ثالثًا: اللا طائفية وتعريفها
مقدمة:
بدأت الطوائف الأخرى في الستينيات تتخذ أسلوبًا آخر شديد الذكاء، حيث وجدوا أن الأكثرية لا زالوا يتبعون الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ووجدوا أنهم عندما يحتكون بالأرثوذكس يخسرونهم فبدأوا بتغيير أسلوبهم في الكلام تمامًا. فبدأوا يتكلمون عن "المسيح الواحد"، فيقولون: "كلنا مسيحنا واحد". ثم اتخذوا مبدأ هو "عدم مهاجمة الأرثوذكس مرة أخرى أبدًا، وحتى إذا هاجمنا الأرثوذكس لن نَرُد، فيكون ظاهرًا للجميع أننا الطائفة الأكثر أدبًا وأنهم الطائفة التي تُهاجِم وتُعادي". كانوا يريدون أن يضعوا الكنيسة الأرثوذكسية في مأزق، فالكنيسة الأرثوذكسية أم تخسر أبنائها وتريد أن تحافظ على أولادها، لذلك فهي دائمًا تكشف خداع تعاليم الطوائف الأخرىحتى تحافظ على أولادها. بينما الطوائف الأخرى اتخذت مظهر الحمل الوديع المسكين بقولهم: "نحن نحبكم! فلماذا لا تحبوننا أنتم"؟ يقولون ذلك وهم في منتهى البشاشة والابتسامة والترحيب والاهتمام الكبير!
ولكن هناك شيء مهم جدًا أريدكم أن تعرفوه، وما سأقوله لكم هو ما قاله نيافة الأنبا مكاريوس الأسقف العام حيث قال: "إذا كنا نشكر ربنا على الطوائف التي دخلت مصر، فنحن نفعل هذا من أجل شيء واحد فقط، وهو صحة الكنيسة القبطية"؛ لأن الكنيسة الأرثوذكسية أدركت أن الحل ليس في مهاجمة الطوائف الأخرى بالكلام على المنابر، بل الحل في البحث عن عوامل جَذْب أبناء الكنيسة القبطية للطوائف الأخرى. الطوائف الأخرى لديها درس كتاب قوي، فإذا لم نهتم في الكنيسة القبطية بدرس الكتاب القوي لن نستطيع أن نحافظ على أبناءنا. أيضًا كانت الناس تستمع إلى القنوات التليفزيونية الخاصة بالطوائف الأخرى مثل سات 7 والحياة والأمل، وكنا نحاول أن نمنع الناس من ذلك لكن دون جدوى.. كانوا يقولون "مش كله للمسيح؟!"، ولكن عندما أوجدنا قناة أغابي وقناة ctv ابتعد الناس عن مشاهدة ومتابعة القنوات الأخرى، لأنهم يفرحون بمشاهدة قداسة البابا والآباء الأساقفة فهم يحبون كنيستهم ويريدون أن يستمعوا لآباء كنيستهم.
نستطيع أن نمثل ما حدث للكنيسة نتيجة ظهور الطوائف الأخرى بما يحدث عند دخول الفيروس أو الميكروب جسم الإنسان، حيث يبدأ الجسم في عمل ما يُسَمَّى antibodies أو أجسام مضادة ليقاوم هذا الفيروس أو الميكروب فيكتسب الجسم بذلك مناعة وقوة. هذا ما حدث للكنيسة، فالحقيقة أن الطوائف كانت سببًا لصحوة الكنيسة،أصبح جميع الكهنة من خريجي مدارس الأحد، وجميع الكهنة يغيرون على شعبهم.. جميع الكهنة قاموا بدراسة العقيدة الصحيحة، والجميع يحفظون آيات من الكتاب المقدس ويمكنهم الرد على نِقاط الاختلاف مع الطوائف الأخرى. لم يعد الكهنة كالسابق، حيث كان الكاهن يحفظ القداس وفقط. بالطبع لا نستطيع أن نُقَلِّل من قداسة الأجيال التي سبقتنا، فآباء هذا الزمن السابق كانوا يتميزون بالقداسة وإن لم تتوافر لهم فرص الدراسة والعلم، لكن الأجيال التي جاءت بعد ذلك أصبحت مؤهلة أكثر للرد على الطوائف الأخرى بأسلوب ليس فيه هجوم أو اصطدام ولكن مجرد عَرْض للحقائق كما هو مُتَّبَع الآن. وماذا عن اللاطائفية؟ ما هي؟ ما تعريفها؟ هذا هو ما سنتكلم عنه الآن في نقاط سريعة..
اللاطائفية:
تطور الفكر البروتستانتي الإستراتيجي في الانتشار فبدأوا بإتباع طريقة جديدة في الانتشار تسمى "اللاطائفية".. تتمثَّل في الآتي:
يبدأ معك بأن يقول لك: "إياك أن تترك كنيستك، أو كهنتك، فنحن نحترم جميع الآباء الكهنة، ليس هذا فقط بل نحن أيضًا نحب أن نقرأ لقداسة البابا".. هذا حدث معي كثيرًا؛ فقبل أن أصبح كاهنًا قابلني أحدهم وسألني: "هل قرأت مقال قداسة البابا في وطني الأحد الماضي"؟ قلت له: "لا". فرد قائلًا: "أنا قرأتها". (يقصد أنه هو قرأها بينما أنا لم أقرأها!!) فلهم تكنيك معين في الكلام. فقال لي: "خليك في كنيستك مع الكهنة بتوعك، بس تعالى احضر اجتماعنا،؛ اجتماع روحي، مُعَزِّي، مُنْعِش". ما قاله معناه أن فكرتهم عن اجتماعاتنا أنها ليست فيها روحيات وتبعث على النوم -هذا هو ما قيل لي بالضبط- فقلت له: "وما هي السِّمة الثانية المُمَيِّزة لاجتماعاتكم؟" قال: "السِّمة الثانية هي أننا لا نتكلم في اجتماعاتنا عن أي نقطة خلاف بيننا وبينكم"!! وهذه السمة الثانية التي قالها في حد ذاتها نقطة خطيرة جدًا جدًا، لأنه معنى ذلك أنك في اجتماعاتهم لن تسمع عن أساسيات الإيمان الأرثوذكسي الصحيح.. فلن تسمع عندهم على سبيل المثال عن: الكهنوت، أو التناول، أو أي من القديسين الذين نحبهم ونتشفع بهم، أو المعمودية، أو الجهاد الروحي، كما لم تسمع عندهم عن "الأعمال" فنحن نختلف معهم في موضوع "الأعمال". إذا كنت في اجتماعاتهم لن تسمع عن كل هذا، إذن فأنت لن تسمع عندهم إلا تعليم بروتستانتي صِرْف. كل هذا تحت بند: "إن ما نختلف فيه معكم في العقيدة لا نتكلم فيه، نحن نجتمع في اسم المسيح الواحد، واسم المسيح كافي جدًا". طبعًا هذا الكلام خطير جدًا.
إذن سماتهم (الأسلوب الذي يتبعونه):
1) احذر من مهاجمة الكنيسة القبطية.
2) احذر من أن تقول للأرثوذكسي "لا تذهب إلى كنيستك".
3) ادعوه إلى اجتماعك ليسمع كلمة تعزية.
4) تحميل النفس عاطفيًا عن طريق الانفعال والتأثر العاطفي والنفسي بالموسيقى والترانيم والعظة الحماسية..
التأثير بالعظة الحماسية أي يقول لك: "نحن نتكلم عن اسم المسيح المُخَلِّص، نتكلم عن الدم، وسنظل نتكلم عن الدم ونقول ما لم تسمعه في كنيستك. في كنيستك يكلمونك عن مارجرجس، الأنبا بيشوي، أبو سيفين، الأمير تادرس. بينما نحن نكلمك عن المسيح نفسه، فالمسيح واضح عندنا، ولا نتكلم إلا عن المسيح لأن ليس بأحد غيره الخلاص. نحن من كثرة حُبنا في المسيح، لدينا احتفالية اسمها "الإفخارستيا": كل يوم في الكنيسة. فهل بهذا نكون ضد المسيح؟! لماذا تلصقون بنا تهمة أننا لسنا مع المسيح؟!"
لذلك عليك الحذر لأنه عندما يقول لك "لا تترك كنيستك بل احضر اجتماعنا ونحن لن نتكلم عن نقاط الاختلاف بيننا"، هنا هو يجردك من الهويَّة والشخصية الأرثوذكسية.
5) التركيز أيضًا على العاطفة من خلال الكلام عن الفضائل. مثل الكلام عن المحبة والتسامح والغفران، وهم بالفعل يقولون كلام جميل، ولكنهم لا يقولون كُل ما يجب أن يُقال.
ومن أقوال البابا شنودة عن الإنجيليين: "لا يصح أن نقول عنهم "إنجيليين" لأننا إنجيليين أكثر منهم، فنحن نأخذ الإنجيل كله، أما هم فيأخذون البعض ويتركون البعض الآخر". فمثلًا الآية التي تقول: "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ" (رسالة يعقوب 5: 14، 15) هل ينفذ الإنجيليين هذه الآية؟! هل يحمل القس البروتستانتي زيت في جيبه؟! بالطبع لا. بينما كل قس قبطي يحمل معه دائمًا زيت لأنه ينفذ كلام الإنجيل بالكامل. بينما البروتستانت يقولون أن هذه الآية رمز! كيف تكون رمز وهي آية في العهد الجديد؟! هكذا هم في مناقشاتهم لا تستطيع أن تأخذ منهم إجابة واضحة سليمة، ولكنهم يجردونك من أساسيات إيمانك الأرثوذكسي الصحيح.
6) العمل على نشر اجتماعات البيوت:
فمثلًا تقوم أحد السيدات بدعوة صديقاتها لشرب الشاي في منزلها، ثم تقترح عليهم قراءة الكتاب المقدس معًا وتكون قد رتبت وجود شخص لقراءة وتفسير الكتاب المقدس، معهم فيقولون بعض الترانيم معًا، ويقوم هذا الشخص بقراءة وتفسير الكتاب المقدس بطريقتهم. وعندما تجد هؤلاء الصديقات قد انجذبن لهذا الاجتماع، تقترح عليهم تكراره كل شهر، ثم كل أسبوع.. وهكذا.
لذلك الكنيسة القبطية متحفظة جدًا في موضوع اجتماعات البيوت، ما لم يكن هناك كاهنًا موثوق في منهجه العقيدي والإيماني حاضرًا هذا الاجتماع. غير ذلك تكون هذه الاجتماعات غير شرعية وغير مسموح بها من الكنيسة بالرغم من أن البعض قد يجد فيها تعزية لكن الحقيقة أنهم في هذه الاجتماعات يقولون ترانيم جميلة ويقولون تأمل جميل أيضًا في الكتاب المقدس، ولكنهم لا يذكرون أي شيء عن إيماننا الأرثوذكسي الصحيح الذي تسلمناه من آبائنا الرسل.
وأشهر صور اللاطائفية، جمعية ظهرت في مصر تُسَمَّى جمعية "خلاص النفوس" وكانت شهيرة جدًا. أتذكر أن أب اعترافي -بالطبع ذلك منذ زمن- أرسلني لأحضر أحد عظات هذه الجماعة وأكتب له تقرير عما يحدث في هذه الاجتماعات. بالفعل ذهبت وحضرت أحد هذه الاجتماعات ووجدت أن الواعظ قال عظة كان اسمها "الغطاء بالدم، احتمى بالدم"، وكانت العظة كلها عبارة عن كلام أجوف ليس له أي معنى، فكان الواعِظ طوال العظة يقول ويكرر جملة واحدة هي: "أدخل تحت غطاء الدم" وظل يكررها حوالي ساعة إلا ربع!!! ولكنه كان يفعل ذلك بطريقة انفعالية لدرجة أني وجدت الناس تبكي من الانفعال، ولم أفهم لماذا هذا البكاء!!! كنت أتساءل في نفسي هل العيب في الوعظ أم في الناس؟! فليس هناك مبرر لبكاء الناس! وبعد أن انتهى من عظته قال بالنص: "الذي قبل الخلاص هذا اليوم باسم الرب يسوع يرفع يده". فرفع الناس أيديهم وبدأ الواعظ يسلم على الناس فردًا فردًا وإعطائهم نبذة قائلًا لكل منهم: "مبروك الخلاص"!! ووجهة نظرهم أن هؤلاء الناس كانوا تائهين يقدمون البخور في كنائسهم والآن فتح الرب بصيرتهم، وتقابلوا مع المسيح!! كلام مُستفَذ وكلام مُتْعِب وكلام ليس لهُ معنى أو موقع من الإعراب!
الخُلاصة: اللاطائفية تعني التطور من مرحلة التصادم إلى مرحلة الاحتواء والاحتلال النفسي. الإحتلال النفسي بما بأقوالهم: "المسيح واحد.. لا نتكلم عن نقاط الاختلافات.. لا نريدك أن تترك كنيستك ولكن احضر اجتماعاتنا". والذي يذهب اجتماعاتهم 5 أو 6 مرات لا يعود إلى الكنيسة مرة أخرى! لماذا؟ هذا ما سأقوله لكم في النقطة التالية التي هي خطورة اللاطائفية.