طفل يتحدى الجماهير
أبونا تادرس يعقوب
التقى وسيم بصديقه مارك، وكان وسيم يضع القبعة على رأسه بوضعٍ شاذٍ.
سأله مارك: لماذا ترتديها هكذا؟
- ولماذا لا؟ كل شباب اليوم يرتدونها هكذا.
- أنا أعرف أن الجزء الأمامي حمي العينين من الشمس، فلماذا تضعه نحو الخلف؟
- لا أعرف… إنما أعرف شيئًا واحدًا. لابد أن أسلك كبقية الشباب دون تفكير، لئلا أُحسب شاذًا.
- يليق بك أن تفكر، وتأخذ قراراتك من داخلك، لا من تصرفات الغير بلا وعي.
- أما تعرف قصة: "ملابس الإمبراطور الجديدة"؟
- لا، هل تخبرني عنها؟
في قديم الزمان كان يوجد إمبراطور مغرمًا بالملابس، أقام جناحًا خاصًا بالملابس بجوار عرشه اعتاد أن يترك العرش كل ساعة ليرتدي ثوبًا جديدًا، ولم يكن ينشغل الإمبراطور بأمر بلده واقتصاده واحتياجات شعبه ولا حتى بالجيش، فانهار اقتصاد البلد، وساء حال الشعب. لكن كان كثير من العظماء والنبلاء والأغنياء يأتون من أقاصي البلاد ليروا آخر "موديل" لثياب الملك التي كانت دائمًا حديثة.
طلب أخّان لديهما "نول" أن يلتقيا بالملك ليُقدما ثوبًا جديدًا فريدًا. ففرح الملك بلقائهما، وسألهما عن الثوب الذي يُقدمانه له، فأجابه أحدهما.
"سيدي جلالة الإمبراطور،
إننا سننسج الثوب على النول، ألوانه جميلة للغاية ورقيقة وفريدة. القماش خفيف جدًا مثل نسيج العنكبوت، لكنه قوي جدًا ويحتاج إلى مقص كبير.أما ما هو أعظم من هذا كله فإن هذا الثوب لا يستطيع أن يراه من كان غبيًا، وغير مناسب لعمله.
- كيف هذا؟
- سترى يا جلالة الإمبراطور بنفسك، فإنك تستطيع به أن تميز بين من هم مناسبين لأعمالهم ومن هم غير مناسبين.
- ومتى يمكنني أن أستلمه؟
- إنه يحتاج إلى مجهود مُضني وإلى أسابيع عمل متواصل. هذا بجانب تكلفته الضخمة جدًا… لكن ليس بغالٍ على سيدي جلالة الإمبراطور.
- هل تُحددون لي موعد استلامه؟
- من الصعب جدًا، لكننا نعدك أنه خلال أسابيع يكون مُعدًا لك.
فرح الإمبراطور جدًا، وقدم لهما ذهبًا كثيرًا لكي يبدأ العمل فورًا، فقد اشتاق أن يرى هذا الثوب الفريد في نوعه وإمكانياته.
إذ عبرت ثلاثة أسابيع اشتاق الإمبراطور أن يرى الثوب الملوكي الفريد، وإذ خجل أن يُظهر مشاعره سأل رئيس الوزراء أن يذهب إلى الأخين ويرى ما قد أتماه من نسجٍ للثوب.
ذهب رئيس الوزراء إلى الأخين حيث دخلا به إلى حجرة بها نول، وكان يعملان بكل اجتهاد. قال له أحدهما: "ألا ترى جمال الثوب؟" صمت رئيس الوزراء قليلاً، إذ كان يرى النول فارغًا... خشي أن يقول أنه لا يرى شيئًا فيُحسب غبيًّا ويطرده الإمبراطور من عمله لأنه غير أهلٍ للعمل.
بدأ يمدح رئيس الوزراء في جمال الثوب ورقته وإبداعه...
عاد رئيس الوزراء إلى الإمبراطور وصار يصف له جمال الثوب الفائق. أدرك الإمبراطور أن رئيس وزرائه أهلٌ للثقة، فقد استطاع أن يرى الثوب الملوكي.
التهب بالأكثر شوق الإمبراطور فأرسل رئيس البرلمان يطلب منه أن يتمتع برؤية الثوب الملوكي الجديد، وأن يقدم له تقريرًا عما تم عمله.
التقى رئيس البرلمان بالأخين وأبلغهما تقرير رئيس الوزراء عن عملهما الفائق، وكيف ان الإمبراطور يترقب سرعة الانتهاء من العمل. أجاباه أن ما سيراه لا يُقاس بالنسبة لما رآه رئيس الوزراء فقد ازداد الثوب جمالاً وإبداعًا.
دخل الرجل إلى الحجرة ليرى نولاً فارغًا، وكان الأخان يحركان النول بكل قوة...
خشي رئيس البرلمان أن يقول بأنه لا يرى شيئًا فيُطرد من مركزه، وتحسبه كل الجماهير أنه غير أهلٍ لمركزه.
عاد رئيس البرلمان يروي للإمبراطور عن جمال الثوب الجديد... فطار قلب الإمبراطور فرحًا.
بعد أسابيع ذهب الإمبراطور بنفسه يسألهما عن الثوب، فقالا: "تعال وانظر".
تطلع الإمبراطور إلى النول ولم يرَ شيئًا. ارتعب في داخله، وحسب نفسه قد انكشف أمام نفسه وأما غيره أنه غير أهلٍ للإمبراطورية. تظاهر الإمبراطور بابتسامة عريضة، وصار يمتدح الثوب...
تحرك الأخان وأمسكا بمقصٍ كبيرٍ وتظاهرا أنهما يقُصّان النسيج، ثم بدأ يخيطان الثوب الوهمي، والإمبراطور معجب جدًا بالعمل الفائق.
دفع الإمبراطور الكثير من الذهب...
جاء عيد جلوس الإمبراطور، وتقدم الأخان ليقوما بوضع الثوب على الإمبراطور.
خلع الإمبراطور ثيابه الخارجية، وبدأ الأخان يضعان الثوب الوهمي وكل رجال اقصر يظهرون دهشتهم لجمال الثوب، فقد خشي كل واحد منهم أن يعترف بأنه لا يرى شيئًا.
جلس الإمبراطور على العرش الذهبي، وانطلق وسط الجماهير التي كانت تصفق للإمبراطور بثوبه الجديد الذي يكشف قلوب الناس وقدراتهم... الكل يعلن إعجابه بالثوب الجميل الجديد...
طلب طفل من والده أن يحمله على ذراعه لكي يرى ثوب الإمبراطور...
سأل الطفل والده: "ماذا جرى للإمبراطور، إنه بملابسه الداخلية؟ ماذا جرى للجماهير... أين هو الثوب؟"
حاول الوالد أن يكتم فم الطفل، لكن صار الطفل يصرخ: "لتلبس ثوبك يا جلالة الإمبراطور". تزايد صراخه. عندئذ بدأت الجماهير تكتشف الحقيقة...
أدرك الإمبراطور ومن حوله الموقف...
هكذا استطاع الطفل أن يتحدى الجماهير والإمبراطور ورجال الدولة لينطق بالحق، ويرد الجميع إلى الحقيقة.
روحك القدوس الناري فليُنِر عيني،
فأرى الحق وأدركه وأشهد له!
لا يسحبني الناس إلى الباطل،
فأكون كسمكة ميتة تحركها الأمواج كيفما أرادت.
لأثبت فيك فأثبت في الحق.
لأرضيك ولا أُرضى الناس!