رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 98 (97 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير تسبحة جديدة للخلاص والدينونةيرى القديس جيروم أن هذا المزمور هو دعوة لتقديم تسبحة جديدة، لأن قصة ابن الله المصلوب هي تسبحة جديدة لم يُسمع عنها من قبل، أو لم تُدرك من قبل كما يليق بها. يقترب هذا المزمور من المزمور 96 ليس فقط من جهة روحه ومفاهيمه بل وأيضًا بعض عبارته. يهتف هذا المزمور مثل المزمورين السابقين (96، 97) للرب كملك المسكونة، يقدم المزمور كله حمدًا لله. يفيض كله بالفرح والبهجة. يرى بعض الدارسين أنه مزمور خاص بالعودة من السبي، لكنه هو مزمور يُقدم عن كل أعمال الله الخلاصية وأعماله العجيبة من أجل كنيسته المحبوبة لديه. 1. حث على حمد الرب 1-3. 2. هتاف الأرض كلها 4-6. 3. شركة الطبيعة في الهتاف 7-9. من وحي مز 98 1. حث على حمد الرب رَنِّمُوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، لأَنَّهُ صَنَعَ عَجَائِبَ. خَلَّصَتْهُ يَمِينُهُ وَذِرَاعُ قُدْسِهِ [1]. يليق بنا إذ نتمتع بعمل المسيح الخلاصي الذي لن يشيخ، فنقدم دومًا تسبحة جديدة بقلب جديد وفكر متجدد. أعمال الله العجيبة الدائمة تبعث فينا فرحًا داخليًا، كأنه جديد، وبهجة مستمرة، فنردد مع إرميا النبي: "لأن مراحمه لا تزول، هي جديدة في كل صباحٍ" (مرا 3: 2-23). * "رنموا للرب ترنيمة جديدة". الاسم الجديد يستحق ترنيمة جديدة. هذا الفكر جوهري لما يقوله الكتاب المقدس في موضع آخر: "تُسمين باسم جديد" (إش 62: 2) الاسم الجديد يليق بترنيمةٍ جديدةٍ. جاء في سفر الرؤيا: "من يغلب، فسأعطيه حصاة بيضاء، وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب" (رؤ 2: 17؛ 3: 12). الاسم الجديد هو الخاص بالمسيحيين... لماذا يليق به ترنيمة جديدة؟ "إنه صنع عجائب". صنع عجائب بين اليهود: شفى مفلوجين، وطهر برص، وأقام موتى إلى الحياة... أي شيء جديد يصنعه يليق به ترنيمة جديد؟ أتريدون أن تعرفوا ماذا فعل من جديد؟ مات الله مثل إنسانٍ لكي يحيا البشر. صُلب ابن الله، لكي يرفعنا إلى السماء... مع أنه كان في شكل الله قبل أن يصير في شكل إنسان، فعل هذا لينقص لكي به نحن نزداد. "خلصته يمينه". هذا معناه أنه خلص البشرية صنعته، وليس من صنع آخر. بمعنى آخر، ما قد صنعه بنفسه خلصه لنفسه. لقد صنع الإنسان للحياة الأبدية، الإنسان الذي هلك خلال رذيلته، مات لكي بيمينه يحفظ الإنسان لنفسه. "يمينه" في هذه العبارة ترمز لسلطانه، و"ذراعه" رمز لقوته... لأن هذا المزمور يتحدث عن المسيح، فإن يمين الرب وذراعه يمثلان سلطانه[1]. القديس جيروم * ما هي ذراع الرب المقدسة؟ ربنا يسوع المسيح. اسمعوا إشعياء: "من صدق خبرنا، ولمن ُاستعلنت ذراع الرب؟" (إش 53: 1). ذراعه المقدسة ويمينه إنما هو نفسه. ربنا يسوع المسيح هو ذراع الله ويمينه[3]. * هذه اليمين عينها، هذا الذراع عينه، هذا الخلاص بعينه هو ربنا يسوع المسيح الذي يُقال عنه: "ويبصر كل بشرٍ خلاص الله" (لو 3: 6). عنه أيضًا سمعان الذي احتضن الطفل قال: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك" (لو 2: 29-30)... لمن أعلن خلاصه؟ هل إلى جزء أم إلى الكل؟ ليس إلى جزءٍ على وجه الخصوص. ليته لا يضلل أحد، لا يقل أحد: "هوذا المسيح هنا أو هناك" (مت 24: 23)... اسمعوا ماذا تبع ذلك: "لعيون الأمم كشف برّه"[4]. القديس أغسطينوس لِعُيُونِ الأُمَمِ كَشَفَ بِرَّهُ [2]. الله ديان الأرض كلها عادل وبار، وهو محب للبشرية يطلب خلاصها لا هلاكها، لهذا يعلن خلاصه وبرّه لعيون الأمم. * "أعلن الرب خلاصه". لم يقل المرتل: "أظهر"، إنما قال "أعلن". فالنقطة هنا هي أن الجنس البشري قد عرف الله، لكن بسبب رذيلته نسي أنه عرفه. جاء الله بإرادته، وأعلن للإنسان ما قد فقده. فالعبارة هنا تقول: ذاك الذي عرفه آدم، وعرفه شيث، ودعاه نوح وصار رجاؤه فيه، عرفه نوح، لكن بعد ذلك نسيه الجنس البشري، فجاء لكي يعلنه من جديد[5]. القديس جيروم رَأَتْ كُلُّ أَقَاصِي الأَرْضِ خَلاَصَ إِلَهِنَا [3]. الله أمين في وعوده، رحوم ليس لبيت إسرائيل فحسب، بل ولكل البشرية. * من هو إسرائيل؟ لئلا تظنوا أنه يفكر في أمةٍ واحدةٍ لليهود، اسمعوا ما تلي ذلك: "رأت كل أقاصي الأرض خلاص إلهنا". لم يقل "كل الأرض"، وإنما "كل أقاصي الأرض"، من أقاصيها إلى أقاصيها. ليته لا يحطم أحد هذا، ليته لا يشتت أحد هذا، عظيمة هي وحدة المسيح. الذي دفع ثمنًا عظيمًا كهذا اشترى الكل: "كل أقاصي الأرض"[6]. القديس أغسطينوس "رأت كل أقاصي الأرض خلاص إلهنا"، ليس فقط إسرائيل واليهودية، بل كل الأراضي ترى خلاصه. عبارة "أقاصي الأرض" تحمل معنى يرّيًا. فإننا مادمنا في وسط العالم، لا نستطيع أن نرى الله، لكننا إذ نترك العالم كمن يبلغ الأعالي عندئذ نتأهل لرؤية الله[7]. القديس جيروم 2. هتاف الأرض كلها اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ. اهْتِفُوا وَرَنِّمُوا وَغَنُّوا [4]. * "اهتفي لله يا كل الأرض". ليس اليهودية وحدها، بل كل الأرض، تهتف للرب. أجلبي كل شعارات الجيش المنتصر... رنمي بكل كيانك. ليت يدكِ ترنم بالعطاء، وقدميك بالإسراع نحو العمل الصالح[8]. القديس جيروم بِعُودٍ وَصَوْتِ نَشِيدٍ [5]. يرى القديس جيروم أن المؤمن أشبه بعودٍ أو قيثارةٍ تعزف لحنًا يسبح الله، إن فسد وتر واحد من العود أو انكسر لا يعطي العود لحنًا جميلًا! * "رنموا للرب بعودٍ". لتعطِ كل الأوتار صوتًا. فإن توقف وتر واحد، لا يكون ذلك عودًا. ماذا يفيدك إن كنت طاهرًا، وفي نفس الوقت طماعًا. ماذا يفيدك إن كنت طاهرًا وسخيًا في العطاء، ولكن في نفس الوقت حاسدًا؟ ماذا يفيدك إن كان لك ستة أوتار صالحة، ووتر واحد مكسور؟ فإنه إن كان وتر واحد مكسورًا، فلا يمكن أن تكون القيثارة كاملة في إصدار صوتها[9]. القديس جيروم القديس أغسطينوس اهْتِفُوا قُدَّامَ الْمَلِكِ الرَّبِّ [6]. يربط القديس أمبروسيوس التسبيح لله باستخدام الأبواق (مز 98: 6) التي كانت تستخدم من قرون الحيوانات، وبين الحيوانات الطاهرة التي لها قرون (تث 14: 4). فإن الإنسان الطاهر يستخدم الأبواق، كما لو كان له قرون، ليعلن النصرة في معركته ضد إبليس، وتحرره من عبودية العدو ونيرها الثقيل[11]. * "بالأبواق وصوت الصور". نقرأ في سفر العدد (أصحاح 10) عن وجود نوعين من الأبواق: واحد طويل من الفضة، والآخر بوق من القرن. كلاهما مذكوران في هذه العبارة... اسمعوا ماذا يرمزان. البوق الفضي الطويل هو كلمة الله. "كلام الرب كلام نقي كفضةٍ مصفاة ممحوصة سبع مرات" (راجع مز 12: 6). ومن الجانب الآخر فإن صوت القرن يمثل إنسان الله في كل سلطانة. في الكتاب المقدس يعني القرن حسنًا الملوكية والسلطان، كما هو مكتوب: "أقام لنا قرن خلاصنا" (لو 1: 69)... انظروا إذن ماذا يعني المرتل هنا؟ ليكن لكم بوقان: الفضي للكلام، والقرن للقوة[12]. القديس جيروم أجسر فأقول يا إخوتي لأن الرسول ضُرب بذات المطرقة، إذ يقول: "ُأعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني" (2 كو 12: 7). انظروا إنه تحت المطرقة. لنسمع ماذا يقول عنها: "من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني، فقال لي: "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل" (2 كو 12: 8-9)... ما هو صوت الصور؟ يرتفع القرن (الصور) فوق الجسد، يرفعه أعلى الجسد يكون قويًا وقادرًا أن يتكلم. إنه يتعدى الجسد. من يريد أن يكون بوقًا من القرن فليغلب الجسد... يتعدى الشهوات، يغلب شهوات الجسد. اسمعوا أبواق الجسد، لا تطلبوا الأمور الجسدية[13]. القديس أغسطينوس الأب قصريوس أسقف آرل 3. شركة الطبيعة في الهتاف لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ، الْمَسْكُونَةُ وَالسَّاكِنُونَ فِيهَا [7]. إن كنا مدعوين كمؤمنين أن نصير خورس لتسبيح الرب مع السمائيين، فإن الطبيعة من بحار وأنهار وجبال الخ.، مدعوة أيضًا أن تشترك معنا كخورس في تسبيح خالقها. ابتدأ بإسرائيل [1-3]، ثم ضم كل الأرض [4-6]، وأخيرًا دعا كل الخليقة للترنم [7-8]. * ليعج البحر، ولتتحول المياه المالحة إلى حلوة. ففي الحقيقة تحولت مارة وصار لها طعم عذب. ليس شيء حوّل ذلك الماء المر إلى العذوبة سوى خشبة الصليب التي سقطت فيها. هذا ما تعنيه مارة: مر. هذا الماء المر الذي للعهد القديم تقبَّل خشبة الصليب فصار حلوًا (خر 15: 25)[15]. * ليعج البحر، لقد أشرنا أن هذا يشير إلى ناموس موسى. لتصفق الأنهار بالأيادي، أي الأنبياء. لترنم الجبال معًا في حضرة الرب، أي الرسل[16]. القديس جيروم القديس أغسطينوس الْجِبَالُ لِتُرَنِّمْ مَعًا [8]. في تعليق القديس يوحنا الذهبي الفم على قول الرسول: "لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله" (رو 8: 19) يقول: [مثال بولس أكثر حسمًا، إذ يشخصن الخليقة بالطريقة التي فعلها الأنبياء عندما تحدثوا عن الأنهار أنها تصفق بأياديها وهكذا[18].] * الأنهار التي شربت من الينبوع: يسوع! لقد تركوني أنا ينبوع المياه الحية (إر 2: 13). هذه هي الأنهار التي تفيض من ينبوع المسيح. هو الينبوع، ونحن الأنهار، إن كنا بالحق نستحق أن نكون أنهارًا. المسيح هو الينبوع، والقديسون هم الأنهار، والأقل في القداسة هم نهيرات صغيرة، آخرون هم مجاري صغيرة... لا يوجد نهر واحد، بل أنهار كثيرة، إذ يوجد قديسون كثيرون... ليتهم يصفقون بالأيادي: عمل القديسين هو التسبيح لله. المسيح لا يُسبح بالكلام بل بالعمل. لا يطلب صوتًا بل عملًا[19]. القديس جيروم * يقصد بالتلال العظماء. يأتي الرب ويدين الأرض، فيفرح العظماء. لكن توجد تلال ترتعب عندما يأتي الرب ليدين العالم. توجد تلال صالحة وتلال شريرة التلال الصالحة هي العظيمة الروحية، والتلال الشريرة هي عجرفة الكبرياء[21]. القديس أغسطينوس الأب قيصريوس أسقف آرل فإذا خضت المعركة، فلتقل مع بولس: "صرنا منظرًا للعالم، للملائكة والناس" (1 كو9:4). فكل العالم، كل الملائكة إلى اليمين وإلى اليسار، كل الناس، بمن فيهم من هم في جانب الله (تث 29:32؛ كو 12:1)، والآخرون كلهم سينصتون إلينا ونحن نكافح من أجل مسيحيتنا. فإما أن تبتهج بنا ملائكة السماء، وتصفق الأنهار بالأيدي، وتفرح الجبال، وتصفق كل أشجار الوادي بأغصانها (مز 8:97؛ إش 12:55LXX)، أو الله لا يسمح أن تغمر الفرحة الخبيثة العالم السفلي ابتهاجًا بسقوطنا[23]. العلامة أوريجينوس يَدِينُ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ وَالشُّعُوبَ بِالاِسْتِقَامَةِ [9]. * وضع العدل أولًا، وبعد ذلك الاستقامة... إنه يأتي ليدين بعدله حتى يرد الارتباك إلى التدبير الحسن[24]. القديس جيروم القديس أغسطينوس من وحي مز 98 ضمني إلى خورس المسبحين * عجيب أنت أيها الخالق المحب لكل خليقتك! تدعو الكل كخورسٍ واحدٍ للتسبيح. لست محتاجًا إلى تسبيحنا ولا إلى خدمتنا، لكنك ينبوع الفرح والبهجة. تشتاق أن تنضم الأرض كلها إلى السماء. ويصير الكل خورس تسبيح مملوء هتافًا وفرحًا. * هب لي أن أنضم إلى خورس المسبحين. فلا أعرف سوى الهتاف والتصفيق بالأيدي. أسبحك بقلبي وفكري وكل عواطفي. ينطق فمي بكلمات التهليل، وتتقدس شفتاي بتسبيحك! وتمارس يداي عمل الخير، أسبحك لا بالعواطف والكلام فحسب، بل وبتصرفاتي وسلوكي. كل كياني يهلل لك! * ليعمل روحك القدوس فيَّ كما في قيثارة. يضرب على كل أوتاري. تتقدس عواطفي مع قلبي وفكري. وتتقدس كلماتي مع أعمالي. وأقدم بالحق سيمفونية حب هي من عمل روحك الناري! * ليعج البحر بالتسبيح لك، إذ تتحول مياهه المالحة إلى مياهٍ عذبة، حين تعمل خشبة الصليب فيه. تحول ملوحة حرفية الناموس إلى عذوبة الروح! ولتصفق الأنهار بالأيادي. إذ تسبحك أعمالنا وتمجدك مع ألسنتنا. ولترنم أيضًا معًا الجبال. حين نرتفع كما إلى الأعالي، ونشهد لبهائك! هب لي أنا الضعيف نصيبًا أن أسبحك بكل كياني! * هب لي يا رب أن أرنم لك بالأبواق وصوت الصور. أقمت من أيوب بوقًا معدنيًا، سمحت له أن يُضرب بمطرقة التجارب، فترنم لك بتسبحة عذبة: الرب أعطى، الرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا. جعلته بوقًا عجيبًا في العهد القديم. لنسمع أيضًا بوق العهد الجديد: معلمنا بولس. طرقته بشوكة في الجسد. صرخ إليك، وإذ قبل التجربة برضا. صار بوقًا عاليًا، لا يزال صوته يدوي في أذان قلوبنا. * هب لي أن أصير أيضًا بوقًا من القرن. ليكن لي قرنًا فوق جسدي. فلا أنحني لشهوات الجسد، ولا أطلب الجسديات. تهبني بروح القوة أن اسلك بالروح لا بالجسد. فأحيا بروح القوة، وأتمتع بالنصرة بعمل روحك الناري فيّ. |
|