![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما هو الخير؟ كلنا نؤمن بالخير. ونريد أن نعمل الخير. ولكننا نختلف فيما بيننا في معني الخير وفي طريقته. وما يظنه أحدنا خيرًا. قد لا يراه كذلك! فما هو الخير؟ وما هي مقاييسه؟ لكي نحكم علي أي عمل بأنه خير: ينبغي أن يكون هذا العمل خيرًا في ذاته. وخيرًا في وسيلته.. وخيرًا في هدفه. وبقدر الإمكان يكون أيضًا خيرًا في نتائجه.. وسنحاول أن نتناول هذه النقاط واحدة فواحدة. ونحللها.. وسؤالنا الأول: ما معني أن يكون العمل خيرًا في ذاته؟ ![]() مثال ذلك الأب الذي يدلّل ابنه تدليلا زائدًا. يتلفه! ومثال ذلك أيضا الأب الذي يقسو علي ابنه قسوة تجعله يطلب الحنان من مصدر آخر ربما يقوده إلي الانحراف! وقد يظن كل من هذين الأبوين أنه يفعل خيرًا. وأن أسلوبه هو التربية السليمة الصالحة. بينما يكون مخطئًا في فهم معني الخير.. وربما يكون الخير في مرحلة متوسطة بين التصرفين: بين التدليل والشدة. وقد يكون في التدليل حينًا. وفي الشدة حينًا آخر. حسبما تقتضي الظروف والأسباب. ![]() يستشير شخصًا راجح الفكر وواسع العقل. وذا خبرة في مثل هذا الأمر. فيضيف إلي عقله عقلًا. وربما يطرق معه زاوية معينة. أو يعرض له بعض ردود الفعل. من أجل ذلك أوجد الله المشيرين وذوي الخبرة والفهم. كل منهم دليل في طريق الحياة. كما أوجد المربين والحكماء. وجعل هذه المشورة أيضًا في مسئولية الوالدين والمعلمين والقادة. وكل من يؤتمنون علي التربية والتوعية والإرشاد. ![]() وينبغي أن يكون هذا المرشد عميقًا في فهمه. لئلا يضل غيره من حيث لا يدر ي ولا يقصد. فقد قال السيد المسيح "وأعمي يقود أعمي. كلاهما يسقطان في حفرة". حقًا ما أصعب السقطة التي تأتي نتيجة أن يتبوأ إنسان غير مؤهل مسئولية الإرشاد. فيضّيع غيره. فلا يصح إذن أن يسرع شخص بإقامة نفسه علي هداية غيره. نتيجة ثقة زائفة بذاته. لذلك كان كثيرون من المتواضعين يهربون من مراكز القيادة الروحية. عارفين أن الشخص الذي يقود غيره في طريق ما. أو ينصح غيره نصيحة ما. إنما يتحمل أمام الله مسئولية نصائحه وإرشاداته. ![]() ولا يسمع لكل قول. ولا يجري وراء كل نصيحة مهما كان قائلها. ولا يتبع الناس بل يتبع الحق. لأنه "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" فنصائح الناس يجب أن تكون موافقة لوصايا الله. إذن الخير مرتبط بالحق الخالص. ومرتبط بكلام الله إن أحسن الناس فهمه. وإن أحسنوا تفسيره. وإن ساروا وراء روحه لا حرفه. إن كلام الله هو الحق الخالص. والخير الخالص ولكن تفسير الناس لكلام الله. قد يكون شيئا آخر! إن كلام الله يحتاج إلي ضمير حي يفهمه. وإلي قلب نقي يدركه. وما أخطر أن نحدّ كلام الله بفهمنا الخاص! وما أخطر أن نفتر بفهمنا. ونظن أنه الحق ولا حق غيره! وأنه الفهم السليم ولا فهم غيره! ![]() يتواضع. فيسأل ويقرأ ويبحث ويتأمل. محاولًا أن يعمل وأن يفهم. وحينما يسأل. عليه أن يسأل الروحيين المتواضعين الذين يكشف لهم الله أسراره. كما يسأل الحكماء الفاهمين. ذوي المعرفة الحقيقية والإدراك العميق. وكما قال الشاعر: فخذوا العلم علي أربابه .. واطلبوا الحكمة عند الحكماء لو كنا جميعا نعرف الخير. ما كنا نتخاصم وما كنا نختلف.. علينا إذن في تواضع قلب أن نصلي كما صلي داود النبي من قبل: "علّمني يا رب طرقك.. فهمني سبلك". إن الصلاة بلاشك. هي وسيلة أساسية لمعرفة الحق والخير. وبها يكشف الله للناس الطريق السليم الصحيح. ![]() هل ضمير كل إنسان هو الحكم في معرفة الخير؟ وهل يتبعه بلا نقاش؟ بداءة أقول: يجب علي كل إنسان أن يطيع ضميره ولكن يجب أيضًا أن يكون ضميره صالحا. فهناك ضمائر تحتاج إلي هداية. إن الأخ الذي قتل أخته دفاعًا عن الشرف!. أو الأخ الذي قتل أخته. لأنها أرادت أن تتزوج بعد وفاة زوجها الأول.. ألم يكن كل منهما مستريح الضمير في قتله لأخته؟! ألم يسر كل منهما علي هدي من ضميره. وكان ضميره مريضًا؟! إن الضمير يستنير بالمعرفة: بالوعظ والتعليم والإرشاد والنصح. وبالقراءة السليمة.. فلنداوم علي كل ذلك. لكي يكون لنا ضمير صالح أمام الله. لأننا كثيرًا ما نعمل عملًا بضمير مستريح. واثقين أنه خير! ثم يتضح لنا بعد حين أنه كان عملًا خاطئًا. فنندم علي ذلك العمل الذي كان يريحنا ويفرحنا من قبل! ومثل هذا العمل قد يسمي في الروحيات أحيانًا "خطيئة جهل". ![]() وبهذا النمو يستنير ضميره أكثر. ويعرف ما لم يكن يعرفه. ويدرك أعماقًا من الخير لم يكن يعرفها قبلًا. وربما بعض فضائله السابقة يتضح له كأنها لاشيء. بل يستصغر نفسه حينما كان يتيه بها في يوم ما! من هنا كان القديسون متواضعين.. لأنهم بنموهم في الفضيلة يتكشفون كل يوم ضآلة الفضائل التي جاهدوا من أجلها زمانًا طويلًا! وذلك بسبب نمو ضميرهم. واستنارته في معرفة الخير. ![]() ما هو الخير؟ الخير هو أن ترتفع فوق ذاتك ولذاتك. وأن تطلب الحق أينما وجد. وتثبت فيه. وتحتمل لأجله. الخير هو النقاء والقداسة والكمال. ![]() أي لا يكون صالحًا وشريرًا في وقت واحد. الإنسان الخير ليس هو الذي تزيد حسناته علي سيئاته. فربما سيئة واحدة تتلف نقاوته وصفاء قلبه. إن ميكروبا واحدًا كاف لأن يلقي إنسانًا علي فراش المرض. ليس هو محتاجًا إلي مجموعات متعددة من الجراثيم. لكي يحسب مريضًا!! تكفي جرثومة واحدة. هكذا خطية واحدة تضيّع نقاوة الإنسان. ![]() إنما بواسطة شر واحد يفقد نقاوته. مهما كانت له فضائل متعددة. فالسارق إنسان شرير. لا نحسبه من الأخيار. مهما كان في نفس الوقت لطيفًا أو بشوشًا. أو متواضعًا أو متسامحًا. أو كريمًا أو خدومًا. والظالم إنسان شرير. وكذلك القاسي والشتّام. وقد يكون أي واحد من هؤلاء شجاعًا. أو مواظبًا علي الصلاة والصوم! فإن أردت أن تكون خيّرًا. سر في طريق الخير كله. ولا تترك شائبة واحدة تعكر نقاء قلبك. ولا تظن انك تستطيع أن تغطي رذيلة بفضيلة.. أو أن تعوّض سقوطك في خطيئة معينة. بنجاحك في زاوية أخري من زوايا الخير.. بل في المكان الذي هزمك الشيطان فيه. يجب أن تنتصر.. علي نفس الخطية. وعلي نفس نقطة الضعف. ![]() فنحن مطالبون بأن نسير في طريق الكمال حسبما نستطيع. لأن النقص ليس خيرًا. والخير ليس هو فقط أن تعمل الخير. بل بالأكثر أن تحب الخير الذي تعمله. فقد يوجد إنسان يفعل الخير مرغمًا دون أن يريده. أو أن يعمل الخير بدافع من الخوف. أو بسبب الرياء. لكي ينظره الناس. أو لكي يكسب مديحًا أو لكي يهرب من انتقاد الآخرين...! وقد يوجد من يفعل الخير وهو متذمر ومتضايق. كمن يقول الصدق ونفسيته متعبة. ويود لو يكذب وينجو. أو من يتصدق علي فقير. وهو ساخط وبوده ألا يدفع! فهل نسمي كل ذلك خيرًا ؟ بل عمق الخير. هو محبة الخير الذي تفعله... ![]() مثال آخر: من يدفع من ماله صدقة للفقراء. لمجرد إطاعة الوصية. ويكون كمن يدفع ضريبة أو جزية! دون أن تدخل محبة الفقراء إلي قلبه.. ![]() لذلك فاختبار الخير يكون بمعرفة حالة القلب من الداخل. ولكي نحكم علي أي عمل بأنه خير. يجب أولًا أن نفحص دوافعه وأسبابه وأهدافه. فالدوافع هي التي تظهر لنا خيرية العمل من عدمها. فقد يوبخك اثنان: أحدهما بدافع الحب. والآخر بدافع الإهانة.. ويكون عمل أحدهما خيرًا. وعمل الآخر شرًا. وقد يشترك اثنان في تنظيم سياسي وطني: أحدهما من أجل حب الوطن والتفاني في خدمته. والآخر من أجل حب الظهور أو حب المظاهر. وهنا الهدف يختلف. والنية تختلف.. ![]() فالشخص الرحيم ليس هو الذي أحيانًا يرحم. أو الذي ظهرت رحمته في موقف معين.. إنما الرحيم هو الذي تتصف حياته كلها بالرحمة. فتظهر الرحمة في كل أعماله. وفي كل معاملاته: في أقواله وفي مشاعره. حتى في الوقت الذي لا يباشر فيه عمل رحمة. الخير هو اقتناع داخلي بالحياة الصالحة. مع إرادة مثابرة مجاهدة في عمل الخير وتنفيذه.. هو حب صادق لفضيلة. مع حياة فاضلة. الخير هو شهوة في القلب لعمل الصلاح. تعبر عن ذاتها وعن وجودها بأعمال صالحة. وليس هو مجرد روتين إلى للعمل الصالح. ما لم يصل الإنسان إلي محبة الخير. والتعلق به. والحماس لأجله. والجهاد لتحقيقه. فهو لا يزال في درجة المبتدئين. |
![]() |
|