11- ولكن متى صار قلبه وكأنه قد ذبل، وكاد أن يكون قد عثر في كل تجارب العدو، فإن الله محب البشر والمعتنى بخليقته يرسل فيه قوة مقدسة، ويثبته، و]ُخضع قلبه وجسده وكل أعضائه إلى نير الباراقليط، لأنه هو قد قال "احملوا نيري عليكم، وتعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب" (مت9:11).
12- وهكذا يبدأ الله الرؤوف، أخيرًا يفتح أعين قلب (الإنسان)، لكي يفهم أن (الله) هو الذي يثبته، وحينئذ يبدأ الإنسان يتعلم بالحقيقة كيف يعطى مجدًا لله بكل تواضع وانسحاق قلب، كما يقول داود: "الذبيحة لله روح منسحق" (مز 17:51)، لأنه من صعوبة ذلك الجهاد، يتولد التواضع وانسحاق القلب والوداعة.
13- ومتى تجرب بكل هذه الأنواع، فإن الروح القدس يبدأ يعلن له الأشياء السمائية، أي كل ما يعود بالاستحقاق والعدل على القديسين، وعلى الذين وضعوا رجاءهم في رحمته وحينئذ يتفكر الإنسان في ذاته ويردد قول الرسول: "إن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو18:8)، وأيضًا قول داود: "ماذا لي في السماء ومعك كم من الأشياء أردتُ في الأرض؟" (مز25:73) ومعناه: يا رب كم أعددت لي في السماء؟ وأنا كم من الأشياء طلبت معك في الحياة الفانية؟ وهكذا أيضًا تعلن له العذابات التي تنال الخطاة، وأشياء أخرى كثيرة يفهمها كل رجل قديس بدون أن أذكره
14- وبعد هذا كله يقطع الباراقليط عهدًا مع نقاوة قلبه وثبات نفسه وقداسة جسده وتواضع روحه، فيجعله يتجاوز كل الخليقة، ويعمل فيه، بحيث أن فمه لا يتكلم بأعمال الناس وأنه يرى المستقيم بعينيه، ويضع حارسًا لفمه، ويرسم طريقًا مستقيمًا لخطواته، ويقتنى بر يديه أي (بر) أعماله، والمثابرة في الصلاة مع تعب الجسد والسهر المتكرر. ولكن هذه الأشياء يرتبها الباراقليط فيه بقياس وإفراز، وليس بتشويش، بل بهدوء.
15- ولكن إن تجاسرت روحه فقاومت ترتيب الروح القدس نفسه، فإن القوة التي وُضعت فيه تنسحب، وبذلك تتولد في قلبه محاربات واضطرابات، ثم تضايقه آلام الجسد في كل لحظة بمهاجمة العدو.