ما هي الأفخارستيا؟ هي جسد الرب، جسد ذلك الذي هو حي بالطبيعة... أي جسد الله لابن الكلمة الذي هو الحياة إذ فيه ملء قوة الابن الكلمة – القوة التي تهب الحياة لكل الخليقة، ولإصلاح الخليقة... يقول القديس كيرلس الكبير:إن الجسد المقدس الذي هو جسد الابن الكلمة الخاص هو مزود بفاعلية قوته ومزروع فيه القوة الإلهية التي للابن، لذلك فلنتمسك به بواسطة الافخارستيا السرية لكي يحررنا من أمراض النفس ومن هجمات الشيطان. # ليس هو مجرد جسد إنسان وإنما هو الجسد الخاص الثابت في الابن الكلمة بكل فاعلية ومجد وكرامة وقوة الابن الكلمة... ويكمل القديس كيرلس:إن الرب دخل بيت بطرس ولمس يدها فنالت الشفاء من جسده الإلهي الذي يملك قوة الشفاء لأنه جسد الله وكان ممكنًا أن يقول لها كإله قومي ولكن لمسها. وهذا ورد في (إنجيل لوقا 8: 15)... إننا في الأفخارستيا لا نلتقي بالله على مستوى القلب والفكر فقط بل نقبله على مستوى الاتحاد الجسدي الفعال فينا... وحينئذ يطفئ حمى اللذات غير اللائقة ويقيمنا من موت الخطية كما أقام الموتى ويجعلنا أقوياء حتى في الأمور الروحية وبذلك فقط نفعل ما نرضيه... إنها لمسه تطرد الأمراض الروحية والنفسية وتحل قوة الشيطان وتأثيره كما تحل النار الشمع ولكن بموافقتنا واشتياقنا والقديس كيرلس والآباء يشبهون جسد الرب بما فيه من قوة إلهية إنه بمثابة الروح للجسد (للحياة الإنسانية).. أي فيه قدرة الروح المحيية التي هي سر حياة الإنسان.. لكن الروح تهب الحياة الأرضية للجسد بينما جسد الرب يهب الحياة الروحية القوية.
أولا: أسماؤه
1) سر الشكر: لان الرب في تأسيس السر شكر وبارك وكسر لذلك افخارستيا تعنى شكر. 2) سر الأسرار: هدف الأسرار.... الثبات في المسيح. 3) سر القربان: تتحول القرابين إلى جسد الرب ودمه الأقدسين استمرارًا لذبيحة الصليب. 4) سر التناول: تناول المؤمنين من السر... اشتراكهم في الجسد والدم. 5) العشاء الرباني أو العشاء السري: فهو عشاء الرب الذي منح للتلاميذ جسده ودمه وهو سرى أو سرائري. 6) المائدة المقدسة أو الذبيحة المقدسة: لأنه طعام الحياة الأبدية ويقدم على مائدة سماوية. ثانيا: رموز السر
1) شجرة الحياة: التي مَنْ أكل منها يحيا إلى الأبد ولذلك حرسها الرب ولم يسمح لآدم وحواء الأكل منها بعد الخطية (سفر التكوين 3: 22). 2) ذبيحة ملكي صادق: الوحيدة غير الحيوانية (تك14: 18). 3) ذبيحة الفصح: " لان فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا " (رسالة كورنثوس الأولى 5: 7). ذهبي الفم} كما انه في الفصح اليهودي كان لحم الخروف ودمه ضروريين لنجاة الإسرائيليين من الهلاك الذي نزل بالمصريين كذلك لا ينجو المؤمن من هلاك الخطية ولا تكون له حياة فيه ما لم يأكل جسد ابن الإنسان ويشرب دمه {. 4) المن المحفوظ: (سفر الخروج 16: 23 – 35) الخبز النازل من السماء. 5) خبز الوجوه الساخن: لا يحل أكله إلا للكهنة وله مائدة خاصة اسمها مائدة خبز الوجوه، ساخن وحي دائمًا. 6) الخمر المسكوب: (خر29: 40) في الصباح والمساء على المذبح (على الذبيحة). 7) ذبيحة السلامة: يشترك فيها الشعب مع الكهنة (سفر اللاويين 7: 20)، والمسيح هو ذبيحة سلامنا " تأديب سلامنا عليه " (سفر إشعياء 53: 5). 8) يوناثان والعسل واستنارة العينين: (سفر صموئيل الأول 14: 27) رمز للاستنارة الحقيقية الداخلية التي يحصل عليها المؤمن من التناول... وهذا ما حدث لتلميذي عمواس حين كسرا الخبز فانفتحت أعينهما وعرفاه (لو24: 30، 31). 9) جمرة المذبح التي مَس بها السيرافيم شفتي إشعياء (إش6: 6، 7). 10) نبوات عديدة عن السر: (سفر المزامير 23: 5) " تهيئ قدامى مائدة تجاه مضايقي، كأسك روتني مثل الصرف". (مز111: 4) " الرب حنان ورؤوف أعطى الذين يتقونه غذاء ذكر ميثاقه".
(سفر الأمثال 9: 1 – 6) " الحكمة بنت بيتها نحتت أعمدتها السبعة، ذبحت ذبحها، مزجت خمرها... هلموا كلوا من طعامي واشربوا من خمري التي مزجتها، اتركوا الجهالات فتحيوا وسيروا في طريق الفهم... "
(إش66: 20)، (سفر ملاخي 1: 11)، (سفر حزقيال 16: 8-13)، والعجل المسمن (آنجيل لوقا 15: 22). ثالثا: أفكار حول التحول
1) قول الرب: هذا هو جسدي، هذا هو دمى.
2) " الخبز الذي أنا أعطى هو جسدي الذي ابذله عن حياة العالم " (إنجيل يوحنا 6: 51).
3) الذي حَول الماء لخمر ألا يستطيع تحويل الخبز إلى جسد.
4) الجهاز الهضمي وخاصية الامتصاص والتمثيل الغذائي تحول الخبز إلى جسد (لحم ودم).
5) " كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح والخبز الذي نكسره أليس شركة جسد المسيح " (1كو10: 16).
" في الليلة التي سُلم فيها اخذ خبزًا وشكر فكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي " (1كو11: 23، 24).
فاعلية الافخارستيا
1- هي شركة في حياة المسيح
بمعنى أننا نأخذ جسد الرب ودمه الحقيقيين اللذين عاشا بهما حياة نقية بارة مقدسة كإنسان مثالي وصل إلى قمة الحياة المقدسة. لذلك يقول القديس كيرلس:إنها بذرة محييه بذرة الخلود، تعمل فينا كما تعمل الخميرة في العجين، وتأثيرها فينا ليس فقط تأثيرًا روحيًا وإنما أيضًا تأثيرًا جسديًا بمعنى أن تذوق الجسد المقدس والدم الكريم هو تلامس واتحاد مع المسيح واهب الحياة. وهذا هو المعنى المباشر لعبارة القديس بولس: أحيا لا أنا بل المسيح يحيا في... كما تمزج قطعتين من الشمع معًا لتكمل البقاء بدل الفناء... والمقصود بشركة الحياة، شركة الفكر والمنطق والنفس والروح بكل الهبات الروحية التي يمنحنا الله إياها في هذا السر المقدس.. شركة الغلبة والنصرة على كل حرب، وكل نقص، وكل انحراف وكل تخلف عن الركب المقدس... يقول القديس كيرلس:إن الرب يغرس ويزرع حياته فينا لكي تأتى بثمر روحي. إنها عطية النعمة على أعلى مستوى من عطائها، وبأعلى نسبة فاعلية فينا.. فالنعمة تعنى منحه إلهية مجانية تعطى للإنسان كل ما ينقصه من فضائل يجاهد لأجلها، وتساعده على الوصول إلى المرتبة الروحية والصفات الحميدة التي يحاول الوصول إليها. لذلك بالتناول ينال المؤمن الحقيقي عطايا روحية جزيلة تسهل له طريق التقوى المليء بالأشواك والآلام والأتعاب الكثيرة والمحاربات والضعفات البشرية والعثرات المحيطة بالإنسان...إلخ. لذلك يقول القديس كيرلس:إن الأفخارسيتا تحقق أسمى نموذج للاتحاد الممكن مع المسيح، إنها تحقق المشاركة في حياة الكلمة المتجسد.
2- هي إعادة الإنسان لوضعه الأول ولإحيائه وتجديده
إن حياة الإنسان المسيحي في جملتها صراع في معركة لا تهدأ ضد قوى البشر، وضد أهواء الجسد... لذلك فمائدة الافخارستيا مجال لإعادة الإنسان لوضعه قبل السقوط بمعنى استحيائه بقوة تنصره في هذه المعركة... فهي قوة مجدده ومصلحة تريحه من طبيعته القديمة التي تود أن تثور فيه مستخدمة كل غرائز وطبائع الجسد وهى أيضًا قوة غامرة تريح الإنسان من عناء الإحساس بالذنب.. إذ يحصل بتوبته واعترافه وتناوله على العفو والغفران. إن المذبح هو مكان قوة اللوغوس لمجابهة نزوات الجسد للتغلب عليها، إنه المكان الذي يتسلط فيه القوة الروحية الإلهية ضد كل قوى إبليس ومعاونيه وضد قوى الشر الكامنة في الجسد في الافخارستيا يدخل المسيح حياة المؤمن ويُسكن ذلك الناموس الذي يثور في أعضاء الجسد ويُضرم ويُشعل روح التقوى والورع ومخافة الله في الجسد ويُحطم كل الأهواء، ويشفى كل الأمراض وكرعى صالح يعصب ويضمد جراح من يتعرض للهلاك ويقيم من يسقط. إن التلامس مع الراعي الصالح من خلال الأفخارستيا يفتح القلوب والعقول فيطفئ حمى الانفعالات غير الملائمة بأن يقيم النفس ويقويها فتتمكن من حفظ نفسها من الشر والانتصار عليه... لذلك يقول القديس كيرلس: إن المائدة السرية جسد المسيح تمدنا بالقوة ضد النزوات وضد الشياطين ذلك لأن الشيطان يخاف من هؤلاء الذين يشتركون في الأسرار بوقار وتقوى... ويقول القديس سرابيون : يا إله الحق ليأت كلمتك القدوس على هذا الخبز وعلى هذه الكأس ليصبح جسد الكلمة ودم حق وأجعل الذين يتناولون منه يتلقون دواءً للحياة لشفاء كل عاهة ولتقوية كل نمو وكل فضيلة لا لدينونتهم، يا إله الحق وللحكم عليهم أو لخزيهم. (من ليتورجية القديس سرابيون). # الأفخارستيا قوة تعيد الإنسان إلى حالة البر قبل معرفة الشر وذلك بسيطرة الخير على الشر والقضاء على بذور الشر فيه.
3- الافخارستيا توحد المؤمنين معًا
بسبب اشتراك المؤمنين في الجسد الواحد متحدون معًا كأعضاء في هذا الجسد وهنا يظهر نوعان من الاتحاد: الأول رأسي بين المؤمن والمسيح في اتجاه عمودي... والثاني: أفقي بين المؤمنين بعضهم ببعض. وهنا يتساءل القديس كيرلس قائلًا: مَنْ يقدر أن يفصل أو يفرق هذا الاتحاد الطبيعي بين المؤمنين بعضهم وبعض، هؤلاء الذين من خلال جسد المسيح الواحد المقدس ارتبطوا باتحاد مع المسيح... إن هذه الوسيلة التي اختارها ابن الله (حكمة الله) أقنوم الحكمة لكي يرتبط المؤمنين معًا ويكونوا في اتحاد مع الله ومع بعضهم البعض بالرغم من تميزهم الواحد عن الآخر كأفراد كتميز أعضاء الجسد الواحد في الإنسان فالعين غير الأذن غير اللسان وهكذا بقية الأعضاء ولكنها جميعًا جسد واحد متحدة بعضها ببعض. وهذا يسميه الآباء الاتحاد النسبي أي اتحاد بنسبة معينة وليس اتحادًا مطلقًا كاتحاد الناسوت باللاهوت مثلًا... فالحقيقة هي: المسيح له المجد هو أصل الاتحاد.. كيف؟ إن كون المسيح له نفس جوهر الآب هذا يجعله أساس الاتحاد بين الله والإنسان وكون المسيح قد اتخذ طبيعتنا البشرية واتحد بها فهذا يجعله أساس الاتحاد بين الإنسان وأخيه الإنسان..
الروح يوحد المؤمنين معًا: يقول القديس كيرلس:كما أن قوة الجسد المقدس تجعل هؤلاء الذين تحل فيهم أعضاء في نفس الجسد هكذا أيضًا يفعل الروح الواحد غير المنقسم والذين يسكن فينا جميعًا فهو يربط المؤمنين جميعًا في وحدة روحية.
وبهذا نرى الوحدة المتكاملة:
فقوة الجسد المحيى تخلق جسدًا واحدًا لهؤلاء الذين يشتركون فيه (الأفخارستيا) وروح الله الواحد غير المنقسم الذي يسكن فينا جميعًا يدخل نفس البشر في وحدة روحية وهذا يعبر عن الوحدة التي يخلقها المسيح في سر الأفخارستيا عندما يعمل روحيًا في النفس البشرية.