وكان القديس يواظب على التعليم في كنيسته الصغيرة، وكان يرى بفرح أن عدد سامعيه يزداد يوما بعد يوم. واجتمع الأريوسيون والآبوليناريون مع هراطقة آخرين مختلفين يحاولون أن يعرقلوا نجاح خطبه، فيفترون عليه بإدعاءات فظيعة، ويلجأون أيضًا إلى العنف. فكانوا يطاردونه في الشوارع ويرمونه بالحجارة، ويقدمونه للمحاكمة كأنه مشاغب يؤلب الشعب. وكان القديس يتحمل في صبر كل هذه المعاملة الشريرة. وكان يقول لنفسه: "صحيح أن جانب الهراطقة هو الأقوى، ولكنى أجاهد من أجل إحقاق الحق، وأنهم إذا كانوا يمتلكون الكنائس، فإن لي الله بجانبي. فلا يفتخرون بعد لأن الشعب في جانبهم، أن الملائكة معي يحرسونني ويدافعون عنى".
كان الراعي القديس يحيا حياة الوحدة التامة، لم يكن يقوم أبدا بأية زيارات، إلا إذا اضطرته الشرورة إلى ذلك، يكرس الوقت الذي لم يكن يقضيه في وظائفه الكهنوتية للتأمل. ولم يكن يقتات إلا بالخبز وبعض الأعشاب المصلحة بقليل من الملح. وتظهر على خديه آثار الدموع التي كان يسكبها بصفة شبه مستمرة. كان يتوسل ليلا ونهارا إلى الله أن يرحم رعيته. ولم يسع كل الذين كانوا يسمعونه إلا أن يتعجبوا من علمه العميق، ومن الموهبة النادرة التي جعلته يصير الحقائق المعنوية ملموسة، معبرا عن نفسه تعبيرا واضحا بديعا. وغذ استأنس الهراطقة والوثنيون رويدا رويدا، ذهبوا ليستمعوا إليه على سبيل الفضول، وبالرغم من آرائهم المسبقة عنه، اضطروا أن يعترفوا بسمو استحقاقه. وأصبحت نتيجة مقالاته ملموسة بالأكثر يوما بعد يوم. فازداد عدد المؤمنين أكثر فأكثر. وفتح اتباع الضلال عيونهم، يتعجلون العودة إلى حضن الكنيسة.