رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
زربابل والمعونة الإلهية أغلب الظن أن زربابل كان يصبح ويمسى ، ومنظر الجبل العظيم لا يفارق وجدانه وخياله ، ولعله كان يهجس مخاطباً هذا الجيل فى العلن أو فى السريرة ، وتحول الجبل إلى عدو عملاق ظاهر يواجهه على الدوام ، ... ومن ثم جاء صوت اللّه المقابل لهذه الحقيقة مدوياً فى أذنيه على لسان النبى ، لقد دخل اللّه المعركة إلى جواره ، .. كان زربابل قبل ذلك يواجه الجبل بالرعب والفزع ، وأذا به بعد ذلك يواجهه بهتاف الانتصار والتحدى !! ... من أنت أيها الجبل العظيم !! ؟ .. ومن الملاحظ أيضاً أن « الشئ » تحول فى العدو وبالعدو « شخصاً » هائلا مخيفاً يقف أمام زربابل يمكن مخاطبته : « من أنت » !! وحق لروح اللّه فى المؤمن أن يواجه كل مبدأ أو نظام أو قانون أو عقيدة أو دين غير إلهى ، أو فساد أو شر متمكن فى الأرض حتى ولو تحول إلى الجبــــال الرواسى : « من أنت أيها الجبل العظيم » !! ؟ .. وحق لروح اللّه فينا ألا يقلل من الصعوبات الرهيبة التى تحولت بالتاريخ والناس قلاعاً وحصوناً وجبالا عالية شامخة : « من أنت أيها الجبل االعظيم !! ؟ » ... إن زربابل هنا صورة ورمز للمسيحى فى مواجهة الصعاب والمستحيلات والأعاصير الشيطانية التى تقف تجاهه،... ولذا يمكن أن نقول هذا القول لكل تحديات العصور التى تجابهنا ، بصيحة الإيمان القوية : « من أنت أيها الجبل العظيم » !! ؟ وإذا كان من حق المؤمن أن يوازن بين القوة والمقاومة ، وماله وماع ليه ، ومن له ومن عليه ، فإنه سيجفل فى مبدأ الأمر ، لأنه وهو ضئيل وضعيف أمام تراكمات الأجيال التى تحولت جبالا مرتفعة تجاه جهده المحدود ، وخطة اليسير ، وقدرته الراهنة ، . فإن من حقه أيضاً ، وهو يتلفت إلى المصدر الأزلى الأبدى يقف إلى جواره ، أن يهتف : « من أنت أيها الجبل العظيم » !! إن التأثر بالمنظور هو الذى يحجب عن الإنسان هذه الرؤيا العظيمة !! ... عندما تطلع زربابل إلى المال الذى فى يده ، والجماعة التى معه ، .. والأعداء المتربصين به ، فقد الرؤيا التى كان يتعين عليه من البداءة أن يتنبه إليها ... لقد خرج من بابل بأمر الرب ، بعد انقضاء سبعين سنة عينها الرب لمدة السبى ، وهو يرجع إلى بلاده تنفيذاً للوعد الإلهى الذي لا يخيب أو يكذب فمهما كان الجبل عظيماً أمامه من المتاعب والمشاكل المتراكمة ، فإن من حقه أن يقول ما قاله الرسول بولس فيما بعد » ... « فماذا نقول لهذا ... إن كان الرب معنا فمن علينا » !! .. " رو 8 : 31 " . فإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا لم تعمل معه قوى اللّه منذ اللحظة الأولى ؟ ولماذا اعترضته الصعاب المهولة القاسية من أول الأمر عند وضع حجر الأساس !! ؟ .. ولماذا رأى الجبل العظيم فى شموخه وارتفاعه أمام عينيه !!؟ . الحقيقة ، إن هذه هى سياسة اللّه الدائمة مع أولاده المؤمنين !! .. إنه دائماً يرفع الجبل أمام عيونهم ، ليصغروا فى أنفسهم ويعلموا أنهم لا شئ فى الأساس تجاه المتاعب والمشاكل والصعاب القاسية التى لابد أن تواجههم !! إنه يبلغ بهم أولا إلى النقطة الأولى التى يتعين عليهم أن يعلموها قبل كل صعوبة ومشكلة !! ؟ ونعنى بها مشكلتهم أمام نفوسهم ، وأنهم عدم بدون المساعدة الإلهية ، أو كما قال السيد المسيح لتلاميذه : « بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً » " يو 15 : 5 " ... وهذا واضح على الدوام فى حياة أبطال اللّه فى كل الأجيال والعصور ، ... عندما دفع اللّّه موسى ليخرج الشعب من مصر ، كان عليه أن يجرده - أولا وقبل كل شئ - من إحساسه بشخصه وذاته وكيانه ولذلك أبقاه فى البرية أربعين عاماً ، هى ثلث عمره بالتمام ، ليدرك موسى حقيقته وحجمه الصحيح ، قبل أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام ، .. بل كان عليه ، أكثر من ذلك ، أن يبلغ به نقطة اليأس الكامل فى مواجهة فرعون ، فيزداد الأمر سوءاً أو تزداد الطينة بله كما يقولون ، وتثقل العبودية على الشعب : « فرأى مدبرو بنى إسرائىل أنفسهم فى بلية إذ قيل لهم لا تنقصوا من لبنكم أمر كل يوم بيومه وصادفوا موسى وهرون واقفين للقائهم حين خرجوا من لدن فرعون فقالوا لهم : ينظر الرب إليكما ويقضى لأنكما أنتنتما رائحتنا فى عينى فرعون وفى عيون عبيده ، حتى تعطيا سيفاً فى أيديهم ليقتلونا، فرجع موسى إلى الرب وقال ياسيد لماذا أسأت إلى هذا الشعب ؟ لماذا أرسلتنى ؟ فإنه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب وأنت لم تخلص شعبك » " خر 5 : 19 - 23 " ومن العجيب أن داود الذى واجه الدب والأسد وجليات ، كل عليه أن يعيش طريداً فى البرية ليس بينه وبين الموت إلا خطوة ، حتى يدرك الحقيقة دائماً أنه أشبه بالبرغوث أو الكلب الميت أو الكيان الضائع حتى تفتقده عناية اللّه ومحبته وإحساناته ورحمته !! .. كان على زربابل أن يموت أولا قبل أن يحيا لمواجهة الجبل العظيم الذى يقف أمامه ويسد عليه كل سبيل إلى التقدم والنجاح » !! .. كان على زربابل فى مواجهة الجبل العظيم أن يدرك أمرين مختلفين أحدهما سلبى ، والآخر إيجابى ، أما أولاهما فهو أنه : « لا بالقدرة ولا بالقوة » ... ومن المعتقد أن الكلمتين مترادفتان ، وتشير ان إلى الجهد البشرى المنظور ، وإن كانت الفولجاتا قد ترجمت « بالقدرة » إلى « بالجيش » . وقد قيل إن القدرة تشير إلى القوة المتجمعة أو القوى المعنوية ، بينما تشير القوة إلى القوة الفردية أو المادية ، .. وفى الحقيقة ، ليس من السهل الفصل بين مدلول الكلمتين ، إذا أنهما تجمعان معاً كل الجهد البشرى المنظور ، أو الذى يمكن تصوره ، وإن كانت القدرة تتجه إلى المعنويات أكثر من الماديات فنحن نتحدث عن الرجل المقتدر فى إمكانياته العقلية أو الذهنية ، أوسعة باعه وعن قوته المادية أو البدنية ومدى ماله من جهد من هذا القبيل .. والفارق على أية حال ليس قاطعاً أو فاصلا ، فكثيراً ما تستعمل الكلمة الواحدة منهما مرادفة للأخرى أو بدلا منها ، ... وليس معنى العبارة كلها أن اللّه لا يستخدم فى عمله القدرة أو القوة البشرية لإنجاز ما يريد أو ما يطلب فى حياة الناس ، ... فما هذه القدرة أو القوة ، إلا الوزنات الموهوبة للبشر ، والتى عليهم أن يستثمروها لمجده فى الأرض !! ... إنما يريد هنا أن يذكر أن له مطلق الحرية ، فى الوصول إلى أغراضه سواء بهذه القدرة أو القوة الخفية، لإتمام أغراضه ، فهو فى إخراج الشعب من مصر فعل شيئاً يختلف تماماً عما فعل لإعادتهم من السبى البابلى !! ... ففى الخروج من مصر لجأ إلى القوة والقدرة الظاهرتين ، عندما غنى الشعب على ضفاف البحر الأحمر : « الفرس وراكبه طرحهما فى البحر » !! .. " خر 15 : 1 و 21 " لكنه فى عودة المسبيين ، لم تكن هناك المعركة الظاهرة بل التأثير الخفى ، فهو يؤثر فى قلب كورش أو داريوس ، وهو يحول قلوب الملوك كجداول مياه بين يديه !! ... وهو فى كل حال الإله القادر على كل شئ !!! ... وهو يفعل ذلك مرات كثيرة فى مواكب التاريخ المختلفة ومن ثم حق لأحدهم أن يقول : « لا بالقدرة ولا بالقوة استطاع لوثر أن يواجه ثورة روما وقوتها ومقامها ويحقق الإصلاح !! ولا بالقدرة ولا بالقوة استطاع وليم بوث أن يقابل الفقر والسخرية والهزاء وينشئ جيش الخلاص العظيم ! ... ولا بالقدرة ولا بالقوة استطاع وليم لويد جارسون أن يهاجم - وهو أعزل - نظام الرق ، ويطلق القوة التى حررت - آخر الأمر - أربعة ملايين من العبيد ... وياله من سجل طويل لأعظم أبطال العالم ممن يستعرضهم الذهن ، وممن لم يستندوا فى شئ إلى قوة بشرية ، بل استندوا على قوة روح اللّه رب الجنود فصنعوا الخوارق والمعجزات !! ... لقد أدهشت شجاعة وليم أورنج فى تسليح الفلاحين فى هولندا والفلاندرز للثورة ضد طغيان الملك فيليب والفا الدموية .. لقد أدهشت هذه الشجاعة الملك الأسبانى ، حتى أنه تساءل عمن يمكن أن يكون من وراء هذه الحركة من حلفاء أو ملوك ، فكان له جواب وليم الشجاع : « إنك تسألنى عما إذا كنت قد دخلت فى حلف رسمى مع قوة أجنبية ، ألا فاعلم بأنى قبل أن أحمل على عاتقى قضية هذه الولايات المنكوبة ، قد دخلت فى الحلف والعهد مع ملك الملوك ورب الأرباب » . .. ترى ، هل نستطيع أن نواجه جبال مشاكلنا ، كما وقف زربابل أمام الجبل العظيم العاتى المرتفع قديماً ؟ !! .. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يا أمّ الله يا حنونة يا كنز الرحمة والمعونة |
مريم لا تنسينا يا كنز الرحمة والمعونة |
التعزية والمعونة |
الرحمة والمعونة الإلهية |
انت العون والمعونة |