![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من العبوسة إلى الفرح
..................................... فتن الوحي عيوننا بمشاهد النعمة البديعة، الواحد تلو الآخر في إنجيل لوقا، وها هو، في النهاية، يختمها بهذه اللوحة الفائقة الجمال للمسيح المُقام من الأموات. بدأ الإنجيل بملائكة يطمئنون زكريا والمطوَّبة مريم والرعاة؛ لكنه يُختم بربِّ الملائكة يفعل ما هو أكثر بكثير وأعمق أثرًا مع قديسيه المضطربين؛ وما أبعد الفارق!! ولنتقدَّم بقليل من التأمل في هذا الفصل الغني، لوقا 24: 13-53، لنرى كيف عمل راعي الخراف المُقام من الأموات، وكيف أثّر إدراك حقيقة القيامة فتحوَّل المحبطون المنطرحون الشكاكون إلى فرحين ساجدين مُخبرين. هيا إذًا لنسيِر الرحلة مع هذين التلميذين العابسين، وهما عيّنة تعبِّر عن حال الغالبية؛ ولنلق نظرة على: العلة والداء.. الطبيب والدواء.. نفحات السماء. العلّة والداء من وجهة النظر الطبيعية كان لعبوستهما العديد من الأسباب المنطقية؛ من إحباط وخيبة أمل وظروف غير مؤاتية. وبالطبع يمكننا، إنسانيًا، أن نلتمس لهما العذر. لكن دعونا في عُجالة ننظر إلى نتائج الفحص الإلهي، ونطّلع على التقرير الطبي الروحي للوحي وهو يصف لنا الأسباب، لعلّنا نجد فيها بعض أسباب عبوستنا اليوم. 1. لقد «كانا منطلقين... إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة...» (ع13)؛ تركا المكان الذي كان التلاميذ مجتمعين فيه. هجرا الشركة. ورغم أن المسافة ليست بالطويلة (قرابة 12 كم) إلا أنه ابتعاد. وفي البُعد عن المكان الذي أمر فيه الرب بالبركة، حتى لو بدا الأمر بسيطًا، ماذا ننتظر؟! 2. «وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث» (ع14). والانشغال بما يحدث حولنا من أحداث، دون أن نضع الرب فيها، لا بد وأن يملأ القلب بالكَدَر. ولنكن منصفين مع أنفسنا فنفحص ما هي مواضيع انشغالاتنا وأحاديثنا، فلا نسبِّب لأنفسنا الكدر. 3. ثم يقول أحدهما للمعلِّم: « هل أنت متغرِّب وحدك... ولم تعلم الأمور التي حدثت...؟» (ع18). لقد ظنّا أنهما يَعلَمَان؛ فنسبا بذلك الجهل للكلّي العلم!! وعندما نضع أنفسنا في مركز الفاهمين، بدلاً من أن نأتي في اتضاع إلى وضع المتعلّمين، نثقل قلوبنا بهموم لا قِبَل لنا بها. وفي ادعاء العلم ظهر الجهل في القول: «المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدِرًا في الفعل والقول» (ع19). أ هذا هو أقصى ما يعلمانه عن المسيح: «إنسان»؟! لقد كانا منشغلين بأفكارهما الخاطئة عن المسيح، وليس بنظرة الله إليه. 4. وإذ يفصحان عن سرِّ إحباطهما «كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل» (ع21)؛ نفهم أن آمالهما كلها كانت مرتبطة بالأرض، رغم كل ما علّم الرب به في أيام جسده. وإلى اليوم يعتقد بعضٌ أن المسيح جاء ليجعل لهم هذا العالم أفضل (هذا هو فهمهم لـقوله - له المجد - «وليكون لهم أفضل»!!)؛ فيمنحهم الصحة والنجاح والثروة وحل المشاكل... هل ما زلنا نحاول إدخال المسيح في أمور حياتنا ليعطينا راحة وقتية ومجدًا أرضيًا؟! وهل، إلى الآن، نطلب كما لو كنا من مواطني الأرض؟! ولِمَ نستغرب الكدر بعد ذلك؟! 5. ثم تظهر علّة العلل، عدم الإيمان، في رفضهما لتصديق قول النساء «إنه حيّ» مع وجود شهود عيان بأن القبر فارغ (ع22-24). كان ينبغي أن تنشِّط هذه الشهادات، في قلبيهما، بذرة الإيمان التي ألقاها السيد بتكراره أنه سيقوم. لكن هذا ما لم يحدث! وها قد استعرضنا العلّة والداء، هيا إذًا لنرى الطبيب والدواء ما أعظم نعمته وهو يبحث عن قديسيه المحبَطين التائهين المتخبّطين، وإن كانوا مبتعدين؛ فنراه وقد «اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما... فقال لهما...» (ع15-17). وما أروعه مشهد يتكرَّر معنا كل يوم! فعندما تسير الأمور على ما يرام قد يكفي أن يرسل الرب مُرسَلاً برسالة تعزية أو بكلمة تحريض أو ببعض تعليم؛ لكن في وقت الأزمات والأحزان، عند البُعد والتيهان، لا بد أن يقترب الحنّان، وهكذا يظهر في المشهد «يسوع نفسه». وذاك الذي نسمعه يومًا بالنبوة صارخًا «اقترب إلى نفسي. فكّها» (مز69: 18) لا يتوانى عن أن يقترب إلى نفوسنا في ضيقها ليعزي ويشجِّع ويصحح ويعلِّم. وما بين المؤمن و«يسوع نفسه» لا يحتمل وسيطًا يتدخل فيه. وفيما هما مدفوعان باحتياجهما، منجذبان لنعمته، اندمجا معه في الحديث دون تحفّظ، وإن أُمسكت أعينهما عن معرفته. ولقد حاز ثقتهما فاستخرج من شفاههما تقريرًا بالحالة كلها. ليتنا ندرك أنه الجدير بالثقة وحده! كيف لا وهو الذي جاز كل الأحزان وغلب ملك الأهوال؟ وهكذا باشر هذا الطبيب الماهر علاجه: القلوب المكشوفة «فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان... أما كان ينبغي أنّ المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده» (ع25، 26). إذ نوى أن يبارك، فلا بد من كشف حالة القلب. وإن كان ليس من المُسرّ أن نختبر حقيقة ذواتنا؛ فإنّها الطريقة التي يستخدمها الله للبركة، فهي التي تتناسب مع اعتباراته. على أن كشف قلوبنا وإن كان لازمًا فهو غير كافٍ. وقد كان علاج القلوب البطيئة في الإيمان أن يكلّمهما عن آلامه والأمجاد التي بعدها؛ وليس سوى هذين الأمرين معًا يلهب القلب المتبلّد. ليس أمجاده فقط، كما ظن تلميذا عمواس، ولا الآلام فقط كما يفعل الكثيرون اليوم. ليت قلوبنا تمتلئ، ليس فقط بمعرفة المسيح الذي مات، بل بالحري الذي قام والذي هو الآن في المجد. «ثم ابتدأ ... يفسِّر لهما الأمور المختصّة به في جميع الكتب» (ع27). لقد كانا يتحدّثان عن الأمور المختصة بهما، وها هو يقودهما إلى الأمور المختصة به. وأرادا إدخاله في أمورهما؛ فأدخلهما هو في أموره، حتى يعرفاه كالمُقام من الأموات. نخسر كثيرًا إذا ما بحثنا في المكتوب عن الأمور المختصة بنا، وعلينا بالأحرى أن نفهم كل المكتوب على أنه الأمور المختصة به؛ وعندئذ سنجده هو بنفسه - له كل المجد - يفسِّر لنا أمورًا تعجز الحكمة البشرية عن سبر أغوارها إذ هي متعلقة بذلك الشخص غير المحدود. وما أمجد النتيجة! العيون المفتوحة «فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسّر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه» (ع30، 31). إنه لم يكتف بمجرد تفسير يصل الآذان فقط، بل كان لا بد أن يفتح العيون لتعرفه هو شخصيًا. وما أبدع ارتباط هذا بكسره للخبز! كيف عرفاه؟! أ رأيا جروح يديه؟! غالبًا! لكن السؤال اللازم، هل تنفتح عيوننا ونعرفه عند كسر الخبز؟! ليتها تكون طلبتنا فيتغير حال اجتماعاتنا!! القلوب الملتهبة إنه لم يفتح عيونهما فقط، بل اسمعهما يقولان: «أ لم يكن قلبنا ملتهبًا فينا؟» (ع32). والنتيجة «فقاما في تلك الساعة ورجعا» (ع33)، وما أحلى طريق العودة! وما أجمل الهمّة! فهذان اللذان أمسكا بضيفهما لأن النهار كان قد مال للغروب لم يعبأا الآن بظلمة الليل، بل رجعا بقوة معرفتهما للمسيح المُقام، وبقلب ينبض بالحب له، فنراهما شاهدين «يخبران بما حدث في الطريق» (ع35). آه أيها المُقام من الأموات: ارحمنا من قلوب لم تعد تُحبّك المحبة الأولى، فصارت في برودة القبور.. عُد وبثّ فيها سخونة الحياة من جديد.. بل ألهبها في دواخلنا بحبٍّ حقيقي لشخصك.. فنرجع إلى أماكننا، ونشهد لك أروع شهادة. النفوس المطمئنة مرة أخرى نرى «يسوع نفسه في وسطهم»، ودائرة عمله هنا تتسع عن الاثنين الأولين. ونسمعه يقول لهم «سلام لكم» (ع36). ومع أنهم، إذ كانوا في حالة ضعف الإيمان، «جزعوا وخافوا وظنّوا أنهم نظروا روحًا»، فإنّ ذلك لم يوقفه - تبارك اسمه - عن أن يكمل عمله. فيطمئنهم بأن «أراهم يديه ورجليه» ليروا جراحه الغالية، ثم بالأكل معهم (ع38-43). وصوته إلى الآن يرن في أذن كل قديس «لا تخف! أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتًا، وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ1: 18). إنه الذي غلب الموت وقام، والذي هو حي في كل حين، وله قوة حياة لا تزول (عب7)، فكيف لا تطمئن قلوبنا به؟! في كل ظروفنا وأمورنا، مهما هاجت البحور علينا، أو طمت لُجج فوقنا؛ ليت طلبتنا تكون: افتح آذاننا يا رب على صوتك العذب قائلاً: «سلام لكم». الأذهان المفتوحة وإذ يواصل الرب الكريم عمله يُعلمهم أن «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم...». إن كل ما علّمهم بصفته المسيح المتضع في أيام جسده كان قد انتُسي؛ لكنَّ المسيح المُقام «فتح ذهنهم ليفهموا الكتب»، ويا للروعة، لقد فهموا!! فهموا وما عادوا ينسون!! فإذ قال لهم: «هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أنَّ المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدِأً من أورشليم»، رسخت هذه الأمور في أذهانهم، وشكَّلت كل توجّهاتهم بعد ذلك، كما نراها في سفر الأعمال؛ فنراهم بكل قوة متكلمين عن موته وقيامته، كارزين بالتوبة لمغفرة الخطايا! نعترف يا سيد أنه ما أكثر ما نعرفه من الكتب المقدسة وعنها؛ لكن ما أقل ما استقرّ منها في أذهاننا فشكَّل حياتنا. ألا تفتقدنا في هذه الأيام، لتفتح أذهاننا، فلا تعود أمورك تبدو كطلاسم لنا، بل نفهمها، وتغيّر بهذا الفهم حياتنا، فنعيش بحق كل ما لنا في شخصك الجليل؟! التكليف والوعد «وأنتم شهود لذلك» يا له من تكليف! وما أسمى إرسالية المسيح المُقام! وما أكثرها تميّزًا عن أيّة إرسالية أخرى!! وها هو المنتصر المُقام يزوِّد مُرسليه بهذا الوعد «وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي؛ فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبَسوا قوة من الأعالي». إنه تكليفنا اليوم، وهذه هي قوتنا أيضًا. البركة ثم نراه وقد «وأخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا» فاصلاً إياهم عن كل نظام، بل عن كل شيء عداه. ثم بصفته رئيس الكهنة العظيم «رفع يديه وباركهم». آه ما أحلى المشهد! ما أمتعه للعيون وأغلاه للقلوب! وما أسمى هذا الأمر: إنه إلى اليوم يبارك!! «وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء» تاركًا في عيونهم وأذهانهم وقلوبهم صورته منطلقًا بمجده وقوة سلطانه إلى السماء، لتصبح هذه اللقطة البديعة قوتهم الدافعة للخدمة والتعب بل وأيضًا لقبول حتى الموت... وكيف لا وصورة السيد الذي انتصر على الموت مطبوعة في أذهانهم نفحات من السماء ما أعظم ما نتج مما فعل الرب المقام مع تلاميذه. إذ فتح عيونهم ليروا، وألهب قلوبهم لتشعر، وهدّأ نفوسهم في داخلهم، ثم فتح أذهانهم ليفهموا، وكّلفهم أشرف تكليف، ثم باركهم؛ نرى التغيير الجذري في أنهم: «سجدوا له». وما أروعه سجودًا عندما أدركوا أن ذاك الذي مات، مات لأجلهم؛ وأنه بعد ما مات قام بمجدٍ وارتقى إلى السماء! وإذ تنفتح العيون فنعرف حقَّ قدره، ويلتهب القلب بمرأى جراحه، ويمتلئ الذهن بمعنى قيامته؛ هكذا تنحنى القلوب، قبل الركب، وتنشد الألسنة أعذب كلمات السجود. «ورجعوا إلى أورشليم». ويا له من رجوع! إنهم لن يعودوا للاختباء في علّية مغلّقة بسبب الخوف ولن ينطلق بعضٌ منهم في ابتعاد، ولن يعودوا للشكِّ والإحباط والتخبّط؛ بل سنراهم بعد أيام يهزّون المسكونة شاهدين بمجد المسيح المٌقام أنّ «الله قد أقامه»، ومن ثمّ ينطلقون إلى العالم أجمع متممين التكليف الأسمى. «بفرح عظيم». انتهت أيام العبوسة، فالمسيح قام.. اطمأنت القلوب أن العمل أُكمل بالتمام.. وغلب السيد أعتى أعداء الأنام.. غُمرت النفوس بالراحة والسلام.. شبعت العيون بمشهد المُقام.. أ هناك شيء غير الفرح بعدئذ؟! ولا زال من حقنا الآن أن نتمتع بذاك الفرح «وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد» (1بط1: 8). فلماذا الأسى بعدُ؟! «وكانوا كل حين في الهيكل يسبّحون ويباركون الله». نعم، كل حين. ولن تنقطع تسبيحاتنا وأفراحنا طالما امتلأت قلوبنا بالمسيح المُقام وأمجاده. له كل المجد. * * * * ولأنه هو هو، لا يتغير، كما كان في طريق عمواس، في يوم القيامة، هو لنا في طريقنا، كل أيامنا؛ فلنا أن نطمئن. هو ذاك الذي مات لأجلنا، وقام معلنًا نصرته وتبريرنا، وهو في السماء حيٌّ قد خصَّص ذاته لنا. هيا لنقترب إليه، ولنطلب منه أن يمتّعنا بما عمل مع تلاميذه يومًا. ولنغنِّ: د / عصام خليل |
![]() |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
موضوع متكامل عن يسوع المسيح |
موضوع متكامل عن دخول المسيح ارض مصر |
أول موضوع متكامل عن الكريسماس 2013 ادخل وشااااااااااارك |
موضوع متكامل عن دخول المسيح ارض مصر |
موضوع متكامل عن قيامة يسوع المسيح والخماسين |