رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أيوب والسبى المردود وفى الأصحاحات الأربعة الأخيرة ، تأتى نهاية القصة العظيمة . ويظهر اللّه من خلال العاصفة ، ليتحدث إلى أيوب ، وإذا كان أصدقاء أيوب جميعاً ، قد صمتوا ، ولم يعد لهم كلام ، ولم يكن لأيوب سوى كلمات قليلة ، فإن اللّه يتكلم ، وهو لم يأت ليتحاجج مع أيوب أو ليعطيه جواباً على أسئلته ، بل أخرجه إلى الطبيعة الواسعة ليعرف منها كيف يكون الجواب !! .. وكان السؤال : هل يستطيع أيوب وهو يرى السماء والنجوم ، والبحار والنور ، والزوبعة والجليد ، والضباب والوحوش ، والحيوانات البرية وفرس البحر ، والتمساح وغيرها ، هل يستطيع أن يخلفها ، ويقودها، ويوجهها ! ؟؟ وهل له القدرة والحكم والسلطان على تسييرها وضبطها وفق النظام الدقيق العظيم الذى تسير به كما يلمح ويشاهد !!؟ ... ومع أن أيوب سبق أن صاح : " من يعطينى أن أجده فأتى إلى كرسيه . أحسن الدعوى أمامه وأملأ فمى حججاً فأعرف الأقوال التى بها يجيبنى وأفهم ما يقوله لى " " أيو 23 : 3 - 5 " ... إلا أنه - وقد جاء أمام اللّه فى جلاله العظيم - لم تعد له كلمة أو حجة واحدة يجاوب بها، إذ أدرك حقارته ووضع يده على فمه إذ لا يجد الجواب !! .. وإذا كان اللّه يدير الكون بهذه القدرة الواسعة ، والحكمة العظيمة ، فهل يستطيع أيوب أمام أسرار اللّه الفائقة أن يبحث سراً واحداً ، ويهتدى فيه إلى حل !! ؟ .. لقد أدرك أيوب ، ما ينبغى أن يدركه الإنسان فى كل العصور والأجيال ، إن الحياة مفعمة بالأسرار ، وأن الإنسان مهما يبلغ من معرفة أو فهم ستأتى عليه اللحظات التى يقف فيها أمام الجلال الإلهى ، عارى القدم ، مغطى الوجه ، لأن الأرض التى يقف عليها أرض مقدسة ، وأن أسرار اللّه التى يطويها ، ( ومن بينها سر الألم ) ستبقى مكنونة ، ومحفوظة ، ومهما قال الإنسان إزاءها : لماذا !! ؟ لماذا !! ؟ فإنه يجمل به على الدوام أن يقول : " لما كنت طفلا كطفل كنت أتكلم وكطفل كنت أفطن ... ولكن لما صرت رجلا أبطلت ما للطفل . فإننا ننظر الآن فى مرآة فى لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه ، الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت " !! " 1 كو 13 : 11 و 12 " . نسى أيوب كل حججه أمام اللّه ، وإذ سمع صوت القدير انجابت عن نفسه الزوابع والأعاصير ، وسكنت مشاعره وقرت نفسه ، ... إن سر عاصفته هو أنه كان يتكلم عن الرب ويبحث عنه دون أن يجده ، ولكنه الآن قد رآه وسمعه ، وهناك فرق شاسع بين أن يتكلم الإنسان عن الرب ، وأن يكلم الرب ، ... وبين أن يسمع عن الرب ، وأن يسمع الرب . إن سر الشقاء والتعاسة الدائمة للانسان ، هو أنه لا يستطيع أن يتبين اللّه أو يسمعه من خلال تجاربه ، ولكن أيوب تعلم بعد أن سمعه ، أنه وإن كان لا يفهم شيئاً فمن واجبه أن يثق فيه ويؤمن به ، وهو إذ يصل إلى هذه النتيجة ، يندم على ما فرط منه دون فهم ، بل يلتتصق بالتراب والرماد فى الخضوع والتسليم للّه !! .. ملك الشيطان الزمام مؤقتاً ، ولكنه خسر المعركة ، وسيخسرها على الدوام ، لأن اللّه محبة، ولأن السبيل إليه ، على الدوام ، هو سبيل الإيمان .. لم يؤخذ أيوب مع أملاكه إلى الأسر ، ولم يذهب بعيداً عن المكان الذى عاش فيه . فلماذا يقال : " ورد الرب سبى أيوب ؟ " .. إن الكلمة تعنى نهاية الألم والتعب ، والضيق والمشقة ، والعسر والمرض ، .. أو فى - لغة أخرى - إن عودة الحياة والصحة والأصدقاء والظروف الطيبة ، كمن أفلت من الأسر والغربة والبؤس والتشريد ، ليعود إلى السلام والبهجة والهدوء والراحة بعد طول البلوى والمعاناة ، وهو لم يعد إلى هذه جميعاً ، إلا بعد أن جلس مستضعفاً على التراب فى حضرة اللّه ،.. ولن يرد اللّه سبينا أو يعيد إلينا المجد والجلال والحياة ، إلا ونحن فى وادى الوداعة والتصاغر والاتضاع أمام عظمته الكلية ومجده الأسنى ، وهو لن يفعل ذلك قبل أن نغفر لإخوتنا ، ونزيل كل مرارة من نفوسنا تجاههم ، .. ولم يرض اللّه على أليفاز وصوفر وبلدد ، رغم ما تكلموه أو ظنوا أنه يتكلمونه من أجل اللّه ، .. ومع أنهم تكلموا جميعاً عن المبادئ السليمة عن اللّه وحقه ومجده العظيم ، لكنهم أخطأوا ، إذ تحدثوا عن أيوب ، وظلموه بما لم يكن لهم به علم ، واللّه لا يقبل دفاعاً يستند إلى ظلم ، أو حقاً يتمشى إلى جانب القسوة فى الحكم على البائس المسكين . وعفا اللّه عنهم بالذبيحة التى قدمها أيوب من أجلهم !! .. وانتهت قصة أيوب بالبركة المضاعفة ، والأولاد السبعة والبنات الثلاث البارعات الجمال ، .. وبالحياة الصابرة التى عوضها اللّه كل شئ بسخاء عظيم !! .. فى أحد معسكرات أسرى الحرب العالمية الأخيرة ، وجدت هذه الكلمات التى كتبها أحدهم : إنى أؤمن بالشمس حتى لو لم تكن ساطعة ، وأؤمن بالمحبة حتى ولو لم أحس بها ، وأؤمن باللّه حتى ولو صمت ولم يتكلم !! ... حقاً نحن لا نعلم ماذا سيأتى به الغد . ولكننا نعلم من يمسك بالغد !!.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
رجوع يوسف والصبي يسوع وأمه من مصر إلى أرض إسرائيل |
زوّادة اليوم: الصيف والشتي : 2 / 2 / 2020 / |
إختفي القمر والصبح خلاص طلع |
تكلموا الان او جهزوا الجلاليب والسبح |
السمن والزبد واللبن |