تواجه المرأة بشكلٍ عام، العديد من التحديات خلال العشرين سنة الأخيرة. الأمر الذي خلق نوعاً من حدوث بعض الاضطرابات - حتى بين السيدات المؤمنات. وبدأت ربات البيوت والأمهات يتساءلن: ماذا أفعل هنا؟.. من أنا؟.. ..ومن يهتم بي .. من يحبني؟ .. من يحتاج إليَّ؟
فما الذي يجري؟!
يمكن القول إن مثل هذه السيدات يواجهن أزمة هوية أو تحقيق لذواتهن. وقد خلق هذا الاتجاه نوعاً من الانزعاج بين الرجال أيضاً. فكل ما يؤثّر على السيدات يؤثّر بالطبع على الرجال أيضاً. والاكتئاب الواسع الانتشار هو أيضاً نتاج لهذه الزعزعة. لقد أُطلق على فترة الخمسينات عصر القلق والضغوط، على حين أُطلق على السبعينات عصر الاكتئاب. وقد ازداد معدّل الشعور بهذا اليأس والإحباط في السنوات القليلة الماضية.
فالاكتئاب هو نوعٌ من الشعور السلبي الذي يدفع الشخص لأن يقول : أنا لا أحقق أي تقدم في حياتي؛ فلا يوجد من يحتاج إليَّ، أو من يحبني حقاً. إنني أحيا بلا هدف، أو هوية. إنه شعور بالوحدة وعدم معرفة ما سيجلبه الغد، لكن مع الاقتناع أنه لن يكون أفضل من اليوم.
تُرجع بعض السيدات سبب توترهن إلى عدم فهمهن لدورهن الصحيح - كما يصفه الكتاب المقدس. فالرب يسوع تعامل مع النساء بمبدأ المساواة. فنحن رجالاً كنا أم نساءً متساوون في قيمتنا الإنسانية، لكن هذا لا يعني أن لنا نفس الدور. بتعبيرٍ آخر، كلٌ منا مطالَب بنوعٍ مختلف من المسئوليات؛ لكن هذا لا يقلل من شأن جنس عن الآخر. وهنا من المهم التأكيد على أن كلاً من الرجل والمرأة فريد في نوعه، ومختلف في دوره عن الآخرين.
دعونا نعرّف المشكلة:
ينتج الاكتئاب غالباً عن مصدرين:
(1) لقد جُرّد دور ربة المنزل من الاحترام والوقار اللائقين؛ وهكذا فإن السيدات اللاتي يقمن بتربية ورعاية أطفالهن الصغار كمهمة يشعرن أنهن أجبرن على الشعور بأنهن أقل شأناً من الأخريات. وأكثر من ذلك، فإن ما يُقال يدفعهن للاعتقاد بأنهن قد خُدعن، وأن الحياة تمضي بهن سريعاً دون جدوى. كما أن وسائل الإعلام تصور أحياناً ربة المنزل وكأنها ضحية تستحق الرثاء. وهذا لا يولد الغضب فحسب، بل ويؤدي إلى الاكتئاب قرين الغضب.
(2) هذا الاكتئاب يرتبط أيضاً بانهيار العلاقة بين الزوجين. فأحد الجوانب التي يختلف فيها الرجال عن النساء، هي الكيفية التي يطوّر بها كل منهما ثقته بنفسه. فبينما يكتسب الرجل تقديره لذاته أساساً من وظيفته، ومن احترامه في عمله، و بنائه لمملكته، وكسبه للمال، ومن احترام رؤسائه أو مرءوسيه أو عملائه، أو مرضاه - نجد على الجانب الآخر أن المرأة التي في البيت مع صغارها تستمد ثقتها بنفسها أساساً من خلال علاقتها العاطفية مع زوجها. فالمرأة لها احتياجات غالباً ما يفشل الرجل في فهمها بسبب أن وجهة نظره للأمور مختلفة.
مسئوليات الزوج والأب:
إن الزوجة غالباً ما تنقطع عن العلاقة المنتظمة بأشخاص آخرين؛ ولهذا يلعب زوجها دوراً لا تمثل هي كذلك بالنسبة له. فهو متواجد مع آخرين طوال اليوم، وبهذا يشبع حاجته للتواصل الإنساني. فعندما يعود هو المنزل تكون هي في انتظاره؛ لأنها تعتمد على علاقتها العاطفية لتؤكد لها أنها إنسانة جديرة بالحب والاحترام. ولهذا نجدها تحاول أن تجذب انتباهه عن مشاهدة مباراة كرة القدم، أو تجعله يتوقف عن قراءة الجريدة قائلة له: لماذا لا تتحدّث معي أبداً؟ ولهذا السبب أيضاً فإن تذكر تاريخ المناسبات السنوية يعتبر هاماً جداً بالنسبة لها أكثر منه.
إن مركز مشاعر المرأة - ألا وهو تقديرها لذاتها، يعتمد على سماعها لزوجها يقول: إنك تقومين بعملٍ هامٍ جداً يساوي في قيمته ما أقوم أنا به.. إنني أحبك من أجل هذا. كيف يمكنني مساعدتك فيما تقومين به؟ إن الكثيرين من الأزواج لا يعبرون عن هذا الاحترام لزوجاتهم؛ ونتيجة لهذا فإن إصابتهن بالاكتئاب أمر حتمي في أغلب الأحيان.
لذلك، فإن الحل يشمل على الدور الذي أعطاه الله للرجال ليقوموا بالقيادة في عائلتهم. فقد كلّف الله الرجال بمسئوليات أكثر من مجرد كسب معيشتهم، وجزء من هذه المسئوليات هو التزامهم بأنيحبوا زوجاتهم كأجسادهم كما أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها. وهذا ليس مجرد اقتراح، لكنه وصية إلهية بأن نرى زوجاتنا كجزء رقيق مكمل لنا ؛ فنعتز بهن، ونؤكد لهن الإحساس بالقيمة والتقدير الذي لا يستطيع أحد سوى الزوج تقديمه.
على الأزواج أن يدركوا، أنهم إن كانوا يقدّرون دور زوجاتهم الذي يقمن به في البيت واختيار البقاء مع الأبناء في البيت، فلابد أن يوفروا كأزواجٍ الوقت والجهد والطاقة ليسددوا احتياجات زوجاتهم العاطفية. إذ يجب على كل زوج أن يفكّر في طرقٍ خلاّقة ليفعل ذلك، مثلاً أن يدعوها إلى العشاء خارج المنزل أو يقدّم لها هدية من حينٍ لآخر، ويهتم بتقديرها أمام أبنائهما، ويعبّر لها باستمرار بالكلام عن اهتمامه وتقديره الشديدين لها ولما تفعله في البيت. فبهذا الأسلوب فقط يمكن للمرأة أن تؤدي هذا النوع من العمل باقتناع ورضا.
من منطلق الإيمان المسيحي توجد على الزوج مسئوليات والتزامات بشكل شخصي للاهتمام بأي احتياج لدى أسرته. فإذا كانت الزوجة تواجه مشكلة ما تتعلق بتأديب أحد الأبناء، فإن هذه تصبح مشكلته هو. بل وأهمّ من كل شئ أن يحرص أيضاً على توفير الاستقرار في العلاقة الزوجية، فيلتزم بكل ما يسعد زوجته.. هذا ما يفتقده الزوج اليوم.
وبكل تأكيد، فإن الأطفال يلاحظون مدى فاعلية علاقة والديهما معاً.
أما، إذا ما لاحظ الأبناء أن أحد والديهم فقد الاهتمام أو الإحساس بالآخر، فإن ذلك يخلق الإحساس بعدم الأمان في الطفل؛ فما أسوأ أن يشعر الطفل بأن العلاقة الزوجية بين والديه توشك على الانهيار، وأن الالتزام التام بينهما لم يعد قائماً.
الالتزام المُتبادَل أم الحُب؟
إننا نسمع اليوم أن الزواج والحب بدون التزام كامل، هو الأكثر نجاحاً. لكن الحب بدون عهد الالتزام المتبادل بين الزوجين، لن يستمر.
لا يجب علينا أن أن نضع الالتزام والحب في وضع مقارنة؛ إذ يجب أن يكونا مكملين لبعضهما البعض؛ فالالتزام يتطلّب منا أن نقوم بالدور الذي طلبه الله منا، كتعبيرٍ لهذا النوع من الحب.
إن المشاعر تزول سريعاً.. فهي تظهر وتختفي. حتى في أفضل حالات الزواج، هناك أوقات نشعر فيها بقمة السعادة والانسجام، وأوقات أخرى نشعر فيها بالفتور والسلبية. لكن لابد أن يكون هناك التزام إرادي يوّفر استقراراً طويل الأجل في العلاقة. وهكذا نرى أن الإرادة هي المحرّك الذي يدفع القطار، في حين أن المشاعر هي مجرد العربة الأخيرة في القطار. والمشاعر تظل جزءاً من القطار، لكنها تُجر بواسطة الإرادة؛ فلا يمكن للمشاعر أبداً ان تجر القطار كله.
ماذا لو قلت هذه الكلمات لزوجتك؟!
أريدك أن تفهمي وتعي تماماً مشاعري تجاه عهد الزواج الذي أخذناه على نفسينا. إن كلمة الله تؤكّد أن عهود الزواج مقدسة ولا يصلح الإخلال بها، وأنه بالدخول فيها أكون قد ألزمت نفسي بها بصورة مطلقة مدى الحياة. ولن أسمح لفكرة الانفصال عنك بالطلاق بأن تدور في ذهني لأي سبب من الأسباب (مع أن الله قد سمع بذلك في حالة الزنا). إن ما أقوله الآن ليس صادراً عن ثورة عاطفة ساذجة؛ بل على العكس إنني واعٍ تماماً. مع هذا قد لا يخطر على بالنا الآن أنه قد يحدث اختلاف بيننا، أو أي ظروف غير متوقعة ينتج عنها متاعب ذهنية شديدة. وإذا حدث ذلك، فإنني مصمّم من جانبي على قبوله كجزءٍ من تعهّدي الذي أقطعه على نفسي الآن، بل وأن أتحمله إذا لزم الأمر، طوال مدة حياتنا.
لقد أحببتك بعمق منذ أن عرفتك، وسأستمر في محبتك كزوجة لي. وفوق كل ذلك فأنا أحبك المحبة المسيحية، التي تتطلب عدم معاملتك بأية طريقة قد تعرض شهادتنا المسيحية للانتقاد، فهذا هو الهدف الأسمى لحياتنا. وإنني أصلي أن الله يعمل فينا لكيما تكون مشاعرنا تجاه بعضنا البعض كاملة وأبدية.
منقول