اجتماعات الهراطقة والمنشقين
لا يخدعن أحد نفسه بتفسير خاطئ لقول الرب (حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم) {مت 18: 20}.
فالمفسدون والمفسرون الكذبة للإنجيل يستشهدون بالكلمات الأخيرة ويتركون الكلمات الأولى، يستخدمون الآية الواحدة، يتذكرون جزء وبمهارة يطمسون الجزء الآخر، ولأنهم هم أنفسهم منفصلون عن الكنيسة، لذا يفصلون جزء جوهري من الآية، فكيف يمكن لاثنين أو ثلاثة أن يجتمعوا معا باسم المسيح، بينما هم منفصلون عن المسيح والإنجيل والكنيسة.. لأننا لم ننفصل عنهم بل هم الذين انفصلوا عنا، ونتيجة لانشقاقهم ظهرت البدع والأفكار الخاصة، وأقاموا لأنفسهم أماكن متعددة للاجتماعات وترويج الهرطقات.
هل يعتقدون أن المسيح يكون في وسطهم عندما يجتمعون في هذه الأماكن، بينما هم يجتمعون خارج كنيسة المسيح؟! لذلك فلنحذر منهم ونعرض عن اجتماعاتهم حتى لا ندع إبليس يفسد إيماننا ويبتلعنا.
ينبغي أن نتسلم الإيمان من الكنيسة بيت الإيمان الثابت التي هي وحدها تعمل في وحدة الإيمان الواحد، بعيدًا عن زلات الهراطقة وعناد المنشقين، ولا نقترب من أماكن المبتدعين لأنه يوجد بيت واحد للخلاص ولا خلاص لأحد خارجه، إذ ليس لنا نحن والهراطقة إله واحد، ولا رب واحد ولا كنيسة واحدة، ولا إيمان واحد، ولا جسد واحد، فليس بيننا وبينهم شيء مشترك.
وكيف يجرؤ أحد على حضور اجتماعات الهراطقة؟ من لا يشترك في عمل الكنيسة لا يشارك الروح القدس.. إذ حيث توجد الكنيسة يوجد روح الله، وحيث روح الله توجد الكنيسة وكل نوع من النعمة.
ويحذر القديس كيرلس الأورشليمي من حضور المنشقين فيقول (ليته لا يجتمع أحد مع أتباع ماني مهلكي النفوس)، (هوذا الكنيسة تنصحك وتخبرك عن هذه الأمور المملوءة وحلا حتى لا تتوحل) وهى دعوة لنميز مراعى التعليم، وننبذ المبتدعين ونبتعد عن هؤلاء الذين يبتعد الرب عنهم، ولنقل نحن أيضا بكل شجاعة إلى الله عن الهراطقة (ألا أبغض مبغضيك يا رب وأمقت مقاوميك) {مز 139: 21}، فلا يمكن أن نخالط المنشقين أو نذهب إلى قاعاتهم إذ ليس هناك صداقة مع الحية.
ولنستقي من ينبوع فردوس الكنيسة التي نشرب من مياها الحية التي تنبع إلى حياة أبدية، نتمسك بالتقاليد بلا دنس ولا نحرم أنفسنا من الشركة ولا ننفصل عن الأسرار الإلهية.
قد ينجذب بعض البسطاء أحيانا إلى الأساليب الناعمة، التي تدهش البعض وتسحرهم، كما استعمل سيمون الساحر سحره ليدهش الشعب فتبعه الصغير والكبير معتبرين أن ما يصنعه شيء عظيم، لكن بطرس الرسول انتهره قائلًا له (ليس لم نصيب ولا قرعة في هذا الأمر لان قلبك ليس مستقيما أمام الله) {أع 8: 9}.
ويعتبر التاريخ الكنسي أن سيمون رأس الهراطقة ومنشئ كل بدعة، لذلك لا شركة لنا مع غير المستقيمين الذين لا نصيب لهم، خلفاء الأخوة الكذبة {2كو 11: 26، غل 2: 4}، الذين أقلقوا سلام الكنيسة وقاوموا قانونية تعاليمها ببدعهم التي هي نتاج فكرهم البشرى، إذ ليس لهم المسيح الحق على شفاههم، لأنهم لا يحملونه في قلوبهم الباطلة، ينطقون بتعليم ويخفون ضده، عالمين أنهم لن ينجحوا في غوايتهم قط إن جاهروا بضد التعليم السليم، فيخفون الظلمة التي فيهم..
لذلك نهتم أن نجتمع لتقديم الشكر في الاجتماع الافخارستي، الذي فيه تضمحل قوى الشيطان، وتنحل قوته أمام اتفاق إيمان وتألف الوحدة، لان الإنسان خارج الهيكل يحرم من خبز الله، ومن لا يأتي إلى الاجتماع الافخارستي ويتكبر، يقطع نفسه من الشركة ومن الانتساب الروحي لله في كنيسته المقدسة.
كيف نذهب لنجتمع في قاعات ليست موضع للذبيحة وليس بها جرن معمودية وليس بها هيكل الله؟ تعالوا لنسمع كلمات القديس أغناطيوس الشهيد الأنطاكي الذي يقول (حيث يكون المسيح تكون الكنيسة) (أطيعوا الأسقف ملازمة المسيح لأبيه) (اتبعوا لفيف القساوسة مثل إتباعكم للرسل).
تلك النصائح الآبائية تدعونا أن نتمسك بكنيستنا الأم التي لا مكان للمبتدعين فيها، وإن نبتعد عن اجتماعاتهم التي تأخذ شكل المسيح، بينما غايتها الخفية هي مقاومة الكنيسة ومجد المبتدعين الذين يستأجرون القاعات ويعقدون اجتماعات غير شرعية ولا مطابقة لوصية الرب.
ولعلنا نسأل المنخدعين بتيار البدع الغريب كيف لا تطيعون الكنيسة؟ كيف لا تأتلفون مع بقية أعضاء الجسد؟ كيف تصنعون عملا بدون الأسقف والكهنة والشمامسة؟ كيف تتبعون خرافات مصطنعة وضعها منشق يتحدى وحدة الكنيسة ولا يبالى بسلامها؟ كيف لا تحذرون الذين يسبونكم بفلسفتهم؟
ويجب أن لا ندع عدم التقوى وعدم الإيمان الذي للمنخدعين يحركنا أو يزعجنا، بل على العكس يقوى إيماننا في ملء الحق، ولنحذر ن العميان قادة العميان ونبتعد عنهم ونتجنب الاتصال بهم، طالما هم خارج الكنيسة، لان مثل هؤلاء يصلون ويخطئون ويدانون من أنفسهم، وامتناعنا عن الشركة معهم وحضور اجتماعاتهم ليس كراهية لهم، إنما لعلاجهم.
بهذه الروح كتب البابا كيرلس الأول عمود الدين إلى نسطور المبتدع يؤكد له أنه يحبه أكثر من جميع من حوله، وإنه إن كان يخالفه في انحرافاته، فإنما ذلك لأجل خلاص نفسه وسلا الكنيسة، دون أن يحمل له عداء شخصيًا.
ولينتبه الذين خدعوا بسبب بساطتهم أو بسبب حيل المخادع المضل، ليحرروا أنفسهم من شباك الخداع، ويحرروا أقدامهم من الخطأ، ويعرفوا الطريق الحقيقي المستقيم المؤدى إلى الطريق السمائي، ولنتجنب كل من يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي تسلمناه {2 تسا 3: 46}، ولا يغرينا أحد بكلام باطل لان بهذا السبب يأتي غضب الله {أف 5: 6}.
ويحذرنا الرب من الذائب الخاطفة، الذين يغيرون شكلهم إلى شبه رجال الله، كالوحوش لها قرنان شبه الخراف.،وهم ذئاب ينطقون بتجاديف ضد الحق والاعتراف السليم بالإيمان.. هؤلاء هم الهراطقة الذين يظهرون لابسين العفة كزى للتقوى أما روحهم فمملوءة سما، وبهذا يخدعون البسطاء من الأخوة، فلنبتعد عن هؤلاء المخالفين الذين يرفضون الكنيسة التي لا خلاص لأحد خارجها، ولنرفض اجتماعاتهم الهرطوقية..
يجب أن لا نخالط هؤلاء الذين ينكرون الكنيسة ولا يتمتعون بالأسرار ولا يتلذذون بالليتروجيا ولا يداومون على التوبة والجهاد القانوني مبتعدين عن الروحانية الأرثوذكسية، مدعين أنه يوجد خلاص بالمسيح من غير الكنيسة (خارج الكنيسة)، فهل يمكن أن نجتنى من الشوك عنبا؟!!! أو من الحسك تينا؟!!! لا تقدر الشجرة الرديئة أن تصنع أثمارا جيدة، وما الشوك والحسك إلا الهراطقة المبتدعين الذين يحملون الأشواك من كل جانب، يعملون لحساب ذواتهم ولخدمة الشياطين مملوئين بالمخاطر من كل ناحية، مثل هذا الشوك والحسك لا يقدم للكنيسة ثمارا.. ولا يوجد فيهم أي جزء من الحلاوة، بل كل ما هو مر ومن سماته الانقسام، فالتين لا ينمو من الأشواك والعليق لا ينتج عنبا.