قرارا المجمع الفاتيكاني الثاني بشأن عقيدة خلاص غير المؤمنين والرد عليها
قرّر المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965م) عقيدة خلاص غير المؤمنين، ويعتبر الأخوة الكاثوليك هذا المجمع المسكوني رقم 21 من عدد المجامع، فالمجمع الأول هو مجمع نيقية سنة 325م، والثاني مجمع القسطنطينية سنة 381م، والثالث أفسس سنة 431م، وهذه المجامع الثلاث تعترف بها كل الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبيزنطية (الروم الأرثوذكس) والمجمع الرابع هو خلقيدونية سنة 451م الذي حدث فيه الإنشقاق بين الغرب والشرق، والخامس القسطنطينية الثانية سنة 553م، والسادس القسطنطينية الثالث سنة 680 / 681م، والسابع نيقية الثاني سنة 787م وهذه المجامع الأربعة الأخيرة تعترف بها الكنيسة الكاثوليكية والبيزنطية، ولا تعترف بها الكنيسة الأرثوذكسية، وأخيرًا الأربعة عشر مجمعًا من الثامن وحتى الحادي والعشرين تعترف بهم الكنيسة الكاثوليكية فقط، ومنها خمس مجامع بإسم لاتيران، ومجمعين بإسم لاون، ومجمعين باسم الفاتيكان
(35).
وحضر المجمع الفاتيكاني الثاني 2400 أسقف كاثوليكي من أصل 2800 مدعو، مع بعض المراقبين من الكنائس الأخرى الأرثوذكسية والروم الأرثوذكس والإنجليكان والبروتستانت، فكان عددهم في بداية المجمع 31 وصلوا إلى 93 مراقب في نهاية المجمع، وبعض الخبراء اللاهوتيين لمساعدة اللجان في أعمالها وبعض المستمعين من العلمانيين وبعض الراهبات بدءًا من الدورة الثانية، وإفتتح هذا المجمع البابا يوحنا الثالث والعشرون رقم 260 في 11 أكتوبر 1962م وعيَّن له عشرة كرادلة كمجلس رئاسة يديرون الندوات، وأربعة كرادلة آخرون كمنشطين لإدارة الجلسات، وتم تعيين أمانة عامة تتكوَّن من أمين سر وخمسة مساعدين لتولي مسئولية التنظيم، والإقتراع كان يتم بنعم أو لا أو بطلب تعديل، وختم هذا المجمع الفاتيكاني الثاني البابا بولس السادس رقم 261 في 7 ديسمبر 1965م، وكان هدف المجمع هو الحفاظ على العقيدة المسيحية المقدَّسة مع تقديمها بصورة أوفر وأجدى، وعقد المجمع أربع دورات [الأولى: 12/10 - 28/12/1962م، والثانية: 29/9 - 4/12/1963م، والثالثة: 15/9 - 21/11/1964م، والرابعة: 14/9 - 7/12/1965م] وصدر عن المجمع أربعة دساتير، وتسعة مراسيم، وثلاث تصريحات منهم تصريح عن علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية. كما تم تخصيص الفصل الثالث للإسلام، والفصل الرابع لليهود، وقد ناقش المجمع ليس الأمور الإيمانية فقط، إنما تطرق إلى الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية، وتحدث عن حقوق العمال وفترات الراحة الكافية لهم، وتمثيلهم في الإدارة وحقهم في تكوين النقابات، وحقهم في الإضراب.. وتطرق إلى موضوع النقد وتوظيف الأموال والملكية الفردية ومشاكل الإقطاع، والنمو الاقتصادي والاجتماعي، والنضال من أجل العدالة، وتشجيع النظام الرأسمالي وإغفال النظام الاشتراكي، ودور الأحزاب، ودور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في حفظ السلام، والمعونات للدول النامية، ونظام التجارة العالمي، ومشكلة النمو السكاني.. إلخ.
وقد قرر المجمع الفاتيكان الثاني عقيدة خلاص غير المؤمنين في جلسته الرابعة في أكتوبر 1965م، وقد وافق عليها 1763 عضوًا واعترض 250 عضوًا، فالدستور العقائدي للكنيسة نور الأمم وشعب الله أكد على "إن جميع الشعوب يؤلفون جماعة واحدة، فإن الناس ينتظرون من مختلف الأديان الجواب عن ألغاز الوضع البشري المستترة" كما ناقش هذا الدستور الأديان التي تندرج في حضارات قديمة كالهندوسية والبوذية، وأشار للإسلام وصرح بأن أتباعه يعبدون الإله الواحد ويسعون بكل قواهم للخضوع لقراراته، وأشار لارتباط الشعب اليهودي بشعب الله ورفض اتهامهم إجمالًا بالمسئولية عن صلب المسيح، أما الذين لم تبلغهم رسالة الإنجيل فهم مُوجَّهون نحو الله. لقد أقرت وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني عقيدة خلاص غير المؤمنين في عدة مواضع، فاعتبر المجمع أن غير المؤمنين يدخلون في تعداد شعب الله سواء اليهود أو المسلمين أو الوثنيين وإن الخلاص في متناول أيدي الجميع.
ودعنا يا صديقي نذكر فيما يلي بعض الفقرات الصادرة من المجمع الفاتيكاني الثاني والتي توضح إمكانية الخلاص بغض النظر عن الإيمان بالمسيح وممارسة المعمودية والانتماء للكنيسة:
أ - "ووحدة شعب الله الجامعة (يقصد كل البشرية) هذه يسعى إليها بطرق شتى المؤمنون الكاثوليك، أو سائر المؤمنين بالمسيح، أو جميع الناس بوجه عام المدعوين بنعمة الله إلى الخلاص..
إن الخلاص هو في متناول جميع من هم من ذوي الإرادة الحسنة.. إن الأخوة المنفصلين عن الشركة التامة مع كرسي روما،
وأولئك الذين ينتمون إلى الديانات غير المسيحية، هم أيضًا يملكون حقائق وعندهم كنوز.. وهناك أناس يتجهون صوب الله من نواحي شتى من بينهم ذلك الشعب (اليهودي) الذي قبِل المواعيد وأُعطى العهود والذي ظهر
المسيح منه بحسب الجسد، وأيضًا أولئك (المسلمون) الذين يعترفون بالخالق ويؤمنون إيمان إبراهيم، ويعبدون الإله الواحد الذي سيدين البشر في اليوم الأخير، وأخيرًا يقول المجمع إن الكنيسة ليست بعيدة عن أولئك
(الوثنيين) الذين يفتشون عن الله من وراء الصور والظلال ويجهلون بدون قصد إنجيل المسيح وكنيسته. فهؤلاء ليس الخلاص ببعيد عنهم، وهم يحاولون أن يتمموا مشيئة الله التي وضعها في ضمائرهم"
(31).
ب -
" روابط الكنيسة مع غير المسيحيين: أما الذين لم يقبلوا الإنجيل بعد فإنهم متجهون نحو شعب الله بطرق مختلفة.. وأولهم ذلك الشعب (اليهودي) الذي أُعطى العهود والمواعيد وكان منه
المسيح بحسب الجسد (رو 9: 4، 5) ذلك الشعب المختار المحبوب من أجل الآباء لأن مواهب الله ودعوته هي بلا ندامة (رو 11: 28، 29)
وتدبير الخلاص يشمل أيضًا الذين يعترفون بالخالق وفي طليعتهم المسلمون الذين يعلنون تمسكهم بإيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الإله الأوحد الرحيم الذين سيدين البشر في اليوم الأخير، أما الذين يتلمسون الإله المجهول من خلال الظلال والصور (أي الوثنيين) فالله عينه ليس ببعيد عنهم لأنه يعطي الجميع حياة ونفسًا وكل شيء (أع 17: 25 - 28) وبوصفه المخلص يريد أن جميع البشر يخلصون (1تي 2: 4) فالذين يجهلون بلا ذنب منهم إنجيل المسيح وكنيسته، ويبحثون عن الله بقلب مخلص، ويسعون بأعمالهم تحت تأثير النعمة إلى إتمام مشيئته الظاهرة لهم فيما يمليه عليهم ضميرهم، يستطيعون أن يصلوا إلى الخلاص الأبدي"
(32).
ج - "
1- تمهيد: في عصرنا الذي يتزايد فيه يومًا بعد يوم إتحاد الجنس البشري وتتوثق باطراد علاقات الشعوب، تمعن الكنيسة النظر فيما ينبغي أن تكون عليه علاقاتها بالأديان غير المسيحية
، كما ذكرنا أيضاً هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. فالشعوب كلها جماعة واحدة أصلها واحد، أسكنها الله وجه الأرض كلها (أع 17: 26) تتجه نحو غاية واحدة قصوى هي الله، الذي يشمل الكل بعنايته وبآيات لطفه وتدابير الخلاص (حكمة 8: 1، أع 14: 17؛ رو 2: 6، 7؛ 1تي 2: 4) حتى يجتمع المختارون في المدينة المقدَّسة التي يضيئها مجد الله، وفي نوره تسلك الشعوب جميعا (رؤ 21: 23)..
2- الديانات غير المسيحية: منذ أقدم العصور حتى يومنا، وعند كل الشعوب وُجِد بعض من إدراك حول القوة الخفية التي تتصل بأحداث الحياة الإنسانية، وقد يصل الإدراك أحيانًا إلى معرفة الكائن الأعظم -أو الآب.
ففي الهنوكية (الهندوسية) يجتهد الناس لسبراغوار السر الإلهي، معبّرين عن ذلك بفيض من الخيار والرموز والأفكار الفلسفية، فالناس تتوق إلى التحرر من واقع الحياة حيث الخوف والقلق حينًا بالإعتزال في أنماط الزهد والتجرد وحينًا بالغوص في التأمل العميق، أو باستسلام لله في حب وثقة.
والبوذية في صيغها المتعددة تعترف بنقص جوهري يشوف كيان عالمنا المتغير
وترسم طريقًا ليسير عليه الناس بقلب ملؤه التقي والثقة للوصول إلى تحرر كامل أو بلوغ ذروة الإشراق السامي بجهد شخصي أو بعون من فوق .
والكنيسة الكاثوليكية لا تنبذ شيئًا مما هو حق ومقدَّس في هذه الديانات.. من أجل ذلك تحرّض الكنيسة أبناءها على قبول القيم الروحيَّة والأدبيَّة والاجتماعية والثقافية التي توجد لدى أتباع الديانات الأخرى والمحافظة عليها وإنمائها، وذلك بالحوار والتعاون بكل فطنة مع الشهادة للإيمان والحياة المسيحية.
3-
الدين الإسلامي: تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد الحي القيوم الرحمن القدير فاطر السموات والأرض.. أنهم يجتهدون في التسليم بكل نفوسهم لأحكام الله وإن خُفيت مقاصده، كما سلم الله إبراهيم الذي يفخر الدين الإسلامي بالإنتساب إليه، ورغم أنهم لا يعترفون بيسوع إلهًا فإنهم يكرمونه نبيًا ويكرمون أمه العذراء مريم ويذكرونها في خشوع.
4- الدين اليهودي: فكنيسة
المسيح تعترف بأن باكورة إيمانها ودعوتها لسر الخلاص الإلهي تمتد إلى الآباء وإلى
موسى والأنبياء، وبأن جميع أتباع
المسيح هم أبناء إبراهيم بحسب الإيمان (غل 3: 7) وقد شملتهم دعوته"
(33).
د - يقولون إن سر الفصح (موت
المسيح) "لا يقتصر فقط على المؤمنين بالمسيح، بل يشمل أيضًا جميع ذوي الإرادة الصالحة التي تعمل النعمة في خفاء قلوبهم.. أن
المسيح قد مات للجميع (رو 8: 32)..
فعلينا أن نعي أن الروح القدس يقدم للجميع بطريقة يعلمها الله وسيلة الاشتراك في سر الفصح"