رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 100 (99 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير موكب الشاكرينهذا المزمور الليتورجي هو تسبحة شكر، يقدمها القادمون إلى هيكل الرب والداخلين إلى دياره. غالبًا ما كان يُقدم مع خدمة ذبائح الشكر لله، وهو مزمور تجاوبي antiphonal، يقدمه الشعب أو الجماعة مع خورس المسبحين. هو نشيد أو قصيدة قصيرة لكنها مفعّمة بالحيوية، يستعذبها القلب التقي. مفتاح المزمور أن الفرح في الرب هو الدافع الحقيقي للإيمان والعبادة، خلاله ترتفع قلوب البشر إلى الله. هذا المزمور مسياني، يدعو البشرية كي تختبر الفرح بإنجيل المسيح، وتتمتع بحياة النصرة، وتدخل بدالة إلى هيكل الرب بروح التهليل والهتاف. * العبارات قليلة، لكنها ضخمة بمواضيعها العظيمة. ليت البذار تنبت داخل قلوبكم، والمخازن تُعد لحصاد الرب[1]. القديس أغسطينوس 1. دعوة البشرية للهتاف 1-3. 2. دعوة البشرية للتمتع بالحضرة الإلهية 4-5. من وحي مز 100 العنوان "مَزْمُورُ حَمْدٍ" جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "لداود في الاعتراف"، وفي تفسير القديس أغسطينوس: "مزمور اعتراف". 1. دعوة البشرية للهتاف اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ [1]. مع أن هذا المزمور يخص العبادة في الهيكل أثناء خدمة ذبائح الشكر، لكن العابد الحقيقي وهو يشكر الله على عطاياه الكثيرة، ينفتح قلبه على كل البشرية، فيشتهي أن تتحول الأرض إلى خورسٍ واحدٍ متهلل، يهتف بكل قوةٍ، ويعبد الرب بفرحٍ لا يُنطق به. يقول المرتل: "طوبى للشعب الذي يعرف الهتاف"، وهنا يدعو الأرض كلها أن تهتف للرب. كأن الرب قد خلق البشرية كلها لكي لا يُحرم أحد منها ليس من الفرح فحسب، بل ومن الهتاف الذي لا يُعبر عنه. الخليقة السماوية والأرضية، وخلقة الإنسان نفسه إنما تدعونا للهتاف للرب بلا توقف. أما وقد وعدنا برؤية الخالق نفسه فهذا يفوق كل عطية. لقد كلفه ذلك خلاصًا هذا مقداره وهذه تكلفته! * "اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ" (مز 100: 1)يحثنا هذا المزمور على الهتاف للرب. لا يحدث هذا كمن يحث ركنًا معينًا من الأرض، أو موضع سكنى لمجموعة من البشر، بل لندرك أنها تزرع بركات في كل جانب، في كل موضع توجد بهجة عظيمة. هل كل الأرض تسمع صوتي؟ ومع ذلك فإن كل الأرض بالفعل تسمع هذا الصوت. كل الأرض تبتهج بشدة فعلًا في الرب... لأن البركة ممتدة من كل جانب، حيث بدأت الكنيسة تمتد من أورشليم إلى كل الأمم (لو 24: 27). في كل موضع يهتدي الأشرار، في كل موضع تُبنى التقوى، الصالحون ممتزجون مع الأشرار في كل الأرض. كل موقع مملوء من الساخطين المتمرمرين من الأشرار، وأيضًا من البهجة العظيمة التي للصالحين. ماذا إذن يعني "اهتفي"؟ لأن عنوان المزمور الحاضر يجعلنا ننتبه لهذه الكلمة على وجه الخصوص: "مزمور اعتراف". ماذا يعني الهتاف مع الاعتراف؟ هذا المعنى عُبِّر عنه في مزمور آخر: "طوبي للشعب الذي يعرف الهتاف"... من يهتف لا ينطق بكلمات، إنما هو تعبير للذهن يفيض بالفرح، يعَّبر قدر المستطاع عن مشاعر لا تُحد... متى إذن نهتف؟ عندما نحمد بما لا يمكن أن ننطق به. فإننا نلاحظ كل الخليقة: الأرض والبحر وكل ما فيها، نلاحظ أن كل شيء له مصادره وأسبابه، يحمل قوة الإنتاج، نظام الميلاد، ووجود حد للوجود... الأجيال تتسلسل دون ارتباك، والكواكب تتحرك كما من الشرق إلى الغرب، ويتم نظام السنوات... إني ألاحظ كل الخليقة قدر ما استطيع... متى يمكنني أن أدرك ذاتي في داخلي؟ كيف يمكنني أن أدرك ما هو أعلى مني؟ ومع ذلك فإن رؤية الله قد وُعد بها للقلب البشري، وأن عملًا معينًا لنقاوة القلب يتحقق. هذه هي مشورة الكتاب المقدس...! تأمل ذاتك، وأنظر من أنت؟ ماذا ترى؟ إنسان يرى الله! أنا أدرك أن هذا ليس عن استحقاق الإنسان، بل من رحمة الله. أحمد الله من أجل رحمته![2] القديس أغسطينوس العابدون الحقيقيون يعبدون الآب، لا في أورشليم، ولا على جبل جرزيم[3]. القديس جيروم بما أن سيادته حليمة، ونيره طيب، وحمله خفيف، فلا نعمل بضجرٍ وكآبة، لأنه هو الذي صنعنا، واخترعنا من العدم إلى الوجود. ولسنا نحن خلقنا بعضنا بعضًا، لأن الوالدين ليسا هما السبب بميلادنا، بل الله هو الذي يأمر بتصور الطفل في البطن. الأب أنسيمُوس الأورشليمي ادْخُلُوا إِلَى حَضْرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ [2]. كأن الله يدعو البشرية للعبادة له، لا كواجبٍ نلتزم به، وإنما لكي ما ننعم بحضرته، فتتهلل قلوبنا بالفرح. نُسر به، ويقبل هو عبادتنا، إذ يُسر بسرورنا وفرحنا. * "اعبدوا الرب بفرحٍ". كل عبودية مملوءة مرارة. كل من يرتبط بنصيب من العبودية هم عبيد ساخطون. لا تخافوا من عبودية هذا الرب، فإنه لا يوجد تنهد هناك، ولا سخط ولا نقمة. لا يوجد من يطلب أن يُباع لسيد آخر، إذ هي خدمة عذبة، لأننا جميعًا مخلَّصون. إنها أيها الإخوة سعادة عظيمة أن تكون عبدًا في هذا البيت العظيم، وأن كنت في قيود. لا تخافوا أيها العبيد المقيدون، اعترفوا للرب، انسبوا هذه القيود لاستحقاقكم، اعترفوا في سلاسلكم، إن أردتم أن تحولوها إلى حلي... فأنت عبد وحر، عبد، لأنك خُلقت هكذا. وحر، لأنك محبوب من الله الذي خلقك. نعم أنت حر، لأنك تحب الذي صنعك. لا تخدم بقنوطٍ، فإن تذمرك لا يحررك من الخدمة، بل يجعلك عبدًا شريرًا. أنت عبد للرب، أنت حر في الرب. لا تطلب أن تُعتق فتترك بين من يحررك[4]. * عندما تنام على سريرك، تذكر بركات الله، وعنايته بك، وأشكره على هذا، فإذ تمتلئ بهذه الأفكار تفرح في الروح. وعندئذ يكون في نوم الجسد سموًا لنفسك، وإغلاق عينيك بمثابة معرفة حقيقة للّه، وصمتك وأنت مشحون بمشاعر صالحة هو تمجيد لله القدير من كل القلب وكل القوة، مقدما لله تسبيحًا يرتفع إلى الأعالي. لأنه عندما لا يوجد شر في الإنسان، فإن الشكر وحده يرضي الله أكثر من تقدمات ثمينة، هذا الذي له المجد إلى دهر الدهور. آمين. القديس أنطونيوس الكبير لا تجعلوا ألسنتكم تفرح جدًا، بل دعوا ضمائركم أن تفرح. "ادخلوا إلى حضرته بترنمٍ"[5]. القديس أغسطينوس هُوَ صَنَعَنَا وَلَهُ نَحْنُ شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ [3]. * من لا يعرف أن الرب هو الله؟ إنما يتكلم هنا عن الرب الذي ظن البشر أنه ليس الله. "اعلموا أن الرب هو الله". لا تجعلوا الرب أن يكون مُستهانًا به في نظركم. لقد صلبتموه، وجلدتموه، وبصقتم عليه، وكللتموه بالشوك، وألبستموه ثوبًا للسخرية، ورفعتموه على الصليب، ووضعتم فيه مسامير، وطعنتموه بالحربة، وأقمتم حراسًا على قبره. إنه الله "هو صنعنا، ولم نصنع أنفسنا"... لقد رفعتم ذواتكم، ومجدتم أنفسكم كما لو كنتم قد خلقتم أنفسكم. كان الأفضل لكم أن الذي صنعكم يجعلكم كاملين... وله نحن شعبه وغنم مرعاه"... لقد ترك التسعة وتسعين ونزل يبحث عن الواحد. لقد رده على منكبيه، وخلصه بدمه. هذا الراعي مات دون خوف من أجل القطيع، هذا الذي بقيامته اقتنى قطيعه[6]. القديس أغسطينوس خلص الذين في أحزان، ارحم المتواضعين. أقم الساقطين. اظهر ذاتك للمحتاجين. المرضى اشفهم؛ الضالين من شعبك ردّهم؛ الجياع أشبعهم؛ المأسورين اعتقهم؛ الضعفاء أنعشهم؛ صغيري القلوب عزّهم، فلتعرفك كل الشعوب أنك أنت هو الله (١ مل ٨ : ٦٠) ويسوع المسيح هو ابنك، ونحن شعبك وغنم رعيتك (مز ١٠٠ : ٣)[7]. القدِّيس إكليمنضس الروماني 2. دعوة البشرية للتمتع بالحضرة الإلهية ادْخُلُوا أَبْوَابَهُ بِحَمْدٍ، دِيَارَهُ بِالتَّسْبِيحِ. احْمَدُوهُ، بَارِكُوا اسْمَهُ [4]. * "ادخلوا أبوابه بالاعتراف". عند الباب تكون البداية، ابتدئوا بالاعتراف... اعترفوا أنكم لم تصنعوا أنفسكم بأنفسكم، احمدوا ذاك الذي صنعكم. ليأتِ صلاحكم من عنده. باعتزاله يحل بكم شركم. "أدخلوا أبوابه بالاعتراف". ليدخل القطيع من الأبواب، ولا يبقى خارجًا فريسة للذئاب. ليكن الباب، الذي هو البداية لكم، هو الاعتراف. فقد قيل في مزمور آخر: "ابدأوا للرب بالاعتراف" (راجع مز 147: 7)... حتى عندما تدخلون دياره اعترفوا. متى لا يكون بعد هناك اعتراف عن الخطايا؟ في تلك الراحة حين تكونون في شبه الملائكة. لكن لاحظوا ماذا أقول. هناك لا يكون اعتراف عن خطايا، لكن لم أقل لا يوجد اعتراف، إذ يوجد هناك اعتراف بالحمد. ستعترفون إلى الأبد، أنه هو الله، وأنتم مخلوقاته أنه حاميكم وأنتم محميون. القديس أغسطينوس الأب أنسيمُس الأورشليمي إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ، وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ [5]. * لا تظنوا أنكم ستملون من تسبيحه. تسبيحكم له يشبه طعامًا، كلما قمتم بتسبيحه، تنالون بالأكثر قوة، والذي تسبحونه يصير أكثر عذوبة بالنسبة لكم. "إلى الأبد رحمته". فإنه لا يكف عن أن يكون رحيمًا، بعد أن يحرركم. إنه أمر يخص رحمته أن يحميكم حتى في الحياة الأبدية "إلى الأبد رحمته، وإلى دور فدور أمانته". لتفهموا "إلى دورٍ فدورٍ"، إما في كل جيل (دورٍ) أو في جيلين: جيل أرضي وجيل سماوي. هنا جيل ينجب من هم قابلين للموت، وآخر ينجب الأبديين. حقه (أمانته) هنا وهناك[8]. القديس أغسطينوس صرخة للثالوث القدوس للتمتع بالتسبيح نختم هذا المزمور الذي يدعونا للتسبيح في هذا العالم كما في الحياة الأبدية بصرخة تخرج من قلب القديس مار يعقوب السروجيمنأعماق قلبه يطلب منالثالوث القدوس لكي يتمتع بالتسبيح. * أيها الآب الرحوم، الذي خلصنا بدم وحيده، منك آخذ القوة لوصف وحيدك. أيها الابن الحقيقي، الذي جاء عندنا ليحررنا، بك ولأجلك أتكلم عن تجليك. أيها الروح القدس، معلم الجهلة والبسطاء، بك أفقه وأثير ميمرًا كله عجب. أيها الآب الوالد، أعطني كلمة لأجل ابنك لأتحدث عن خبره بمحبة وبإسهاب. أيها الابن المولود، أعلن في جمالك لأجل أبيك، ليتحدث فمي وصوته عال بتسبيح جديد. أيها الروح الشفيع، الذي به تُزمر كل البشارة، بك يتقلب لساني الضعيف على تسبيحك. أيها الآب، الذي أرسل ابنه الحبيب ليصير أخا لنا، افتح شفتي للتحدث عن وحيدك (مز 51: 17). أيها الوحيد، الذي أعطانا كل ثروة أبيه، لتتحرك كلمتي بغنى أسرارك نحو السامعين. أيها الروح، الذي خرج ومهد الصعاب أمام التلاميذ، مهد السبيل للميمر العجيب الذي هاج ليشرق من قبلي. أيها الآب، الذي منه الكل، وكل ما صار هو لأجله، منك آخذ حجة للميمر غير المحدود. أيها الابن، الذي الكل في يده، وبدونه لا يوجد شيء، بك أزمر لأبيك تسبيحًا مليئًا تمييزًا (يو 1: 3). أيها الروح، يا كنز النبوة والرسل، اعطني غنى من خزائنك لأوزعه. أيها الآب، الذي بمحبته أسلم ابنه لأجل الخطاة، تكلم عوضي مع السامعين لأجل ابنك. أيها الابن، الذي تنازل ليصير منا وهو ربنا، أشرق في بعجب فيشرق نورك من عباراتي. أيها الروح، الذي خفض كل الأعالي الهمجية، أنت هيئ دربًا لكلماتي الوهنة[9]. من وحي مز 100 لتهتف أعماقي لك! * خلقتني كسائر البشر، لكي تهتف أعماقي متهللة بك. أتأمل الخليقة، فأذوب أمام حكمتك ورعايتك وحبك! كل ما في الخليقة يشهد لعظمتك وعنايتك! * اعترف لك أنني أقف في دهشة، فإنني لا أعرف حتى أسرار جسدي ونفسي وكل أعماقي! إن كنت أدهش لأسراري التي هي صنع يديك، فكيف أعبر عن دهشتي لعظمتك وحكمتك. * اعترف لك إنني لا أرى حتى نفسي التي هي في جسدي، هي سرّ لا أعرفه أنا نفسي. لكنك وعدتني أن أراك. هيأت لي قلبًا يتنقى، فيبصرك يا خالق الكل! قدمت لي دمك كفارة عن خطاياي، تغسل بصيرتي الداخلية، فأنعم برؤية بهائك! * تدعوني أن أتعبد لك، وأنت لست محتاجًا إلى خدمة السمائيين والأرضيين. لست تصدر أمرًا كواجبٍ نلتزم به. لكن في حبك العجيب لنا، تود أن ننعم بحضرتك مصدر الفرح والبهجة. أعبدك فألتقي بك. تترنم أعماقي، ويبتهج قلبي، وتذوب عواطفي بالحب، وينطق لساني بالتسبيح. أصير أشبه ببوقٍ لا يكف عن الهتاف. وعودٍ يعزف روحك القدوس على أوتاره. يُخرج لحنًا عجيبًا هو من عمل روحك القدوس. * بإرادتك تركت السمائيين، ونزلت تبحث عن الخروف الضال. أخليت ذاتك، وأخذت شكل العبد. قبلت الخزي والعار لكي تردني إلى المجد! احتملت الآلام حتى الصلب، لكي تحررني، وترفعني إلى السماء. اعترف لك أنك أنت هو الله. أنت هو الباب، بدونك كيف أدخل إلى سماواتك؟! اعترف لك أنك خالقي. بدونك لم يكن لي وجود. أنت هو مخلصي، وحدك تهبني الكمال. بدونك لا انعم بالصلاح، بل يلتصق بي شري. * تسبيحك سند لنفسي. هو طعامها في الأبدية. به تتقوى وتنمو. كلما تذوقته زادت حلاوته! |
|