العلاج بالعقاقير والعلاج النفسي للاكتئاب
العلاج بالعقاقير قد يكون مقبولًا، حينما يكون المريض في حالة عصيبة معينة، أو في حالة نفسية لا تقبل التفاهم ولا الحوار، أو في حالة تصميم شديد على ما هو فيه...
فيعونه العقاقير للتهدئة، وربما تهدأ أعصابه، وتصبح في حالة تسمح بالعلاج النفسي...
كأن يكون هناك فكر يرهق المريض جدًا... ويضغط على أعصابه ونفسيته ضغطًا عنيفًا لا يحتمله. بل قد يطرد عنه النوم طردًا من كثرة التفكير.. ولذلك فهو في حاجة ماسة إلى فترة من الراحة، تهدأ فيها أعصابه وبالتتالي تهدأ نفسيته.. وهنا يعطونه العقاقير كمسكنات أحيانًا، أو لكي ينام ويستريح من الفكر.
وهنا قد تبدو العقاقير ضرورة، وبخاصة للمريض الهائج، الذي يرفض الاعتراف بأنه مريض، ويرفض العلاج.
نقول هذا مع اعترافنا بأضرار كثير من العقاقير، وما تحدثه من تأثيرات أخري ضارة بالصحة... ولكن في مثل تلك الحالات الصعبة، ربما لا يجد الطبيب علاجًا غيرها في ذلك الوقت. ولكني أقول في صراحة.. لا يصح أن تكون العقاقير علاجًا دائمًا، أو العلاج الوحيد. ولكن العلاج النفسي في موضوع الكآبة أفضل منها بكثير، حينما يأتي موعده..
إن المريض قد يأخذ المهدئات أو المسكنات أو المنومات، لكي يستريح من الفكر الذي يتعبه. وقد يهدأ أو ينام، ثم يصحو أو يفيق، فيجد الفكر مازال أمامه، فيأخذ قدرًا آخر من العقاقير وتتكرر العملية...
وقد لا يأتي العقار بنتيجة، فتزداد الكمية المعطاة، أو يعطونه عقارًا آخر حتى لا يعتاد العقا الأول، أو عقارًا آخر أشد تأثيرًا، أو يستبدل المسكن بمنوم. ومن كثرة المنومات قد يترهل جسمه أو تضعف ذاكرته، أو يصبح في حالة (دروخة) مستمرة. ويستمر الفكر المتعب معه.
وهنا أحب أن أقول حقيقة هامة وهي:
إن العقاقير ربما تكون لعلاج النتائج وليس لعلاج الأسباب.
والأسباب هي الأفكار والمشاعر التي سببت الكآبة، وأيضًا أسباب هذه الأفكار وهذه المشاعر، وأيضًا نوعية النفسية، ونوعية العقل والتفكير..
ما علاقة العقاقير بكل هذا؟
وإن عالجت العقاقير سببًا، ربما تتلف إلى جواره شيئًا آخر. فإن جعلت المريض ينسي الفكر المرهق، ربما تؤثر على ذاكرته بوجه عام.
إن أسباب الكآبة، قد يصلح لها العلاج النفساني بأسلوب أعمق والمشكلة أن العلاج النفساني يحتاج إلى وقت...
المريض يريد أن يفرع كل ما في داخله، ويحكي كل ما يتعبه. وقد يستمر ذلك بالساعات. والطبيب ليس لديه وقت.. وبخاصة إذا ما تعود المريض هذه الإطالة وحكاية القصص التي لا تنتهي. وهنا قد يسأم الطبيب ويشفق على وقته الخاص.
وسأم الطبيب أو ملله، يجعله لا يستمع أكثر، فيتوقف العلاج النفسي.
ونحن لا نلوم الطبيب، فقد يكون له عذره، وبخاصة إذا كان كلام المريض متكررًا، أو كان يعيد نفس الكلام الذي تعب الطبيب معه في التعليق عليه. وقد يحتج الطبيب بأن تدليل المريض لا يفيده ويشجعه على إطالة الجلسة، أو يؤدي إلى وجود دالة بينه وبين الطبيب فيطلبه باستمرار، وفي أوقات عمله مع آخرين. وفي أوقات راحته..
لاشك أن العلاج النفسي يحتاج إلى وقت، وإلى صبر واحتمال، كما يحتاج أيضًا إلى حكمة، ومعرفة بالنفس البشرية.
فقد يري الطبيب أن شكوك المريض ليس سليمة، وأن ما يقدمه من أسباب لتعبه، هو كلام مبالغ فيه، أو مجرد أوهام، أو الحقيقية عكس ذلك تمامًا. ويشرح كل ذلك للشخص المكتئب، ومع ذلك يبقي مصرًا على فكره، بل ربما يشك أحيانًا في الطبيب ذاته، وفي كفاءته وفي إخلاصه! إنه مرض..
لقد تحولت الكآبة من حرب داخلية أو حرب خارجية، إلى مرض..
وعلينا أن نبحث كل ذلك، لندخل في علاجه. بل ونقدم نوعًا آخر من العلاج، هو العلاج الروحي. وهنا لابد من التعرض لنقطة هامة هي: التدين المريض!