منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 06 - 2013, 08:34 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,276,003

برزلاي المعطي
برزلاي المعطي

وإذا كان الوفاء الصادق العميق هو الحقيقة الداخلية التي تملأ الرجل،.. فإن العطاء على وجه الخصوص كان المظهر العظيم للحقيقة الخفية، وها نحن نقف الآن لنتأمل سمات هذا العطاء السخي الكريم الذي جاء في أدق الأوقات في حياة داود، ولعله كان أولاً: العطاء التلقائي، فلم يأت هذا العطاء لأن داود سأل، أو لأن هناك ضغطاً وقع على برزلاي، أو إكراهاً بأية صورة من الصور،.. لقد جاء العطاء نابعاً من النفس الكريمة المضيافة،.. لقد وقف برزلاي الجلعادي مع شوبي بن ناحاش وماكير بن عميئيل أمام شعب: "جوعان ومتعب وعطشان في البرية".. وكانت حالة الشعب أبلغ من كل كلام!!.. إنه أشبه بذلك الرجل اليائس الذي وقف على قارعة الطريق ينتظر إحسان الناس دون أن يتكلم!!.. وإذ سأله أحدهم لماذا لا يرفع صوته، ويتحدث عن حاجته،.. وقال الرجل إنه ليس في حاجة إلى رفع صوته، إذ أن بؤسه المرسوم على وجهه يتكلم بمالا يستطيع أن يتكلم به أفصح لسان!!... إن بعض الناس قد يعطون عطاء الأسفنجة والتي لابد من عصرها حتى يخرج ما فيها من ماء،.. فإذا لم يعصر هؤلاء، فهم لا يعطون أو يقدمون على الإطلاق،.. وآخرون مثل البقر الحلوب التي سئل صاحبها عما إذا كانت تدر اللبن الكثير، وقال الرجل إنها تعطي اللبن الوفير على شرط أن أحصرها في ركن المكان، وأكون حريصاً من نطحها ورفصها،.. ومن الناس من قد يعطي، ولكن بعد أن ينطح أو يرفص.. لكن برزلاي الجلعادي لم يكن من هذا الضعف،.. إنه يدر اللبن، ويكثر العطاء، لأن شيئاً في أعماقه يدفعه إلى ذلك، لأن روحه الكريمة السخية تجزل العطاء، لأن عطاؤه نابع من قلبه،.. وهو ثانياً: العطاء العملي، إذ قدم برزلاي وأصدقاؤه لداود ومن معه: "فرشا وطسوسا وآنية خزف وحنطة وشعيراً ودقيقاً وفيركاً وفولاً وعدساً وحمصاً مشوياً وعسلاً وزبدة وضاناً وجبن بقر"... وألغب الظن أن من يسخو في العطاء، لا يتكلم كثيراً،... سقطت الآنية من الغلام الصغير وقد تحطمت وما بها من لبن، وهو يبكي لأنه يخشى عقاب سيده إذا ذهب إليه فارغاً من غير إناء، ومر الناس بالغلام الصغير، بعواطف متعددة مختلفة، فمنهم من لامه لأنه لم يحرص على الإناء، ومنهم من هز رأسه ومضى، ومنهم من رثى له بكلمات عابرة، لكن واحداً وقف وجمع له أكثر مما ضاع منه، وكان ولا شك أفضل الجميع،.. أليس هذا ما ردده الرسول يعقوب في قوله: "إن كان أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي فقال لهما أحدكم امضيا بسلام استدفئا واشبعا ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد في المنفعة".. وثالثاً: كان عطاء برزلاي العطاء السخي، لقد وصف بالقول: "وهو عال الملك عند إقامته في محنايم"... أي أن العطاء لم يكن ليوم أو لأيام قليلة بل امتد إلى زمن غير قصير، ولم يتبرم الرجل أو يتراجع عن المساعدة والمعونة، بل بالحري أدرك رسالته، لقد أعطاه الله الكثير، وهو لا يمكن أن يعطي بالشح أو البخل،.. إنه ذلك النوع من الرجال الذي يؤمن بأنه ليس بئراً يخزن الماء حتى يصبح آسناً، بل أنه النهر المتدفق الذي لا يكف عن العطاء أو الإرواء،.. جاء في أساطير القدماء أن شيخاً من شيوخ القبائل حفر بئراً، وأصدر أمراً بأنه لا يجوز لأحد أن يشرب من البئر غيره وغير أسرته، وإذ به يجد أن البئر جفت ولم تعد تعطي الماء، فأتى بالعرفاء ليسألهم كيف يأتي الماء إلى البئر،.. فقالوا له: إن البئر لن تفيض حتى يشترك الناس مع الشيخ في الانتفاع بها، فأصدر أمراً بأن يشرب هو وبيته من البئر نهاراً، ويشرب الناس منها في الليل، وتعجب أن الماء جف في النهار، وغزر في الليل، فعكس الوضع إذ أصدر أمره بأن يشرب الناس في النهار وهو في الليل،.. وإذا بالماء يأتي في النهار، لينتهي في الليل،.. وتعلم من ذلك أن المشاركة الدائمة هي التي تعطي النبع فيضه الكريم.. كان مال برزلاي أصلاً مثل مال أيوب عندما قال: "إن كنت منعت المساكين عن مرادهم أو أفنيت عيني الأرملة أو أكلت لقمتي وحدي فما أكل منها اليتيم بل منذ صباي كبر عندي كأب ومن بطن أمي هديتها إن كنت رأيت هالكاً لعدم اللبس أو فقيراً بلا كسوة إن لم تباركني حقواه وقد استدفأ بجزه غنمي إن كنت قد هززت يدي على اليتيم لما رأيت عوني في الباب فلتسقط عضدي من كتفي ولتكسر ذراعي من قصبتها".. وقد تعلم برزلاي من صغره أن تكون يده كريمة فياضة مبسوطة لا يقبضها عن بائس أو مسكين، وعندما جاء الملك ومن معه، سخا برزلاي إلى آخر حدود السخاء والعطاء والكرم!!... في ساحة كنيسته كتبت هذه العبارة: ما أعطيه أملكه. وما أحتفظ به أفقده!!... وكان عطاء برزلاي رابعاً: من غير مقابل، فالرجل لم يعط كما يعطي بعض التجار إذ يقدمون عطاياهم أو هداياهم على أمل التعويض المتكاثر من الصفعة أو الصفعات التي تلحق ما يقدمون أو يعطون، إنه على العكس من ذلك يعطي عطاء الآباء أو المحبين،.. والأب الذي يكد ويجتهد ويأخذ أجره أو عائده، لا شيء عنده أبهج أو أسعد من أن يعود إلى البيت محملاً بالخيرات والعطايا لزوجته وأولاده، ولا شيء يعمق الفرح في قلبه أكثر من رؤيتهم سعداً مبتهجين، بما يأخذون أو ينتظرون،.. والمحب كم يسعده أن يتمتع الحبيب بما يقدم له يجزل من هدايا وعطاء!!...
وكان عطاء الرجل القديم آخر الأمر عطاء المسعد للآخرين!!... لقد جاءت عطيته في وقتها. والناس ملوكاً أو صعاليك يحتاجون بعضهم للبعض، والزمان دوار، والملك الآن في مركز الشريد الطريد الصعلوك، المحتاج إلى أقل مساندة أو مساعدة، وعندما هزمت الثورة، وعاد الملك إلى مجده.. تغير الوضع، وعرض على برزلاي أن يجزل له العطاء،.. على أن داود لم يسعد بالعطاء المادي، وهو في ذله وهوانه فحسب، بل سعد أكثر بالعطاء المعنوي الذي يرمز إليه العطاء المادي،.. لقد كانت نفس داود منحنية أشد الانحناء، وكان السؤال الذي ربما سأله لنفسه عشرات المرات!!.. هل تخلى الله عنه في الثورة؟!!.. وهل أقام ابنه ضده لكي يعاقبه دون رقة أو رحمة أو شفقة؟!! وجاءته عطايا برزلاي ومن معه، كالنسمة الحلوة الهادئة الرقيقة لنفسه المتعبة!!... لقد أدرك بأن الله لم يتخل عنه قط وقد أرسل له في هذه العطايا كأس الماء البارد الذي تحتاجه شفتاه الظامئتان الملتهبتان من الضيق والظمأ، وأدرك أن الله في الغضب يذكر الرحمة... ومن المؤكد أنه شكر الله، لا على ما قدم برزلاي من مادة، بل على ما أظهر من مودة وحنان ورقة ولطف وشركة،.. وكانت هذه جميعاً عنده أعظم وأكرم،.. وهل من شك في هذا؟ لقد استنشق المسيح طيباً أعبق وأسمى، ومريم أخت لعازر تسكب على رأسه قارورة الطيب التي ملأت رائحتها المكان،… لقد استنشق طيب الحب والحنان والولاء والتكريس، والذي لا يمكن أن يباع بذهب الدنيا كلها!!.. وغنى بولس على هذا الأساس وهو يلمس بيديه عطايا الفلبيين وهو يقول: “قد امتلأت إذ قبلت من ابفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة مرضية عند الله”… ودع داود برزلاي بالقبلة والبركة وهما يفترقان على ضفاف الأردن، ولست أعلم مدى الانفعالات التي كانت تملأ نفسه في ذلك الوقت، لكني أعلم أنه انفعل ذات مرة وهو يمسك بين يديه جرعة الماء التي جاءته من بئر بيت لحم، البئر التي تعود أن يشرب منها وهو صبي صغير، ورأى في تلك اللحظة، أن الماء أقدس من أن تتناوله شفتاه، فسكبه سكيباً وهو يغادر محنايم، وقد وقف برزلاي ومن معه يودعونه، رأى فيها جيشاً من الملائكة –وكانوا هذه المرة من بشر- يختلف عن ذلك الجيش الذي رآه جده يعقوب مرسلاً من الله لمعونته، ولكنه في كلا الحالين كان بسمة الله للنفس المتضايقة المكنوبة المتعبة في الحياة!!…
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
برزلاي الجلعادي ( 2صم 19: 32 )
برزلاي والمكافأة
برزلاي المعطي
برزلاي الجلعادي
برزلاي الوفي


الساعة الآن 08:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024