منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25 - 04 - 2014, 08:51 AM   رقم المشاركة : ( 11 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 50
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,691

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب نحو التوبة

حالة الخطيئة

إنَّ الإخفاق الذي يُصيبنا في مسيرتنا اليوميَّة الحياتيَّة والذي نُعرِّفه بأنه « الخطيئة » ليس ختام الأمر. فمن منَّا لم يُخطِئ؛ [ ليس أحد بلا خطيئة ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض ] هكذا نُصلِّي في القُدَّاس. ولكن الخطر الحقيقي الذي يُحْدِق بنا هو البقاء في حالة الخطيئة، أن يصير الإخفاق موقفًا يوميًّا مُتكرِّرًا وكأنه عقيدة نعتنقها، والأخطر من ذلك أن تصير الخطيئة غير مُبَكِّتة لضمائرنا ولا مؤلمة لقلوبنا. إن مثل تلك الحالة هي توقُّف واعٍ عن الحِراك اليومي ضدّ الشهوة والضعف والانكسار، إنها توقُّف عن حركة التوبة وما يصاحب ذلك بالضرورة من التلذُّذ بالشهوة والتحالف معها تجنبًا لخوض حربٍ ضدّها!! إذ قد يصاحب تلك الحرب بعض الخسائر ممَّا نحبّه ونرتبط به، وهذا هو الهاجس الذي يجعل الكثيرين يهربون من ميدان المعركة. إنه الخوف من خسارة ما قد ارتبطوا به في الحياة، بل وظنُّوه ضرورة من ضرورات الحياة. وهذا يؤدِّي إلى توقُّف الخاطِئ عن الحياة، إذ يجتاز مرحلة الموت الروحي على غِرار الموت الاكلينيكي الذي يمرُّ به بعض المرضَى، فيصبحون أقرب للموت منهم للحياة. والموت الروحي هو حالة من الجفاف الكياني الداخلي، تجف فيها ينابيع الدماء النقيَّة التي تَمِدّ قلب الإنسان الجديد، المولود من الماء والروح، بالوجود الروحي. نتيجة فقدان الصلة مع نبع الحياة، يسوع المُخلِّص.

ويؤكِّد القديس يوحنا ذهبي الفم في رسالته إلى ثيؤدوروس على أن خسارة السقوط أقل ضررًا من حالة السقوط، إذ يقول:

سقــوط الإنســان لـيس بالأمــر المُحــــزِن

كمثـل بقائـه طويـلاً في هـذا السقـوط

ويضيف في نفس الرسالة قائلاً:

أن تـُخطِئ فهـذا ضعـف بشـري،

أمـا أن تستمـر في الخطيئـة،

فلـم يعـد الأمـر بشريــًّا بل شيطانيــًّا

وأيضًا القديس مرقس الناسك، يكتب لنا في مقالته عن سبب الدينونة الحقيقي، قائلاً:

نحـن لا نُـدان بسـبب تعدياتنـا الكـثيرة،

بل بسـبب رفضنـا التـوبـة

فلا ريب أنَّ الإنسان الذي استوطن الخطيئة وتحوَّلت الخطيئة في حياته من موقفٍ عارضٍ إلى حالةٍ مستديمةٍ، يتحوَّل إلى روحًا تائهة بلا رجاء ولا بصيرة ولا هدف أعلى وأسمى يجتذبه خارج دائرة الملذَّات التي يغوص فيها طَواعِيَة. هنا ويأتي الشيطان ليُقيم عشاءه على جدران هذا القلب الشاحب، الرازح تحت ثِقَل الخطيئة. فيصير ذلك الإنسان مَسْكنًا للظلمة، التي تتكثــَّف وتتكثــَّف حتّى تصل به إلى العمَى الروحي الكامل، وهو ما وصفه القديس بولس قائلاً: « الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تُضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح » (2كو4: 4).

فحينما يخبو نور الرجاء في القلب، يتحجَّر ويصير مذبحًا تُقدِّم عليه الشياطين مختلف أنواع الذبائح النجسة. ويجد الخاطِئ نفسه في قبر الشهوة مُقيَّد، أسير للخطيئة والتعدي، محرومًا من الحق في الرجاء إذ أن الظلمة قد سلبته أبسط حقوقه ألا وهي التفكير وتقرير المصير.

ومن خلال إدراك الشيطان لخطورة الرجاء على مملكته المترامية الأطراف، لم يهتم الشيطان بالخطيئة قدر اهتمامه بنفسيَّة الخاطِئ. فالشيطان بعد أن يُسقِط الإنسان في التعدي، يبدأ بممارسة دوره الأخطر، وهو غلق باب الرجاء أمام الخاطِئ. يبدأ في إقناع النفس بدهائه الأسود أن نور الحياة لا يمكن له أن يسكن مرّة أخرى في جسد سكنته الخطيئة يومًا، وأن الله القدوس لن يستمع من جديد لصلوات خاطِئ قد داس دم العهد وازدرى بالنعمة وأنكر ابن الله بالشهوة. وحينما ينجح في إقناع النفس باستحالة العودة، أو على الأقل بصعوبتها، يتهلَّل، لأنه قد أسقط النفس في أخطر خطيئة قد سبق وحذرنا منها الرب؛ إنها التجديف على الروح القدس. « لذلك أقول لكم كلّ خطيَّة وتجديف يُغفَر للناس وأما التجديف على الروح فلن يُغفَر للناس » (مت12: 31).

والتجديف على الروح القدس هو بالأساس عدم الإيمان بقدرته على تغيير وضع الإنسان، من كائن قد ثقَّلته الظلمة لتقوده نحو الهاوية التي تجتذبه بقوَّة جذب الخطيئة، إلى كائن قادر أن يتحرَّر وينفض عن نفسه غبار الخطيئة ويُغيِّر مسيرته صوب ملكوت التائبين. وحينما يفقد الإنسان ثقته في الروح القدس، يفقد تِبعًا لذلك، المُعين الوحيد القادر أن ينتشله من تلك الحفرة التي سقط فيها، فيبقَى وحيدًا تتطاير حوله طيور اليأس لتصل به إلى ميناء الموت، وسط شماتة الشيطان، الذي استطاع أن يخدع النفس ويحجب عنها نور الرجاء بل وقوَّة الرجاء.

وعن التجديف على الروح القدس يكتب القديس أغسطينوس (NPNF; vol. v, sermon 21 ) فيقول:

القلب غير التائب ينطق بكلمة ضدّ الروح القدس،

ضدّ هذه العطيَّة المجانيَّة، وضدّ النعمة الإلهيَّة.

عدم التوبة هو التجديف على الروح القدس

الذي لن يُغفَر لا في هذا العالم ولا في الآتي.

لذا فعمل الشيطان الأخطر، هو هدم ذلك الجسر الذهبي (عمل الروح القدس) الذي يَصِل بين قلوبنا المُنهكة في صِراع الأرض، وقلب الله الفائض بالمعونة. وهو ما نجح فيه مع يهوذا حينما هوَّل من قدر خطيئته مُستصْغِرًا قدرة الروح القدس على غسله من تلك الخطيئة، فكانت حبال اليأس هي مشورة الشيطان له، وقَبِلها، ومات في خطيئته. بينما يتألم قلب الله على إنسانٍ لم يثق في الروح ولم يستند على النعمة ولم يتمسَّك بالرجاء، فجرفه التيار نحو مصير الخطاة والمُجدِّفين على روح الله!!

لقد كتب أحدهم :

اليـأس هو كلمـة جوفـاء لا معنـَى لهـا،

لمـن لـه قلـب فتـيّ ونفـس خالـدة وإلـه يحبّـه

فكيف لك أن تيأس ولك إله جوهره الحبّ وكلماته روح وحياة وحركته دائمًا إلى أسفل نحو الإنسان. كيف تسمح لهذا الشعور أن يتسلَّل إليك في لحظات الخطيئة والضعف، وأنت تحفظ عن ظهر قلب كلمات ميخا النبي الذي تبنَّى صوت النفس الساقطة ولكن المُتشبِّثة بالرجاء، قائلاً: « لا تشمتي بي يا عدوتي، إذا سقطت أقوم، إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي » (مي7: 8). كيف تستسلم للظلمة وأنت تَعلَم أن النور قريب منك، أقرب إليك من النَفَس الذي تتنفسه. كيف تُلقي سلاحك في المعركة وأنت تُدْرِك أن هناك حشدٌ من الخدَّام الملتهبين نارًا سيدافعون عنك إن رفعت عينيك إلى السماء، وأطلقت أنـَّات قلبك القادرة أن تُزلزل قلب الآب السماوي المُنتظِر دعوتك له، ليقود الحرب بدلاً منك، ويكون لك تُرس خلاص وصخرة ملجأ وحصن حماية.

كيف تيأس وأنت تقرأ عن المرأة الخاطئة التي عرفت موضع أقدام يسوع وسكبت دموع أشواقها عليها، فغفر لها تاريخ هذا طوله في الخطيئة!!

وها هو القديس يوحنا ذهبي الفم يؤكِّد لك عن فاعليَّة تلك الدموع الخارجة من مُقْلَة الرجاء، قائلاً:

الدمـوع المُقدَّسـة هي بـذار الفـرح الدائـم الذي لا يـزول

هـكذا صـارت الخاطئـة مُكرَّمـة أفضـل من العـذارى،

لمَّا تمسكـت بهـذه النـار



لمـَّا امتـلأت بحـرارة التوبـة

صـارت محمولـة خـارج نفسهـا بلهفـة محبّتهـا للمسيـح

فحلَّـت شعرهـا وبلَّلـت قدميـه الطاهـرتين بدمـوعها

ومسحتهمـا بضفائرهـا،

هذه ثمـار خارجيـَّة

أمـا ما جـرى في قلبهـا فكـان أكـثر حـرارة من هذا،

أمـور لا يقـدر أحـد على معاينتهـا سـوى الله.

إن كنت تسمع عن حرارة الروح التي كانت تشتعل في قلوب القديسين ويجرفك الشوق لتلك الخبرة مُبتغيًّا تلك النار المُطهِّرة، ولكن واقعك ملفوف في أكفان باردة موسومة بالضعف والانهزام، لا تيأس .. فدموع التوبة قادرة أن تُعيد الحياة لقلبك الذي سكنته البرودة دهرًا، فتتذوق جمال حرارة الروح التي تشعلها النعمة، حينما تختبر (النعمة) مصداقيَّة دموعك.

يقول الأب يوحنا السينائي في كتابه (السُلَّم إلى الله / الدرجة الخامسة):

لا شـيء يسـاوي رأفـات إلهنـا أو يفوقهـا،

لذلك فإن الذي ييـأس يقتـل نفسـه بنفسـه.

عليك من الآن فصاعدًا أن تحذف كلمة اليأس من قاموس حياتك، فطالما تَدبُّ الحياة في جسدك، هناك رجاء .. هناك قيامة .. هناك تجدُّد .. هناك دائمًا إله يترقب عودتك مهما كانت حالتك.

وها هو القديس غريغوريوس النزينزي في عظته (عن الظهور الإلهي) يترجاك قائلاً:

ليتـك تسقـط في أحضـان التوبـة بـدلاً من أحضـان اليـأس

ما بين سقطتين

إن جهادنا في البدايات الروحيَّة يتلخَّص في عمليْن أساسييْن وهما:

محاولة تقليص المسافة الزمنيَّة بين توبتين، وبالتالي إطالة المسافة الزمنيَّة بين سقطتين.
محاولة الاهتمام بالخطايا الصغيرة والتي يبدو أنها سقطات فرعيَّة يمكن التخلُّص منها في أي وقت.
من الأخطار التي تُحْدِق بمن يبدأون في الحياة الروحيَّة أنهم حالما يسقطون بضع مرات في الخطيئة يظنون أن ذلك الأمر هو نهاية المطاف، وأن الحياة الروحيَّة أبعد ما تكون عن متناول أيديهم التي عانقت العالم من قبل!!

لذا فإن أول ما يجب أن يحرص عليه من يخطو أولى خطوات الحياة مع الله، مرتديًّا عباءة التوبة، هو أن يحاول أن يُسْرِع بالتوبة كلما سقط، ولا ينصت لشكاية الشيطان الذي يريد أن يجعله يتمادَى في الخطيئة، زاعمًا أن الوقوف أمام الله هو من نصيب الملتزمين سلوكيًّا وأخلاقيًّا، والذين لم يسقطوا من قبل!! وذلك لأن خوف الشيطان الأكبر هو أن تكون فترات تواجد الخاطِئ في حالة التوبة، أكبر من فترات تواجده في حالة الخطيئة. ولكن إن فَطِن الخاطِئ بأن أقوى وسيلة للردّ على الخطيئة هي الإسراع بالتوبة، سيجد الشيطان أن زمن التوبة في حياة الشخص يُمثــِّل الجانب الأكبر من حياته بالرغم من تعدُّد سقطاته وهو ما يَحصُد لذلك التائب أكاليل لا تُحصَى!!

لذا لا تتوانَى أن تنهض للصلاة والاقرار بالخطيئة والضعف، وإن كانت رائحة الخطيئة لم تبرح من ثيابك بعد!!

نقرأ في بستان الرهبان عن تلك القِصَّة الرائعة عن عِناد الرجاء رغم السقوط، ما يلي:

قيل عن أخٍ كان ساكنًا في ديرٍ

إنه من شدة القتال كان يسقط مرارًا كثيرةً.

فمكث يُكرِه نفسَه ويصبر كيلا يترك إسكيم الرهبنة،

وكان يصنع قانونَه وسواعيه بحرصٍ، ويقول في صلاتهِ:

«يا ربُّ أنت ترى شدة حالي وشدة حزني،

فانتشلني يا ربُّ إن شئتُ أنا أم لم أشأ،

لأني مثل الطين، أشتاقُ وأحبُّ الخطيَّة،

ولكن أنت الإله الجبار اكففني عن هذا النجس،

لأنك إن كنتَ إنما ترحم القديسين فقط

فليس هذا بعجيبٍ،

وإن كنتَ إنما تخلِّص الأطهار فما الحاجة،

لأن أولئك مستحقون،

ولكن فـيَّ أنا غير المستحق يا سيدي أرِ عجب رحمتك

لأني إليك أسلمتُ نفسي».

وهذا ما كان يقوله كلَّ يومٍ، أخطأ أو لم يخطِئ،

فلمَّا كان ذات يوم، وهو دائمٌ في هذه الصلاة،

أن ضجرَ الشيطانُ من حُسن رجائهِ ووقاحتهِ المحمودة،

فظهر له وجهًا لوجه وهو يرتل مزاميره، وقال له:

«أما تخزَى أن تقف بين يدي الله بالجُملةِ

وتسمي اسمَه بفمِك النجس»؟

فقال له الأخ: «ألستَ أنت تضربُ مرزبةً وأنا أضربُ مرزبةً؟

أنت توقعني في الخطيَّة،

وأنا أطلب من الله الرحوم أن يتحنن عليَّ،

فأنا أضاربك على هذا الصراع حتّى يدركني الموتُ.

ولا أقطع رجائي من إلهي، ولا أكف من الاستعداد لك،

وستنظر من يغلب: أنت أو رحمة الله».

فلما سمع الشيطانُ كلامَه قال:

«من الآن لا أعود إلى قتالك،

لئلا أُسبِّب لك أكاليل في رجائك بإلهك».

وتنحَّى الشيطان عنه من ذلك اليوم.

على الجانب الآخر، نجد أن أحد الأخطار التي تُعطِّل توبتنا أننا في الكثير من الأحيان نَحْصُر اهتمامنا ونشحذ جهودنا للخطايا الكبيرة فقط، والتي يبدو ظاهريًّا أنها سبب التعثــُّر الروحي الذي نعاني منه، غير مُدْركين أن الخطايا الصغيرة والمتراكمة قد تكون أكثر ضررًا على مسيرتنا الروحيَّة من أي شيء آخر. لذا يكتب الكاتب الإنجليزي سي إس لويس C.S.Lewis في كتابه (رسائل خُربُر) بلسان خُربُر (الشيطان الكبير الناضج في الشر) الذي ينصح ابن أخيه عَلقَم (الشيطان المبتدِئ في حروب البشر) عن كيفيَّة إسقاط البشر، قائلاً:

لا يهمّ كم تكون الخطايا صغيرة

ما دام مجموع تأثيراتها يضمن إبعاد الإنسان عن النور

وإخراجه إلى اللاشيء



إنَّ أضمن طريق إلى جهنم هو الطريق التدريجي،

ذلك المُنحدَر اللطيف، الليِّن تحت الأقدام،

الخالي من المنعطفات المفاجئة،

ومن المعالم الهادية واللافتات الموجِّهة.

لذا فإن أحد ألقاب الشيطان هو [ فتَّال حبال ]، إذ أنه يَخْرُج بالإنسان عن غايته رويدًا رويدًا دون أن يشعر بذلك، وهو يعتمد في ذلك على عامليْن وهما:

(1) طول الزمن

(2) تحويل مسار التوبة لتُركِّز على الخطايا الكبيرة، والتي غالبًا ما تكون أعراضًا لمرضٍ داخليٍّ في القلب، قد نشأ نتيجة تراكمات من الخطايا الصغيرة.

لذا فقد حذَّر الكتاب ممّا أسماه « الثعالب الصِغار المُفسِْدة للكروم » (نش2: 15)، إذ أن خطورتها تَكْمُن في عدم انتباهنا لها وبالتالي عدم توخينا الحذر من النتائج التي قد تنتج عنها. لذا فإن التوبة هي وعي بالخطيئة كجدار يفصل بين الإنسان والله سواء كان هذا الجدار مرتفعًا أم لا. ولكنه يبقَى جدارًا يحتاج إلى هدمٍ بمِعْوَل التوبة.
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 04 - 2014, 08:52 AM   رقم المشاركة : ( 12 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 50
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,691

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب نحو التوبة

نور الرجاء


إن دور الروح القدس في التوبة هو أنه يبدأ في إرسال إشارات لذلك الإنسان الذي يحاول الشيطان أن يُخفي عنه حقيقة الرجاء. وتلك الإشارات قد تتخذ أشكالاً وأنماطًا مُتعدِّدة. ولكنك دائمًا ستجدها تُردِّد في داخل قلبك تلك الكلمات:

أنت محبّوب منذ الأزل ..

أنت ثمين بقيمة الدم الذي سُفِك من أجلك ..

أنت ابنٌ للنور ..

أنت وليد القيامة ..

أنت مخلوق للأبديَّة ..

أنت الصورة البهيَّة لله على الأرض.

انهض متمسكًا بالرجاء في الرب،

انْحَنِ أمام روح الحق،

اقبل مشورته من أجل التوبة،

تواضع تحت يد الرب،

حتّى تحملك يداه وتمسكك يمينه المُمَجَّدة بالقوَّة.

وهكذا تجد النفس أنَّ أشعة الرجاء تعود مرّة أخرى بعد الادَّعَائات الكاذبة التي كان يخفي بها الشيطان، عن النفس، حقيقة الرجاء، تلك الحقيقة القادرة أن تذيب قيود الخطيئة كما تذيب الشمس ذرات الجليد المُتجمِّدة على أطراف أوراق الشجر، وقت الشروق.

ويبدأ الروح القدس يُنْعِش ذاكرة الإنسان الروحيَّة، من خلال الخبرات التي دوَّنها التاريخ المسيحي عن خطاة تحرروا من قبور الشهوة وانطلقوا في مراعي الروح نحو شمس الحياة السرمدي.

فمن ذا الذي طرق أبواب مراحم إلهنا الحنون، وتركه خارجًا يعاني من الخوف والوحدة ..

من ذا الذي تضرَّع فلم يجد أجناد ملائكة من نور يحشدها الرب ليدافع بها عن تلك النفس الواحدة التي لا يعبأ بها أحد ..

من ذا الذي تحرَّك في قلبه الشوق والحنين إلى الله، ولم يبادله الله الشوق أضعافًا مُضَاعَفة ..

من ذا الذي رفع جرحه الدامي ـ الذي انجرح به في معركة الحياة ـ إلى العلاء يترجَّى الطبيب الأعظم، ولم يجد شمس البرّ يحمل له الشفاء على جناحيه (ملا4: 2) ..

من ذا الذي أطلق صراخه إلى السماء « يارب إلى من نذهب، كلام الحياة الأبديَّة عندك؟ » (يو6: 68) ولم يجد مسكن الرب مُعدًّا ووليمة الرب مُهيَّأة وكلمات الحياة سابحةً إليه، لتستقر على قلبه ..

من ذا الذي عاد من كورة الخنازير بعد أن بدَّد ميراثه، إلاّ ويجد وجه الآب يُلاقيه بلهفة الشوق على قارعة الطريق، ليأخذ بيده ويُجلِسه على مائدة الغفران ويُعيد إليه خاتم البنوَّة ..

من ذا الذي لمس هُدْب ثوب الرب، ولم تسرِ فيه قوَّة لطرد النجاسات إلى خارج ..

من ذا الذي انطرح على أقدام الرب، وهو مُدَان من العالم ومجروح من الجميع، إلاّ ويجد الرب يُدافع عنه ويُبكِّت دائنيه، بل ويُطلقه بغفران وسلام وقوَّة ومعونة ..

من ذا الذي يتفكَّر في هول الخطيئة، ويتناسَى أن هناك بحر النسيان الإلهي حيث تُطرَحُ الخطايا والآثام ولا تعود مرّة أخرى، لأن الرب قد سُرَّ بطرحها ..

من ذا الذي يتخبط في عماه الروحي، إلاّ ويجد يديْ الرب تخلق له بصيرة جديدة، فيبصر بالإيمان ما لم يبصره يومًا بالعيان ..

حقًا من ذا الذي يحبّ الرب أكثر ممَّا يحبّه الرب.

إن الكنيسة قد رصدت لنا نماذج لخطاة كانوا قد احترفوا الخطيئة، ولكنهم بالرجاء والثقة في الرب والاستسلام الكامل لمشورة الروح القدس، قد صاروا قدوة حيَّة تشهد أن الخطيئة ليست عائقًا طالما يتبعها توبة، بل إن الروح قد يستخدمها لإشعال توبة أشدّ حرارة وقيامة أشدّ رسوخًا.

لذا يقول يوحنا السينائي:

(لقد) طوَّبتُ الذين سقطوا وناحوا

أكثر من الذين ما سقطوا ولا ناحوا

ولعلنا نجد في سيرة موسى اللصّ وأغسطينوس الفيلسوف ومريم المصريَّة وتاييس الخاطئة، نماذج لقوَّة التوبة وقدرتها أن تجوز بالنفس جبال الخطيئة مهما تعالت، وتقتلع جذور الشر مهما توغَّلت في قلب الإنسان. وهنا شهادتنا ليست شهادة لقدرات بشريَّة خاصة أو مَلَكَات تميَّز بها هؤلاء عنَّا، ولكنها شهادة على قدرة الروح القدس غير المحدودة على انتزاع جديان اليسار وتحويلهم إلى حملان يجلسون عن يمين الآب. كما أن تلك الشهادة تمتد لتشهد لنا عن باب إلهي لا يُغلَق أبدًا في وجه طالبيه. تشهد على قلب متسع لكل البشريَّة يتناسَى قُبْحَ الماضي وقسوة الأيام السالفة، حينما تتوب النفس وترجع. إنها تشهد على صدق دعوة المسيح القائل: « مَنْ يُقبل إليَّ لا أُخرجه خارجًا » (يو6: 37). كما تشهد أيضًا عن ساعة متأخرة، قد تكون الحادية عشر، فيها يُنتشَل الكثيرون من لهب الدينونة ليسكنوا على أنهار الروح، يرتشفوا من الحبّ الإلهي ويسكروا به.
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 04 - 2014, 08:52 AM   رقم المشاركة : ( 13 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 50
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,691

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب نحو التوبة

الحرب للرب


إن الشيطان لا يستطيع أن يستولي على أرض قد غُمِرت بمياة المعموديَّة وتكرَّستْ بدهن الميرون طالما هي محروسة بالتوبة. قد ينتصر في موقعة، قد يُلقي بعضًا من بذار الزوان، قد يُرسِل رياحه لتُسقِط الثمر، ولكنه لا يستطيع أن يمتلك تلك الأرض، طالما يُقدَّم عليها ذبائح ليل نهار؛ ذبائح تضرُّع وابتهال لنوال معونة من الأعالي. وطالما أن قلوبنا لم تتوقَّف عن الصراخ ، لا يجب أن نخشى شيئًا، لأن النعمة والمعونة آتية لا محالة. وإن حلَّتْ الظلمة علينا أثناء مسيرتنا، فالرب هو النور الذي يُضِئ لنا الطريق. فمن ذا الذي يخشَى من غموض الظلمة، بينما يُضِئ له ضياء الرب مسيرته، ويقود خطواته فلا تزلّ.

لذا فالمحكّ الرئيسي في التوبة هو قدرتك على التمسُّك بسلاح الصلاة بالرغم من الجراح التي تثخن جسدك الروحي؛ فطالما تترجى معونة الأعالي سيخشاك أعداؤك، لأن سقوطك وصراخك سيُحسَب لك جهادًا، وسيزيِّن لك اكليلاً من مجدٍ طالما أنك لا ترضخ لضغط الخطيئة التي تريد أن تمنع صلواتك من الصعود إلى السماء.

ولكن بسقوط النفس في الخطيئة ثم توبتها، يروادها تساؤل؛ هل سأستطيع الثبات في التوبة بعد سقطات هذا عددها؟؟ هل أستطيع أن أصمد في أرض المعركة بعد تبدُّد العهود والوعود التي كانت ترافق التوبة في كلّ مرّة؟؟ هل سيمكننى أن أقاوم زحف جنود الشر المتربِّصة بتوبتي؟؟ هل سأستطيع تفادي سهام إبليس المُتَّقِدة نارًا والتي تنطلق من كلّ صوبٍ وحدبٍ؟؟

ولكن في حقيقة الأمر، إن السؤال يجب أن يكون، هل يستطيع الرب الانتصار فـيَّ على جحافل مملكة الظلمة؟! هل في إمكانه تحويل أتون النار المُحمَّى حولي لندى بارد؟!

إن أول ما يجب أن نتعلمه في توبتنا، أن الحرب هي للرب، وأن الرب قادر على إبادة أعدائنا بكلمة فمه. لذا يجب ألاّ ننشغل بحروب الغد ومصيرنا فيها، هل سنسقط أم سنصمد؟ فدورنا في اللحظة الحاضرة أن نُسبِّح عمل الرب في معونته لنا، أمَّا الغد فهو للرب. فها هو موسى وجماعة بني إسرائيل يُسبِّحون الرب على الخلاص الذي عاينوه. غير مكترثين للغد، غير عابئين بصعوبة الرحلة أو أخطار المسيرة أو مشقَّة الصحراء، فاليوم يوم الهتاف للنجاة من فرعون الشر، أما الغد فهو للرب.

إن الكنيسة تلقفت تلك التسبحة مُبكِّرًا جدًا وجعلتها باكورة تسابيحها (الهوس الأول/ تسبحة نصف الليل بحسب الطقس القبطي)، لتعلنها نهجًا تسلك بمقتضاه على الدوام. فتسبيح النُصرة قادر أن يُزلزل مُعسكَر الشَرِّ المُحيط بنا، كما أن هذه التسبحة تعمل على ضخِّ روح الرجاء والثبات، في حياة الجماعة المُسبِّحة، فلا تخشَ من أخطار الغد. فتسبحة اليوم هي نفسها تُرس الغد ضدّ الأعداء وهي سيف النُصرة الذي تتقلَّده النفس ـ كلّ ليلةٍ ـ بقدر ما تستمر في التسبيح والهتاف. إنه رداء التسبيح الملوكي الذي تحدَّث عنه إشعياء، عِوضًا عن الروح اليائسة، القادر أن يُعيدك من جديد للصفوف الأماميَّة في القتال لتُحارب وتنتصر. « لأعطيهم جمالاً عِوضًا عن الرماد، ودُهن فرحٍ عِوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة، فيُدْعَون أشجار البرّ، غرسُ الرب للتمجيد » (إش61: 3).

افتحْ كتابك المقدِّس على (خر15: 1 ــ 18) وصلِّ بتلك التسبحة. دعوتي لك الآن أن تُنْصِت بقلبك لتلك الكلمات. حاول أن تتحسَّس وتتذوَّق طعم النُصرة والبهجة التي كان يهتف بها الشعب الناجي من فرعون وجنوده، حاول أن تجعل منها تسبحتك الخاصة، حينما تراودك مخاوف السقوط. فقط سَبِّح بتلك الكلمات ولا تتركها تبرح فمَّك حتّى ترى نُصرة الرب في حياتك ..

وأخيرًا أتركك لكلمات حبقوق النبي المُفعَمة بالرجاء، رغم قسوة الحاضر الذي لا يحمل ولو بصيصًا من نورٍ!! ها هو يقول:

فمع أنَّه لا يُزْهِر التين،

ولا يكون حَمْلٌ في الكروم،

يَكْذِبُ عمل الزيتونة،

والحقول لا تصنع طعامًا.

ينقطع الغنم من الحظيرة،

ولا بقر في المذاود.

فإني أبتهج بالربِّ وأفرح بإله خلاصي.

الرب السيِّد قوتي

ويجعل قدميَّ كالأيائل

ويُمْشِّيني على مرتفعاتي

(حبقوق3: 17 ـ 19)
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 04 - 2014, 08:53 AM   رقم المشاركة : ( 14 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 50
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 42,691

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب نحو التوبة

خاتمة


يقول أحدهم :

الرجاء هو مبدأ جبَّار للعمل

من أجل تحقيق الإنسانيَّة الكاملة

إننا بحاجة الآن لاستراتيجيَّة جديدة في التوبة، نُجابه بها أعداءنا الذين يُلقون بشباك اليأس على أرض الأحياء فتصطاد يوميًّا المئات ممَّن مات المسيح من أجلهم. نحتاج لاستراتيجيَّة ثقة كاملة واطمئنان في الله، استراتيجيَّة صرخات دائمة تخترق غيوم اليأس وظلام الخطيئة. صرخات صلاة في كلّ وقتٍ وفي كلّ مكانٍ، دون الالتفات إلى الحالة البائسة التي قد نكون عليها، فالصراخ هو وسيلتنا لتغيير تلك الحالة بقوَّة النعمة. نحتاج بالفعل إلى استراتيجيَّة رجاء لا يهتزّ ثابتًا كالصخر، فالرجاء هو مِرساة النفس حينما تخبطها الأمواج وتُوشك على الغرق والهلاك … والرجاء المُتشوِّق للخلاص هو السلاح الذي نجتاز به تلك المعركة. إنه السلاح الذي لا تستطيع قوَى الظلمة أن تَصْمُد أمامه.

لقد أكَّد القديس بولس بوعيه الروحي المستنير، على أهميَّة هذا الرجاء في ذلك الصراع بين النور والظلمة، قائلاً: « بالرجاء خَلُصْنــَا » (رو8: 24) ، فتوبة بلا رجاء هي مسيرة بلا ضياء تنتهي عند جرف اليأس .. هي مسيرة يدفعها ويُغذيها الشيطان، لأنها بحسب خِطته لهلاك البشريَّة!!

وعن شعلة الرجاء، يكتب شارل بيجيCharles Peguy، فيقول:

هناك شُعلة لايستطيع شيء أن يُطْفِئها،

ولا يقدر مخلوق أن يُخْمِدها،

لأن تلك الشُعلة هي أبقَى من الزمن،

وأقوى من الموت.

فليكن لك ذلك الرجاء بأن الرب سيُنير ظلمتك (مز18: 28) مهما اشتدّت ومهما طالت الظلمة، فسيظل نور الرب أقوى من ظلمة الخطيئة. وحينما يأتي سيُعلن للنفس قائلاً: « أنا هو نور العالم، من يَتْبعني لا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة » (يو8: 12)، وبالفعل سيهبك نور الحياة.

وحينما يأتي، سيَحْمِل لك ترياق الحياة، فيُشدِّد رجليك المُتحجِّرة فتصير كرجليَّ الأيِّل (مز18: 33). ستقفز فوق مرتفعات الشهوة، وستنفتح عيناك على آثار المُخلِّص، أثناء رحلتك نحو نبع النور، لكي لا تَزَلّ قدماك (مز17: 5). سيُعرِّفك سُبل الحياة ويُشبعك بالسرور ويغمرك بالنِعم من يمينه المُتمجِّدة بالقوَّة (مز16: 11).

حينها ستترنــَّم بخلاص الرب (مز20: 5)، بل وسترفع رايتك باسم الرب (مز20: 5)، راية شهادة للعالم أجمع؛ راية قد كُتِب عليها بدماء الحبّ المسكوبة على مذبح الصليب ..


« كلّ من عنده هذا الرجاء به، يُطهِّر نفسه »

(1يو 3 : 3)
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 04 - 2014, 10:04 AM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,270,059

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب نحو التوبة

مشاركة جميلة جدا
ربنا يبارك حياتك
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مقال جاهز للطباعة لاجتماع الشباب عن حياة التوبة من كتاب قداسة البابا شنودة
كتاب دورة الصليب و الشعانين - كتاب المدائح والتماجيد - كتاب الخدمات
كتاب كيف نعيش التوبة
كتاب نحو التوبة - الراهب سارافيم البرموسي
كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث


الساعة الآن 07:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024