رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نحميا وعمله كانت مدرسة نحميا واحدة من المدارس الكبرى التى يتعلم فيها الإنسان كيف يعمل ، ويتقن العمل ، ... لقد كان على الرجل قبل كل شئ ، أن يخطط لنفسه الأسلوب الذى ينبغى أن يعمل به ، والنقطة التى منها يبدأ ، ويسير ، ويستمر فى العمل ، ... ومن ثم قام فى الليل وزار موقع العمل على الطبيعة ، هو وبعض الرجال معه ، ولم يخبر أحداً بما جعله اللّه فى قلبه ليعمله فى أورشليم ، والنقطة الأولى فى كل عمل عظيم ، هى التفكير فى هدوء وأناة فى محضر الرب ، والاتفاق مع اللّه أولا على العمل ، والتصميم على القيام به مهما تكلف المرء من جهد أو مخاطر أو مشاق ، ... أو بعبارة أخرى ، أنه ذلك الاقتناع الذى يسود على حياتنا بأننا عاملون مع اللّه ، قبل أن يعلم أحد على الإطلاق ما نحن مقدمون عليه ، أو فى سبيله بمشيئة اللّه ، ... فإذا تم لنا هذا الاقتناع ، فإن الخطوة التالية هى الانصراف إليه وإنجازه ، أو الانتقال به من النظريات إلى العمل بدون أدنى تردد أو تراجع مهما كانت المشقات أو الصعاب أو المتاعب التى تعترض طريقه ... كان ديفاليرا القائد والزعيم الإيرلندى العظيم يخطب فى جموع من مواطنيه عندما قبض عليه الانجليز وهو فى منتصف الخطاب عام 1916 ، .. وأخذ إلى إنجلترا وهناك حكم عليه بالإعدام ، وأرسل إلى سجن ويكفيلد حتى يتم إعدامه ، ومن العجيب أنه جلس فى زنزانته ، وهو يفكر كيف يكمل الخطاب الذى بدأه ، ونحن نعلم قصته بعد ذلك ، أنه لم يعدم ، بل أفرج عنه ، وبعد عام تقريباً وقف يخطب ، فإذا به يبدأ خطابه بالقول : كما كنت أتحدث إليكم عندما قوطعت بخشونة !! .. والعامل المسيحى قد يقاومه الناس أو يقاطعونه أو يزجون به فى السجون ، ... ولكنه وقد صمم على عمل اللّه ، لابد أن يزيح من أمامه كل تراجع أو تقهقر أو تردد !! .. وضع نحميا فى العمل عدة مبادئ ، لعل أهمها ، أولا : الاتحاد فى العمل ، فبناء السور لم يستأثر به فرد واحد بل كانت تتاح الفرصة للتعاون بين الجميع ومع أن نحميا كان الدافع العظيم خلف البناة ، إلا أنه أدرك إدراكاً عميقاً أن العمل الذى يستند إلى مجهود فرد واحد أو قلة من الناس ، لابد أن يفشل ، ولأجل ذلك نجده قد ضم نفسه إلى العاملين وقال : « فبنينا » . وكل عمل فى الحياة يلزمه التعاون والاتحاد حتى يخرج إلى الوجود فى أحسن صورة ، وتلك من البديهيات التى لا تحتاج إلى إيضاح ، ولكننا كثيراً ما ننساها ، ونحن نقوم بأعمال عظيمة ، فيتراكم العمل على فرد بينما يقف آخرون متفرجين أو غير عاملين ، أو على الأكثر ، مشجعيين ولكن من على بعد !! .. على أن هناك أمراً ثانياً لا يقل أثره عن الإتحاد ، ونعنى به تجزئة العمل أو تقسيمه بين العاملين ، كل بحسب تخصصه ومقدرته ، وقد قال جورج آدم سميث : إن توزيع العمل فى مصنع للدبابيس ينتج مائة ضعف مما ينتجه المصنع بدون توزيع عندما يقوم العمل بالعملية كلها من أولها إلى آخرها ، وكلما ارتقت الأمة وتسامت ، كلما برز فيها عنصر التخصص بكيفية أو ضح وأدق ، وفى كنيسة المسيح هناك مواهب متعددة يلزم استثمارها كل بحسب ما أخذ من موهبة ووزنة ، ... على أن عامل التخصيص كان أدق وأهم عندما طلب نحميا أن يقوم كل واحد بالعمل فى مكان معين ، مقابل بيته ، وهذا أمر له دلالته ، إذ فضلا عن أن كل إنسان فيه غريزة الملكية التى تجعله يميل إلى أن تكون بقعته من أجمل وأحسن البقاع ، والتى تجعله ينزع إلى أن تكون بقعته أيضاً حصينة آمنة ، فإن العمل مقابل بيته يثير النخوة والحركة ، إذ أنه سيضحى مع الزمن عملاً تذكارياً ، فهو إما مثير أبهج الذكريات ، أو أقساها لدى صاحبه ، كما أنه ينشئ نوعاً من التنافس بين العاملين ، إذ أن كل واحد يريد أن يتمم عمله بسرعة وعلى أحسن وجه ، وبذلك يحفز كل واحد أخاه على السرعة والإجادة ، وفى الوقت عينه يقدم تيسيراً واضحاً لكل من يعمل ، إذ أنه يكون قريباً من بيته ، وبالحرى قريباً من أدواته ووسائله الخاصة التى تساعده على العمل ، ... وما أكثر ما تضيع الجهود المخلصة فى خدمة اللّه ، إذا خلت من التنظيم الحكيم ، والترتيب اللازم . على أنه من اللازم أن نتذكر أن نحميا لم ير أن نهاية عمله هى بناء سور أورشليم ، إذ كان يعلم أن السور فى حد ذاته لا قيمة له إذا لم يكن هناك سور روحى يقى الشعب من جموحهم وتمردهم ، ولقد كرس جهوده لبناء السور الروحى الأعظم فى حياة الشعب ، ولقد استمر نحميا إثنى عشر عاماً بعد أن عينه الملك حاكماً لأورشليم ، وهو يعمل على انفراد ، أو مع عزرا على بناء الحياة الروحية لشعبه ، وقد بدأ ذلك بالعهد الذى قطعه الشعب على نفسه بالتخلى عن الشر والفساد والتمسك باللّه ووصاياه ، وقد كان على القادة أنفسهم أن يكونوا فى ذلك قدوة لغيرهم ، لأن الإنسان بطبعه مقلد ، ويميل للسير فى النهج وراء الرؤساء والسادة ، وهذا ما فعله الشعب عندما رأوا قادتهم يسلكون سواء السبيل ، .. وقد تمسك الجميع بالشريعة ، وظهر هذا التمسك فى الصوم والمسوح والحزن على الخطية ، وكل اقتراب إلى اللّه لا يبدو فيه الندم وتبكيت الضمير، أغلب الظن أنه مزيف وغير صحيح ، ولا يلبث أن يتراجع أو يضيع مع الأيام ، .. وقد بدت ظاهرة التمسك بالذهاب إلى بيت اللّه ، وعدم الملل من الوجود هناك ، إذ كانوا يقضون ثلاث ساعات فى قراءة الكلمة ، وثلاث ساعات أخرى فى الاعتراف والتسبيح والحمد ، " نح 9 : 3 " على أن التمسك قد تعمق أكثر بالانفصال عن الأجنبيات اللواتى اقترنوا بهن ، والتوبة الحقيقية هى التى تمد جذورها إلى أعماق البيت ، إذ أن المرأة الشريرة أو الوثنية ، كثيراً ما تقود البيت كله إلى الضلال ، ... ومن المناسب أن نلاحظ هنا أن محبة اللّه ينبغى أن تجب كل محبة أخرى تقف فى الطريق أو تعطل أو تزاحم مكانها فى القلب ، .. وقد أضيف إلى هذا كله الحرص على تكريس يوم الرب ، دون الانصراف إلى العالم فكراً أو عملا ، .. ومن المؤسف أن يختلط هذا اليوم فى حياة الكثيرين من المسيحيين بباقى أيام الأسبوع دون تخصيص أو تقديس ، ومن ثم يغطيه الغبار أو التراب الذى ينهال عليه من العالم وزحام الحياة البشرية ، ... مع أنه اليوم الذى نيبغى أن يكون - على العكس - لنفض التراب وإزالة الأوساخ الروحية التى قد تتراكم على المؤمن فى سيره مع اللّه !! ... وقد شجع نحميا الناس على الاعتراف بالخطية والتقصير ، وهذا الاعتراف ضرورى للتعمق فى حياة القداسة والسير نحو الكمال ، ... واهتم أن يشجعهم على الأمانة فى العشور والتقدمة ، إذ أن التصرف فى المال ، فى العادة ، هو واحد من أدق المقاييس وأصدقها فى حياة المؤمن الصحيحة !! .. وما أكثر ما يفعل الناس ما فعله الملك لويس الحادى عشر ، إذ أصدر أمراً بهبة قطعة كبيرة من مملكته للعذراء مريم ، على أن يبقى ريعها قاصراً عليه ، وما أكثر ما يغنى الكثيرون لسيدهم أن يمتلك حياتهم ، وفضتهم وذهبهم ، دون أن يقدموا شيئاً من هذه الحياة أو الفضة أو الذهب !! ... هل لك أيها المؤمن أن تبنى سوراً روحياً حول نفسك الغالية ، كالسور الروحى الذى وضعه نحميا قبالة عينيه وهو يبنى سور مدينة أورشليم القديم ؟ ! |
28 - 08 - 2013, 07:23 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: نحميا وعمله
ميرسي كتير ربنا يبارك خدمتك الجميلة
|
|||
30 - 08 - 2013, 09:24 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: نحميا وعمله
شكرا على المرور
|
||||
|