الثبات الذي تتميز به السنة النجمية – الشعرية والدليل على صحة ذلك هو أن التقويم القبطي (المصري) يرجع تاريخ استعمال إلى أكثر من 6000 (ستة ألاف سنة) ويثبت ذلك أن الشهر الصغير أي خمسة أيام النسئ مدونة في نصوص الأهرام Pyramid Texts المعروف أنها ترجع إلى ذلك الزمان السحيق. وبعد مرور هذه الآلاف من السنين نجد أن التقويم القبطي (المصري) لا يزال ينساب في بساطة وسهولة وانتظام تام متفقا في ذلك مع طقس مصر وفصول مصر وزراعة مصر دون أدنى تغيير أو تبديل أو تزحزح وهنا تتجلى حكمة قدماء المصريين.