أهمية محبتنا لله
أن الله لا يريد سوي شيء واحد، فيه تكمن جميع الوصايا، وهو المحبة. أن أحببت الله تكمل كل ما هو مطلوب منك. وأن لم تكن تحبه، فباطل هو كل عملك..!
فالله يريد قلبك، وقلبك كله. وهكذا قيل في شريعة موسى (تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك) (تث6). وقد أكد السيد المسيح هذه الوصية في (مت22). ويقول الرب في سفر الأمثال (يا أبني أعطني قلبك) (أم 23: 26). وإعطاؤه قلبك تعني كل القلب، وليس مجرد جزء منه. وإلا فما هو مصير باقي الأجزاء.
أن الدين يا أخوتي، ليس مجرد حلال وجرام!
أو مجرد أوامر ونواهي، وناموس ونعمة، بقدر ما هو حب، نحو الله والناس. ومن هذا الحب ينبع كل خير.
وإن كنت لا تحب الله والناس، فلست إنسانًا متدينًا، مهما كانت لك صلوات وأصوام وقراءات وتأملات، ومنح وعشور وخدمة ووعظ..
فالله يريد الحب، وليس مجرد الممارسات.
لا تظن أن الله يطلب منك واجبات أو فروضًا، أو مجرد وصايا ترغم نفسك عليها، لكي تظهر مطيعًا لأوامره، أو لتكون بارًا في عيني نفسك.. إن كل ما يريده هو أن تحبه كما أحبك. وهذا الحب الذي يريده ليس هو أمرًا موجها إليك، وأمنا متعة مقدمة منه لك. تشعر فيها بالفرح، إن كان قلبك وحياتك روحية..
إن كنت لا تحب الله، فأنت لم تعرفه بعد.
علي أن معرفة الله أمر من المفروض أن يكون للمبتدئين. أما عن الكاملين فالمطلوب منهم هو الثبات في الله، كما يقول "أثبتوا في وأنا فيكم" تمامًا (كما يثبت الغصن في الكرمة) (يو15). فهل تشعر أنك في الله كالغصن في الكرمة، وعصارة الكرمة تسري فيك، وتصبح علي صورتها.
أنت لست غريبًا عن الله، ومحبته ليست غريبة عليك.
فأنت أبن له. والمفروض أن الابن يحب أباه. وأنت هيكل لروحه القدوس وروح الله ساكن فيك (1كو3، 5). هو الأصل وأنت فرع الرأس وأنت عضو في الجسد. حقًا كما قال بولس الرسول (هذا السر عظيم) (أف5).
إن كان الحب الحقيقي لله، هو الثبات فيه، فماذا تكون الخطية إذن سوى انفصال عن الله، إذ ليس هناك شركة بين النور والظلمة.. ما أصعب أن تتحول من الحب إلى الخصومة!!
أنت تحب الله، تحب كل الناس داخل محبة الله.
لا تسمح بوجود محبة في قلبك تتعارض مع محبة الله، فهذه خيانة لله الذي خلقك ورعاك وفداك.. والكتاب يقول (محبة العالم عداوة لله) (يع4)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقيل (إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب) (1يو2). ولذلك فإن الكنيسة تقول لنا في كل قداس (لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. لأن العالم يبيد وشهوته معه) (1يو2).
كذلك لا نحب أحدًا أو شيًا أزيد من محبتنا لله.
فقد قال الرب (من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنًا أو ابنة أو زوجة أكثر منى فلا يستحقني)..
(وهكذا قال الآباء الرسل (ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس).. بل حتى نفسك، لا تحبها أكثر من الله، بل تضبطها وتقمعها في طاعته. وتنكر ذاتك، وتبغض نفسك من أجل الرب.. وإذا أحببت الله من كل القلب لا تسمح لأي شيء أن يفصلك عنه. فقد قال الرسول:
( من يفصلني عن محبة المسيح..؟!) ( رو8).
لا شده ولا ضيق، ولا قوات حاضرة ولا مستقبلة.. ولا أية شهوة أو رغبة.. ما أعجب قصة ذلك القديس الذي كان سائرًا في البرية يصلي. فأتي ملاكان سار واحد عن يمينه والآخر عن يساره، ولكنه لم يسمح لنفسه أن ينشغل بهما عن صلاته. بل قال في فكره (من يفصلني عم محبة المسيح؟! لا ملائكة ولا رؤساء ملائكة)!! واستمر في عمق صلاته..
إن كل محبة تبعدك عن محبة الله هي محبة غريبة خاطئة.
وكل محبة تنافس الله في قلبك، اهرب منها.
ولكنك يمكنك أن تحب كل الناس من أجل الله، وداخل محبة الله. تحبهم في المسيح يسوع الذي أحبهم. ولا تحبهم أكثر من الله. وحتى العالم الخاطئ، تحبه أيضًا لكي تقوده إلى محبة الله، لا لكي يشغلك عنه..
القلب كله ملك لله، فلا تسلبه شيئًا من حقوقه.
إن كان قد قال عن العشور (سلبتموني، قال الرب) (ملا4)، فكم بالأكثر نسلبه، إن أعطينا قلبنا لشيء ضده، أو فضلنا آخر عليه؟! لذلك شبهت النفوس المحبة لله بالعذارى. ويقل في سفر النشيد (أحبتك العذارى) (نش1). واللائي دخلن الملكوت شبهن بخمس عذارى حكيمات (مت25). وقال بولس الرسول (خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح..) (فلماذا هذه التشبيهات كلها؟
لأن العذراء لم تعط ذاتها لآخر..
وينطق الاسم علي كل نفس لم تعط قلبها لغير الله. ويتساوى في هذا المتزوجون وغير المتزوجين / مادام القلب في محبته مكرسًا لله وحده.. وهكذا قالت عذراء النشيد (أنا لحبيبي، وحبيبي لي) أنا لست لشيء آخر.. ونلاحظ هنا استخدام كلمة (حبيبي) بدلًا من كلمة ربي وإلهي بسبب عاطفة الحب، التي ندعوه بها أبانا..
إنه حب متبادل بين الله والنفس البشرية.
بسببه قال بولس الرسول (خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح.. وأوجد فيه) (في3).. فإن كنا نتعلق بشيء في العالم يشغلنا عن محبة الله فهذا دليل علي أن محبتنا ليست كاملة.. لقد استطاع القديسون أن يفرغوا قلوبهم من كل حب، لكي يكون الله هو الكل في الكل في قلوبهم.. لكي يكون الفكر كله لله والعاطفة كلها. فالحاجة إلى واحد..