الكآبة المقدسة
لاشك أنه توجد كآبة مقدسة، تدفع إليها دوافع روحية، ويسلك فيها الإنسان بأسلوب روحي، وتكون مؤقتة وليست منهج حياة..
1 - مثال ذلك نحميا Nehemiah، الذي لما سمع أن أورشليم سورها منهدم، وأبوابها محروقة بالنار، وشعبها في عار عظيم.. يقول: "فجلست وبكيت، ونمت أيامًا وصليت..." (نح1: 4). حتى أن الملك ارتحشستا لاحظ عليه ذلك وقال له: "ما هذه إلا كآبة قلب" فأجابه نحميا: " كيف لا يكمد وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خراب، وأبوابها قد أكلتها النار" (نح2: 2، 3).
هذه الكآبة دفعت نحميا إلى الصلاة والصوم، وإلى عمل إيجابي فعال أزل به أسباب قد أكلتها النار" (نح2: 2، 3).
2 - ومثل نحميا كان عزرا الذي لما رأي أخطاء الشعب، اكتأب وصام وصلي، نجح في تطهير الشعب، ولم تستمر كآبته (عز9، 10).
3 - ونقرأ في بستان الرهبان عن دموع الآباء القديسين، وعن تلك النصيحة المشهورة: [اجلس في قلايتك وابك على خطاياك].
4 - نسمع أيضًا عن الكآبة التي تصحب التوبة والصوم، وتساعد على التواضع وانسحاق القلب.
ومن أمثلتها ما ذكر عن الصوم في سفر يوئيل (يوء2: 12 - 17). وما ذكر عن صوم أهل نينوى وتذللهم أمام الله في المسوح والرماد (يون3). كذلك توبة داود وكيف كان يبلل فراشة بدموعه (مز6).
كانت كآبة الخطاة تتحول إلى توبة، وتنتهي بالفرح، وبعزاء داخلي في أعماق القلب، وتؤدي إلى إصلاح السيرة كلها.
ولعل هذا ما يقصده الكتاب بعبارة" بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا7: 3).
ونسمع أيضًا عن الكآبة في الخدمة مثل قول القديس بولس الرسول: "مكتئبين في كل شيء، ولكن غير متضايقين" (2كو4: 8).
وهكذا كانت الكآبة في الخدمة مصحوبة بالعزاء، كقول الرسول: "إن الله يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في ضيقة" (2كو1: 4) ولعل من أروع الأمثلة للكآبة المقدسة، أن السيد المسيح في البستان حزن واكتأب (مت26: 37، 38) وكانت نفسه حزينة حتى الموت.
ومن أمثلة هذا النوع أيضًا -مراثي إرمياء- وكثير منها نبوءات عن السيد المسيح. ومع ذلك قال المسيح لتلاميذه:
"لكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 20).
من كل هذا نري أن الكآبة المقدسة تكون لأسباب روحية، ومصحوبة بالعزاء وبالرجاء، وتتحول أخيرًا إلى فرح، وهي مؤقتة وليست صفة مستمرة.