رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إسحق وولداه وهنا نأتي إلى المعاناة والاضطراب والعواصف البيتية التي عكرت الكثير من هذا السلام، ومن المؤسف أن إسحق كان الملوم الأول في هذا الأمر، إذ غلب فهمه البشري على إرادة الله جل جلاله، ومع أنه يعلم وعد الله، عندما ذهبت رفقة وهي حبلى لتسأل الرب: "فقال لها الرب في بطنك أمتان ومن أحشائك يفترق شعبان، شعب يقوى على شعب، وكبير يستعبد لصغير".. وخرج الاثنان إلى العالم، وأحب إسحق عيسو لأن في فمه صيدا، وأما رفقة فكانت تحب يعقوب،.. كان الأبوان يحب كل واحد منهما الشخص الذي يعتبر مكملاً لحياته، فإسحق الهادي الوادع الساكن، كان أميل إلى الابن الأشعر المهيب الطلعة الممتليء الحركة، الذي تخشاه القبائل، وتحسب له ألف حساب وحساب،.. في الوقت الذي كانت رفقة المتحركة المتحفزة تميل إلى الابن المطيع المحب الوادع، .. وأمعن كل من الأبوين في التعبير عن حبه دون مبالاة أو تغطية أو تحفظ، ولم يدريا بذلك أنهما يصنعان الصدع أو الشرخ في البيت، في السلام الذي لا يمكن أن يتحقق على الإطلاق للأسرة المنقسمة على ذاتها، وما يتبع هذا الانقسام من فرقة وتحزب وتحيز.. أجل.. ولعله من الواجب أن ترفع هنا صوت التحذير، لكي يتعلم الأب أو الأم أنه إن عجز بينه وبين نفسه أن يميز ابناً عن آخر، لما قد يكون في هذا الابن من السمات أو الصفات، ما يجعله أقرب أو أدنى إلى عواطفه وحبه ونفسه،.. فإن الخطأ الذي يقترب من الجريمة أن يحس واحد من الأبناء بأن هناك تفرقة أو تمييزاً في المعاملة بين ولد وآخر. كان أحد الآباء يميز ولداً من أولاده على الآخرين، وذات يوم أبصر صغيراً يتحرك من غرفة النوم، ظنه الابن المدلل، فهتف قائلاً: تعال يا حبوب، وجاءه الرد: أنا يوسف فقط ولست الحبوب، وكان هذا ابناً صغيراً آخر من أولاده،.. وكانت هذه العبارة وما فيها من رنة أسى وأسف وحزن، آخر عهد الأب بالتمييز بين أولاده بكافة الصور والألوان،.. هل أفسد إسحق عيسو بهذه التربية المتحيزة المتميزة المدللة؟ وهل كان من المتعين أن يكون عيسو إنساناً آخر لو أن أباه اهتم برائحة حياته الروحية، قدر اهتمامه برائحة ثيابه الفاخرة التي تعود أن يشمها كلما جاءه الابن الأكبر بصيد دسم سمين؟.. إننا نظلم إسحق كثيراً إذ اتهمناه بالبطنة التي ضيعت كل شيء في حياة عيسو، على ما يذهب الكسندر هوايت، وهو يصب جام غضبه عليه، عندما يأخذ من يد ابنه بنهم كبير، وشهوة بالغة، مما صاد بسهمه وقوسه، من الصيد أو الطعام الذي كان يحبه ويشتهيه،.. ولكننا في الوقت عينه –وإن أخفى عنا قصد الله السرمدي الذي أحب من البطن يعقوب وأبغض عيسو- لا نملك إلا أن نلوم- إلى درجة السخط- إسحق الذي ترك الحبل على الغارب لابنه، ونسى النبوة الإلهية الخاصة به، حتى وصل عيسو إلى الوصف الرهيب القبيح الذي وصفه به كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لئلا يكون أحد زانياً, أو مستبيحاً كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته، فإنكم تعلمون أنه أيضاً بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رفض إذ لم يجد للتوبة مكاناً مع أنه طلبها بدموع".. وجاء عيسو إلى بيت أبيه بيهوديت ابنة بيري الحثي، وبسمة بنت إيلون الحثي، زوجتيه اللتين أضحتا ينبوعاً من المرارة لرفقة وإسحق والبيت كله!!.. فإذا أضفنا إلى هذا كله قصة الصراع الرهيب المديد الطويل، الخفي حيناً، والظاهر أحياناً، حول البركة، والبكورية، وما لحقهما من تهديد عيسو بقتل أخيه، وغربة هذا الأخير لفترة ظن أول الأمر أنها لشهور قليلة، فإذا بها تطول إلى عشرين من الأعوام، ماتت أثناءها رفقة على الأغلب، وعاد يعقوب إلى أرضه، ولو رحمة من الله وضمانه الأبدي، لهلك في الطريق، وفي الصراع مع الأخ المتحفز المتربص، الذي لم يهدأ الثأر في قلبه طوال هذه السنوات بأكملها.. أجل وإنه لأمر مؤسف حقاً، أن الرجل الذي نجح في السلام مع العالم الخارجي، كان في حاجة إلى الصرخة القائلة: أيها الطبيب اشف نفسك، وحقق السلام قبل وبعد كل شيء بين ولديك التوأمين المتنازعين!!.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
موت إسحق |
ذبح إسحق |
مار إسحق |
إسحق .. |
إسحق.. من هو؟!! |