رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النجاح في الامتحان أمام الله كان إبراهيم أب الناجحين في متواليات من امتحان الصداقة أمام الله، ولعل أشهر هذه الامتحانات، امتحان الغربة، والمال، والزمن، والابن، وهي امتحانات إنسان أخذ طريقه صعداً من سهول أور الكلدانيين إلى جبل المريا، حيث كان هناك امتحانه الأقسى والأعظم، والحقيقة أن النجاح في الامتحان الأول، كان يتلوه إلى الامتحان التالي والأصعب، فإذا فاز في هذا الأخير، فإن معنى ذلك أن الثالث سيكون أدق وأشق،.. إلى أن ينتهي إلى أعظم امتحان يواجه بشرياً في الامتحان الأخير والأعلى،.. والحقيقة أن فلسفة الامتحان أمام الله تعني كشف الإنسان لنفسه، وكشفها أمام الآخرين، وكشفها أولاً وأخيراً أمام الله،.. ولا شبهة في أن الله يعلم من البداءة النتيجة النهائية لكل امتحان،.. ولكنه يسر بكل يقين أن يبلغ الإنسان مدى ضعفه أو قوته، ومدى سقوطه أو صموده، وبذا يصبح الامتحان مرآة يرى فيها وجهه الحقيقي، وصورته الصحيحة،.. ولا يقصر الأمر على المرء نفسه، بل تتحول قصته عظة وعبرة للآخرين من معاصريه أو من أجيال متعددة تأتي بعده، ويصبح الامتحان مقياساً أو ميزاناً أو نموذجاً أو معياراً للامتحانات المشابهة للآخرين!!.. كما أن الامتحان أمام الله ينقل القصد الإلهي المضمر في الغيب إلى حقيقة اختبارية ملموسة لصاحبها، يصبح بعدها من يقع عليه الامتحان شريكاً في المعرفة مع الله،.. أو كما قال لإبراهيم: "لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني"،.. وعلى أي حال فإن إبراهيم قد نجح نجاحاً عظيماً في هذه الامتحانات جميعاً حتى بلغ قمة النجاح فوق جبل المريا،.. لقد أخذه الله أولاً إلى الغربة البعيدة ليعزله عن الوطن والأهل والأصحاب والأحباء، وسار به إلى حاران حتى مات أبوه هناك، وهو يقصد بذلك أن ينفض عنه كل تراب يلحق به من كل تراث الماضي والحياة الوثنية القديمة،.. والذين ضربوا في مناكب الأرض بعيدين عن أهلهم وعشائرهم وبيوتهم التي يودعونها إلى غير رجعة يعلمون كم هو قاسي مرض الحنين إلى الوطن، والذهاب إلى ما يشبه المنفى أو السبي في أرض غريبة،.. ولكن إبراهيم اجتاز الامتحان بنجاح وهو يدلف في رحلته البعيدة إلى أرض الغربة!!.. ونجح إبراهيم في الامتحان الثاني الذي سقط فيه لوط أمام المال، ولا يظن أحد أن كثرة المال تعلم صاحبها القناعة، بل على العكس تزيده ظمأ، كمن يشرب من مياه البحر المالح ليزداد عطشاً،.. ولكن إبراهيم نجح وهو يعشر المال أمام ملكي صادق، وهو يرفض عرض ملك سدوم، وهو يرفض أن يختار اختيار لوط،.. ونجح إبراهيم أكثر من ذلك أمام الزمن، وكان أبا للصابرين، ومن المحقق أنه لو لم تلح عليه سارة لما أخذ هاجر جاريته زوجة له،.. وظل إبراهيم سنوات طويلة متعددة دون كلل أو ملل، ينتظر تحقيق الوعد الإلهي العتيد أو كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانين: "وهكذا إذ تأنى نال الموعد".. وما أكثر الذين سقطوا أمام امتحان الزمن، وكانوا على قيد خطوات من نهاية شوطهم العظيم.. ومن ثم جاءت صيحة الرسول يعقوب: "خذوا يا إخوتي مثالاً لاحتمال المشقات والأناة الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب. ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف".. على أن أعلى امتحان وقف فيه بشري أمام الرب، هو الامتحان الذي طلب فيه الله من إبراهيم أن يقدم ابنه اسحق،.. ولعله من اللازم أن نوضح باديء ذي بدء، أن الطلب وإن كان في حد ذاته غريباً، ولا يمكن أن يستساغ بمجرد الفهم البشري، خاصة وأن تقدمة الذبيحة البشرية كانت عملاً من الأعمال الوثنية التي كان يتقرب بها الوثنين من آلهتهم،.. وكانت شيئاً قبيحاً ومرفوضاً أمام الله الحي الحقيقي، وكان إبراهيم على ثقة من هذا كله،.. لكن إبراهيم أقدم على التقدمة، لأنه لم يكن عنده شبهة في أن الصوت الذي جاءه كان صوت الله، ولا يمكن أن يكون ظناً أو خيالاً أو وسوسة أو وهما أو ترجيحاً. لقد كان صوت الله واضحاً له، كوضوح شخصيته هو، أو وضوح ارتباط الصوت بشخص اسحق ابنه الوحيد الحبيب،.. وعندما وصل إلى هذه النقطة، كان عليه أن يعطي الجواب الحاسم القاطع، أيهما أحب إليه: الله أم اسحق ابنه؟ وأيهما يلزم أن يطيع: النداء الأعلى أم نداء القلب الصارخ في أعماقه؟!!.. ولقد وصل إبراهيم فوق جبل المريا إلى القمة والذروة في التسليم الإلهي الكامل غير المشروط،.. كان الله لا يريد منه ذبيحة بشرية، لكنه كان يريد أن يذبح إبراهيم أغلى ما يمكن أن يكون عنده في الموازنة مع صداقته ومحبته لله، وقد شرب إبراهيم عميقاً من الشركة حتى أنه لا يتردد أن يذبح بيديه هو اسحق أو مائة اسحق يمكن أن تكون عنده ولديه،.. على أن الصديق الأعظم منعه من التقدمة والذبيحة، لا لأنه اكتشف وكشف لإبراهيم عمق الرابطة الحبيبة بينهما، بل لأن هناك سبباً أعظم بما لا يقاس من كل هذه.. أن اسحق ليس هو الذبيح على جبل المريا أو أن إبراهيم هو الأب الذي يقدم ابنه، بل أن هناك شيئاً يومض أمام عيني إبراهيم ويلمع،.. شيئاً سيأتي بعد ألفي عام، من ابن أعظم، وأب أعظم،.. شيئاً سيمسك فيه الآب السماوي بابنه على هضبة الجلجثة، ويقدمه الذبيح الأوحد، كبش الفداء الذي أبصره إبراهيم ممسكاً بقرنيه في الغابة، وقدمه عوضاً عن ابنه اسحق.. وكما استسلم اسحق استسلامه الوديع لسكين أبيه، استسلم الابن العظيم لصليب الجلجثة وهو يقول: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" وكما ذبح المسيح على هضبة الجلجثة كحمل الله الذي يرفع خطية العالم،.. كان هناك أيضاً الألم الأعمق في قلب الآب، الألم الذي كان ألم إبراهيم وهو يرفع سكينه تجاه عنق ابنه لا يمكن أن يقارن به أو يعد شيئاً مذكوراً إلى جواره،.. وهذا هو المعنى الذي قصده المسيح وهو يتكلم إلى اليهود قائلاً: "أبوكم إبراهيم تهلل إذ رأى يومي وفرح".. كان يوم المريا رمزاً إلى يوم المسيح، وكان كبش الفداء المذبوح رمزاً إلى صليب الجلجثة،.. وكما ظهرت ومضة عجيبة في ابن عجيب سيأتي ويحمل على نفسه فداء البشر، ويحل محل اسحق، وكانت هذه الومضة ولا شك نوراً إلهياً، ومضى أمام عيني إبراهيم، وأشاع البهجة والفرح في قلبه، فتهلل لفادي نفسه، وفادي ابنه، وفادي المخلصين في جميع أرجاء الأرض،.. وهكذا رأى إبراهيم بالنبوة مسيح الجلجثة فوق جبل المريا!! |
23 - 05 - 2013, 11:28 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
❈ Administrators ❈
|
رد: النجاح في الامتحان أمام الله
ميرسى كتير على الموضوع ربنا يبارك خدمتك |
||||
24 - 05 - 2013, 08:20 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: النجاح في الامتحان أمام الله
شكرا على المرور
|
||||
|