رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
برزلاي الوفي كان برزلاي الجلعادي -كما يصفه الكتاب- "رجلاً عظيماً جداً" ولعل الوصف هنا يعطينا صورة عن الشيخ الجليل المهيب المحترم، الواسع الثروة، الذائع الصيت، المكرم المقام،.. ومهما تكن أوصافه، فإن أعلى ما يظهر به الرجل هو ذلك الوفاء العظيم النادر الذي اتسم به في موقفه من داود غداة الثورة التي قام بها أبشالوم ضد أبيه،.. فهو أولاً وقبل كل شيء الوفاء الصادق الخالص، الذي لا يبحث عن غرض أو يرجو مصلحة، بل يقف إلى جانب الحق والأمانة والصدق والشرف، لقد كان طرفا الثروة داود وابنه أبشالوم، الملك الشرعي والابن المتمرد، الرجل الذي يقود الأمة بإرادة الله، والابن الذي استمال الشعب بالخداع والكذب والنفاق والتملق،.. ولم يستطع الرجل أن يغمض عينيه، أو يتجاهل الموقف، أو يقف على الحياد،.. وهو الصورة المشرقة الواضحة للمؤمن الأمين الوفي، الذي يعرف أن الخط المستقيم لا يمكن أن يكون معوجاً، ولا يحتمل الالتواء أو التردد أو التراجع أو الانقلاب،.. ولقد سار برزلاي على الطريق دون أن يلوي على شيء، وهو سيبقى مع داود حياً أو ميتاً على حد سواء!!.. ولم يستخدم ما يستخدمه الناس عادة من حيطة أو حرص أو ذكاء في مثل هذه المواقف، وهو لم يقف ليراقب الريح، ويعلم أين تتجه المعركة ليأخذ المكان الذي يتصور أن إلى جانبه الفوز،.. ومع أو الوضع الظاهري كان أدنى إلى أبشالوم منه إلى داود، إذ أن الشعب كله كان من المتمرد، ولم يكن مع الهارب الذي كان يقود مجموعاً قليلاً يسيراً محدوداً من الناس،.. وكانت أملاك الرجل وأسرته وحياته جميعآً في أدق المواقف لو نجح أبشالوم في ثورته، لكن هذا كله لم يمنع الرجل من أن يؤكد أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن على الإنسان أن يقف إلى جانب الحق، حتى ولو وقف فريداً وحيداً منعزلاً دون الجميع،.. ووقف العالم كله على الجانب الآخر!!... ولعله من الواجب أن نلاحظ أن وفاء برزلاي امتحن أقسى امتحان، بمحنة داود، ولكن الوفاء الصحيح لا يغيره الملك فوق عرشه، أو ساقطاً تحت حمله وعاره وصليبه،.. وداود هنا رمز لذاك الذي ترك عرشه، وخرج خارج المحلة، فلنخرج إليه خارج المحلة حاملين عاره!!... هل رأيت الفتاة القديمة "مريم" تقف في وسط البستان، وهي تبكي، وتتحدث إلى من تظنه البستاني، وتقول في لغة الوفاء: أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه": "يا سيد إن كنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه"؟.. وهي لا تتبع السيد في مجده وجلاله وعظمته، بل وهي تظن أنه لا يزيد عن جثة في قبر!!.. وهل رأيت ذلك الصف الطويل الذي لا أول له ولا آخر، وهو يقبل عار المسيح غني أعظم من خزائن!!؟ وهو يسير معه في وادي الاتضاع قبل أن يراه في مجده الأبدي العظيم؟! إنها صورة برزلاي تعود مرة أخرى لتكرم اسم المسيح وترفعه فوق كل اسم، مهما تعرض للهوان والتمرد والثورة، من أمثال أبشالوم في كل الأجيال والعصور. |
|