رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 17 - تفسير سفر المزامير رنم داود بهذه الصلاة الرائعة في فترة من حياته كان فيها مضطهدًا وهو برئ فكان رمزًا للمسيح البرئ وقد أحاط به أعداؤه من كل جانب. وحينما يتكلم داود عن براءته فالموضوع نسبي فهو برئ من التهم التي لفقها له أعداؤه، أما في خطايا أخرى فهو بالتأكيد قد سقط. أما المسيح فهو برئ براءة مطلقة من كل خطية. من هذا المزمور يتعلم كل منا كيف يصلي وهو في ضيقة أو وهو شاعر بظلم الآخرين له، فنخرج من الصلاة شاعرين بأننا في حماية الله فنطمئن، بل نتحول إلى صورة الله، نتشبه بالمسيح، ونتحول إلى صورته، فنحتمل في تسليم والقلب مملوء سلامًا. آية (1): "اسمع يا رب للحق. أنصت إلى صراخي أصغ إلى صلاتي من شفتين بلا غش." نرى فيها اللجاجة، داود يصلي ويصرخ لله بثقة فهو لا يجد سواه ملجأ يثق فيه مِنْ شَفَتَيْنِ بِلاَ غِشٍّ = هذا شرط للصلاة المقبولة، فكيف يقبل الله صلواتنا ونحن نصلي برياء، أو بقلب حاقد، أو قلب شهواني. وداود كان بريئاً مما يتهمونه به. ولكن الوحيد الذي بلا خطية هو المسيح ولذلك فشفاعته الكفارية مقبولة ، أى أن يموت نيابة عن البشر أما من له خطية لا يمكنه فداء أحد فهو يموت عن خطاياه هو.ونحن إذا صلينا بهذه الكلمات فلنفهم أن برنا الذاتي لا يبررنا بل نحن مبررين في دم المسيح. آية (2): "من قدامك يخرج قضائي. عيناك تنظران المستقيمات." هو لا يريد أن الحكم عليه يأتي من ظالمين، ويترك الحكم النهائي لله العادل. آية (3): "جربت قلبي تعهدته ليلًا. محصتني. لا تجد فيَّ ذمومًا. لا يتعدى فمي." جَرَّبْتَ قَلْبِي. تَعَهَّدْتَهُ لَيْلاً.. لاَ تَجِدُ فِيَّ ذُمُومًا = ربما قصد المرتل أن يقدم قلبه أمام الله ليكتشف الله نقاوته وأنه لا يحمل حقداً ولا غشاً. والليل وقت الهدوء، بعيداً عن الانشغال بكلام الناس وعن الانشغال بالعالم، هناك يرى الله اشتياقاته المقدسة له. ولكن الأقربلأفكار داود المنسحق والمتألم أنجَرَّبْتَ تشير لامتحان الذهب بالنار فيتنقى. وهذا ما يسمح به الله لأولاده فهو يجربهم ببعض التجارب لتنكشف أمام أعينهم حقيقة ما يدور في قلوبهم فيندمون ويبدأوا طريق التوبة. والليل هنا يشير لوقت التجارب وحينما يتنقى الإنسان لا يجد الله فيه ذموماً = أى شر يستحق أن يُذَّمْ بسببه ، وهذه فائدة التجارب. ونرى نتيجة التمحيص أي التنقية = لاَ يَتَعَدَّى فَمِي. هو يقتل كلمات الشر فيتنقى قلبه بالتالي. بل نجد داود بهذا المفهوم يطلب أن يجربه الله أى يجعله يتعرض لبعض الألام ليزداد فى النقاوة "جرِّبنى يا رب وإمتحنى ، صفِّ كُلْيتىَّ وِقلبى" (مز26 : 2) . وجاءت الآية فى السبعينية " أبلنى يا رب وجربنى. نَقِّ قلبى وكُلْيتَىَّ " . آية (4): "من جهة أعمال الناس فبكلام شفتيك أنا تحفظت من طرق المعتنف." كما تحفظ المرنم على أقواله، نجده هنا يتحفظ في أعماله، ولا يعمل عملًا إلا لو كان بحسب وصايا الله= كلام شفتيك. فهو يريد أن يسلك في حياته حسب مشيئة الله. آية (5): "تمسكت خطواتي بآثارك فما زلت قدماي." لقد سلك المرنم الطريق الضيق، طريق الوصية، التي من يسلك فيها لا تزل قدماه. آية (6): "أنا دعوتك لأنك تستجيب لي يا الله. أمل أذنك إليّ. اسمع كلامي." نرى هنا ثقة المرنم في استجابة الله. وهذا شرط للصلاة المستجابة أى الثقة في الله. آية (7): "ميّز مراحمك يا مخلّص المتكلين عليك بيمينك من المقاومين." مَيِّز= المعنى كما جاء فى الترجمة الإنجليزية "إظهر يا رب مراحمك المميزة لمن إتكلوا عليك" فمراحم الله مميزة وتلاحظها كل عين وخاصة للإنسان المتكل عليه. ويسهل تمييز أعمال رحمة الله. آية (8): "احفظني مثل حدقة العين. بظل جناحيك استرني." الله يحفظنا كحدقة العين (زك8:2). فالجفون تحمي العين عند أي خطر. بل أن الله يحفظنا لأن من يمس أولاده كمن يمس عينه. وبظل جناحيه يسترنا (مت37:23). آية (9): "من وجه الأشرار الذين يخربونني أعدائي بالنفس الذين يكتنفونني." أعدائي بالنفس= أي الذين يدفعونني للخطية ولأن أبتعد عن الله. وكلمة أعدائي بالنفس تترجم أعدائي القتلة فهناك قتل روحي. آية (10): "قلبهم السمين قد أغلقوا. بأفواههم قد تكلموا بالكبرياء." لقد أغلقوا قلوبهم لقساوتها فما عادوا يسمعون أي كلمة أو فعل رحمة ومحبة. وهم مملوءون كبرياء وغطرسة. وهكذا أحاط الأعداء بالمسيح ليفترسوه كالأسود. الآيات (11، 12): "في خطواتنا الآن قد أحاطوا بنا. نصبوا أعينهم ليزلقونا إلى الأرض. مثله مثل الأسد القرم إلى الافتراس وكالشبل الكامن في عرّيسه." راجع (1بط8:5). آية (13): "قم يا رب تقدمه. اصرعه. نج نفسي من الشرير بسيفك." الله له سيوف كثيرة يستخدمها ضد أعدائه وأعداء كنيسته، تبدأ بسيف كلمته لعلهم يتوبون وتنتهي بالسيف الحقيقي أي نهاية حياتهم بالجسد على الأرض لمن لا يتوب. وهنا المرنم يلجأ إلى الله ليعينه إذ أدرك بطلان كل معونة بشرية. آية (14): "من الناس بيدك يا رب من أهل الدنيا. نصيبهم في حياتهم. بذخائرك تملأ بطونهم. يشبعون أولادًا ويتركون فضالتهم لأطفالهم." مِنَ النَّاسِ بِيَدِكَ يَا رَبُّ = هناك من الناس الذين خلقتهم أنت يا رب بيدك ، لكنهم إنفصلوا عنك وإختاروا أن يكونوا من أهل الدنيا ، بينما أنك أفضت عليهم من خيراتك . عداوة الأشرار وعنفهم ليس عن إحتياج، فالله لم يحرمهم من عطاياه الأرضية "فهو يشرق بشمسه على الأبرار والأشرار". وهم يعيشون في ترف وبطونهم مملوءة من خيرات الله ويتركون فضلاتهم لأطفالهم. وقد تعني يتركون فضلاتهم لأطفالهم أن شرورهم تبقى ميراثاً لأطفالهم "دمه علينا وعلى أولادنا". آية (15): "أما أنا فبالبر انظر وجهك. اشبع إذا استيقظت بشبهك." الإنسان المتكل على الله ينجو من بطش الشرير، فالأشرار ينتهون، ولكن البار يستيقظ أي يقوم بعد موته ويعاين وجه الرب (في21:3 + 1يو2:3). بل كل من يصلي بإيمان لن يحرم من التمتع برؤية الله، إن كان قلبه نقيًا كما جاء في أول المزمور. أما أنا فبالبر أنظر وجهك= وجه الآب هو الابن الذي خبَّرنا عن الآب (يو1 : 18) وبه ندخل للأحضان الأبوية. والأبرار أنقياء القلب يعاينون الله. فكل من يحيا بالبر يرى الابن الذي هو وجه الآب. ويرى هنا ليست الرؤية السطحية بل معناها يراه بقلبه رؤية المعرفة، وهذه المعرفة هي التي تشبع= أشبع إذا استيقظت بشبهك وهذه الأخيرة لها ترجمتين بالإنجليزية. When I awake I shall be satisfied with beholding thy form. (Revised) I shall be satisfied when I awake in your likeness (Kjv) وترجمة الأولى حينما أستيقظ أشبع بالتأمل في شكلك وهيئتك وصورتك وترجمة الثانية أشبع حينما أستيقظ بشبهك كما جاءت في ترجمة بيروت. وكلا الترجمتين يتكاملان. فالأولى تكلمنا عن الشبع بالتأمل في المسيح الذي هو صورة الآب، فلاحظ أن داود كان يكلم الله، الذي رأينا صورته في المسيح "من رآني فقد رأىالآب" . والثانية تشير لكل من يقدم توبة ويستيقظ من نوم الغفلة، غفلة موت الخطية (أف14:5)، فيأخذ شكل المسيح (غل19:4). ولاحظ أن من يستيقظ يستطيع أن يرى المسيح كلمة الله بالتأمل في الكتاب المقدس كلمة الله، ولاحظ قول بولس الرسول "أيهاالغلاطيون.. الذين أمام عيونكم قد رُسِم يسوع المسيح بينكم مصلوباً" (غل1:3). |
|