يوم الخمسين
عيد حلول الروح القدس المعزي
"ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنفس واحدة"
( أع 2 : 1 )
التفسير
جاء النص اليوناني يعني: "لما اكتمل يوم الخمسين"، أي لما بلغ الزمن إلى يوم الخمسين، أي بعد سبعة أسابيع حيث يأتي يوم الخمسين، ويسمى "عيد الأسابيع" (سبوعات) أو "عيد الباكورات" حيث يُقدم بكور القمح، يُحتفل به في اليوم الخمسين من أول يوم بعد عيد الفصح.
"كان الجميع معًا بنفسٍ واحدةٍ"، فقد حملوا غيرة متقدة نحو هدفٍ واحدٍ ورغبةٍ واحدةٍ، فكان الكل ملتهبين في الداخل نحو تحقيق وعد السيد المسيح بنوال قوة من الأعالي
" وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة ، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين " ( أع 2 : 2 )
كان التلاميذ يترقبون تحقيق الوعد الإلهي بحلول الروح القدس عليهم ليهبهم قوة من الأعالي، لكن يبدو أنهم لم يكونوا يتوقعون حلوله خلال هذه المظاهر،
لذلك كان الأمر مفاجئًا لهم: "وصار بغتة". تم الحلول هكذا لكي لا يفارق هذا الحدث أذهان التلاميذ، ولا يغرب عن عيني الكنيسة عبر كل الأجيال، لأنه حدث يمس كيانها كله ووجودها أو عدمه.
لم تكن ريحًا طبيعية، لكن صوتًا من السماء ملأ كل البيت، سمعه كل من في البيت، وأدركوا أنه من السماء. لعله كان صوت رعدٍ يبشر بالحضرة الإلهية.
" وظهرت لهم السنة منقسمة كانها من نار و استقرت على كل واحد منهم "
( أع 2 : 3 )
حل الروح القدس على التلاميذ في شكل ألسنة من نار. فقد تحقق قول القديس يوحنا المعمدان عن حمل الله أنه يعمد بالروح القدس ونار. هذه هي النار التي جاء السيد المسيح لكي يرسلها إلى البشر .
ظهر الروح القدس على شكل ألسنة نارية منقسمة على كل واحدٍ منهم، إشارة إلى ما يقدمه لهم من تنوع للألسنة واللغات حتى يتمكنوا من الكرازة بين الأمم، ولكي يدرك اليهود أن الله ليس إله العبرانيين وحدهم، إنما هو إله كل البشر، يتحدث مع كل أمةٍ بلغتها التي تتفاهم بها.
"استقرت على كل واحد منهم"، أي من الإثني عشر، إذ ارتاح في كيانهم الرسولي ليقيم منهم هيكلاً مقدسًا يسكن فيه (1 كو 3: 16)، يعمل فيهم وبهم، إذ صاروا منتسبين لله، مكرسين له وحده.
" وامتلأ الجميع من الروح القدس،وابتدأوا يتكلّمون بألسنة أخرى،
كما أعطاهم الروح أن ينطقوا "( أع 2 : 4 )
"وامتلأ الجميع من الروح القدس"، في المعمودية نتمتع بالملء من الروح القدس الذي يؤهلنا أن نكون أعضاء في جسد المسيح، وننعم بالبنوة للآب بالنعمة الإلهية.
بهذا الملء يصير لنا حق الشركة مع المسيح، والتمتع بحياته المقامة. هذا الملء الذي تمتع به الإثنا عشر تلميذًا بالروح القدس الواحد، يهب الكنيسة الوحدة، ليست وحدة مٌصطنعة، ولا تتحقق بمجرد تجمع الأشخاص أو الكنائس معًا،
ولا خلال الحوار المجرد، لكنها عمل إلهي، سرّ الشركة في المسيح الواحد. إنها خليقة جديدة، حيث يتمتع الكل بأبٍ واحدٍ وأمٍ واحدةٍ، وينعمون بملكوت الله الواحد في قلوب الكل، يختبرون الإنجيل الواحد.
الوحدة هنا هي عمل الروح القدس الذي يثبتنا في المسيح الواحد، فنترنم: "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه" (أف 5: 30).
"ابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا". وهم جليليون غالبيتهم لا يعرفون اليونانية إلا القليل، بدأوا يتكلمون بلغات أخرى كما وهبهم الروح القدس، "يتكلمون بألسنة جديدة". (مر 16: 17)
ماذا يعني التكلم بألسنة أخرى، أو بألسنة جديدة لم يكونوا بعد يعرفونها؟
أولاً: واضح أنهم تحدثوا بألسنة لم يتعلموها، لكن السامعين القادمين من أماكن متفرقة كانوا يسمعون كل واحدٍ لغته التي وُلد فيها. فهي لغات بشرية حقيقية مفهومة، وليست كلمات انفعالية غير مفهومة.
ثانيًا: أدرك الحاضرون إنها عطية الله للتلاميذ لا للاستعراض، وليست بلا هدف، وإنما لتأكيد أن باب الإيمان لم يعد قاصرًا على شعبٍ معينٍ أو على لسانٍ معينٍ، بل على جميع الشعوب والأمم والألسنة، فالخلاص مقدم للعالم كله.
ثالثًا: لم يكن اللسان خلال تعليم معين، وإنما هبة من الروح القدس، حتى يدرك المتكلم أنه إنما يتحدث بما يهبه الله له، وليس حسب خبرته البشرية ومعرفته القديمة.
أُعطي مع اللسان مادة الحديث، فلا يُستخدم اللسان إلاَّ في إعلان كلمة الله المقدمة من الروح القدس نفسه. يشعر المتكلم أنه أداة في يد الله، يعمل به لحساب ملكوته.