النمو في الخدمة
في الواقع أن النمو هو شرط أساسي من شروط الخدمة الناجحة. فالخدمة الروحية هي خدمة دائمة النمو. ونمو الخدمة له مظاهر متعددة. فهو نمو في العدد، سواء بالنسبة إلي الخدام أو المخدومين. وكذلك في تفاصيل الخدمة وفي نوعيتها. كما أنه أيضًا نمو في الروح. ولنبدأ بالنمو في العدد:
النمو في العدد:
و لعل أبرز مثال لذلك هو خدمة السيد المسيح ورسله القديسين.
بدأ السيد المسيح باثني عشر تلميذًا (مت 10) ثم بسبعين آخرين (لو 10) نسمع عم مائة وعشرين يوم اختيار متياس (أع 1: 15). ونسمع أيضًا عن أكثر من خمسمائة أخ ظهر لهم السيد دفعة واحدة بعد قيامته (1 كو 15: 6). كم نعرف أنه كانت تزحمه الجموع، وآلاف كانوا يسمعونه (يو 6: 10).
وازداد العدد، فاعتمد ثلاثة آلاف في يوم الخمسين (أع 2: 41)
وبعد شفاء الرجل الأعرج علي باب الجميل، اَمن كثيرون "وصار عدد الرجال نحو خمسة اَلاف" (أع4: 4). واستمر النمو حتى يقول الكتاب فيما بعد "وكان مؤمنون ينضمون إلي الرب أكثر، جماهير من رجال ونساء" (أع 5: 14).
بل في كل يوم، كان ينضم إلي الكنيسة مؤمنون جدد.
وفي ذلك يروي سفر أعمال الرسل فيقول "وكان الرب في كل يوم يضم إلي الكنيسة الذين يخلصون" (أع 2: 47). ويتطور الأمر حتى قيل وقت اختيار الشمامسة السبعة "وكانت كلمة الرب تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم، وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان" (أع 6: 7)؟
ثم بعد ذلك نسمع عن انضمام مدن وشعوب.
ليس فقط في أورشليم، وإنما أيضًا في كل اليهودية والجليل والسامرة. حتى الذين تشتتوا من جراء الاضطهاد، "جالوا مبشرين بالكلمة" (أع 8: 4). وإذا بالسامرة قد آمنت، وأرسل إليها مجمع الرسل بطرس ويوحنا لكي يمنحاهم الروح القدس بعد أن اعتمدوا (أع 8: 14-17). ويسجل سفر أعمال الرسل عبارة جميلة جدًا عن هذا النمو يقول فيها:
"وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة، فكان لها سلام، وكانت تبني وتسير في خوف الرب. وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع 9: 31).
وانتقل العمل الكرازي إلي "فينيقية وقبرص وأنطاكية"، "واَمن عدد كثير ورجعوا إلي الرب"."واجتمع برنابا وشاول في الكنيسة في أنطاكية سنة كاملة، وعلما جمعًا غفيرًا. ودعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولًا" (أع 11: 19-26). وبنشاط القديس بولس الرسول ومساعديه ازداد نمو الكنيسة، وانظم إليها كثيرون من بلاد اليونان، في مكدونية، في تسالونيكي، وفيلبي، وبيريه، وغير ذلك "فاَمن كثيرون منهم، ومن النساء اليونانيات الشريفات، ومن الرجال عدد ليس بقليل" (أع 17: 12). ثم انتقل الإيمان إلي أثينا (أع 17).
وانتقل الإيمان إلي رومه، حيث ذهب إليها القديس بولس وبشرها.
و هناك "أقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه، كارزًا بملكوت الله، ومعلمًا بأمر الرب يسوع المسيح، بكل مجاهرة بلا مانع" (أع 28: 30، 31). وذهبت الكرازة إلي مصر والشرق، وهكذا ازداد النمو عدديًا وجغرافيا، وتحققت فيهم نبوءة المزمور:
"في كل الأرض خرج منطقهم، وإلي أقصي المسكونة كلماتهم" (مز 19: 4).
و استطاعت كنيسة الرسل في حوالي 35 سنة بعد القيامة، أن تنفذ وصية السيد المسيح الذي قال لتلاميذه "وتكونون لي شهودًا في أورشليم، وفي كل اليهودية والسامرة، وإلي أقصى الأرض" (أع 1: 8). وأيضًا قوله لهم "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم.." (مت 28: 19). "اذهبوا إلي العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر 16: 15).
و قد نجحوا في ذلك، علي الرغم من كل المقاومات..
سواء مقاومات اليهود ومؤامراتهم، وإلقائهم في السجون، أو مقاومات مجامع الفلاسفة (أع 6: 9).. أو محاكمات الدولة الرومانية. وعلي الرغم من الاضطهادات المريرة وعصور الاستشهاد القاسية، وعلي الرغم أيضًا من قلة الإمكانيات التي كانت لهم. نقول هذا لنعاتب، ليس فقط الذين توقف نموهم، بل نقص عددهم في بعض المناطق بنمو عمل الطوائف الأخرى وأنشطتهم وإغراءاتهم .
كل من تقابله، كلمه لتجذبه إلي الله أرثوذكسيًا كان أو غير ارثوذكسي.
اذهب والق بذارك علي كل أرض، كما في مثل الزراع الذي ألقي البذار، ليس فقط علي الأرض الجيدة، وإنما حتى علي الأرض المحجرة والأرض المليئة بالشوك، والأرض التي ليس لها عمق (مت 13:3 –9). وفي عملك كخادم، اذكر الرمز في كلمة الرب التي قالها منذ بدء الخليقة، وفي ايام نوح:
"أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض، واخضعوها" (تك 1: 28). (تك 9: 1).
و لا تؤخذ هذه الآية من الناحية الجسدانية أو المادية فقط..، وإنما بمعناها الروحي أيضًا.. وعبارة "اخضعوها" في (تك 1: 28). تعني من الناحية الروحية "اخضعوها لكلمة الله، أو لوصيته. وهكذا نصلي كل يوم قائلين في المزمور "فلتعترف لك الشعوب يا الله، فلتعترف لك الشعوب كلها.. ليعرف في الأرض طريقك، وفي جميع الأمم خلاصك" (مز 67: 2، 3). والعجيب أن داود النبي صلي هذا المزمور في وقت كان اليهود فيه ينادون بأنهم شعب الله المختار، ولكنه صلي من أجل الشعوب، ومن أجل خلاص الأمم كلها.. ألعلها كانت نبوءة عن خلاص الأمم؟ أو هي معرفة نبوية بمحبة الله لكل الشعوب، وانتشار الإيمان بين الكل..