رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الكتاب المقدس: الترجمات
كان "الكتاب المقدس" عند كثيرين من المسيحيين في القرن الأول هو الترجمة اليونانية للعهد القديم (السبعينية)، وقد شرع بإعدادها في القرن الثالث ق م. وبُعيد اكتمال كتاب العهد الجديد، بدأ عمل الترجمة. وربما كانت أول ترجمة هي إلى اللاتينية. وكانت هذه هي اللغة الرسمية في الامبراطورية الرومانية، وإن كانت اليونانية هي اللغة التي شاع التخاطب بها بين المسيحيين على أوسع نطاق، حتى في إيطاليا. وفي بادئ الأمر استُعمِلت اليونانية في أغلب الكنائس. العصور المظلمة:منذ القرن الثاني فصاعداً وُجدت عدة ترجمات محلية للكتاب المقدس. ولكن الناس شعروا بالحاجة إلى ترجمة قياسية يُعترف بها ويستعملها الجميع. وهكذا ففي زمنٍ ما قبل 348 م طلب دماسوس أُسقف روما من أمين سرِّه أن يُراجع العهد الجديد اللاتيني ويُنقحه. كان هذا هو ايرونيموس (جيروم)، وهو أول مترجم للكتاب المقدس وصلنا اسمه (نعرف أيضاً أسماء بعض علماء اليهود الذين نقحوا قبل ذلك العهد القديم اليوناني). منذئذٍ وترجمة ايرونيموس اللاتينية (المعروفة بالفُلقاطة أو الشعبية) هي الكتاب المقدس الأُمَ عند الكنيسة الكاثوليكية. فقد كانت مصدراً لعشرات الترجمات الأخرى. كان ايرونيموس عالماً مدققاً، وقد قام بعمله على أكمل وجه. فلكي يُترجم العهد القديم، تعلم العبرية في بيت لحم حيث أقام بضع سنين. وإذ جرى نسخ ترجمته باليد ونشرُها في بلدانٍ عديدة، حملت كلمة الله رجاءً وحياة جديدة لأعدادٍ من البشر لا تُحصى. وفي القرن الثاني بدأ بعض المترجمين عملهم في السريانية وهي لهجة متفرعة من اللغة الآرامية التي تكلم المسيح بها. ومع أن السريانية القديمة لم تعُد تُستعمل في التخاطب، فإن الترجمة السريانية التي أُنجزت في القرن الرابع (وهي تعرف بالفشيطا أي البسيطة) ما زالت تُستخدم في العبادة عند المسيحيين النسطوريين والسوريين في سوريا وإيران والهند وغيرها من البلدان. وفي مصر استعملت الكنيسة أولاً اللغة اليونانية. ولكن مع انتشار المسيحية جنوباً، برزت الحاجة إلى ترجمة مصرية (أو قبطية). وقد بدأت هذه الترجمة في القرن الثالث. وما زال الكتاب المقدس القبطي يُستعمل اليوم في العبادة. بعد اهتداء قسطنطين، الإمبراطور الروماني، (312 م) انتشرت المسيحية بسرعة، فدعت الحاجة حالاً إلى ترجمات جديدة. وبعدها غزا القوطيون الإمبراطورية في حوض نهر الدانوب، تلقوا ترجمة للكتاب المقدس كله تقريباً باللغة القوطية قام بها الأُسقف المبشر أولفيلاس. ومع أن اللغة القوطية انقرضت منذ زمن بعيد، ما يزال القسم الأكبر من نصّ هذه الترجمة محفوظاً في محفوظات. ثم إن مسروب، مخترع الأبجدية الأرمنية، قام بترجمة الكتاب إلى الأرمنية في القرن الخامس، ومعلوم أن الأرمن كانوا أول أُمة مسيحية في العالم. وما تزال هذه الترجمة هي القياسية لدى الكنيسة الأرمنية العريقة، سواءٌ في جمهورية أرمينيا أو في البلدان العديدة التي تشتت فيها الأرمن. وربما كانت الترجمتان الحبشية والجورجانية تعودان إلى القرن الخامس أيضاً، وما تزالان تُستعملان اليوم في كنائس اثيوبيا وجمهورية جورجيا. وفي ما بعد أُنجزت ترجمة بالسلافية القديمة، وهي اللغة التي كانت متداولة في بلغاريا والصرب وجنوب روسيا في القرن التاسع، لما اهتدت القبائل السلافية إلى المسيحية على يد القديس سيريل (كيريليوس). وقد اخترع الأبجدية السيريلية ثم ما لبث أن تولى ترجمة الكتاب المقدس كله إلى السلافية. وما زالت هذه الترجمة عند الكنيسة الارثوذكسية الروسية. فضلاً عن هذه الترجمات الكنسية، نعرف على الأقل ترجمة "إرسالية" واحدة أُنجزت قبل تأسيس أية كنيسة. فنحو 640 م قامت جماعة من المبشرين النساطرة، وكانت السريانية لغتهم، بترجمة الأناجيل إلى الصينية وتقديمها إلى الإمبراطور تاي تسونغ. أخذت المسيحية تنتشر بسرعة، ولا سيما في شمال أوروبا وشرقها، خلال القرون التي أعقبت انهيار الإمبراطورية الرومانية في الغرب. ومع تنامي الكنيسة، تُرجمت أجزاء من الكتاب المقدس إلى عدة لغاتٍ جديدة. سابقو الإصلاح:ففي أوائل القرن الثامن م تُرجمت أجزاء متفرقة من الكتاب المقدس إلى الإنكليزية على يد الأسقف آلدْهيلهم في جنوب بريطانيا ويد المؤرخ بِيِدْ الشمال، كلٌّ على حِدة. ولكن لم يبق شيء من هذه الترجمات. كذلك قام الملك الإنكليزي ألفرد (871- 901) بترجمة أجزاء من الخروج والمزامير والأعمال. وبعد الفتح النورمندي، تُرجمت أسفارٌ مختلفة إلى الإنكليزية أو بعض لهجاتها المحلية. ومن الترجمات التي بقيت إلى اليوم، ترجمة لإنجيل متى بالفرنكية (الألمانية القديمة) تمت عام 758 م. أما النصوص الأفرنسية الأولى فتعود إلى القرن الثاني عشر. وأما الإيطالية فإلى الرابع عشر. ظهرت في أواخر العصور المظلمة في الغرب عدة ترجمات جديدة للكتاب المقدس. هذه الترجمات توجهت إلى عامة المسيحيين وقد رعاها أشخاص غير خاضعين للكنائس التقليدية. فنحو 1170 م قرأ تاجر من ليون، هو بطرس والدو، العهد الجديد فوجد هدفاً جديداً في الحياة. عندئذٍ قام بالترتيبات اللازمة لترجمة الكتاب المقدس إلى لغة فرنسا الجنوبية. وقد أسس أتباعُه الكنيسة الولدنسية التي كابدت الاضطهاد طيلة قرون. الطباعة والإصلاح:وبعد مئتي سنة تقريباً، كان لاهوتيٌّ من أُكسفورد يدرس الكتاب المقدس، فاقتنع اقتناعاً راسخاً بضرورة نقله إلى لغة الشعب. ونتيجةً لمجهود هذا الرجل، جان ويكليف، أُنجزت سنة 1384 ترجمة الفولقاطة اللاتينية إلى الإنكليزية. وفي 1395 نُقِّحت هذه الترجمة وبُسطت. وقد تضمنت بعض النُّسَخ ملاحظات تؤيد وجهة نظر اللورديين (أتباع ويكليف). فعقد في 1408 مجمع في أُكسفورد منع نسخ هذه الترجمة وتداولها. ولكن بعد مئة سنة، حين ظهرت أول أسفار مطبوعة من الكتاب المقدس، كانت عدة مئات من هذه الترجمة ما تزال قيد التداول. وقد حصلت في بوهيميا (تشيكوسلوفاكيا) حركة ممائلة. إذ تأثر جان هُسّ، قسيس جامعة براغ، بتعاليم ويكليف. ومع أنه أحرق على عمود في 1451، شرع أتباعه في عمل ترجمة للكتاب المقدس، كانت نتيجتها العهد الجديد باللغة التشيكية في 1475. نحو 1450، وفي ماينز بألمانيا، اخترع يوهان غوتنبرغ عملية الطباعة باستعمال حروفٍ معدنية مسبوكة يتمُّ صفُها جنباً إلى جنب ثم تُفك بعد الطباعة لتُستعمل من جديد. وبذلك اسُتهِل عهدٌ جديد في تاريخ الكتب، وفي طليعتها الكتاب المقدس. فكان أول إنتاج ضخم أصدرته المطبعة هو الكتاب المقدس باللاتينية (1456). وبعد عشر سنين طُبع الكتاب المقدس بالألمانية عن ترجمة قام بها مترجم مجهول في القرن الرابع عشر. وفي 1471 طُبع أول كتاب مقدس بالإيطالية، ما لبث أن أعقبه العهد الجديد بالفرنسية. وأول نصوص من الكتاب المقدس. بالهولندية طُبعت عام 1477. ثم تلتها ترجمة للكتب كله باللغة الكاتالانية (في إسبانيا، 1478). روّاد ترجمة الكتاب:هذه الطبعات كلُّها اعتمدت مخطوطاتٍ موجودة مترجمة كمن اللاتينية. ولكن مع نهضة العلوم، بدأت دراسة النصوص باللغات الأصلية. ففي 1488 طبع علماء اليهود العهد القديم بالعبرية عن مخطوطات محفوظة بعناية. وقد حصل ذلك في إيطاليا. وفي 1516 نشر اللاهوتي الهولندي، إيرازموس العهد الجديد اليوناني مطبوعاً. وقد كان إيرازموس داعية لترجمة الكتاب المقدس إلى لغة التخاطب، مع أنه لم يكن هو نفسه مترجماً (إلا إلى اللاتينية)، ليستفيد من الكتاب أهل اللغات المختلفة وعامةُ الناس، كان كالفلاحين والحاكة والمسافرين وسواهم. في تلك الأثناء كان في ألمانيا راهب شاب اسمه مارتن لوثر يدرس الكتاب المقدس اللاتيني بكل شوق. وقد هزته كلمات بولس في رومية 1: 17 عن الإنجيل: "فيه مُعلن بر الله بإيمانٍ لإيمان". وها هو يصف الراحة والحرية اللتين حملتهما إليه هذه الكلمات: "شعرت بأني قد وُلِدت من جديد بجملتي... وإذا محبتي للعبارة الأحلى (برّ الله) عظيمةٌ منذئذٍ بمقدار كُرهي لها قبلئذٍ. على هذا النحو كانت لي هذه الآية بالحقيقة باب الفردوس". كان لوثر أُستاذاً محاضراً في جامعة وتنبرغ. فعكف على نشر هذه الرسالة ودرس بتدقيق العهد القديم العبري والعهد الجديد اليوناني الذي طبعه إيرازموس. ثم تولى مهمة القيام بترجمة جديدة إلى الألمانية بأوضح عبارة ممكنة. وهكذا ظهر العهد الجديد في 1522 والكتاب كله في 1532. وما برحت ترجمة لوثر الألمانية أشهر ترجمة في تلك اللغة. أما في اللغة الإنكليزية، فإن ترجمة وليم تندال للعهد الجديد تُعتبر أُم الترجمات، وقد طُبعت أول مرة في 1526. بعدها جاءت ترجمة مايلز كوفردال التي أجاز تداوُلها في ما بعد الملكُ هنري الثامن، وقد تضمنت هذه الترجمة أسفار الكتاب كلها. وأول كتاب مقدس كامل طُبع بالإنكليزية صدر عام 1537. وفي 1560 صدرت طبعة منقحة ومقدمة للملكة إليزابث، فلقيت رواجاً كبيراًُ حتى إنها طُبعت سبعين مرة خلال مُلك تلك الملكة. إلا أن أشهر ترجمة إنكليزية للكتاب المقدس هي تلك المعروفة بنسخة الملك جايمس، وقد ابتدأ العمل لإتمامها سنة 1603، وظلت على مدى 350 سنة في طليعة الترجمات الإنكليزية اليوم أكثر من عشرين ترجمة للكتاب المقدس، معظمها حديث ومُيسر. مع تقدم العمل التبشيري والإرسالي، نشطت ترجمة الكتاب المقدس، أو أجزاء منه، إلى مختلف اللغات. فصدرت في 1613 أول ترجمة للعهد الجديد باللغة اليابانية، وفي 1711 باللغة التاميلية الهندية. ويجدر بنا أن نذكر جهود وليم كاري الذي عكف طوال أربعين سنة بعد وصوله إلى الهند في 1793، مع زميلين ومجموعة مساعدين من الهنود، على ترجمة الكتاب إلى عدة لغات ولهجات. ولما توفي كانت مطبعته قد أصدرت 37 ترجمة مختلفة بينها البورمية والصينيّة. ومع تأسيس أول جمعية للكتاب المقدس في 1804، بدأت تصدر ترجمات بلغاتٍ شتى، وهكذا ازداد انتشار كلمة الله بين الشعوب بلغاتهم المختلفة. وأكبر مشروع لترجمة الكتاب المقدس يتولاه اليوم اتحاد جمعيات الكتاب المقدس، وهو يضم نحو ستين جمعية حول العالم، ويُعنى بتنقيح الترجمات الموجودة أو بإصدار ترجمات جديدة في لُغاتٍ بينها العربية والهندية والصينية. وقد فاقت ترجمة الأسفار المقدسة، كاملةً أو أجزاءً، 1500 لغةً ولهجة. |
|