رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه وهو موضوع قد سبق ووضعت جزء بسيط منه في المنتدى تحت اسم المحب والمحبوب ولكن هنا تم تجميعه معاً مع إضافات بسيطة لكي يكون متكامل كما وضعته في منتديات أخرى بحسب طلب البعض __________________________________ المحب والمحبوب ( علاقة شركة مع الله ) 1 - الإنسان أيقونة الله + الإنسان مخلوق أتى من العدم. خلقه الله بكلمته ونفخ فيه نسمة حياة، فهو خُلق على صورة الله ومثاله: [ وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ... وجبل الرب الإله آدم تُراباً من الأرض. ونفخ فيه أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفساً حياً ] ( تكوين 1: 26 و 2: 7 ) [ صنع الرب الإله الإنسان من تراب الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة ! لقد استخدم موسى أسلوباً بسيطاً من الكلام، لأنه كان يتكلم مع قوم لم يكن في استطاعتهم أن يسمعوا شيئاً آخر، مثلما يُمكننا الآن ، وأيضاً كي يُرينا أنه من أجل مسرَّة محبة الله للبشر أن يجعل هذا الكائن المخلوق من التراب شريكاً لطبيعة نفسه العاقلة، التي من خلالها أُبدع هذا المخلوق الحي بهذا القدر من البراعة والكمال. " ونفخ في أنفه نسمة حياة " ؟ أي أن النفخة قد نقلت إلى هذا المخلوق من التراب قوة الحياة ، وهكذا تكونت طبيعة النفس . لذلك أضاف موسى قائلاً " فصار آدم نفساً حيَّة " ( تك2: 7 ) ] ( القديس كيرلس الكبير – st.John Chryst, Homilies on Genesis 12:2 , 12:5 – أنظر شرح سفر التكوين ص123 إصدار مجلة مرقس ) خُلق الإنسان فريداً في حياته وفي مصيره، خُلق كأيقونة حية لله، تعكس صورة بهاء مجده... فقد خلق الله الإنسان على صورته وأعطاه الحرية، فقد وهبه إرادة حرة يستعملها في كل أعماله ومواقفه وقراراته وأقواله، فأصبح له قدرة الاختيار الحُرّ بدون ضغط أو إكراه... [ الإنسان حُرّ في إرادته منذ البداية، فقد خُلق على صورة الله الذي هو حُرّ في إرادته... ] ( القديس إيرينيئوس ) والسر كله في طبيعة الله الخالق، لأن الله = محبة، والله المحبة خلق الإنسان محبوب له، ولا يوجد إكراه في المحبة أي بين الحبيب والمحبوب، فالحب هو عطاء مجاني لا ينتظر ثمن، ويستحيل أن يوجد فيه ضغط أو إكراه، إذ أن طبيعة الحب الحرية ... والحرية فيها اختيار مبني على حب أصيل، والاختيار يأتي من الحرية وبدافع الحب نحو المحبوب ... فالله المحب خلق محبوبة الإنسان، على صورته، أي جعله أيقونته الخاصة، ووهبه الملامح الجديرة باللاهوت لا من جهة المادة، بل من جهة النفس، إذ جعل فيه السجايا الجديرة باللاهوت [ فالنفس إذن، هي صنيع إلهي عظيم مملوء عجباً... والحاصل أنه خلقها من نوع يُصيرها له عروساً ورفيقة ( على صورته ومثاله ) حتى يقترن بها فتصير معه روحاً واحداً ( كقول الرسول في 1 كورنثوس : 6: 17 ) ] ( عظات القديس مقاريوس الكبير عظة 44 و 46 ) [ الإنسان كائن عاقل ناطق ، وعلى هذا الأساس هو شبيه بالله ، مخلوق بإرادة حرة وسيِّد لنفسه ] ( القديس إيرينيئوس ) وبذلك أصبح للإنسان قدرة على إنشاء علاقة خاصة فريدة شخصية بينه هو المحبوب والله المحب، على أعلى مستوى، أي علاقة شركة ووحده، فمنذ بداية وعيه، مثل طفل مولود، قد تأسست علاقة شركة بمحبة حلوة، إذ أن له لقاء رائع مع الله المحب كل يوم: [ وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار ] ( تكوين 3: 8 ) وعلاقة المحبة عبارة عن عطاء دائم ومستمر بين المحب والمحبوب، فكل ما لله من حب مسكوب للإنسان، وكل ما للإنسان مُعطى لله في انفتاح متبادل، أي رد الحب بالحب، بمعنى أن الله يحب الإنسان جداً فيتحاور معه ويسكب حبه له ويعطيه كل شيء، والإنسان يرد على الحب بالحب وبتأكيد الاختيار للحياة مع الله بانسجام المحبين ... |
03 - 07 - 2014, 08:08 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
فالمحبة ليست كلمة تقال إنما هي فعل ذات سلطان يجعل من المحبين في حالة من الألفة الشديدة، وعلاقة المحبة على هذا المستوى هي اتجاه المحبوب نحو المحب كما أن المحب يتجه نحو المحبوب، أي أن المحبة هي عطاء متبادل وأخذ متبادل ...
وطبيعة المحبة عطاء دائم يستحيل أن يتوقف، وهي نسيان الذات في سبيل الآخر، أي التخلي عن كل شيء من أجل الآخر، عطاء يستمر ويتزايد إلى أقصى درجة، وهل يوجد حب يُعَّبر عن هذه الحقيقة غير محبة الله للإنسان !!! وهذا الحب بين المحب والمحبوب، يُحفظ في الحرية بالطاعة، أي طاعة المحبوب للمحب، فالله المحب أعطى لمحبوبة وصية تحفظ حريته وتبرهن حبه الأصيل ومعدنه: [ إن جردت الفضيلة من عنصر الاختيار فإنك تنتزع منها جوهرها ] ( العلامة أوريجانوس ) [ ... لقد خُلق الإنسان في البداية بفهم يرتفع فوق الخطية والشهوات. ومع ذلك، فلم يكن على الإطلاق غير قادر على الانحراف نحو أي جانب يوافقه، لأن مبدع الكون العجيب رآه جيداً لأن يزوده بإمكانيات إرادته الخاصة، ويتركها لحركتها المتحكمة في ذاتها لتتمَّم كل ما كانت تريده. والسبب هو أن الفضيلة ينبغي أن تكون نابعة من اختيار حرّ وليس ثمرة الإجبار، ولا مرتبطة بقوانين الطبيعة التي لا يمكن للإنسان أن يعثر فيها، لأن هذا صحيح بالنسبة للجوهر الأسمى الفائق ( أي الله وحده فقط ) ] ( القديس كيرلس الكبير – De adoratione 1 PG 68, 145 ) بقول القديس كيرلس الأورشليمي : [ أعرف نفسك ، أعرف من أنت – فهذه هي حالتك: فأنت بشر مكون من نفس وجسد، والله نفسه هو المبدع لكل من النفس والجسد. واعلم أيضاً أن لك نفساً هي سيدة لنفسها، وهي أعجب إنجازات الله المصنوعة على صورة صانعها، غير قابلة للموت، من أجل الله الذي أعطاها الخلود، فهي كائن عاقل غير قابل للفساد بسبب ذلك الذي أعطى مجاناً كل هذه النعم، والذي له القدرة على أن يفعل ما يشاء ] ( عظات القديس كيرلس الأورشليمي للموعوظين 4: 8 ) |
||||
03 - 07 - 2014, 08:09 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
_______________
2- سقوط المحبوب الله المحبة خلق محبوبة الإنسان في جو الحرية الكامل، حتى تكون المحبة من دافع شخصي حُرّ، فلا غصب في المحبة ولا إجبار، لأن أي إجبار هو خارج المحبة بل من واقع ذُل وقهر، وهذا يستحيل أن يحدث من الله المحبة... وقد أعطى المحب لمحبوبة التشبه به منذ تكوينه الأصلي: [ حصلنا على التشبه بالله منذ أول تكويننا، وأصبحنا صورة الله. لأن طبيعة الإنسان كما قلت، قادرة على الصلاح والبرّ والقداسة، ولديها الشهية لهذه الأشياء المغروسة فيها من الله، ويمكن أن نرى ذلك من الحجة الآتية: عندما ينحرف ذهن الإنسان، فإنه لا ينحرف من الشرّ إلى الخير، بل من الخير للشرّ... أما كون الشهية إلى الخير والرغبة إليه وإلى معرفة كل ما هو خير قد غُرست في نفس الإنسان منذ بدء تكوينه، فهذا ما أوضحه بولس العالي في حكمته قائلاً: [ لأن الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم . الذين يُظهرون عمل الناموس مكتوباً في قلوبهم شاهداً أيضاً ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة ] (رو2: 14 و15) ] (القديس كيرلس الكبير De dogmatum Solutione 3 – Pusey, In Ioannem 3 , 555 – 6) لقد أعطى المحب لمحبوبة وصية المحبة لتحفظ حريته واختياره، وأعطى في تكوينه الأصلي القدرة على معانقة الفضيلة – كما قال القديس كيرلس الكبير – والدافع إليها هو هذا الحب الذي له نحو الله حبيبه، فالإنسان بطبعه عاقل لأنه أيقونه حلوة لله مخلوق على صورته، كشبهه، تعكس بهائه وقداسته، وله أن يحيا بالحب وحفظ وصية المحب... يقول القديس كيرلس الكبير : [ ليس كوننا أغنياء فنحن عاقلون وقادرون على كل عمل صالح، بل إن ذات طبيعتنا من البداية قد خُلقت بطريقة ملائمة لهذه الأشياء وقادرة عليها – هي لهذا الحدَّ تختص بالحق فينا، لذلك كتب القديس بولس يقول: مخلوقين ... لأعمال صالحة... " ( أف 2: 10 ) ] ( In Lucan, hom. 109 PG 72 , 816 ) |
||||
03 - 07 - 2014, 08:09 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
رغم هذه العطية الحسنة البديعة التي وُهِبت للإنسان فقد أخطأ وسقط سقوطاً مروعاً، فقد أخطأ المحبوب بحريته ولم يحفظ وصية المحب، أخطأ الإنسان المحبوب المخلوق على صورة الله المحب، فخسر شبه الله، وخسر التحرك نحو الله، واتجه اتجاه لآخر.
فقد الإنسان الشركة مع الله، بكسر وصية المحب لهُ وهو المحبوب لديه، كعروس تركت حبيبها وجرت وراء آخر مزدرية بوصية زوجها المحب. عزل الإنسان نفسه – بحريته وإرادته – عن الحب الحقيقي والحضن الأبوي، حيث محبة الأنا أصبحت المحبة التي ارتكز عليها، وهي محبة الذات، لأنه سمع الإغراء تكونان كالله، فأراد أن يكون كالله بمعزل عن الله، فأشتهى المعرفة بعيداً عن المحب، فأصبح الحب المسيطر هو الأنا، وهذه محبة ذاتية منافية للمحبة الحقيقية التي تعطي كل شيء للمحب، فنزل للجحيم، أي أنقطع عن شركة المحبة، وصارت ذاته هي محور حبه المنحرف، فنشأ فيه الموت وظهر سلطانة على الإنسان الذي كان حياً بالله. فالمحبة هي انفتاح على الآخر، وعطاء النفس والقلب والفكر له، هي نسيان كرامة الذات وكل رغبة لها، وبذلها، وعطاء الوجدان وانفتاحه على المحب بكل سرور وفرح... وبذلك سقط الإنسان في حالة الموت في عزلة عن المحب، فدخل في حالة عذاب الجحيم وآلام النفس المجروحة من جراء كسر المحبة!!! ويقول القديس باسيليوس الكبير : [ الله ليس مسبباً لعذابات الجحيم، بل نحن أنفسنا. لأن أصل الخطية وجذرها في حُريتنا وإرادتنا ] |
||||
03 - 07 - 2014, 08:09 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
ويقول الأب صفرونيوس عن الموت الروحي الذي أصاب الإنسان بسبب الخطية والعزلة عن المحب الله : [ الموت الروحي هو الجحيم، والجحيم هو حياة إنسانية أُسِرَت لغايات متباينة ومتفرقة، لا تنمو، ولا ترى، ولا تذوق ما هو أبعد من الجسد، أو أبعد من هذه الغايات المتفرقة التي تمزق الكيان الإنساني ] ( عن رسالة الأب صفرونيوس إلى تلميذه ثيؤدوروس – عن نص المخطوطة القبطية – الناشر أبناء القديس البابا أثناسيوس الرسولي – صفحة 10 و 11 )
ويقول القديس كيرلس الكبير : [ ... الكائن البشري قد وُلِدَ بشهية طبيعية نحو الخير .. فالإنسان – كما ترى – يحكم نفسه بمحض اختياره بكل تروًّ، وقد زوَّد بقُوَى تدبير ذهنه الخاص، لكي يمكنه أن يتحرَّك بسرعة نحو أي اتجاه يستهويه، نحو الخير أو ضدَّه. والآن فقد غُرس في طبيعته الشهوة والرغبة نحو كل نوع من الخير والإرادة في تنمية الصلاح والبرّ، بالقدر الذي يكون فيه هذا الكائن البشري خيَّراً ومستقيماً بطبيعته ] [ لكي ما تكون له العلامة المميزة للطبيعة الإلهية أكثر وضوحاً فيه، لذلك فقد نفخ فيه الله نسمة الحياة. هذا هو الروح الذي قد أُعطى للخليقة العاقلة من خلال الابن والذي به ينتقل إليه الطبع الأسمى الإلهي ] (De dogmatum Solutione 2 – Pusey, In Ioannem 3 , 552 – 553 ) _______________ |
||||
03 - 07 - 2014, 08:09 AM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
_______________
3 – الموت الذي دخل إلى العالم دعوة الإنسان وامتياز جنسنا هو: [ إن الله ... بواسطة كلمته الخاصة مخلصنا يسوع قد خلق الجنس البشري على صورته وبسبب مماثلته للكلمة جعله يتأمل ويعرف الحقائق في أصالتها، ومنحه أن يدرك ويعرف حتى أزليته... وحيث أنه لا يوجد ما يعوق معرفته للاهوت، ففي إمكانه أن يتأمل بلا انقطاع من خلال طهارته في صورة الآب الإله الكلمة، الذي خُلق هو نفسه على صورته... فإنه قد رُفع فوق كل الأشياء الحسية، وفوق كل ما هو مجسَّم بالجسديات، وصار متصلاً بقوة عقله بالإلهيات وبالحقائق التي لا تُدرك حسيَّاً في السموات . لأنه حينما يتحفظ العقل البشري من التعلّق بالأجساد، وحينما لا يكون له اختلاط مع الشهوات التي تسببها هذه الأجساد من الخارج، بل يظل مستقلاً بنفسه تماماً ومتسامياً، كما خُلق من البدء، فإنه بتساميه عن الحسيات وكل الأمور البشرية، فإنه يُرفع عالياً فوق هذا العالم؛ وإذ يرى الكلمة، فأنه يرى فيه أيضاً أبا " الكلمة "، متلذذاً بالتأمل فيه، ومكتسباً التجديد من الانعطاف نحوه... لذلك فإن نقاوة النفس تؤهلها أن تعكس الله في داخلها كما في مرآة ] ( القديس أثناسيوس الرسولي – الرسالة إلى الوثنيين الفصل الثاني ) |
||||
03 - 07 - 2014, 08:10 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
وبالرغم من هذا المجد الذي عاش فيه الإنسان في فردوس المحبة، وحالة التأمل المتسامي بلا عائق، إذ انه كان طاهراً وفي حالة نقاوة تسمح له للنظر لله والتفرس فيه في علاقة حب رائع، ولكن بإرادته الحُرة مال نحو الشر الذي تبعه الفساد، فتسرب إليه الخجل وخزي عار كَسَرَ نفسه، ولندقق في ما حدث :
قبل السقوط: [ وكانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان ] ( تك2: 25 )، وقال آدم عن امرأته : [ هذه عظم من عظمي ولحم من لحمي ]، ولم يخجلا من عريهما ، لأنهم في حالة نقاء ومصالحة تامة بين الجسد والنفس، نتيجة المساواة الجوهرية بينهما، التي جعلتهما لا ينظران لبعضهما البعض كائنين مختلفين، فكلاهما يرى الآخر معيناً نظيره، لا يربطهما سوى الحضور الإلهي الذي يشبع كل رغباتهما ويملأ حياتهما بالفرح والحب والسلام . ويقول القديس مار أفرام السرياني باختصار : [ لقد كانا لا يخجلان ( من عريهما ) لأنهما مكتسيان بالمجد ] ( St. Ephraim, Commentary on Genesis 2, p. 316 ) وبعد السقوط: [ فانفتحت أعينهما وعَلِما أنهُما عُريانان. فخاطا أوراق تين وصَنَعا لأنفسهما مآزر ] ( تك3: 7) فعوض مجد الله وبساطة طبيعة آدم الأصلية صنعا لأنفسهما مآزر لأنهما تعروا من المجد كقول القديس مار أفرام فمخالفة الوصية صارت بمثابة انفصام رباط الحب بين المحبوب والمحب، وتخلي النعمة عن الإنسان، لأن هذا الرباط (رباط الحب) هو الذي كان يدعم النعمة الحافظة للإنسان ... |
||||
03 - 07 - 2014, 08:10 AM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
وبتخلي النعمة فقد الإنسان بساطته الأولى وميله الموحد نحو الخير، وسلمه لكل نسله، وانفتحت بصيرته على الشر، وفتح باب الاختيار بينهما، فانقسمت إرادته على ذاتها، وصار في حالة نزاع داخلي – دائم ومستمر – ينازع ما بين الخير والشر، أي بين طاعة الله ومخالفته !!! ووقع تحت وطأة الفساد الطبيعي الذي كان فيه بطبيعة تكوينه من تراب الأرض، وبدأ الصراع بين الروح والجسد فكلاهما يشتهي ضد الآخر...
وحينما أطاع مشورة الشيطان، تسلط عليه واستولى على إرادته واستعبده له، وأصبح مستحيلاً على الإنسان مهما جاهد وحده أن يتقدم خطوة واحدة نحو الحياة الأبدية ومعرفة الله وشركته الحلوة، نظراً لعجز النفس البشرية عن قيادة ذاتها نحو أمور أعلى من إمكانيتها وبدون معونة النعمة التي فقدتها بالسقوط، وصار البشر كلهم فاقدين النعمة وعراه من مجد الله، فمهما ما صنعوا من خير فهو ناقص لا يتعدى شكل قبر مبيضاً من الخارج وفي داخلة ما هو فاسد، لأن الإنسان يحاول أن يُمارس الفصيلة بدون نعمة الله ... وبالخطية أصبح الإنسان العاقل غير قادر أن ينفتح على الإلهيات بلا غيوم الشهوات كما كان، ومع ذلك مازال له القدرة على الفهم والإدراك، فخطية الإنسان لم تفقده إنسانيته ولم تجعل آدم غير عاقل، ولكنها عطلَّت قدرته الأولى الكاملة في التعقُّل التي كانت عاملة فيه بنعمة الله ... وصورة الله في الإنسان تشوهت وانطمست، ولكن تبقى ملامحها ذات سلطان، وهي عبارة عن طوق الإنسان واشتياقه إلى الله الحي، وسعيه المتواصل بكل قوته لاسترداد صورته الأولى !!! ويقول القديس إيرينيئوس : [ أما آدم فلكونه فقد طبيعته الأصلية وذهنه النقي بشبه الأطفال، وأتى إلى معرفة الخير والشر، لذلك طوَّق نفسه وامرأته بلجام العفة مقاوماً نزوة الجسد الجامح، خائفاً من الله ومتوقعاً مجيئه، وكأنه يقول : بما أنني قد فقدتُ بالعصيان ثوب القداسة الذي كان لي من الروح، فهاأنذا أعترف بحاجتي إلى مثل هذا الغطاء (الذي صنعه لنفسه ليكسي عُريه) الذي لا يهب الراحة ولكنه يلسع الجسد ويلهبه ] ( The Father of the Early Fathers, W.A. Jurgens, vol 1,p.93. ) |
||||
03 - 07 - 2014, 08:10 AM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
_______________
4 – مرض الإرادة المخدوعة بالحب أعطى الله الوصية لآدم لتأكيد حريته، ولتحقيق ذاته بالحب بطاعة المُحب الذي خلقه على صورته، ولكي تظهر صورة الله في الإنسان التي تدعو للإعجاب عندما يوجد ممارساً للفضيلة طوعاً بحريته ورغبته وحده بغير إكراه أو غصب، إذ أن الوصية صارت رابطة المحبة بين آدم والله، فهو يحفظ الوصية من أجل الله، ودوام حفظة له هو دليل لثبوته في المحبة وخضوعه لله ... ولكن المأساة حدثت بحسد إبليس : [ " بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم " ( حكمة2: 24 )، وكان سبب الحسد هو السعادة التي وُضع فيها آدم في الفردوس، لأن إبليس لم يستطع أن يتحمل ما كان يتمتع به الإنسان من امتيازات. فقد أثار حسده أن الإنسان، رغم أنه مصنوع من الطين، إلا أنه قد أُختير لكي يسكن الفردوس. لقد بدأ إبليس يفكر ملياً في كون الإنسان وهو مخلوق أقل شأناً منه، إلا أنه صار يصبو إلى الحياة الأبدية، بينما هو، وهو مخلوق ذو طبيعة سامية، قد سقط وصار جزءاً من هذا الكيان الساقط ] ( القديس أمبروسيوس St. Ambrose, Paradise 12, pp. 332-333 ) · ورغم من أن آدم أخذ وصية من الله لتحفظ حريته واختياره، فاختار أن يخضع للغواية وأخطأ بكامل حريته وبإرادته، وهكذا من بعده كل إنسان فعل نفس ذات الفعل باختياره: ( أنا الذي اختطفت لي قضية الموت ) ( القداس الإلهي ) فالإنسان تلقى وصية الله في روح المحبة، وكان لابدَّ من أن يستجيب للوصية بطاعة المحبة والثقة في الله المحبة، وكان عليه أن يفصل نفسه – بكل اختيار حرّ بالمحبة – ليس فقط عن الثمرة حسب الأمر الإلهي، ولكن عن كل شيء خارجي لكي يحيا مع الله ولله، ويسعى لوحدة حقيقية مع الله في شركة المحبة حسب هدف خلقته على صورة الله ومثاله ... |
||||
03 - 07 - 2014, 08:11 AM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: موضوع كامل عن خلق الإنسان وسقوطه وفدائه
ووصية الله تظهر له طريق الشركة مع الله في انسجام المحبين، ولكن الإنسان بكامل إرادته أختار الطريق المُضاد، وانفصل بكامل حريته عن الله، وخضع لغواية عدو كل خير، واتجه بكل قلبه نحو الخير الغير موجود، متسلطاً عليه الموت...
فالخطية هي مرض الإرادة المخدوعة – كما يقول القديس غرغوريوس النيصي، فالإنسان كان ميالاً – بالطبيعة – إلى معرفة الله ومحبته، ولكنه استطاع بسبب إرادته المخدوعة الانحراف نحو الخير غير الموجود !!! مع أن الوصية أعطاها له الله لكي تحفظ إرادته من الخداع... ونتيجة أتباع الضلال وعدم التمسك بوصية الله المحب: [ وسَمِعَا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط الجنة ] ( تك3: 8 ) فَقَدَ آدم – وكل إنسان – الدالة على مواجهة الله، فقد خالف آدم عهد المحبة ولم يحفظه باختياره الحرّ، وشعر بعريه فصار في خزي عظيم فلا يقدر على المواجهة !!! وهذا ما يظهر عملياً في حياتنا على المستوى الشخصي: حينما نهرب من الصلاة وقراءة كلمة الله والتناول – بحجة عدم الاستعداد وأحياناً بعدم الاستحقاق كما يدَّعي البعض، وعدم وجود الوقت، وبحجج لا تنتهي وفي غاية الإقناع – ونهرب ببراهين وإثباتات وهمية، وحينما نحاول أن نقترب من كلمة الله الحية في الكتاب المقدس أو سماعها من فم الآباء محبي المسيح، قد نشعر بثقل كلمة الله، ولا نريد أن نسمع كلمة الله في عمقها الحلو، وعمقها المؤدب للنفس، ونخضع لقوة فعلها وسلطانها المغير للنفس، لندخل في شركة حلوة مع الله بالحب وطاعة الوصية، وقد نهرب من الكلمة بالجدل العقلي والصراع على من هو على صواب ومن هو على خطأ (مين صح ومين غلط)، أو ندخل في نقاش فكري عقلي جدلي، لنهرب من طاعة الوصية ومعرفة الحق، لكي لا نحيا لله جدياً ونتلقف قوة النعمة، وأحياناً نتهور ونلتفت لموضوعات سطحية ونعلن احتياجنا عن الموضوعات الشبابية أو المسابقات أو الموضوعات الترفيهية ... الخ ، وكأن الروحيات شيء والشبابيات شيء والنفسيات شيء واللاهوتيات شيء آخر، وهيهات أن جُمعنا لأننا منقسمون على أنفسنا !!! وهذا كله – في واقع الأمر – انقسام في حياة الإنسان وتمزق مروع وانحراف رهيب وشلل لقدرات النفس الروحية والتحرك نحو الحسيات والنفسيات أي في النهاية كلها مجمل: الهروب من محضر الله والحياة معه، باختصار : ((((((( سمعت صوتك فخشيت ))))))) |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
جاء التجسد بمثابة الحل الوحيد لإنقاذ الإنسان وفدائه |
موضوع كامل عن الفِطريات |
موضوع كامل عن تاريخ علم التشريح |
موضوع كامل عن الحشرات |
موضوع كامل عن وثائق صلب يسوع |