أمريكا والأقباط.. كم من الجرائم تُرتَكب باسم «حماية الأقليات»
فى عام 1975، كانت أول مظاهرة لأقباط المهجر فى واشنطن ضد نظام الرئيس الراحل أنور السادات والأحداث الطائفية التى شهدتها مصر وقتها وراح ضحيتها عدد من الأقباط، وهى المظاهرة التى دشنت نظرية الحماية الأمريكية للأقباط، فى إطار شعارات كانت ترفعها الولايات المتحدة عن حماية الأقليات والحريات الدينية فى العالم. جاءت تلك المظاهرة فى إطار «حسن الظن» بوقوف أمريكا إلى جانب الأقباط لوقف أعراض الاضطهاد التى بدأت تظهر على أيدى الجماعات الإسلامية المدعومة من الرئيس شخصياً، وتزامنت مع زيارة السادات لواشنطن؛ حيث استقبله الأقباط بهتافات معادية، وإعلانات مدفوعة تعبر عن آلامهم فى صحيفتى «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست».
تنامت نظرية حماية أمريكا للأقباط على مدى الأربعين عاما الماضية لتعطى أمريكا الغطاء السياسى الذى يسمح لها بالتدخل فى الشأن الداخلى المصرى، وظل الأقباط، خاصة أقباط المهجر، منذ منتصف السبعينات يمارسون الضغوط المختلفة على الحكومات الأمريكية المتعاقبة، بشأن انتهاكات حقوق الأقباط فى مصر، عبر تنظيم المظاهرات الغاضبة فى واشنطن ومختلف الولايات الأمريكية بالتزامن مع زيارة أى رئيس أو مسئول للبيت الأبيض، بخلاف الحملات الإعلامية فى وسائل الإعلام الأمريكية، وجذب بعض نواب الكونجرس من اليمين المسيحى المحافظ لصفهم، للتهديد بقطع المساعدات تارة والتدخل العسكرى تارة، مع كل أزمة طائفية يسقط فيها ضحايا أقباط، ومع تلك الضغوط تنهال بيانات الشجب والإدانة، وأحياناً لفت نظر الحكومة المصرية، بينما يأتى ذكر الأقباط فى فقرة أو اثنتين من تقرير الحريات الدينية الذى تصدره وزارة الخارجية الأمريكية كل عام، ما يهلل له أقباط المهجر الباحثون عن الشهرة والزعامة والارتزاق من «العم سام»، فيما لا يغير ذلك شيئاً من واقع أقباط الداخل؛ حيث تبرَم خلف الستار الصفقات الأمريكية مع الحكومات المصرية الواحدة تلو الأخرى، إما بحصد مكاسب أمريكية من مصر لصالح إسرائيل، وإما بكسر شوكة مصر وإفشال أى محاولة للخروج من قبضة السيد الأمريكى، لتولى بعدها أمريكا وجهها عن الأقباط الذين لعبت بورقتهم من أجل تلك الصفقات، لبسط نفوذها فى الداخل المصرى، إلا أن تلك الألاعيب لم تنطلِ كثيراً على أقباط الداخل والكنيسة قبل وبعد ثورة 25 يناير.وعلى مدى 3 أعوام من الثورة، تجاهلت أمريكا الأقباط، وغضّت النظر عمَّا يتعرضون له مع تصاعد مد جماعات الإسلام السياسى وتحت حكم الإخوان، وظهر جلياً للكافة أكذوبة الدفاع عن الحريات الدينية وحقوق الأقليات عقب ثورة 30 يونيو؛ ففى الوقت الذى انبرت فيه أمريكا لتهاجم الحكومة المصرية بدعوى وحشية فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة»، ووصفهما بالتظاهرات السلمية، لم تعر اهتماماً لعشرات الكنائس والمنشآت القبطية التى حرقها الإخوان وأنصارهم فى كافة المحافظات، ووصل بها الاستخفاف بحرمة الدم القبطى إلى قيام جوش أرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، بالاستهزاء بما حدث للأقباط على أيدى أنصار «المعزول» والإخوان، حين قال له أحد الصحفيين: إن على «أوباما» وإدارته أن يضعا خطاً أحمر لحرق الكنائس فى مصر. فأجاب: «ليس معى قلم أحمر»، ليسقط بذلك تماماً وهم الحماية الأمريكية للأقباط.ويقول الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية أسقف عام كنائس وسط القاهرة: إن الكنيسة والأقباط يعلمون، منذ زمن، أن أمريكا ليس لها مبدأ؛ فمبدؤها مصلحتها ومصلحة إسرائيل، والجميع كان معتقداً أن أمريكا يهمها حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق المسيحيين، لكنها أبعد ما تكون عن كل ذلك؛ فهى تسير بسياسة «مصلحتها ومصلحة إسرائيل فوق كل شىء»، والكنيسة والأقباط يعلمون جيداً أنه لن يهتم بهم أحد سوى بلدهم والمحيطين بهم من إخوانهم المسلمين المعتدلين، لكن الأجانب لن يبكوا على الأقباط.