رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ذكريات المحبة مع الله تقول عذراء النشيد "حبيبي لي، وأنا له" (نش2: 16). وتقول طلبت من تحبه نفسي.. أرأيتم من تحبه نفسي" (نش3: 1، 2). ونود هنا أن نتكلم عن هذه المحبة وذكرياتها. خبرات الحياة مع الله: ما أجمل أن نري النفس البشرية هنا تسجل ذكرياتها الروحية مع الله، وتحكي خبراتها وعشرتها وتاريخها.. تمامًا كما فعل سليمان في سفر الجامعة، وحكي حياته مع الرب وعلاقته به، وكيف مرت به مشاعر متنوعة حتى وصل إلي الله.. إنه لون من الاعتراف.. قصة النشيد، قصة نفس عاشت مع الله، واختبرت الحلو والمر، جربت المتعة في مذاقة الله، وجربت البعد عنه. أختبرت جبل التجلي، كما أختبرت بستان جثسيماني، قالت في خبرتها " صوت حبيبي قارعًا افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي" شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني". واختبرت أيضًا التخلي والحرمان بقولها "حبيبي تحول وعبر" طلبته فما وجدته".. اختبرت كيف تكون سوداء، وكيف تكون جميلة.. سمعت عبارة "أنت جميلة يا حبيبتي، عيناك حمامتان". وقالت في مقابلها "بنو أمي غضبوا علي، جعلوني ناطورة الكروم".. مشت في طريق الرب الطويل، بهدوئه وبمشاكله، بما فيه من نجاح ومن فشل. ومازالت تقول لكم إن من أصدق أوصافه، قول الرب لنوح بعد الطوفان "مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد، وبرد وحر، وصيف وشتاء، ونهار وليل، لاتزال" (تك8: 22). لن تعيشوا أيها الأحباء في نهار دائم، وفي حرارة دائمة ودفء دائم. لابد أن يكون في حياتكم أيضًا: ليل وبرد وشتاء.. ستختبرون هذا، مهما كنتم من أبناء النور، ومن أبناء النهار.. وهذه العروس تحكي فترات الحرمان والبعد، وبحثها عن الله دون أن تجده، وضرب الحراس لها، ونزع إزارها عنها.. ولكن كل ذلك لم يفقدها محبتها لله. وفي فترات الحرمان، كانت تقول "أرأيتم من تحبه نفسي؟".. لم تفقد حب الله إطلاقًا، وإن كانت قد فقدت عشرته أحيانًا. الحب في قلبها علي الدوام، مهما ضعف الجسد، ومهما بدا من الخارج أنها بعيدة، تطلب فلا تجد.. علاقتها بالله هي علاقة حب، وليست علاقة رسميات ولا علاقة واجبات ووصايا، ومجرد طقوس وناموس مما انتقده الرب في سفر اشعياء (أش1)، ولا هي علاقة خوف.. إنما هي علاقة حب، مبني علي أسس عميقة باستمرار.. عندما تتكلم عن الله لا تقول "إلهي" إنما في كل مناسبة تقول عنه "حبيبي" "الذي تحبه نفسي". كما أنه علمنا في الصلاة "يا أبانا" علامة علي الحب.. وهكذا تقول هذه النفس "حبيبي لي وأنا له" كالتفاح بين شجر الوعر، كذلك حبيبي بين "تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي.." (نش2: 3). إياكم أن تنظروا إلي الله كمجرد جبار يحكم السماء، بل عليكم أن تحبوه من كل القلب. هكذا علمتنا المسيحية.. محبة الله هي الأساس، هي الوصية العظمي. وكل الفضائل، وكل الوصايا، وكل الممارسات الروحية، إنما تنبع من هذه المحبة. ولا توجد وصية منفصلة بذاتها. فكل الفضائل ماهي إلا تعبير عن حب الإنسان لله، ونتيجة لهذا الحب.. يقول الرب "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو15) أما حفظ الوصايا بدون حب، فليس هو عملًا روحيًا، وليس هو فضيلة مسيحية. هناك أناس يسلكون حسنًا بالمستوي الأخلاقي، والمستوي الإجتماعي، ولكنهم ليسوا روحيين. سمعتهم طيبة، ولكن سلوكهم الطيب ليس نابعًا عن محبتهم لله. أسباب محبة النفس لله: حب العروس للرب في سفر النشيد، له أسباب عديدة منها: 1- أول كل شيء، هو أن حب الله متعتها ولذتها: تقول له "حبك أطيب من الخمر"، محبة تسكر، تنتشي بها النفس. بل تقول أكثر من هذا "إنني مريضة حبًا، أي أن محبة الله دغدغت أعضاءها، فلم تعد تحتمل تلك الطاقة الجبارة من الحب الإلهي. جسدها أضعف من طاقات الروح، فلم تعد طاقة الجسد تقدر علي احتمال الحب الروحي، فأصبحت مريضة حبًا.. إنسان ترتفع درجة حرارة جسده، إذ هو مريض جسديًا، وإنسان ترتفع بالحب حرارة روحه، فإذ هو مريض حبًا، "مدروخ" من الحب الإلهي. مثلما قيل لبولس "كثرة الكتب حولتك إلي الهذيان يا بولس" (أع 26: 24). هذا الهذيان البولسي المقدس، نشتهي جميعًا أن نصاب به.. إنسان من فرط الحب الذي فيه، يتكلم كلامًا لا يفهمه الناس، ويشعر شعورًا لا يدركه الناس، فيحسبونه يهذي.. ! مشكلتنا أن محبة العالم تتصارع مع محبة الله فينا. فالجسد يشتهي ضد الروح، نحن نحب الله، ونلتذ بالعالم، ويوجد فينا شيء من التضاد ومن التناقض ومن الصراع. أما الإنسان الذي يحب الله حقًا، ومحبة الله لذاته، فليس فيه صراع ولا جهاد. ولا يتعب في تنفيذ الوصية، لأنها لذته. يتغني بوصايا الله، كما تغني بها داود في مزاميره " وصاياك هي لهجي" (مز119)، هي لذته. سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي. وجدت كلامك كالشهد فأكلته". واسم الله أيضًا حلو في فمه، كما نقول "حلو اسمك ومبارك في أفواه قديسيك، وكما قال داود "محبوب هو إسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز119). وكما تقول عذراء النشيد "اسمك دهن مهراق"، ونترجمها في القداس "طيب مسكوب هو اسمك القدوس". "طيب مسكوب هو اسمك، لذلك أحبتك العذاري". العذاري هي النفوس التي لم تعط ذاتها لآخر، وأحبت الرب من كل القلب، سواء أكانت من البتوليين والمتزوجين. لذلك لقب الكتاب كل الذين يخلصون بخمس عذاري حكيمات. ثانيًا: العروس تحب الله، لأنها لا تجد له شبيهًا بين الآلهة. كما نغني له في التسبحة " من في الآلهة يشبهك يا رب، أنت الإله الحقيقي صانع العجائب؟!". إن وضعنا الله وسط كل مشتهيات العالم، وكل آلهته، نجده يفوقها. لذلك تقول عذراء النشيد: "حبيبي أبيض وأحمر، معلم بين ربوة" (نش5: 10). الربوة هي 10000 أي إذا وضعت حبيبي بين عشرة آلاف، تجده مميزًا بينهم. متي إذن يتميز الرب في قلبك عن كل مشتهيات الدنيا، وكل سكانها، وتجده يفوقهم جميعًا. ثالثًا: العروس تحب الرب أيضًا، لأنه جميل: "حلقه حلاوة وكله مشتهيات" (نش5: 16). هكذا تقول عروس النشيد للرب. ماذا تعني بعبارة (جمال الرب)؟ تعني أن إنسانًا يسير في طريق الرب فيجد الباب ضيقًا، والوصية ثقيلة، ولولا خوف الأبدية ما كان يستمر. فيقول للرب: من أول معرفتي بك، عرفت التجارب والضيقات، وعرفت الصليب وجثسيماني، وعرفت البكاء والدموع وهكذا لا يري الرب جميلًا.. ربنا هذا، هو شهوة نشتهيها، ولا نستبدل به شهوة العالم. وكما قال أحدهم "إن القداسة هي استبدال شهوة بشهوة، استبدال شهوة العالم بشهوة الله". نشتهي الله وكل ما يحيط به، ونجد فيه لذه وفرحًا. ومعه لا يعوزنا شيء. ما أجمل التأمل في صفات الله. إنها تفرض محبته في القلب.. صدقوني لو أنكم لم تأخدوا من سفر النشيد سوي عبارة "كله مشتهيات" لكان هذا يكفي.. إن الله ليس ضريبة مفروضة عليكم، وليس نيرًا موضوعًا علي اعناقكم، وليس حاكمًا جبارًا، بل هو كل مشتهياتكم. كله مشتهيات. لما أحب أوغسطينوس الله، صغر العالم في عينيه بكل شهواته، ولما أحب بولي الله قال "خسرت كل الأشياء، وأنا احسبها نفاية لكي أربح المسيح" (في3: 8). وأنت عندما تحب الله، ستموت محبة العالم في قلبك. قد تعتقد الآن أنه من الصعب التخلص من إحدي الخطايا، لأن محبة الله لم تملك عليك بعد. أما إن أحببته، فستجد أن الخطية فارقتك بكل سهولة.. رابعًا: العروس أحبت الله، لأنه راعيها: يهتم بها، يرعاها بين السوسن، في مواضع خضرة، عند مياه الراحة. يرعاها في الجنات، عند خمائل الطيب "حبيبي نزل إلي جنته، إلي خمائل الطيب، ليرعي في الجنات، ويجمع السوسن" (نش6: 2)، كلام موسيقي وجميل.. ولعلك تقول أين هذه الجنات والسوسن والطيب، ولسنا نجد سوي صوم ومطانيات وتجارب؟! لو أحببت الله لأحببت كل هذا ووجدته خمائل من الطيب. خامسًا: والعروس أحبت الرب لأنه قوي، ويحرس ويسند، تشعر النفس في رعايته أنها محاطه بقوة عجيبة (نش6).. إله جبروته ليس ضد الإنسان، وإنما من أجل الإنسان، لحمايته ورعايته.. ما أكثر الصفات التي من أجلها نحب الله، لو أحصيناها واحدة فواحدة، ما كان العمر كله يكفي لسردها.. وبعد، نود بهذا المقال أن نختم هذه التأملات حاليًا في سفر النشيد. |
|