|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الباب العاشر: المسيح الحق الصادق الآمين لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا قال إشعياء النبي عن السيد المسيح: "عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ" (إش53: 9). معروف طبعًا أن الله "لَيْسَ بِظَالِمٍ" (عب6: 11). فالسيد المسيح من حيث لاهوته لا يظلم أحدًا. ولكنه أيضًا في أيام جسده أي من حيث أنه تأنس وصار إنسانًا من أجل خلاصنا، لم يظلم أحدًا ولم يعمل ظُلمًا. لقد كان السيد المسيح كاملًا في لاهوته وكاملًا في ناسوته؛ قدوسًا في كل شيء لاهوتيًا وناسوتيًا، أي أنه من حيث ناسوته كان بلا خطية. وقال الملاك للسيدة العذراء مريم عنه: "فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابن اللهِ" (لو1: 35). ليس الظُلم فقط هو في القسوة مع الناس، ولكن الظُلم هو في إهمال المحتاجين، والمتعبين، والضعفاء، والمطروحين، والذين ليس لهم أحد يذكرهم "وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي الشَّعْبِ" (مت4: 23)، "وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا" (مت9: 36)، وفي البرية إذ كانت الجموع قد تبعته بالآلاف أشبعها من خمس خبزات وسمكتين ولم يصرفهم جائعين لئلا يخوروا في الطريق (انظر يو6: 5-13). ينطبق على السيد المسيح شعر قداسة البابا شنودة الثالث- أطال الرب حياه قداسته- {أنت نبعٌ من حنانٍ أنت قلبٌ}. وحينما كان السيد المسيح يوبّخ الخطاة كان يدعوهم أولًا إلى التوبة. وإذا اضطر إلى استخدام الحزم مثلما أخرج الباعة من هيكل الرب، كان يقدّم السبب ويقول: "مَكْتُوبٌ أَنَّ بَيْتِي بَيْتُ الصَّلاَةِ. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ" (لو19: 46). لقد رفع السيد المسيح الظلم عن كثيرين، مثلما قاد زكا رئيس العشارين إلى التوبة؛ إذ دخل إلى بيته، فقام زكا وقال: "هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ؛ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ" (لو19: 8). إن المظلوم قد أخذ من زكا أربعة أضعاف ما ظُلم به. فمن قاد الناس إلى التوبة بهذا المقدار..؟! لذلك قال السيد المسيح في بيت زكا: "الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهَذَا الْبَيْتِ إِذْ هُوَ أَيْضًا ابن إِبْرَاهِيمَ" (لو19: 9). وبالرغم من محبة السيد المسيح لإبراهيم ونسله حسب الوعد والعهد بينه وبين إبراهيم؛ إلا أنه لم يتحيّز لليهود ضد الأمم الذين ليسوا من نسل إبراهيم. بل قال لتلاميذه: "وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ". (يو10: 16) وفى قصة المرأة الكنعانية ردد السيد المسيح قول اليهود عن الأمم كأنهم لا يحسبون بنينًا. فأجابت المرأة باتضاع كبير حتى قال لها السيد المسيح: "يَا امْرَأَةُ عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ" (مت15: 28). وبهذا أوضح السيد المسيح أن الأمم يمكنهم أن ينتزعوا البركة إذا آمنوا وتمسكوا بإيمانهم. وبذلك لم يظلم السيد المسيح الأمم ومن بينهم المرأة الكنعانية، بل فتح لهم باب البنوة. وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ وكان السيد المسيح صادقًا في كل كلامه. لم يتملق أحد أو يجامله على حساب الحق. لم يتأخر عن إعلان مشيئة الآب السماوي وكلامه ووصاياه مهما كلّفه ذلك من ثمن في كراهية اليهود له. وكان يقول لهم: "لَوْ كَانَ اللَّهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي.. لِمَاذَا لاَ تَفْهَمُونَ كلاَمِي؟ لأَنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي.. الَّذِي مِنَ اللَّهِ يَسْمَعُ كلاَمَ اللَّهِ" (يو8: 42، 43، 47). ويوبّخهم قائلًا: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا" (يو8: 44). وإذا أراد أن يعلن أن الله الآب عاد ليخلق من جديد في اليوم السابع، كان يعمل معجزاته في يوم السبت، ويقول لليهود: "أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ" (يو5: 17).. "فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللَّهِ" (يو5: 18)،كان السيد المسيح يعلن كلام الحق ويقول لسامعيه: "فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابن فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا" (يو8: 36)، ويقول لتلاميذه: "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يو8: 32). بل أكّد أنه هو "الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يو14: 6). وتكلّم السيد المسيح عن آلامه وصلبه وقيامته، وأخبر تلاميذه بهذه الأمور قبل حدوثها. كما أخبرهم عن صعوده إلى السماوات. وقد وصل خبر كلامه عن قيامته في اليوم الثالث إلى اليهود، ولذلك طلبوا من الوالي الروماني حراسة القبر إلى اليوم الثالث. وبالرغم من عدم ارتياح التلاميذ لفكرة تسليم السيد المسيح نفسه للموت؛ مثلما قال له بطرس: "حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هَذَا!" (مت16: 22)، إلا أن السيد المسيح قد صمم على إتمام الفداء بالصليب وأخبر تلاميذه بكل هذا بالرغم من الحزن الذي ملأ قلوبهم؛ لأن هذا كان لخيرهم وخلاصهم من الهلاك الأبدي. ينطبق تمامًا على السيد المسيح قول الوحي في سفر الأمثال "أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ، وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ" (أم27: 6). ولكن السيد المسيح "َلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ" (إش53: 9)؛ فلم يقُبّل أحدًا قُبلة غاشة مثلما فعل يهوذا معه، بل على العكس تكلّم بالحق وتصرّف بالحق مهما كان الثمن. لأنه كان أمينًا وسيبقى أمينًا إلى الأبد.. |
11 - 03 - 2014, 04:58 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح في سفر إشعياء - الأنبا بيشوي
الباب الحادي عشر: حضور الرب المرهب وعظمة أعماله مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ "مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ" (إش64: 1)، تزلزلت الجبال عندما سلّم السيد المسيح روحه البشرى المتحد باللاهوت على خشبة الصليب "الأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ" (مت27: 51). وتزلزلت الأرض مرة أخرى عند قيامة السيد المسيح والتي بعدها جاء الملاك ودحرج الحجر عن القبر ليعلن القيامة المجيدة (انظر مت28: 2). وهل كان هناك حضور للرب الإله يستحق أن تتزلزل له الجبال أهم من حضور الآب في قبول ذبيحة الابن الوحيد بالروح القدس؟! كَمَا تُشْعِلُ النَّارُ الْهَشِيمَ "كَمَا تُشْعِلُ النَّارُ الْهَشِيمَ" (إش64: 2)، كان ظهور السيد المسيح لموسى في العليقة المشتعلة بالنار ولم تحترق هو رمز واضح عن التجسد الإلهي في بطن العذراء القديسة مريم دون أن يحترق الناسوت لسبب اتحاده باللاهوت وبالتالي دون أن تحترق العذراء مريم (انظر خر 3: 2-16، أع 7: 30-34). كذلك كانت النار تنزل من السماء وتلتهم الذبائح في العهد القديم ويشم الله رائحة الرضى والسرور كرمز لإصعاد ذبيحة السيد المسيحبالروح القدس الناري. لذلك نقول في لحن "Vai `etafenf فاى إيتاف اينف": {هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة}. ويقول معلمنا بولس الرسول عن ذلك: "الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ" (عب9: 14). وبإتمام الفداء أرسل المسيح موعد الآب بحلول الروح القدس على الكنيسة في يوم الخمسين في هيئة ألسنة من النار، ليمنح عطاياه الإلهية ومواهبه الفائقة للطبيعة، ويقودها ويرشدها ويعلّمها. وَتَجْعَلُ النَّارُ الْمِيَاهَ تَغْلِي "وَتَجْعَلُ النَّارُ الْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ" (إش64: 2) عندما أكّد السيد المسيح في حديثه مع نيقوديموس أن الميلاد الفوقاني هو بواسطة الماء والروح. فإن معنى ذلك أن الروح القدس الناري سوف يحل في المياه ليمنح الولادة الجديدة بعد التطهير من الخطية الأصلية والخطايا الفعلية. ولا يمكن أن النار تأتى من فوق المياه فتجعلها تغلي ولكن النار يلزمها أن تخترق المياه لكي تجعلها تغلي. وهذا ما يحدث في مياه المعمودية عندما يحل فيها الروح القدس الناري فإنها تصير لها قوة التطهير؛ مثلما تطهر المياه الساخنة مع الغليان أدوات الجراحة والحقن الطبية قبل استخدامها في التعامل مع الإنسان المحتاج إلى الشفاء. إن نار الروح القدس هي نار روحية وليست مادية. قال يوحنا المعمدان عن معمودية السيد المسيح في العهد الجديد: "هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ" (لو3: 16-17). لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ هذه العبارة لها معنيان: * المعنى الأول: هو أن يعرف الوثنيون أن الإله الحقيقي هو إله إبراهيم الذي اسمه "يهوه" وهو الإله الوحيد الخالق الحقيقي. *والمعنى الثاني: هو أن اسم "يسوع" هو اسم الخلاص (يهوشع = يهوه خلَّص) وقد تساءل كاتب الإصحاح الثلاثين من سفر الأمثال عن الله وقال: "مَا اسْمُهُ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟" (أم30: 4) وبالطبع لم تعرف الشياطين الاسم الحسن؛ اسم الخلاص إلا على مرحلتين الأولى: عندما قال الملاك "وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ" (مت1: 21). والمرحلة الثانية: عندما أتم يسوع الفداء على الصليب "إذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ (الصليب)" (كو2: 15)، عندما سلم الرب يسوع روحه البشرى في يدى الآب قائلًا "يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي" (لو 23: 46، انظر مز31: 5)، خرج روحه من الجسد غالبًا ولكي يغلب وسحق الجحيم وقوات الظلمة وداس الموت بموته و"أبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ" (2تي1: 10). وبذلك عرف الشياطين ما هو اسم الرب الذي غلبهم، وصار اسم "يسوع" مرعبًا للشياطين بصورة لا تقاوم. وإن كان الشيطان قد سبق وصرخ أثناء خدمة السيد المسيح "آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللَّهِ!" (مر1: 24). ولكن السيد المسيح بتواضعه وإخلائه لذاته، عاد وجعل الشيطان يشك في ألوهيته حينما أبرز بعض خواص بشريته؛ أي صفاته الإنسانية التي لم تتلاشَ لسبب اتحاد الناسوت باللاهوت. لقد صار لنا في اسم "يسوع" الملجأ الحصين ضد محاربات الشياطين ونتغنى بهذا الاسم في التسبحة ونقول: [اسمك حلو ومبارك في أفواه قديسيك يا ربي يسوع المسيح مخلصي الصالح" (إبصالية السبت). كذلك يردد المؤمنون عبارات "يا ربي يسوع المسيح خلصني... أعنى... ارحمني" وذلك لقهر محاربات الشياطين. لِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ "لِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ" (إش64: 2)، تنبأ سابقًا إشعياء النبي عن مجيء السيد المسيح محمولًا على يدي العذراء مريم إلى مصر فقال: "هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إلى مِصْرَ فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا" (إش19: 1). هذا الأمر قد استمر عند صلب السيد المسيح إذ ارتعب الوالي الروماني بنتيوس بيلاطس، وتألمت امرأته في حلم قبل ذلك، وارتعب قائد المئة الذي صلب السيد المسيح وقال: "حَقًّا كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللَّهِ!" (مر15: 39)،وارتعب الجنود حراس القبر بعد قيامته عندما حدثت الزلزلة "لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ" (مت28: 2-4). واستمر ارتعاد الأمم بعد صعود السيد المسيح بعد حلول الروح القدس وانتشار الكرازة بالإنجيل بقوة الروح. حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا نَزَلْتَ "حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا نَزَلْتَ. تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ حَضْرَتِكَ" (إش64: 3).. ما هي هذه المخاوف التي فاقت توقع البشر؟ نورد بعضًا من أمثلتها: * ظهور الملاك لزكريا الكاهن والد يوحنا المعمدان.. والبشارة بمولد أعظم مواليد النساء من الأنبياء.. * ظهور الملاك للقديسة مريم العذراء وبشارته لها بسر التجسد الإلهي. * ظهور الملاك للرعاة في ليلة ميلاد السيد المسيح وتبشيرهم، وتسابيح جمهور الجند السمائي. * ظهور النجم السماوي المعجزي في المشرق للمجوس وقيادتهم عبر أورشليم إلى بيت لحم وإلى البيت حيث كان الرب يسوع وهو صبى صغير. * الظهور الإلهي (الثيئوفانيا) أي ظهور الثالوث عند عماد السيد المسيح من يوحنا في نهر الأردن حيث انفتحت السماء وحل على الرب يسوع الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة. * إخراج الشياطين من البشر وهو تعليم جديد وظاهرة جديدة لم يفعلها أي قديس أو نبي قبل مجيء السيد المسيح. * معجزات كثيرة صنعها السيد المسيح مثل صنع عينين للمولود أعمى، وشفاء الأبرص وكثير من المرضى، وانتهار البحر والريح. * تجلي السيد المسيح على الجبل وظهور موسى وإيليا معه في مجد، والسحابة النيرة وصوت الآب من السماء من المجد الأسنى: "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ" (2بط1: 17). * إقامة لعازر من القبر بعد موته بأربعة أيام. * عندما حضر اليونانيون وقال السيد المسيح للآب السماوي: "أيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ. فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضًا" (يو12: 28) وقال الحاضرون قد حدث رعد أو قد كلّمه ملاك. * وقوع الحراس على الأرض عندما قال لهم السيد المسيح: "أَنَا هُوَ" (يو18: 5) وذلك قبل أن يسلّم لهم نفسه بإرادته وسلطانه. * الظلمة من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة على الأرض عند صلب السيد المسيح، والزلزلة، وتشقق الصخور وانفتاح القبور عندما سلّم روحه البشرى الطاهر. ففي حضرة الآب والابن والروح القدس تزلزلت الجبال لأن المسيح "برُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ" (عب9: 14). * معجزة القيامة والحجر مختوم والزلزال الذي صاحبها، وظهور الملاك كالبرق للحراس، وجلوسه على الحجر الذي دحرجه. وظهور الملائكة للمريمات داخل القبر. وظهور السيد المسيحلمريم المجدلية ولبطرس ولتلميذيّ عمواس ولجماعة الرسل في العلية والأبواب مغلقة، وفي الأحد التالي للآباء الرسل ومعهم توما الرسول. * صعود السيد المسيح إلى السماء أمام أعين تلاميذه بعد مباركته لهم. * حلول الروح القدس المعجزي في يوم الخمسين بصوت ريح عاصف وعلى هيئة ألسنة منقسمة كأنها من نار، حيث بدأوا يتكلمون بألسنة جديدة لينشروا الكرازة بالإنجيل إلى كل الأمم كما أوصاهم السيد المسيح. |
||||
11 - 03 - 2014, 04:59 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح في سفر إشعياء - الأنبا بيشوي
الباب الثاني عشر: المسيح الإله الوحيد الأزلي والكائن قبل الأزمنة الأزلية وَمُنْذُ الأَزَلِ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُصْغُوا "وَمُنْذُ الأَزَلِ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُصْغُوا. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلَهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ" (إش64: 4)، هذه العبارة تشير إلى ما قاله السيد المسيح لرسله القديسين: "إِنَّ أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَارًا كَثِيرِينَ اشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا" (مت13: 17). وعبارة "منذ الأزل" معناها هنا منذ الزمان القديم ولكنها في مواضع أخرى تعنى قبل كل الدهور. وقد أورد القديس بولس الرسول "الأزل" بمعنى "الزمان القديم" حينما تكلّم عن وجود السيد المسيح -بحسب لاهوته- قبل كل الدهور إذ قال: "بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ" (2تي1: 9)، ومعناها قبل الأزمنة القديمة. فعبارة "قبل الأزمنة الأزلية" تساوى عبارة "قبل كل الدهور". بمعنى أن السيد المسيح كائن قبل الأزمنة الأزلية، أي قبل الأزمنة القديمة وقبل بداية الزمن لأنه فوق الزمن وغير زمني بولادته من الآب قبل كل الدهور. ولكن مفهوم الوجود الإلهي قبل الزمن وفوق الزمن وخارج نطاق الزمن هو مفهوم لاهوتي وتعبير دقيق لم يستخدم في العهد القديم لأنه فوق فهم الناس فكان تعبير "القديم الأيام" (دا 7: 9) هو التعبير البسيط الذي يفهمه العامة، وكذلك تعبير "منذ الأزل" كان يشير إلى نفس الحقيقة وهي أن الله أزلي وكائن قبل الأكوان. وقد اختار الله لنفسه اسم "يهوه" بمعنى "الكائن" وقال لموسى عندما سأله عن اسمه الخاص: "أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ" (خر3: 14)، أي "أنا أكون الذي أكون" أو "أنا هو الذي أنا هو" بمعنى أنه كائن بالضرورة وكائن على الدوام وكائن في كل زمان ومكان. وقال عن نفسه في سفر الرؤيا: "الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي" (رؤ1: 8). أي أنه كائن في الحاضر وفي الماضي وفي المستقبل لأنه لا يحده زمان كما لا يحده مكان. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلَهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ فبما أن الرسل قد أبصروا السيد المسيح وهو الله الظاهر في الجسد لذلك تغنى بولس الرسول وقال: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تى3: 16). S وعندما قال فيلبس الرسول للسيد المسيح: "يَا سَيِّدُ أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا" (يو14: 8) أجابه السيد المسيح: "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ" (يو14: 9). بمعنى أن السيد المسيح كما قال معلمنا بولس الرسول هو "صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ" (كو1: 15). وربما يقول البعض إن آلهة الوثنيين كانت منظورة في الأصنام أو حتى من الكائنات الحية مثل عجل أبيس أو أباطرة الرومان. ولكن إشعياء النبي يؤكد "لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلَهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ" (إش64: 4). ما فائدة رؤية الآلهة الوثنية للمصريين التي هزأ منها موسى النبي في الضربات العشرة كما قال له الله: "وَأَصْنَعُ أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ" (خر12: 12). كذلك لم يستطع الإله "داجون" أن يخلّص نفسه عندما وضع الوثنيون "تابوت العهد" أي تابوت إله موسى في معبده، وفي اليوم التالي "إِذَا بِدَاجُونَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِهِ إلى الأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ, فَأَخَذُوا دَاجُونَ وَأَقَامُوهُ فِي مَكَانِهِ وَبَكَّرُوا صَبَاحًا فِي الْغَدِ وَإِذَا بِدَاجُونَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الأَرْضِ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ وَرَأْسُ دَاجُونَ وَيَدَاهُ مَقْطُوعَةٌ عَلَى الْعَتَبَةِ. بَقِيَ بَدَنُ السَّمَكَةِ فَقَطْ" (1صم5: 3، 4). هل أي إله آخر غير الله يستطيع أن يُخلّص البشر من الموت الأبدي أو حتى الموت الجسدي؟!! كان لقدماء المصريين آلهة لحراسة الموتى مثل الإله "أنوبيس" الذي رأسه رأس كلب أسود ولكن لم يوجد إله أقام موتاهم. إن السيد المسيح-هو الله الظاهر في الجسد أي الابن والوحيد الجنس كلمة الله المتجسد- لم يصنع المعجزات فقط بل أعطى تلاميذه سلطانًا أن يصنعوا المعجزات مثله،حتى أنه أعطاهم سلطانًا أن يخرجوا الشياطين وهو الأمر الذي لم يحدث منذ بداية الخليقة على الأرض. وقال السيد المسيح لليهود: "إن كُنْتُ بِإِصْبِعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ" (لو11: 20). لقد انتظرت البشرية مجيء السيد المسيح وكان هو مشتهى الأجيال، لذلك فحينما دخلت السيدة العذراء بالسيد المسيح بعد ولادته منها بأربعين يوم، وقفت حنة نبية بنت فنوئيل "وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ" (لو 2: 38). حقًا يا ربنا يسوع المسيح "لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلَهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ" (إش 64: 4). ولم يظهر السيد المسيح فقط في الجسد، ولكن كعربون للتجسد ظهر مرارًا كثيرة في العهد القديم مثل ظهوره لأبينا إبراهيم عند بلوطات ممرا مع الملاكين.. ومثل ظهوره لأبينا يعقوب ومباركته له عند طلوع الفجر، ومثل ظهوره لموسى في العليقة عند جبل سيناء، ومثل ظهوره لجدعون تحت البطمة، ولمنوح والد شمشون وقال له: "لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ" (قض13: 18).. وكثير من الظهورات في العهد القديم حتى أن السيد المسيح قال لليهود: "أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ" (يو8: 56). ولكن قال معلمنا بولس الرسول عن هابيل الصديق وعن الآباء البطاركة الأولين إبراهيم وإسحق ويعقوب وعن سارة جدة السيد المسيح: "فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ" (عب11: 13). إن كان البعض قد نظروا السيد المسيح في ظهورات في العهد القديم كعربون وإشارة إلى تجسده في ملء الزمان؛ ولكن سمعان الشيخ قال حينما حمل السيد المسيح وهو طفل على ذراعيه: "الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ.. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ" (لو2: 29-32). فهناك فرق كبير بين انتظار حلول الله في وسطنا وحلوله بالفعل حينما تجسد وخلصنا بصليبه المحيى وأعطانا الحياة.. فمجدًا لإلهنا إلى أبد الدهور. |
||||
11 - 03 - 2014, 05:00 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح في سفر إشعياء - الأنبا بيشوي
الباب الثالث عشر: الكنيسة المحروسة تتبع المسيح وتهزم الشيطان يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمِتْرَسَةً بعد حديثه عن ابتلاع الموت إلى الأبد بخلاص الله. استطرد النبي إشعياء يقول: "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهَذِهِ الأُغْنِيَةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمِتْرَسَةً. اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ. ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إلى الأَبَدِ لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ" (إش26: 1-4). حديث جميل عن الكنيسة في العهد الجديد قوية وحصينة: "لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ"، وأسوارها لا يقوى عليها العدو، لأن قوة الصليب تهزمه وتحفظها "يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَارًا وَمِتْرَسَةً"، كلما يبصر الشيطان علامة الصليب على أسوار الكنيسة عروس المسيح يرتد مرتعبًا. لهذا قال السيد المسيح عنها إن "أَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (مت16: 18). وقال إشعياء النبي مخاطبًا إياها: "كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي الْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ" (إش54: 17). إن سر قوة الكنيسة هو في تمسكها بخلاص المسيح، وفعاليته في حياة أولادها وحرصها الشديد على خلاص كل نفس، وعلى رعاية الصغير والكبير، الفقير والغنى، وأن تحفظهم في حروبهم مع الشيطان بصلواتها. ليت الذين يتآمرون على الكنيسة مثل "مكس ميشيل" وأصحاب "البدع الحديثة" وأتباع "التيار الخمسيني" يدركون أن كل مساعيهم ستبوء بالفشل مثلما حدث على طول تاريخ الكنيسة الطويل. تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ هذه نبوة قيلت عن السيد المسيح الذي انتصر على الموت ولم تؤثر فيه جراحات الجلد وإكليل الشوك والصليب تأثيرًا دائمًا، بل احتملها حبًا لنا وإيفاءً للعدل الإلهي. من رأى السيد المسيح بجسد القيامة الممجد أدرك بصورة ملموسة أن الله الآب قد حفظ جسد الابن سالمًا بغير فساد، ثم أقامه من الأموات متخطيًا كل الجراحات، وحتى طعنة الحربة التي تأكدوا بها من موته جسديًا. تحفظه سالمًا في القبر بغير فساد، وتحفظه في القيامة فلا يقوى عليه الموت ويبقى حيًا وسالمًا إلى الأبد. لهذا كرر كلمة سالمًا مرتين. وهذه العبارة تمتد أيضًا إلى كل من يتبع السيد المسيح حاملًا صليبه، فالرب سوف يحفظه سالمًا من موت الخطية، ثم يحفظه سالمًا من الموت الثاني الذي هو الهلاك الأبدي. وقد عبّرت النبوة عن شخصية السيد المسيح بوصفه إنه هو "ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ". وقد شهدت الجموع للسيد المسيح إذ كانوا يتعجبون أنه يتكلم ويعلمهم "كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ" (مت7: 29). وكانوا يتعجبون من "كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ" (لو4: 22). وقال المزمور عنه "انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ" (مز44:2). لذلك قالت النبوة "ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ". ولا شك أن الاتكال على الله كان من سمات حياة وخدمة السيد المسيح إذ "أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ" (فى2: 7-8). الاتكال على الله كان واضحًا جدًا حينما قَبِل السيد المسيح الموت نيابة عن الخطاة، وكان واثقًا من قيامته من الأموات حتى في مشاعره الإنسانية الطبيعية، لأنه ناب عن الجميع إنسانيًا (من جهة ناسوته) في الطاعة والاتكال على الآب السماوي، والثقة الكاملة في مواعيده الحقيقية غير الكاذبة. الكنيسة تتبع المسيح يتغنى إشعياء كما قال: "اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ" (إش26: 2)، لقد دخل السيد المسيح إلى الأمجاد السماوية وارتفعت الأبواب الدهرية في صعوده إلى السماء جسديًا. ولكن في مجيئه الثاني ليأخذ عروسه الكنيسة معه إلى السماويات صار النشيد هو: "اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ"، وهذه هي الكنيسة التي استعد أعضاؤها لميراث الحياة الأبدية وحفظوا الأمانة الأرثوذكسية. يدخل المسيح إلى الملكوت ومعه الأمة البارة، أي جماعة القديسين. ويضيف أيضًا في النشيد (الأغنية): "تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إلى الأَبَدِ لأَنَّ فِي يَاهَ (بالعبرية يهوه) الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ". إنه ختام رائع يدعو المؤمنين للاتكال على الرب إلى الأبد. أي أن يتمسكوا به، ويتمثلوا بالسيد المسيح في اتكاله على الرب، محتملين أتعاب الصليب مؤمنين بخلاصه العجيب وبأنه هو الصخرة الحقيقية "صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ" (1كو10: 4). كلما تغنى إشعياء يقول عن الله المخلص إنه "ياه يهوه". وكلمة "ياه" هي مقطع من كلمة يهوه يضاف إلى كلمة "مخلص" العبرية وهي "شوع" لتكون "ياه شوع" أي يسوع. فيسوع هو صخر الدهور الذي تتغنى به جميع الأجيال وإلى أبد الآبدين. عقاب الشيطان بالصليب يتكلم إشعياء النبي عن قوة الرب التي سحقت الشيطان وقوته بالصليب وهزمت طغيانه بالرغم من الضعف الظاهري في قبول السيد المسيح للآلام والتعييرات. ولكن الصليب كما قال معلمنا بولس الرسول هو "قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ" (رو1: 16). يقول النبي: "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ" (إش27: 1). معروف أن "لوياثان" هو اسم الحية القديمة الملتوية التي تشير إلى إبليس،أما عن قتل التنين الذي في البحر فهو إشارة إلى أن السيد المسيح قد سحق رأس التنين، أي الشيطان، على المياه عند عماده في نهر الأردن لتأسيس سر العماد المقدس. وبذلك فتح الطريق للمؤمنين بموته المحيي وقيامته المجيدة أن يتحرروا من التنين، أي من عبودية إبليس بالميلاد الفوقانى بواسطة الماء والروح، متحدين مع المسيح بشبه موته وقيامته. الكنيسة المحروسة وأكمل النبي حديثه مباشرة بقوله "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشْتَهَاةِ: أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلا يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا" (إش27: 2، 3). يقول عبارة "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ" ويكررها في حديثه النبوي عن سحق الشيطان، وعن أمجاد كنيسة العهد الجديد. لأن اليوم المقصود هو اليوم الذي صنعه الرب، هو يوم الفداء، يوم الخلاص بالتجسد والصلب والقيامة والصعود وحلول الروح القدس في يوم الخمسين. يقول: "فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشْتَهَاةِ".. ما أجمل هذا التعبير المملوء بالمشاعر الفياضة والمكتوب شعرًا باللغة العبرية كنشيد يصلح للغناء. الرب يدعو الملائكة والبشر القديسين أن يتغنوا بأمجاد الكنيسة عروس المسيح التي اشتراها بدمه. ويقول "أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ".. ما أجمل أن يحرس الرب بنفسه الكنيسة ويرويها بروحه القدوس حتى يتحقق قول المزمور "مجارى الأنهار تُفَرِّحُ مَدِينَةَ اللهِ" (مز45: 4). إن الرب لا يحرس الكنيسة فقط من الشياطين وأعوانهم ولكنه يرويها بتعزيات الروح القدس. وقد استعار النبي من مشاهد ذلك الزمان المدن المحاصرة أنها كانت تعانى من انقطاع المياه عنها في وقت الحصار، وتعانى من الجوع وتحتاج إلى حراسة مستمرة على الأسوار. ولكن الكنيسة بينما تحاصرها قوات الظلمة الروحية فإن الرب بنفسه هو حارسها ولا يستطيع الشيطان أن يقطع عنها مجارى المياه السمائية. لأن السيد المسيح قد وعد قائلًا: "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يو7: 37). كم كانت سعادة السيد المسيح حينما صنع الفداء على الصليب وقلبه ينادى "غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشْتَهَاةِ: أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ". ما أعظم هذا الحب العجيب الذي ستشدو له وتتغنى به جماهير السمائيين المفديين في الأبدية بغير حدود.. |
||||
11 - 03 - 2014, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح في سفر إشعياء - الأنبا بيشوي
الباب الرابع عشر: أورشليم السمائية وأفراح الأبدية هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً يقول الرب بفم إشعياء النبي "لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ. بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إلى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا" (إش65: 17، 18) لقد ختم إشعياء سفره النفيس، بنفس الأسلوب الذي ختم به يوحنا الرسول سفر الرؤيا الذي تضعه الكنيسة حسب التقليد في نهاية أسفار العهد الجديد. وكثيرون يلقبون إشعياء "بالنبى الإنجيلى" لكثرة ما في سفره من نبوات عن السيد المسيح وعن العهد الجديد. يقول يوحنا الرسول في سفر الرؤيا: "ثمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا... ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتُ الْمَمْلُوَّةُ مِنَ السَّبْعِ الضَّرَبَاتِ الأَخِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلًا: هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْحَمَلِ. وَذَهَبَ بِي بِالرُّوحِ إلى جَبَلٍ عَظِيمٍ عَالٍ، وَأَرَانِي الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ... وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلًا، لأَنَّ الرَّبَّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَالْحَمَلُ هَيْكَلُهَا. وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إلى الشَّمْسِ وَلاَ إلى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا. وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ الأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا" (رؤ21: 1، 2 و9-11 و22-24). وبمقارنة النصين أي ما ورد في سفر إشعياء وما ورد في سفر الرؤيا نجد تطابقًا عجيبًا. والكلام هو عن أورشليم السمائية عروس المسيح وكيف أنها مدينة سمائية وستكون بدلًا من الأرض الأولى والسماء أو السماوات الأولى. والمقصود طبعًا بالأرض الأولى والسماوات الأولى أي الأرض المادية والسماوات المادية مثل سماء الطيور وسماء السحب وسماء الكواكب والنجوم. وهذه كلها سوف تزول وتنحل وتتساقط كما شرح القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية "سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا" (2بط 3: 10). وقد تنبأ إشعياء عن أورشليم السمائية بعد أن تكلم عن السماوات الجديدة والأرض الجديدة بقوله: "هَئَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا" (إش65: 18). وبنفس المفهوم ورد في رؤيا يوحنا الرسول "هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا" (رؤ 21: 5). إن الرؤية المسيانية للقديس إشعياء النبي قد وصلت ليس فقط إلى صلب السيد المسيح وقيامته المجيدة والخلاص بدمه الثمين، ولكنها وصلت إلى أعتاب الأبدية حينما تنبأ عن أورشليم السمائية وأفراح الأبدية في سماوات جديدة، وأرض جديدة إذ قال بفم الرب: "افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إلى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ" (إش65: 18). وأضاف إلى ذلك بفم الرب: "فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ" (إش65: 19). وقال يوحنا الرسول في رؤياه: "وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهًا لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ" (رؤ21: 3، 4). ونلاحظ التطابق بين ما ورد في نبوة إشعياء، وما ورد في رؤيا يوحنا الرسول الإنجيلي عن زوال البكاء والدموع والحزن والصراخ في أورشليم السمائية، وبدلًا من ذلك؛ الفرح الأبدى الذي أشار إليه القديس يوحنا بقوله: "هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ الْحَمَلِ قَدْ جَاءَ" (رؤ19: 6، 7). وبهذا نختم تأملاتنا عن "المسيح في سفر إشعياء". وبالرغم من كثرة المقالات التي أوردناها تحت هذا العنوان إلا أن السفر ملئ بأضعاف ما تحدثنا عنه. ولكنها محاولة متواضعة للاقتراب من روائع هذا السفر النبوى النفيس. نفعنا الرب بصلوات القديس إشعياء النبي الإنجيلى. آمين. |
||||
|