04 - 04 - 2014, 04:29 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
الرهبنة الفردية أقوى من الرهبنة الجماعية
ولكن دعوني أتكلم في شيء من الصراحة فأقول أن الرهبنة كانت أقوي ما يمكن عندما كانت قائمة علي التفرد لا التجمع، وبنظره سريعة علي التاريخ سوف نكتشف أن ضعف الرهبنة وثيق الصلة بحب المقتنيات (زيادة الموارد) فعندما كان الراهب يحيا في مغارته بمفرده كان ينعم بخبرة روحية شخصية مع الله، يهتم به ويهيّئ له مائدته ويرفع عنه المخاطر ويسكب في قلبه التعزية. وأتذكر أن أحد أولئك المتوحدين اختير للأسقفية، وبعد مرور فتره من الزمن لاحظ أنه لا يجد تلك التعزية القديمة، فبكي سائلًا الله عن السبب، فقيل له "لما كنت في مغارتك في الصحراء لم يكن لك غيري وكنت أهتم بك، الآن قد أصبح هناك الكثيرين يهتمون بك"، ولذلك يقول مار أسحق "التعزيات البشرية تمنع التعزيات الإلهية".
كان الراهب يضع كل ثقته قي الله ويجعل عليه رجاؤه، وكان الله في المقابل يهتم به ويصبح مسئولًا عنه "لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمي" (مز14:91)
ولكن الأديرة الآن أصبح لها أسوار وقلالي مغلقة جيدًا بأقفال حديثة!! وأصبح هناك خفراء وأحيانا رجال شرطة.. وأتذكر أن القلالي قديمًا لم يكن لها أقفال بحيث إذا دخل لص فلن يجد ما يستحق السرقة!! وهذه علامة جيدة للراهب الحقيقي، عندما لا يكون له ما ُيجار عليه أو يظلم فيه!!
أحب في هذا السياق أن أقول أن الكنيسة عامة والرهبنة بشكل خاص ليست مؤسسة، ليست مشروعًا كنسيًا ولكنها حركة.. تيار movment. لقد ترك التلاميذ كل شيء وتبعوا الرب (لوقا11:5و28) ومن هنا فالرهبنة منهج إنجيلي، يسمع الراهب الصوت الإلهي.. أذهب وبع.. ويقال اتبعني (مرقس 21:10 ولوقا25:14-33) ويقول مار اسحق: "أن الإنسان الذي أقدم علي الرهبنة ولم يتغير أولًا ويكف عن اهتمام العالم وشهواته وملاذه فلن يستطيع أن يصير راهبًا ولن يبلغ الفضيلة ولن يمكنه كذلك أن يقفه أمام سهام العدو وهي شهوات النفس".
روي أحد الآباء القصة الرمزية التالية فقال:
طلب راهب بإلحاح من الله أن يرشده إلي بقعة يحيا فيها بعيدًا عن الناس، فأرشده إلي مكان منعزل فوق هضبة قي جبال لبنان، فصنع له كوخًا من فروع الأشجار وسكن فيه.. وما أن حل الشتاء حتى شعر بالبرد وتلفّت حوله من أعلي فلمح بعض أكواخ الرعاة، فنزل إليهم متوسلًا أن يعيروه غطاءا ففعلوا بفرح، فعاد إليهم بعد عدة أسابيع يشكو لهم من الفئران التي أتلفت الغطاء، فتأسفوا لذلك وأعطوه غطاءا آخر..
وتكرر الأمر، وعندئذ اقترحوا عليه أن يدع قطًا يعيش معه لعله الفئران تهابه! فوافق وحدث بالفعل أن تحولت عنه الفئران، ولكن ظهرت مشكلة أخري لم ينتبه لها ألا وهي طعام القط ذاته!، ومن ثم نزل إليهم طالبًا بعض اللبن ففعلوا وأعطوه، وكلما فرغ قسط اللبن حصل منهم علي غيره، وعادوا من جديد فاقترحوا عليه أن يعطوه شاة يحلبها كل صباح لكي يطعم القط الذي يطرد الفئران والتي كانت تتلف له الغطاء!
ولكنه نسي أن الشاه نفسها تحتاج إلي الطعام فطلب هو من الأعراب فأعطوه فأسًا وبعض البذور، وبدأ في استصلاح مساحة صغيرة من الأرض حوله لعله يحصل منها علي طعام الشاة المسكينة، والعجيب أن الأرض أعطت ثمرًا وفيرًا جدًا، مما شجعه علي استصلاح مساحة أكبر،ونجح مشروع الاستصلاح نجاحًا مذهلًا، فتحول إلي مشروع ضخم يضم مساحة شاسعة من الأرض وما يلزم المشروع من مبان وأجهزة مستوردة..
وجاء زائر ذات يوم ليطّلع علي منتجات (الشِركة!) وراح الراهب يرحب به كثيرًا وينتقل به من مكان إلى آخر، ويطلعه علي أنواع البقر المحلي والمهجن وعشرات الأنواع من الجبن ومنتجات الألبان الأخرى! ثم عاد أخيرًا إلي (مكتبه الفاخر!). ولما جلس الضيف تفحّص الراهب طويلًا ثمّ قال له: ألأجل هذا أتيت بك إلي هنا!! والذي حدث أن السيد المسيح كان يفتقده، بينما ظن الراهب أنه يستقبل مستورد كبير..
القصة رمزية طريفة.. ولكنها تبين كيف أن الإنسان كثيرًا ما ينحرف عن هدفه ليتسع أفقيًا، أو ليتحول الهدف الرئيسي إلي أهداف صغيرة متساوية!! وهكذا يبدأ شخص ما بالروح ثم يكمل بالجسد.
|