رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
مجيئ المسيح الثاني للقديس كيرلس الأورشليمي "كنت أرى أنه وضعت عروش، وجلس القديم الأيام .. كنت أرى في رؤى الليل، وإذ مع سحب السماء مثل ابن إنسان آتي" (دا 7: 9-14). لسنا نكرز بمجيء واحد للمسيح، بل وبمجيء آخر أيضاً، فيه يكون ممجد جدًا أعظم من الأول. المجيء الأول أظهر لنا صبره، أما الثاني فسوف يحضر معه تاج مملكة الله. لأن تقريبًا كل شيء في ربنا يسوع المسيح مزدوج. ميلاده مزدوج، مولود من الله قبل كل الدهور، ومولود من العذراء في ملء الزمان. ونزوله مزدوج، واحد يأتي فيه متواضعاً، "مثل المطر على الجزاز" (مز 72: 6)، والثاني يأتي بشكل ظاهر مقترن بالقوة. في مجيئه الأول كان ملفوفًا بقماطات في المذود، وفي ظهوره الثاني يظهر "اللابس النور كثوب" (مز 104: 2). في مجيئه الأول "احتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب 12: 2)، وفي الثاني يأتي في مجد تحوطه جيوش الملائكة. لا يقف إيماننا عند مجيئه الأول فحسب، وإنما ننتظر مجيئه الثاني أيضًا. وكما قلنا في مجيئه الأول: "مبارك الآتي باسم الرب" (مت 21: 9؛ 23: 39). سنهتف من جديد نفس هذا الهتاف في مجيئه الثاني، قائلين مع الملائكة بتعبُّد عندما نقابل الرب قائلين: "مبارك الآتي باسم الرب". إن المخلص سوف يأتي هذه المرة، لا ليُحاكم من جديد، بل ليحاكم الذين حكموا عليه. ذاك الذي كان صامتاً أثناء محاكمته، سوف يُذكِّر أولئك الأشرار بقساوتهم عند الصليب، ويقول لهم: "هذه الأشياء صنعتم، وسكت" (مز 50: 21). في تنازله الإلهي، جاء المرة الأولى ساعياً لإكتساب البشر بتعاليمه، ولكن عند مجيئه الثاني سوق يقبلونه بالضرورة، ويخضعون له كملك سواء أرادوا أو لم يريدوا. بخصوص هذين المجيئين، يقول ملاخي النبي: "ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه"، هذا هو المجيء الأول. أما عن مجيئه الثاني، فيقول: "وملاك العهد الذي تسرون به، هوذا يأتي قال رب الجنود. ومن يحتمل يوم مجيئه؟! ومن يثبت عند ظهوره؟! لأنه مثل نار الممحص، ومثل أشنان القصَّار، فيجلس ممحصًا ومنقيًا". بعد هذا مباشرة يقول المخلص نفسه: "واقترب إليكم للحكم، وأكون شاهدًا سريعًا على السحرة وعلى الفاسقين وعلى الحالفين زورًا..." (مل 3) لهذا السبب يحذرنا بولس قائلاً: "إن كان أحد يبني على هذا ذهبًا فضة حجارة كريمة خشبًا عشبًا قشًا، فعمل كل واحدٍ سيصير ظاهرًا، لأن اليوم سيبينه، لأنه بنار يُستعلن" (1 كو 3:12، 13). يشير بولس أيضاً للمجيئين حين كتب إلى تيطس قائلاً: "ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس، معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقل والبرّ والتقوى في العالم الحاضر منتظرين الرجاء المبارك، وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تى 2: 11-14). ها أنتم ترون كيف يتحدث عن المجيء الأول، الذي من أجله يقدم تشكرات، وعن الثاني الذي نطلبه وننتظره. هكذا أعلن بولس نفس الإيمان الذي نعلنه، فنحن نؤمن بالذي "صعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب، وأيضًا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء". هكذا سيأتي ربنا يسوع المسيح من السماء، وسيأتي بمجد في نهاية هذا العالم، في اليوم الأخير.لأن هذا العالم له نهاية، هذا العالم المخلوق سوف يتجدد مرة ثانية. لأن الفساد والسرقة والفسق وكل أنواع الشرور قد غمرت الأرض، وسفك الدماء لحقه دماء. ولتجنب إستمرار هذا المسكن العجيب إلى الأبد وهو مملوء بالشرور، هذا العالم يمضي، ليظهر العالم الأفضل. أتريد شاهدًا على هذا من الكتاب المقدس؟ اسمع إشعياء النبي يقول: "تلتف السماوات كدرجٍ، وتسقط كل النجوم كأوراق من كرمة، وكأوراق تتساقط من شجرة تين" (إش 34: 4). يقول الإنجيل أيضًا: "تظلم الشمس، والقمر لا يعطى ضوءه، وتتساقط نجوم السماء" (مت 24: 29). إذًا لا نحزن كأننا وحدنا نموت، لأن النجوم أيضًا سوف تزول، لكن ربما يقوموا ثانية. فالرب سيطوي السماوات لا لكي يفنيها، بل ليقيمها ثانية بأكثر جمالاً. اسمعوا داود النبي يقول: "أنت يا الله في البدء أسست الأرض والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى" (مز 102: 25). اسمعوا بأي معنى يقول "هي تبيد"؟ إنه يكمل "كلها كثوبٍ تذوب قِدَمًا،وكرداء تطويها فتتغير" (مز 102: 26)، إنها كالإنسان الذي يُقال عنه إنه "يُباد". إذ مكتوب عنه: "باد الصديق وليس أحد يضع ذلك في قلبه" (إش 62: 1). هذا بالرغم من انتظار القيامة. هكذا أيضاً ننتظر قيامة للسماوات. "ستظلم الشمس، والقمر يتحول إلى دمٍ" (يوئيل 2: 31). فليتعلم أولئك الذين تحوَّلوا من المانيّة، فلا يجعلوا بعد هذه الكواكب آلهة لهم، ولا يظنوا أن هذه الشمس التي تظلم هي المسيح، إذ يقول الرب: "السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول" (مت 24: 35)، لأن خليقة الرب أقل قيمة من كلماته. إذن ستزول الأشياء المنظورة، وتأتي الأمور التي نتطلع إليها، إلى عالم أجمل. أما عن الزمن، "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع 1: 7). فلا تتجاسروا في إعلان زمان حدوث هذه الأمور، وفي نفس الوقت لا تخافوا وتتهاونوا، إذ قيل: "اسهروا إذًا لأنكم في ساعة لا تتوقعونها يأتي ابن الإنسان" (راجع مت 24: 42، 44). ولكن إن كان لزامًا أن نعرف علامات المنتهى إذ ننتظر المسيح، حتى لا نخدع ونضل بواسطة ضد المسيح الكذاب، فإن التلاميذ مدفوعين بإرادة إلهية وحسب ترتيب العناية الربانية، قالوا للمعلم الحقيقي: "قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟" (مت 24:3) إننا نتطلع إليك وأنت آتٍ ثانية، لكن "الشيطان يغيّر نفسه إلى شبه ملاك نور"، فاحفظنا من عبادة آخر غيرك. فتح السيد فمه الإلهي المبارك قائلاً: "انظروا لا يضلكم أحد". وهذه العبارة تنذركم جميعًا أن تحذروا وتهتموا لما يُقال، لأنه لم يتحقق بعد بل يتنبأ عن أمور مقبلة حادثة بالتأكيد. إنه ليس لنا أن نتنبأ لأننا غير مستحقين لهذا، إنما نضع أمامكم الأمور المكتوبة، ونوضح لكم العلامات، لاحظوا أنتم ما قد تحقق منها فعلاً وما لم يتحقق بعد، وكونوا ساهرين. "انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح ويضلون كثيرون" (مت 24). لقد تحقق هذا جزئيًا، فإن "سيمون الساحر" ادعى ذلك، كذلكMenander مناندر ، وآخرون من قادة الهراطقة. وسيقوم في أيامنا وفي الأيام المستقبلية أيضًا من يدعي ذلك. العلامة الثانية: "تسمعون عن حروب وأخبار حروب" (مت 24) . ألا توجد في أيامنا هذه حرب بين الفرس والرومان على أرض ما بين النهرين؟ ألا تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة؟! "وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة". هذه الأشياء حدثت فعلاً. ثم أيضًا "وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء". إنه يقول "اسهروا إذن لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم" (مت 24: 42). لكننا نبحث عن علاماتنا الخاصة لمجيئه. نحن الذين ننتسب للكنيسة نبحث عن علامة الكنيسة. يقول المخلص: "وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضًا ويبغضون بعضهم بعضًا" (مت 24: 10). إن سمعتم عن أساقفة في خلاف مع أساقفة، وإكليروس ضد إكليروس، وعلمانيين ضد علمانيين حتى الدم، فلا تضطربوا، لأنه سبق وأن تنبأ بهذا. ركزوا انتباهكملا للأحداث ذاتها، بل لحقيقة أنه قد سبق وتنبأ عنها. حتى إن هلكت أنا نفسي الذي أعلمكم، يجب أن لا تهلكوا أنتم أيضًا معي. أنه من الممكن أن يفوق التلميذ معلمه، والآخر يكون أولاً، إذ أن الرب يقبل حتى أصحاب الساعة الحادية عشرة. إذا كانت الخيانة قد وجدت بين الرسل، فهل تتعجبون إن وُجد بين الأساقفة كراهية؟! لكن هذه العلامة لا تخص القادة فقط بل الشعب أيضًا، لأنه يقول "لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت 24: 12) هل يتباهى أحد من الحاضرين بأن لديه صداقة مخلصة مع جاره؟ أليس صحيحاً أنه في كثير من الأحيان، الشفتين تقبل، والطلعة تبتسم، والعيون تبتهج، بينما القلب الخبيث يخطط بمكر بكلمات ناعمة؟ لكم هذه العلامة أيضًا: "ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتي المنتهى" (مت 24: 14). وكما نرى، أن العالم كله قد امتلأ الآن تقريبًا ببشارة المسيح. ثم ماذا يحدث بعد ذلك؟ يقول: "فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دنيال النبي قائمة في المكان المقدس. ليفهم القارئ" (مت 24: 15). وأيضًا "حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك، فلا تصدقوا" (مت 24: 23). إن كراهية الإخوة يتبعها مجيء ضد المسيح. لأن الشيطان يصنع الانقسام بين الناس، حتى يقبلوا المزمع أن يأتي. الله لا يسمح أن يذهب وراء العدو أي خادم من خدام المسيح، سواء من الحاضرين أو من أي مكان آخر. وإذ يكتب الرسول بولس في هذا الأمر يعطى علامة واضحة إذ يقول: "لأنه لا يأتي (هذا اليوم) إن لم يأتِ الارتداد أولاً ويُستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا، حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله، مظهرًا نفسه أنه إله. أما تذكرون أني وأنا بعد عندكم كنت أقول لكم هذا، والآن تعلمون ما يحجز إلى النهاية حتى يُستعلن في وقته، لأن سرّ الإثم الآن يعمل فقط إلى أن يُرفع من الوسط الذي يحجز الآن، وحينئذ سيُستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه. الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2 تس 2: 3-10). هكذا كتب بولس، والارتداد قد جاء، إذ ارتد الناس عن الإيمان المستقيم، فالبعض يتجاسر ويقول إن المسيح أُوجد من العدم. من قبل كان الهراطقة ظاهرين، أما الآن فالكنيسة مملوءة هراطقة مستترين، إذ ضل الناس عن الحق، "مستحكة مسامعهم" (2 تي 4: 3). هل خطابي جذاب؟! الكل ينصت إليه بسعادة. هل يهدف للإصلاح؟ الكل ينتبه. الكثير قد تحولوا عن التعاليم الصحيحة، واختاروا الكلمة الشريرة بدلاً من الصالحة. الارتداد قريب، ويجب أن ننتبه لمجيء العدو. فقد بدأ بارسال جزئيًا رواده، حتى يأتي فينقض على الفريسة. احذر إذاً واسهر على نفسك. الكنيسة توصيك أمام الله الحي، فهي تخبرك عما يخص بضد المسيح قبل أن يأتي. وإن كنا لا نعلم إن كان يأتي في أيامكم أو بعدكم، لكن يليق بكم إن تكونوا على علم بهذه الأحداث، وتحترسوا. المسيح الحقيقي، ابن الله الوحيد، لن يأتي بعد من الأرض، فإن جاء أحد بأعمال مزيفة في الصحراء لا تذهبوا وراءه. إن قيل "هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا". لا تعودوا تنظروا بعد إلى أسفل إلى الأرض، لأن الرب يأتي من السماوات، ليس وحده كما حدث من قبل، لكنه يأتي محاطًا بربوات الملائكة، ليس بشكل سري "كالمطر على الجزاز" (مز 72: 6). بل كالبرق المتوهج، إذ قال بنفسه: "لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا أيضًا يكون مجيء ابن الإنسان". وأيضًا "يبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوةٍ ومجدٍ كثيرٍ، فيرسل ملائكته ببوقٍ عظيم الصوت" (مت 24: 30). عندما كان التجسد قريب الحدوث، وكان من المتوقع ولادة الله من عذراء. اخترع الشيطان خداعًا بإيجاد روايات عن آلهة كذبة تلد وتولد من النساء، لكي بوجود الأكاذيب لا يُصدق الحق. وهكذا أيضًا عندما يكون مجيء المسيح الحقيقي قريب الحدوث، فإن المقاوم سوف يستغل فرصة انتظار البسطاء - خاصة الذين من أهل الختان - فيأتي رجل ساحر متفنن في فنون السحر والعرافة مخادع بمكر، وسوف يستولى على سلطان إمبراطور روما، ويدعو نفسه مسيحًا على نحو كاذب. وبهذا اللقب سوف يخدع اليهود المنتظرين مجيء المسيا، ويغوى الأمم بأضاليله السحرية. ضد المسيح هذا سوف يأتي عندما تكون نهاية الإمبراطورية الرومانية ونهاية العالم على وشك الحدوث. سيقوم عشرة ملوك لروما ضد بعضهم، ربما يحكمون في مناطق مختلفة، لكنهم يقومون في زمنٍ واحدٍ. بعد هذا يأتي الحادي عشر، أي ضد المسيح، الذي بخداعه السحري يغتصب القوة الرومانية، و"يذل ثلاثة ملوك" (دا 7: 24)، ويخضع السبعة الباقين. في البداية، يظهر بمظهر إنسان مثقف وحكيم، ويتظاهر باللطف والاحسان. وبالعلامات الكاذبة والعجائب السحرية المخادعة يخدع اليهود، كما لو كان المسيا المنتظر، بعد هذا يظهر كل أنواع الجرائم الوحشية والشرور، فيفوق كل الأشرار والملحدين الذين سبقوه، مستخدمًا روح قتال قاسي مخادع بلا رحمة ضد كل البشرية، خاصة ضد المسيحيين. وبعد ثلاثة سنوات ونصف، سوف يتحطم بالظهور المجيد الذي ابن الله الوحيد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الحقيقي، حيث يبيد ضد المسيح بنفخة فمه ويلقيه في نار جهنم. تعليمنا هذا ليس من اختراعنا، بل تُخبرنا به الأسفار المقدسة، خاصة ما جاء في نبوة دانيال التي قُرأت منذ قليل، كما فسرها رئيس الملائكة جبرائيل قائلاً: "الحيوان الرابع فتكون مملكة رابعة على الأرض تفوق سائر الممالك" (دا 7: 23). وبحسب التفسير التقليدي للآباء، هذه هي مملكة الرومان. فكما كانت المملكة الأولى التي ذاع صيتها هي مملكة الأشوريين، والثانية مملكة مادي وفارس، وبعد هذا المملكة الثالثة هي المقدونيين، والرابعة هي مملكة الرومان الحاضرة. ثم يستمر جبرائيل في التفسير قائلاً: "قرونه العشرة هم عشرة ملوك سيقومون ويقوم بعدهم آخر الذي يفوق الشر كل سابقيه" (ليس فقط يفوق العشرة، بل كل سابقيه) ويذل ثلاثة ملوك" (راجع دا 7: 24). واضح أنه يشير إلى عشرة ملوك سابقين، وإذ يذل ثلاثة، يحكم هو مع السبعة الباقين. "ويتكلم بكلام ضد العليّ" (دا 7: 25). فجبرائيل يقول: إنه يكون مجدفًا وشريرًا، لم يأخذ المملكة عن آبائه، بل اغتصبها بفنون السحر. هل يمكننا تحديد صفاتة أو أعماله؟ ليكن بولس مفسراً لنا: "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بل بقوة وبآيات وعجائب كاذبة" (2 تس 2: 9)، هذا معناه أن الشيطان سوف يستخدمه كأداته الشخصية. فإذ يعلم أن دينونته لن تتأخر بعد كثيرًا، يصنع حربًا لا من خلال خدامه كعادته بل يصنعها علنًا بشخصه، مستخدمًا "آيات وعجائب كاذبة". لأن أب الكذب سوف يظهر أعماله الكاذبة واسحاره المخادعة، حتى يظن الناس أنهم يرون الميت يقوم وهو لم يقم، والعرج يمشون، والعمى يبصرون، مع أنهم لم يشفوا حقيقة. يقول بولس أيضًا "المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا (أي أن ضد المسيح سوف يمقت الأوثان أيضاً)، حتى إنه يجلس في هيكل الله". أي هيكل هذا؟ إنه يقصد هيكل اليهود المحطم. حاشا لله، أن يُقصد به الهيكل الذي نحن فيه الآن. لا نقول هذا بدافع تفضيل أنفسنا، لإنه متى جاء لليهود على أنه المسيا راغبًا في أن يكون موضع عبادتهم، سوف يعطي اهتمامًا كبيراً للهيكل لكي يخدعهم تمامًا، مدعيًا أنه من نسل داود، وأنه سيعيد بناء هيكل سليمان. ضد المسيح سوف يأتي عندما لا يكون فيه حجر على حجر كما سبق مخلصنا وأخبر. لأنه عندما تسقط كل الحجارة الباقية سواء بالاضمحلال مع الزمن، أو تتهدم بهدف بناءه مرة أخرى أو لأي سبب آخر، سوف يظهر المسيح الدجال "بآيات وعجائب كاذبة"، رافعًا نفسه على كل الأصنام، فيتظاهر أولاً بالإحسان، لكنه يعود فيُظهر طبعه الوحشي، خاصة ضد قديسي الله، إذ قال دانيال: "وكنت أنظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين" (دا 7: 21). وفي موضع آخر: "ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت" (دا 12: 1). أنه الوحش الفظيع، التنين الضخم، لا يهزمه إنسان، مستعد للافتراس. لنا أن نتكلم عن هذا الكثير مما ورد في الكتب الإلهية، لكننا نكتفي الآن بهذا. وإذ يعلم الرب شدة الضيق الذي يبثه المقاوم ضد الأبرار قال: "حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال" (مت 24: 16). أما الإنسان الواثق أنه يستطيع مقاومة الشيطان، فليقف وليقل: "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟!" (رو 8:35). ليؤمن الجبناء سلامتهم، أما الشجعان فليصمدوا. "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (مت 24: 21). شكرًا لله الذي اقتصر هذه الضيقة في أيام قليلة، إذ يقول: "ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام" (مت 24: 22). سيحكم ضد المسيح لمدة ثلاثة سنين ونصف فقط. إننا لا ننطق بهذا من كتب غير قانونية بل بحسب دانيال: "ويسلمون ليده إلى زمان وزمانين ونصف زمان" (دا 7: 25). الزمان هو السنة التي تتزايد فيها قوته، والزمانان هي سنتا الشر الباقيتان، فيكون المجموع هو ثلاث سنوات، والنصف زمان هو الستة أشهر وفي موضع آخر يكرر نفس الكلام: "وحلف بالحيّ إلى الأبد أنه إلى زمان وزمانين ونصف زمان" (دا 12: 7). والبعض قد فسر ما جاء بعد ذلك بنفس المعنى: "ألف ومئتان وتسعون يومًا" (دا 12:11). وأيضاً: "طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً". ربما من الضروري أن نتوارى ونهرب، لأنه قد "لا نكمل مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان" (مت 10: 23). من هو الإنسان المطوب الذي يشهد للمسيح بغيرة في ذلك الوقت؟ لأني أقول إن شهداء ذلك الوقت يفوقون كل الشهداء. لأن الشهداء السابقين قد صارعوا مع أناس فقط، أما أولئك الذي في وقت ضد المسيح فسيصارعون مع الشيطان شخصياً. الملوك المضطهدون السابقون كانوا يسلمون الشهداء للموت فقط، لم يدَّعوا أنهم يقيمون الموتى، ولا صنعوا آيات كاذبة وعجائب، أما في ذلك الوقت فسيكون الإغراء الشرير بواسطة التهديد كما بالخداع "حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا" (مت 24:24). ليت لا يفكر آنذاك أحد هكذا: "وماذا فعل المسيح أكثر من هذا؟ بأية قوة يعمل هذا الرجل هذه العجائب؟ لو لم تكن إرادة الله، لما سمح له". يحذركم الرسول مقدمًا: "لأجل هذا سيُرسل إليهم الله عمل الضلال (أي يسمح بذلك)، لا لكي يعطيهم العذر بل لإدانتهم (2 تس 2: 11، 12). ولماذا؟ يقول: "الذين لم يصدقوا الحق - أي المسيح الحقيقي - بل سروا بالإثم ـ أي بضد المسيح". لكن كما في أثناء الاضطهادات التي تحدث من حين إلى حين هكذا يسمح الله بهذه الأمور ليس لأنه لا يستطيع منعها، بل ليتوج أبطاله من خلال الألم والاحتمال، كما توجَّ أنبياؤه ورسله، الذين بجهادهم لوقت قليل يرثون ملكوت السماوات الأبدي، وبحسب كلمات دانيال: "وفي ذلك الوقت ينجّي شعبك كل من يوجد مكتوبًا في السفر (أي سفر الحياة)، وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي. والفاهمون يضيئون كالجلد والذين ردوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور" (دا 12:1-4). كن ساهراً إذاً، فإنت تعلم علامات ضد المسيح. لا تحتفظ بها لنفسك فحسب، بل تشارك بها مع الحميع. إن كان لك ابن حسب الجسد انذره بهذا الآن، وإن كنت قد ولدت إنسانًا في الإيمان فأجعله أيضاً أن يحترس لئلا يقبل المسيح الدجال على أنه الحقيقي، "لأن سر الإثم الآن يعمل" (2 تس 2: 7.). إنني أخشى حروب الأمم هذه. إنني أخاف الانشقاقات التي في الكنيسة. إني أخشى كراهية الإخوة المتبادلة. لكن يكفي في هذا الموضوع، ليمنع الله حدوث هذه الأمور في أيامنا. لكن لنكن محترسين. هكذا يكفي بخصوص الحديث عن ضد المسيح. لنتطلع إلى مجيء الرب من السماء على السحاب ونترقبه، ستصوت الأبواق الملائكية، حينئذ "الأموات في المسيح سيقومون أولاً" (1 تس 4: 16). وسيُختطف الأبرار الصالحون إلى السماء لينالوا جزاء أعمالهم الصالحة أفضل من الكرامة البشرية. ولقد كتب الرسول بولس: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1 تس 4: 16، 17). .... "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس الملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء" (1 تس 4: 16). سيعلن رئيس الملائكة قائلاً: للجميع: "قوموا للقاء العريس". مخيف حقاً هو مجيء مخلصنا، إذ يقول داود: "يأتي إلهنا ولا يصمت، نار قدامه تأكل وحوله عاصف جدًا" (مز 50: 3). يأتي ابن الإنسان للآب - كما يقول الكتاب - "على سحب السماء" وبالقرب منه "نهر نار" (دا 7:10)، لاختبار أعمال كل أحدٍ. فإن وُجدت أعمال الشخص ذهبًا تصير أكثر لمعاناً، وإن كانت أعمال الشخص ضعيفة كالقش، سوف يحترق بالنار. يجلس الآب بلباس أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي (دا 7:9). هذا قيل بأسلوب اللغة بشرية. لماذا قيل هذا عنه؟ لأنه يملك على الذين لم يتنجسوا بالخطية، إذ يقول: "أجعل خطاياكم بيضاء كالثلج وكالصوف" (إش 1:18) إشارة إلى الصفح عن الخطايا أو عدم السقوط في الخطية. لكن الذي يأتي على السحاب هو نفسه الذي صعد على السحاب، إذ يقول بنفسه: "ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجدٍ عظيمٍ" (مت 24:30) لكن ما هي علامة مجيئه - لمنع المقاوم من التجاسر وتقليدها؟ يقول: "حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء" (مت 24: 30). علامة المسيح الحقيقية الخاصة هي الصليب. فيتقدم الملك علامة الصليب المضيئة، معلنة بوضوح ذاك الذي صُلب. حتى إذ يرى اليهود الذين طعنوه وتآمروا عليه هذه العلامة ينوحون قبيلة فقبيلة (زك 12: 12)، قائلين: هذا هو الذي ضُرب ولُكم. هذا هو الذي بُصق على وجهه. هذا هو الذي قُيِّد بالسلاسل. هذا هو الذي صُلب وكان موضع سخرية. سيقولون: أين نهرب من وجه غضبك؟ هم محاطين بجيوش الملائكة فلا يستطيعون الهروب. علامة الصليب سوف تُرعِّب أعدائه، لكن سوف تعطي الفرح لأصدقائه الأمناء الذين كرزوا به أو تألموا من أجله. ما أسعَّد ذلك الإنسان الذي يكون آنذاك صديقًا للمسيح. هذا الملك عظيم وممجد جدًا، الذي ترافقه الملائكة، شريك الآب في عرشه، لن يزدري بخدامه الأمناء. ولكي لا يختلط مختاروه مع أعدائه، "يرسل ملائكته ببوقٍ عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه من الأربع رياح" (مت 25:34). إنه لم يزدرِ بشخص واحد كلوط ، فكيف يزدري بأبرار كثيرين؟! إنه يقول للذين يركبون معه مركبات السحاب وتجمعهم الملائكة: "تعالوا يا مباركي أبي!" لكن قد يقول أحد الحاضرين: "أنا إنسان مسكين"، أو "قد أكون في ذلك الوقت مريضًا على الفراش"، أو "أنا امرأة أمام الطاحونة"، "فهل يتم أهمالي؟!" تشجع يا إنسان، فإن الديان لا يحابي الوجوه. "لا يقضي بحسب منظر الشخص، ولا حسب كلامه" (راجع إش 11: 3). لا يكرم المتعلمين فوق البسطاء، ولا الأغنياء أكثر من المحتاجين. فإن كنتم في الحقول، سوف تأخذكم الملائكة. لا تظنوا أنه يأخذ أصحاب الأراضي، ويترككم أنتم الفلاحين. حتى وإن كنت عبدًا أو فقيرًا لا تقلق. ذاك الذي أخذ شكل العبد (في 2: 7)، فهل يرفض العبيد؟ حتى وإن كنت راقدًا على الفراش، إذ مكتوب: "يكون اثنان على فراش واحد، فيؤخذ الواحد ويُترك الآخر" (لو 17: 34). حتى وإن كنت مجبراً على العمل في الطاحونة، رجلاً كنت أو امرأة، مكبلاً بجوار طاحونة، فإن الذي بسلطانه أن يحلّ المقيدين لن يتجاوزك. ذاك الذي أعتق يوسف من العبودية وأخرجه من السجن إلى المملكة، سوف يفديك أنت أيضاً من ضيقتك، ويقودك إلى ملكوت السماوات. تشجع إذاً، ولتعمل ولتجاهد بغيرة، فإنك لن تفقد شيئًا من جهادك. كل صلاة تقدمها، كل مزمور تتغنى به يُسجل لك، كل عمل صدقة، كل صوم مسجل لك، كل زواج شرعي وكل عفة وكبح للشهوة من أجل الرب مسجل لك. أول القوائم تأتي أكاليل البتولية والطهارة، سوف يضيئون كالملائكة. وكما سمعتم بفرح عن الأمور الصالحة، اسمعوا أيضاً بصبر لعكس ذلك. كل طمع يسجل عليكم، كل زنى، كل قسم كاذب، كل تجديف وشعوذة وسرقة وقتل، هذه جميعها تُسجل من الآن عليكم إذا ارتكبتم بعد العماد الخطايا نفسها، أما التي فعلتموها قبل العماد فقد مُحيت. يقول "متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه". تخيل يا إنسان كم الجموع التي سوف تشهد محاكمتك، كل أجناس البشرية سوف تكون حاضرة. أحص عدد أفراد الأمة الرومانية، والقبائل البربرية الموجودة اليوم، والذين انتقلوا من مئات السنين الماضية من آدم إلى يومنا هذا. حقًا إنه لجمع عظيم، إلا أنهم قليلون إن قورنوا بالملائكة الذين هم أكثر بكثير، إذ هم التسعة والتسعون خروفًا والبشرية هي الخروف الواحد (لو 15:4؛ مت 18:12)، لأننا يجب حساب عددهم بحسب إمتداد الفضاء ... مكتوب: "ألوف ألوف تخدمه، وربوات وقوف قدامه" (دا 17: 10)، ليس أنه عبَّر بدقة عن العدد بل لم يستطع أن يعبر أكثر من هذا. هكذا سيكون حاضرًا في يوم الدينونة الله أب الجميع، ويسوع المسيح جالسًا معه، وحاضراً أيضاً الروح القدس، وسيجمعنا كلنا البوق الملائكي، محضرين أعمالنا معنا. ألا يليق بنا أن نهتم بالأمر؟ لا تظنه أمرًا هينًا أن يكون الحكم أمام جمع عظيم هكذا. أما تختار الموت دفعات كثيرة أفضل من أن تُحاكم في حضرة الأصدقاء؟! لنرتع يا إخوة لئلا يديننا الله، الذي لا يحتاج إلى فحصٍ ولا إلى أدلةٍ في المحاكمة. لا تقل "إنا ارتكبت زنى بالليل" أو "استخدمت أعمال السحر" أو "ارتكبت أي شيئ آخر ولم يكن هناك أحد". فإن ضمائركم تدينكم، "وأفكاركم فيما بينها مشتكية أو محتجة في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس" (رو 2: 15، 16). إن منظر الديان الرهيب سوف يدفعكم أن تنطقوا بالحق، وحتى إن لم تتكلموا، فإن أعمالكم نفسها تستذنبكم، إذ أنكم سوف تقومون لابسين أعمالكم الشريرة أو الصالحة. وهذه يعلنها الديان نفسه، إذ أن المسيح هو الذي يدين. "لأن الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن" (يو 5: 22)، دون أن يتجرد الآب من سلطانه، بل يدين خلال الابن. فالابن يدين بإرادة الآب، إذ إرادة الآب والابن واحدة بذاتها ليس فيها اختلاف. إذن ماذا يقول الديان بخصوص أعمالك؟ "ويجتمع أمامه كل الشعوب لأنه في حضرة المسيح، "تجثو كل ركبة مما في السماء وما على الأرض وما تحت الأرض" (في 2: 10). فيميز بعضهم من بعض "كما يميز الراعي الخراف من الجداء" (مت 25: 22). كيف يميِّز الراعي بين الخراف والجداء؟ هل يفحص من هو خروف ومن هو جدي من كتاب؟ أو يقرر ذلك بحقائق جليَّة؟ أليس الصوف يظهر الخروف بينما الجلد الخشن المشعر يظهر الجدي؟! هكذا أنتم أيضاً، إذا تطهرتم من خطاياكم تكون أعمالكم كالصوف النقي، ويبقى ثوبكم بلا دنس، وتقولون على الدوام: "خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟!" (نش 5) لأن من منظركم سوف تُعرفون كخراف. أما إن وجدتم كعيسو لكم شعر خشن وعقل شرير، الذي خسر بكوريته بأكلة، وباع امتيازه، حينئذ تكونون من أهل اليسار. ليحفظ الله كل الحاضرين هنا، فلا يسقط أحد من النعمة، أو يوجد بين صفوف الأشرار الذين عن اليسار بسبب أعمال شريرة. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس كيرلس الأورشليمي | المسيح |
القديس كيرلس الأورشليمي | نفيه الثاني |
مجيئ المسيح الثاني _ كيرلس الأورشليمي |
مجيئ المسيح الثاني _ كيرلس الأورشليمي |
جسد المسيح و دمه القديس كيرلس الأورشليمي |