الوداعة لا تتعارض مع الشجاعة والشهامة
الوداعة هي الطيبة، واللطف والهدوء. ولكن لا يصح أن تُفهم فهما خاطئًا. وكأن الوديع يبقي بلا شخصية ولا فاعلية، ويصبح كجثة هامدة لا تتحرك!! بل قد يصير هزأة يلهو بها الناس!!
وبالفهم الخاطئ يتحول هذا (الوديع) إلي إنسان خامل لا يتدخل في شيء!
كلا. هذا كلام غير مقبول لا يتفق مع تعليم الكتاب، ويُفقد الوداعة صفتها كفضيلة. ولا يتفق مع سير الآباء والأنبياء.
حقًا إن الإنسان الوديع هو شخص طيب وهادئ. ولكن هذا هو نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فهو أن الوداعة ليست منفصلة أو متعارضة مع باقي الفضائل كالشهامة مثلًا أو الشجاعة.
وإنما "لكل شيء تحت السموات وقت" كما يقول الكتاب (جا 3: 1).
نعم، هكذا يعلمنا الكتاب "للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت.. للسكوت وقت، وللتكلم وقت" (جا 3: 2، 7). هكذا أيضًا بالنسبة إلي الوديع: يعرف متى يهدأ، ومتى ينفعل؟ متى يصمت، ومتى يتدخل؟
ولقد سئل القديس الأنبا أنطونيوس الكبير مرة عن أعظم الفضائل: هل الصلاة أم الصوم أو الصمت..؟ فأجاب إن أهم فضيلة هي الإفراز: أي الحكمة في التصرف، أو تمييز ما ينبغي أن يُعمل.
الطيبة هي الطبع السائد عند الوديع. ولكن عندما يدعوه الموقف إلي الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق، فلا يجوز له أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة..!
لأنه لو فعل ذلك، وامتنع عن التحرك نحو الموقف الشجاع، لا تكون وداعته حقيقية. إنما تصير رخاوة في الطبع، وعدم فهم للوداعة، بل عدم فهم للروحانية بصفة عامة. فالروحانية ليست تمسكًا بفضيلة واحدة، تُلغى معها باقي الفضائل. إنما الروحانية هي كل الفضائل معًا، متجانسة، ومتعاونة في جو من التكامل.
وأمامنا أمثلة كثيرة من الكتاب في مقدمتها السيد المسيح له المجد.