إنكار الذات
هكذا قال القديس بولس الرسول: " مع المسيح صُلِبت. لكي أحيا – لا أنا – بل المسيح يحيا في (غل 2: 20).. ذاتى لا تحيا مطلقا.
قد دققت فيها مسامير. صلبتها . تخلصت من سلطة الأنا. لم أعد أفكر فيها. بذلتها لأجل الرب، ولخدمة أخوتى. بل ما أعجب قوله " كنت أود لو أكون أنا نفسى محروما من المسيح، لأجل أخوتى، أنسبائى حسب الجسد.." (رو 9: 3)
إنه إنكار الذات الذي دعانا إليه الرب، كشرط لإتباعه.
إذ قال " إن أراد أحد أن يأتى ورائى، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت 16: 24) (مر 8: 34). و الذى فعله القديس بولس من أجل أخوته وأنسبائه حسب الجسد، هو نفس ما قاله موسى النبى للرب متشفعا في الشعب " والآن، إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 32).
بل السيد المسيح له المجد، بدأ تجسده بنفس المبدأ.
إذ قيل عنه إنه " أخلى نفسه، آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه و أطاع حتى الموت موت الصليب.." (فى 2: 7، 8).
هذا هو السيد الرب الذي قال للآب "فلتكن مشيئتك" (مت 26: 42) " ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت" ( مت 26: 39) وقال أيضا " لأنى لا أطلب مشيئتى، بل مشيئة الآب الذي أرسلنى " (يو 5: 30). وكرر ذلك في (يو 6: 38). إنه يعطينا بكل ذلك درسا..
عجيب هذا: إنه حتى السيد المسيح يقول "لا أنا".. لا مشيئتى. لا ما أريد أنا.. يقول هذا على الرغم من وحدته في المشيئة مع الآب! ويقول السيد المسيح "من أراد أن يتبعنى، فلينكر ذاته، إنما قد جعل إنكار الذات هو بداية الطريق.. إذن ماذا تكون نهايته..؟!
بعض أمثلة:
بمبدأ "لا أنا" بدأ دعوته أبونا إبراهيم أبو الآباء والأنبياء.
بدأ بطاعته لقول الرب "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك الى الأرض التي أريك" (تك 12: 1) نعم يا رب. لا أنا أختار مكان سكناى، ولا أنا أتمسك بأرضى وعشيرتى ولا بيتى.
و هكذا ذهب وراء الرب " وهو لا يعلم أين يمضى" (عب 11: 8)، لا أنا الذي يطلب أن يعلم أين يمضى. يكفى أن تقود أنت خطواتى.
هذه الخبرة وصل إليها إيليا النبى عندما قال:
" عرفت يا رب أنه للإنسان طريقه. ليس لإنسان يمشى أن يهدى خطواته" (أر 10: 23) وأبونا إبراهيم مارس أيضا عبارة (لا أنا) حينما أخذ أبنه وحيده ليقدمه محرقة للرب (تك 22). لا أنا أتمسك بمشاعرى كأب. ولا أنا أناقشك في حكمتك وفي أمرك. كل ما أفعل هو أن أطيع. ولتكن يا رب مشيئتك. أتريد أن تأخذ منى هذا الأبن الذي انتظرته سنوات طويلة حسب وعدك. ليكن ما تريده أنت، لا ما أريده أنا.
و عبارة (لا أنا) اختبرها موسى النبى أيضا.
هذا الذي كان يعيش أمير في قصر فرعون. ولكنه قال في نفسه: لا أنا الذي يحيا في هذه العظمة والرفاهية، و شعبى مستعبدا بل أنه " أبى أن يُدعى ابن أبنة فرعون. مفضلا بالأحرى أن يُذل مع شعب الله، على أن يكون له تمتع وقتى بالخطية. حاسبا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر" (عب 11: 24 – 26).
عبارة (لا أنا) اختبرها تلاميذ الرب ورسله.
تركوا السفن والشباك، و الأهل والأسرة، وتبعوا الرب (مت 4: 20). ومتى ترك مكان الجباية وتبعه ( مر 2: 14). وشاول الطرسوسى ترك السلطة وفريسيته وتبعه. وعبر عن هذا كله القديس بطرس الرسول، حينما قال للرب " ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك" (مت 19: 27). وكأن كلا منهم يقول (لا أنا، بل المسيح). لا أهلى، ولا بيتى، و لا سفينتى، ولا وظيفتى، بل المسيح. هو الذي من أجله أترك كل شيء.
و في هذا المعنى قال القديس بولس الرسول:
" لكن ما كان لي ربحا، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إنى أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى. هذا الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح وأوجد فيه.." (فى 3: 7 – 9)