يتحدَّث القديس ميثوديوس بعد ذلك عن المراحِل التي أعدَّها الله لنمو الإنسان في طريق الكمال، ويرى أنَّ البتولية ”نبتة من السماء Plant from Heaven“،
لذا لم تُعلن للأجيال البشرية الأولى، لأنَّ الجِنْس البشري كان ضئيلًا في العدد، وكان لابد له أن يزيد وينمو حتّى تمتلئ الأرض، لذلك كان الرِجال في الأزمنة القديمة يعتبرون اتخاذهم من أخواتِهِم زوجات لهم أمرًا عاديًا، حتّى فرَّقت الشريعة بينهم وأعلنت أنَّ هذه خطية، ولعنت كلّ من ”يُعرِّي عورة“ أخته،
ويُشبِّه ميثوديوس عمل الله مع البشرية ورحمته الواسعة بها بعمل الوالدين مع أبنائِهِما وتربيتهِما لهم، فالوالدان يترُكان أولادِهِما في فترة طفولتهم يلهون ويلعبون، ثم يُرسلانهم إلى مُعلَّمين حتّى يُلقوا عنهم ” ثوب العقل الصبياني“ ويمضون قُدُمًا نحو ما هو أعظم ثم يتقدَّموا بعد ذلك إلى ثبات أعظم،
وهكذا فَعَلْ الله مع أجدادنا، فعندما لم يكُن العالم قد امتلأ بعد بالناس كان مثل طفل، وكان أمرًا ضروريًا أن يمتلئ أولًا بهم ثم ينمو بعد ذلك إلى الرجولة، وبعد أن امتلأ فِعلًا بهم، نقل الله البشرية إلى مرحلة أخرى، فمنع زواج الأخوات وأمر بالزواج من عائلات أخرى، ثم كانت المرحلة التالية أن يتركوا تعدُّد الزوجات ويكون لكلّ رجُل زوجة واحدة فقط ولا يفعلوا مثل الحيوانات التي تُولد من أجل زيادة النوع فقط، ثم نقلهم لمرحلة أخرى أن يبتعدوا عن الزِنا ثم أن يسلكوا بعِفة وطهارة، ثم يتقدَّمون من العِفة إلى البتولية، وعندما يُدرِبون أنفسهم على قمع الجسد واستعباده ”يبحرون بلا خوف نحو سماء الأبدية المملؤة سلامًا“.
بعد أن تحدَّث ميثوديوس عن مراحِل نمو البشرية في طريق الكمال، بدأ يتحدَّث عن الكمال نفسه الذي هو البتولية، وطرح سؤالًا: ”لماذا لم يُعلِّم أو يمدح أيًّا من البطاركة (أي رؤساء الآباء) أو الأنبياء أو الرِجال الأبرار – الذين علَّموا وعملوا الكثير من الأعمال والأشياء الصَّالِحة – البتولية أو اختارها حياة له“.