رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حرب اليأس وحسد الشياطين قد ينتهز الشيطان حالة الندم المرير الذي يملأ قلب التائب مع لومه الشديد لنفسه، لكي يوقعه في اليأس، كأن خطاياه بلا غفران... ! وكما قال المرتل (كثيرون يقولون لنفسى: ليس له خلاص بإلهه) (مز 3) وقديما أوقع الشيطان يهوذا في اليأس فشنق نفسه... والمرشد الروحى الحكيم، إذ وجد أن الكآبة قد عصفت بالخاطئ حتى تكاد تدفعه إلى اليأس، يبدأ بإدخال الرجاء إلى قلبه، بالحديث عن رحمة الله غير المحدودة وغفرانه الذي يشمل كل خطية ومن أمثلة ذلك قول بولس الرسول عن خاطئ كورنثوس (تسامحونه بالحرى وتعزونه، لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط لذلك اطلب أن تمكنوا له المحبة) (2كو 2: 7، 8). والحكمة هنا تقتضى حفظ التوازن بين أمرين: إنسان غافل عن نفسه، يحتاج إلى من يشعره ببشاعة الخطية حتى يستيقظ. وإنسان آخر شعر ببشاعة الخطية، وكاد ييأس من خلاصه وهذا لا نحدثه عن الخطية، وإنما عن مراحم الله، حتى لا يقع في قطع الرجاء ويهلك. على أن الشيطان كما يحاول أن يوقع التائب في اليأس من المغفرة، يحاول أن يوقعه أيضا في اليأس من التوبة! إنه لا يريد أن يفلت الخاطئ من يده. فإن وجده قد استيقظ من غفوته وبدأ يمارس أعمال التوبة يحسده على ذلك ، ويحاول أن يوقعه في الكآبة الشديدة التي تقود إلى اليأس. فإن فشل في هذا، يثير عليه حربا شعواء عنيفة في نفس الخطية التي تاب عنها، حتى يرجعه إليها، ويشعره أن التوبة عن هذه الخطية أمر مستحيل عمليا، ولابد أن يسقط فيها عمليا مهما ابتعد عنها.. ! وفى قصة القديسة مريم القبطية مثال لذلك: فإنها بعد أن تابت، ونذرت نفسها، ودخلت في حياة الرهبنة والسياحة، حسد الشيطان توبتها، وحاربها بعنف لكي يرجعها. وهكذا قالت للقديس زوسيما: (لمدة سبعة عشر عاما، حاربت الشهوات غير المرئية التي للطبيعة الفاسدة، مثلما أحارب وحوشا حقيقية وكانت مئات الأغانى الخليعة تعبر على ذهنى، بل وتأتى على شفتى، وحينئذ كنت أقرع صدرى مذكرة نفسى بتوبتى، وبدموع كنت أطلب معونة الله وشفاعة العذراء.. فكان يحوطنى نور باهر وتهرب التجربة) (ومرات أخرى كثيرة، كانت تهاجمنى آلاف الذكريات الحسية والأفكار الدنسة وكانت تجعل في قلبى آلاما شديدة، بل كانت تجرى في عروقى كجمر مشتعل، حينئذ كنت أخر إلى الأرض متضرعة.. إلى أن يحوطنى النور الإلهى مثل دائرة من نار، لا يستطيع المجرب أن يتعداها) (وكانت العذراء معينة لي بالحقيقة في حياة التوبة، فكانت طوال هذه المدة تقودنى بيدها وتصلى لأجلى). |
|