![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() عازر يطرق باب الرهبنة ذهب عازر لمقابلة الأنبا يؤانس الذى كان وقتها مطراناً للبحيرة والمنوفية ووكيلاً للكرازة المرقسية، والتمس منه أن يقبله راهباً. فسأله: من تكون ، ومن أى البلاد ؟ فلما علم أنه من عائلة زيكى - العائلة الصديقة منذ زمن بعيد - وأنه ابن يوسف عطا ، قال له: "أين أبوك وشقيقك؟ ولماذا لميخبراننى برغبتك هذه ؟ لاشك أنهما يرفضان هذه الرغبة. فإن لم يحضرا معك ويوافقا على طلبك، فلن أقبل رهبنتك البتة". عاد عازر إلى البيت حزيناً هذه الليلة، وظن الأهل أن هناك عراكاً نفسياً فى داخله نتيجة تضارب رغباته ، وظنوا أن الفرصة مهيأة ليثنوه عن عزمه ، وليستمرفى عمله. فعرفوه أن مدير الشركة وعد أن يمنحه علاوة استثنائية من أول يوليو وأعادوا على مسامعه نصائحهم المعهودة. ولكنه أظهر تصميمه على ما أراد، وانهاعتزم أمراً سيتم بإذن الله . وأبان لهم أن مرجع حزنه هو ما جرى بينه وبين الأنبا يؤانس. ولما كان والده يعرف عنه أنه لا يتراجع عما اعتزم، وانه يقابل الصعاب بصدر رحب، وقلب ثابت ، اقترح عليه أن يذهب إلى الكنيسة ويتقدم إلى الأسرارالمقدسة، ثم يصنع بعد ذلك ما يرتاح إليه ضميره ، ولن يعارض فيه أحد . كان أب اعترافه القمص يوحنا جرجس الكبير ، وكان رجل ذو مشورة صالحة ، محبوباً من شعبه : شبابه وشيوخه، وكان يدعو عازر "بعازر المبروك" لحسنسيرته ، فقابله والده، وكان اليوم يوم جمعة أحاطه علماً بما انتواه ابنه فتناقش القمص يوحنا مع عازر فى الأمر وقربه من الأسرار الإلهية. وبعد انتهاء القداس أخبر والده صراحة انه من صالح عازر من الخير له مساعدته على إتمام قصده، لأنه يعلم طريقه جيداً ، ورسم لنفسه طريقاً مستقيماً عن زمنبعيد ، وهو به عليم. وأكد لوالده أنه سيقف بجانب عازر لتحقيق أمنيته ، وأن قلبه يحدثه أن الله هو الذى اختار له هذا الطريق المبارك. وإزاء ذلك صاحبه والده إلى الأنبا يؤانس فظهرت عليه علامات الرضا، ولكنه ؟أخذ يناقش عازر بحزم وشدة مبيناً له متاعب الرهبنة ومشقتها، ووعورة طريقها،وما سيحيق له من آلام وإهانات وما سيلحقه من تجارب وحروب متنوعة ، وانه لن ينعم يوماً بالراحة وخلو البال. فأجابه عازر "كل هذه رسمتها أمامى ، كما أنىمارست طريق الرهبنة بكل حرص منذ خمس سنوات فى بيت أبى ، وكل ما سوف يصادفنى لن يكون جديداً علىّ" . فقال له: "يا ابنى إنى أرى أولاد المدن لايحتملون مشقة الرهبنة ، والقليل منهم هو الذى ينجح فى هذه الطريق" فأجاب عازر " رجائى بالله قوى. وأنا أؤمن لو باركتنى ، وسألت لأجلى القوة والتوفيقسوف انجح، والمسيح نفسه ليس بظالم ولا ينسى تعب المحبة". وهنا باركه الأنبا يؤانس وقال له سأهيئ لك سبيل الانخراط فى الرهبنة ، فتهلل عازر فرحاً ، وانحنى أماه ساجداً عدة مرات ، وعاد مع والده موفور السعادة. فقللنا " من انا الحقير؟ وأين أنا من مقام أولاد الملوك مكسيموس ودوماديوس اللذين تركا ملك العالم لينالا الملك الدائم ، زهداً فى الممالك والمال ومحبة فى ملكالسموات. ياليتنى تراباً تحت أقدامهما". والحقيقة أنها كانت ليلة قاسية بالنسبة لنا جميعاً. فى انتظار السفر للدير لازم عازر الأباء الرهبان الذين كانوا يدرسون بالكلية اللاهوتية بالإسكندرية ، منتظراً يوم الانطلاق إلى الدير، باب السماء، وبقى مدة صوم الرسل ملازماً الكنيسةليلاً ونهاراً . وفى يوم عيد الرسل 12 يوليو 1927 ذهب إلى الكنيسة باكراً يحمل على كتفه قفة مملؤة فطيراً أعدته العائلة بمناسبة عيد رئيس الملائكة الجليلميخائيل ورفض أن يحملها أحد عنه، أو يستقل عربة مستكثرين عليه أن يحمل القفة ، وهو يرتدى بدلة وطربوشاً، ويسير هكذا فى الطريق ويراه الناس على هذاالحال، ولكنه قال لهم : ألم يحمل رسل المسيح الأطهار كل منهم قفة مملؤة من الكسر مما فضل من الخمس خبزات ؟. ولما وصل الكنيسة وزع الفطير معلناًاغتباطه برضا الله ، وقبوله ليسلك طريق الرهبنة. ثم أعد ملفاً ضمه أوراقاً خاصة به على ضوء ما يتبع عند قبول إنسان فى عمل جديد وان لم يطلب منه هذا، ولكنه صمم عليه. الذهاب إلى الدير بعد انتهاء الدراسة بالكلية اللاهوتية عاد الرهبان كل إلى ديره . واستدعاه الأنبا يؤانس . وحدد له ميعاد السفر إلى دير البراموس مع القس بشارة البراموسى (نيافةالأنبا مرقس مطران أبو تيج) ، وزوده بخطاب توصية لأمين الدير لقبوله فى سلك الرهبنة، وزكاه بشهادة حسنة عنه وعن عائلته . وأوصى القس بشارة بأنه عندعودته فى أول أكتوبر سنة 1927 تكون الأمور قد تكشفت أمام عازر ، فاحفظوا له ملابسه فى القصر الملحق بالدير ليستخدمها إذا ما أراد العودة. دخوله الدير فى صباح يوم 27 يوليو سنة 1927 بكر عازر ورتب متاعه وتوجه إلى محطة السكة الحديد وكان فى توديعه الكثيرون من أهله وأصدقائه ومحبيه. ومن بينهمرئيسه المباشر فى الشركة التى كان يعمل بها السيد/الفريد فاضل الذى أبلغه تحية مدير عام الشركة، وانه محتفظ له بعمله ويستطيع العودة إليه فى أى وقت يشاءدون عائق، فضحك عازر كثيراً شاكراً له حسن صنيعه. وأستقل القطار إلى محطة الخطاطبة. ثم استقل قطار شركة الملح والصودا - الخاص بنقل النطرونوالملح من بير هوكر للخطاطبة - ووصلوا بير هوكر عند الغروب (بير هوكر أو الهوكرية هى قرية صغيرة قريبة من منطقة أديرة وادى النطرون). وكان فىانتظارهم رهبان من الدير ومعهم دواب لنقل الأمتعة .. ووصلوا الدير الساعة الثامنة مساءاً فاستقبلهم الرهبان بحفاوة وغسلوا لهم أرجلهم. كما هى عادة الرهبان.وقدم القس بشارة لأمين الدير "القمص شنوده" مرافقه عازر على أنه زائر من الإسكندرية من أبناء الأنبا يؤانس لذا أنزله بقصر الدير، وأدار له ماكينة النور لينيرالقصر، وقدموا له العشاء. وفى الصباح سلم القس بشارة خطاب الأنبا يؤانس لأمين الدير. وعرف منه أن عازر طالب رهبنة. وليس بزائر. فدق جرس الدير وحضر جميع الرهبان عندسماع دقاته ليستطلعوا الخبر. فأعلمهم أمين الدير بما كان فاستبشروا خيراً وقالوا ان هذا أول طالب رهبنة يقابل بهذه الحفاوة، لابد أن يكون له شأن يذكر. أرشده الأمين إلى قلاية خصصها له ليقيم فيها. وكانت خالية متروكة من زمن تحتاج إلى الكثير من النظافة، كما أرشده إلى المكان الذى يوضع فيه الخبزز، ليأخذمنه من هو فى حاجة إليه. ثم تركه ومضى. فقام عازر واخذ حجر الجبس قبل حرقة ودقه جيداً فى أرضية القلاية، ورشه بالماء، فصار متماسكاً جداً. وأخرج من حقيبته ورقاً سميكاً أحضره معه، وفرش بهأرضية القلاية ، ورتب مكاناً لنومه، ومكاناً لجلوسه ورتب حقائبه لتصبح كمائدة تتوسط المكان. وأرتدى جلباباً أسوداً وطاقية، وأصبح وكأنه ولد راهباً منذ زمان. كان القس بشارة متلهفاً على الاطمئنان على عازر إذ لم يقدم له أحد فى الدير أية مساعدة . ولكن أمين الدير نبهه أن يتركه وشأنه حيناً من الزمن لتظهر آثار مالقيه من معاملة فى نفسه، وليعلم قدرته على تحمل صعاب الطريق الجديد. أما عازر فكان مواظباً على الصلوات، فإذا ما دق جرس نصف الليل ، فإنه يقوم متوجهاً إلى الكنيسة ليشترك فى التسبحة والصلاة، ويعود إلى قلايته نحو الساعةالسابعة صباحاً دون أن يختلط بالرهبان. تلمذته وفى مساء أحد السبوت ، وقد مضى على عازر عدة أيام ، ولم يسأل عنه أحد. قال أمين الدير للقس بشارة ، والقمص بشاى، والقمص باسيليوس والقمص عبدالمسيح المسعودى. وكلهم من شيوخ الدير، هيا بنا نفتقد الأخ طالب الرهبنة لنى كيف حاله. فذهبوا إلى قلايته فوجدوا أمامها نظيفاً مكنوساً مرشوشاً. ولما دخلواالقلاية أعجبهم ترتيبها الجميل، وتعجبوا مما رأوا، فقال لهم القمص عبد المسيح المسعودى "أصله حارت ومستنى السيل" أى انه أعد ذاته لقبول سيل نعمة الله،وعند انصرافهم ، ودعهم عازر بملء الاحترام ، فقال له القمص عبد المسيح "يا ابنى أن عمة الرهبنة هى بتسليم القلب لله وهى أعظم المقتنيات، وأثمن من كنوزالأرض وخيراتها والراهب الذى افتقر باختياره وجهز نفسه ليكون جندياً أميناً للمسيح لهو أعظم من ملوك الأرض وحكامها قوة ومكانة. . وقد اتسع قلبى لك ،وأسأل ربى يسوع المسيح أن يوفقك، ويفتح لك باب النعمة، ويهديك إلى سبيل البر، ويملأ قلبك اطمئناناً لتسير فى غربة الحياة أمناً ، فلا تخاف شراً ، والله معك ،وعصاه وعكازه يهديانك" فسجد له عازر وقبل يديه، أما هو فقد احتضنه وقبله، وقال له : " منذ هذه الساعة قد وهبك لى الرب لتكون ابناً مباركاً" فتهلل الأباءفرحين. ومنذ ذلك الوقت ابتدأت تلمذته للقمص عبد المسيح المسعودى الذى كشف له الكثير من أسرار الرهبنة، وطرقها المستقيمة ، وتدرج على يديه فى النعمة، وصارعازر مضرب الأمثال فى الدير لطاعته وعبادته ووداعته ولاختياره أشق الأعمال كما أولى شيوخ الدير الذين تقدمت بهم الأيام عناية خاصة : يغسل لهم ملابسهموينظف قلاليهم ، ويهتم بمأكلهم . وكان سعيد بهذا العمل ، ولكنه ما كان يزور أحداً إلا لخدمته. وكان الأباء الشيوخ يباركون جهوده، ويسألون الله لأجله. وكان أمين الدير يرتب الخدمة أول كل شهر بين الرهبان القادرين على العمل، وكان نصيب عازر أن يدير المطبخ مع راهبين آخرين، وكان ذلك فى بدء صومالطاهرة العذراء أم النور أول مسرى 1927. فقام عازر ونظف الأوانى النحاسية ، ورمم كوانين المطبخ، واعتنى بمياه الشرب، وكان بالدير جرار كبيرة ، فغسلهاجيداً حتى صارت صالحة لحفظ مياه الشرب وملأ جرة لكل شيخ من الأباء غير القادرين على الذهاب إلى طلمبة المياه وقد صادف هذا العمل ارتياحاً عظيماً منالآباء الذين قدروا له حسن صنيعه وكان رائده القمص عبد المسيح المسعودى يرشده، ويحثه على الاجتهاد دون أن يسمعه كلمة مديح، بل كان يحدثه عن فضائلالأباء الأولين، مبيناً عظم تواضعهم، وكيف كان الواحد منهم يملأ للرهبان جرارهم كل ليلة، بما يجلبونه من آبار بعيدة عن الدير أميالاً كثيرة ، ويرجون الله أنيتقبل أتعابهم رائحة بخور حمد وشكر. والى جانب اهتمام عازر بخدمة الآباء الشيوخ كان يقوم بطحن الغلال وعمل الخبز وعجن القربان. كل هذا بجانب مداومته على الصلاة والتناول من الأسرار،ودراسة الكتب المقدسة وكتابات الآباء. مضت شهور الصيف واحتفل الرهبان بمستهل سنة الشهداء. واستعد الأباء طلبة الكلية اللاهوتية للعودة إلى الإسكندرية، فاستحضر أمين الدير عازر وعرفه بميعادسفرهم ، فقل له: "تصحبهم السلامة، ورائدهم التوفيق، أما أنا فاسمح لى أن أسير فى الطريق الذى بدأته، ويقينى أن الله لا يترك طالبيه" فقال له : " أما ترسللذويك خطاباً تطمئنهم عليك" فقال له : " لم يرسل يوسف لأبيه خطاباً عندما دعاه ليحضر لمصر بل قال لاخوته اخبروا أبى بما رأت عيونكم وما سمعته آذانكم .وها أنا ذا الضعيف أتشبه بما فعله يوسف. وارجوا من آبائى المسافرين أن يعلموا أهلى بما منحنى الله من نعمة على يد آبائى". وبعد ذلك أشار عليه القمص عبد المسيح أن يصدر مجلة دينية باسم مجلة ميناء الخلاص. فاضطلع عازر بهذا العمل وكان يكتبها بخط يده وكان عدد النسخ لا يقلعن خمسين نسخة مكونة من اثنى عشرة صفحة، مبوبة تبويباً حسناً. وكان يرسلها شهرياً لتوزع بين الأخوة والأحباء، ونجح هذا العمل الذى كلفه الكثير من الجهدوالدرس والبحث. وقد استمر فى كتابة هذه المجلة عدة سنوات. الراهب أرمانيوس كان الراهب أرمانيوس (الأنبا مكاريوس رئيس دير البراموس المتنيح) مكلفاً بتوصيل البريد يومياً إلى بير هوكر مستخدماً بغلاً حرون صعب القيادة، فأوقعه يوماًعلى الأرض وهرب فى الجبل. وتعب الراهب فى البحث عنه طول اليوم ، حتى نفذت قواه وعاد إلى الدير متأخراً فوجد الرهبان ينتظرون مجيئه قلقين عليه،ولكن أحدهم - وكان مشهوراً بالغيرة الشديدة على ممتلكات الدير - سأله عن البغل وكيف جاء بدونها، وطلب منه ألا يدخل الدير إلا ومعه البغل فتقدم عازر -رغم حداثة عهده بالدير- وقال له: يا أبى دعه يدخل ويستريح ، وسوف يجد أحد الأعراب البغل ويحضره للدير كما هى عادتهم. ولكن هذا الأخ لم يقتنع وظل فىثورته، فنصحه الرهبان بالهدوء وعرفوه أن رأى عازر رأى حكيم، فضلاً عن أنه قد أكد له أنه سيشترى دابة أخرى على حسابه ، وما هى إلا لحظات حتى دقالجرس ، وإذ بالباب أحد العربان ومعه الدابة الجموح، فأخذوها منه ، ومنحوه عطايا كان من أجملها منحة عازر. وفى الصباح وهم يتشاورون فى أمر إحضار البريد وإرساله إلى بير هوكر ، تطوع عازر لأداء هذه المهمة ، وحاول أمين الدير أن يثنيه عن عزمه ، فأصربالأكثر ، وقال انه متمرن على ركوب الخيل. وركب البغل الذى أخذ يشب ويجمح ليوقعه كما اعتاد، وكلن عازر ساسها حتى جعلها مطية ذلول. |
![]() |
|