رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الطبّ والمداواة
لا نستطيع التحقق دائماً من بعض الأمراض التي يذكرها الكتاب المقدس، ولو ذُكِرت أعراضها أحياناً. فقد شاع نوعٌ من البرص أو الجُذام. وغالباً ما نتج من قلة توفر الطعام في مواسم القحط، بالإضافة إلى الحر وعدم سلامة الماء، أمراضُ الزُّحار (الديزنطاريا) والكوليرا والتيفوئيد والاستسقاء. وقد شاع العمى من جراء الهواء المشحون غباراً. وانتشر أيضاً الصمم والشلل (الفالج). وواضح أن نسبة الوفيات بين الأطفال كانت مرتفعة جداً. كذلك شاعت الأمراض العقلية، وغالباً ما ينسبها الكتاب المقدس إلى سكن الأرواح الشريرة في الإنسان. واعتقدت العامة أن نوبات الصرع لها علاقة بهلّة القمر. (وفي متى 4: 24، كلمة "المصروعين" هي ترجمة لفظةٍ يونانية معناها الحرفي "مضروبو القمر"). 2 صموئيل 12: 15؛ 2 ملوك 4: 20؛ 1 ملوك 17: 17؛ 2 ملوك 5: 1- 14؛ 1 صموئيل 19: 9؛ دانيال 4: 33 مواقف من المرض: كان الموقف من المرض عند بني إسرائيل في كل حينٍ عما هو عليه عند الشعوب المجاورة. فأهل ما بين النهرين والمصريون في الأزمنة القديمة عدوا الأمراض ناشئة دائماً من شر الأرواح الرديئة. ولذا كان العلاج في أيدي كهنة متمرسين واشتمل على الرُقى والسحر، وإلى جانب وسائل أخرى. وبنو إسرائيل أيضاً اعتبروا الصحة مسألة دينية، ولكن دافعهم إلى ذلك كان إيمانهم الراسخ بأن الله كليُّ القدرة. فمن عنده يأتي الخير والشر على السواء. والصحة بركةٌ من بركات الله، فيما المرض علامةٌ على انتقاض العلاقة الروحية بين المرء والله. لذلك مُنِع السحر رسمياً ، وإن كان العامة قد مارسوه إلى حدٍ ما، الأمر الذي برهنه اكتشاف تماثيل صغيرة كثيرة ربما استعملت كتعاويذ على ما يبدو. على أن هذا الموقف من المرض كانت له عوائقه أيضاً. فالله هو الشافي الحقيقي الوحيد. وهو أعطى الشعب مجموعة قوانين، إن أطاعوها يتمتعون بصحة جيدة، وإن خالفوها فلا. ومن حينٍ إلى آخر كان الرب يستخدم أنبياءه للشفاء. ولكن هذا الأمر كان استثنائياً، ولم يكن للأطباء مكانتهم المرموقة، ولا داعي لأن يتقصوا أسباب المرض الطبيعية ما دام المجال لا يتسع كثيراً للمهارات الطبية. لما وضع حمورابي ملك بابل شرائعه نحو 1750 ق م، حدد أجوراً للأطباء وعقوباتٍ للجراحين المتهاونين. والمصؤيون أيضاً عُنُوا بالطب وإجراء العمليات الجراحية، ودرسوا تركيب الجسم البشري بتشريح الجثث، ودونوا ملاحظاتهم الطبية والجراحية على ورق البردي. وأول إشارة إلى الأطباء وردت في الكتاب المقدس تنطوي على انتقاد: "مرض آسا... في رجليه حتى اشتد مرضه، وفي مرضه لم يطلب الرب بل الأطباء". على أن سفر أيوب يرد الرأي القائل بأن المرض هو دائماً النتيجة المباشرة لخطية الإنسان. وفي حدود القرن الثاني ق م كان اعتبار الأطباء قد زاد. وقد جاء في سفر حكمة يشوع بن سيراخ أنه وإن كان الله هو الشافي فقد أعطى البشر مواهب شفاء ودبر أدوية لشفاء المرض. وناقض المسيح الفكرة القائلة بأن الخطية هي علة المرض دائماً. وقد رأى في المرض علاقةً على سيطرة الشر على العالم إجمالاً. وبشفائه من الأمراض كان يهاجم مملكة الشيطان، لكنه بذلك لم ينتقد ضمناً عمل الأطباء. غير أن المواقف العامة كان يصعب تغييرها، كما تبين بعض الأقوال السائرة عند اليهود: "أيها الطبيب، اشفِ نفسك ". "لا تُقِم في مدينة رئيسُها طبيب، لأنه يهتم بالشأن العام ويُهمِل مرضاه". "حتى أفضل الأطباء يستحق جهنم". لاويين 26: 14- 16؛ تثنية 7: 12- 15؛ 2 أخبار الأيام 16: 12؛ يوحنا 9: 3؛ لوقا 13: 16 مرقس 2: 17؛ لوقا 4: 23 معالجة المرض: من المفيد أن نلاحظ كيف عوضت شرائع بني إسرائيل عن جهلهم بالصحة عموماً. وقد كانت إطاعة هذه الشرائع جزءًا من واجبهم الديني، إلا أن ذلك ساهم طبعاً في إبقائهم أصحاءً أيضاً. فأولاً كان واجباً أن يخصص يومٌ واحد كل أسبوع للراحة التامة لأجل تجديد قوى الجسد والروح. ثم كانت هنالك بعض الأطعمة المحرم أكلها. ومن ذلك لحم الخنزير، وأكله في مناخ شبه استوائي ينطوي على مخاطرة التسمُّم. وكان واجباً أن يكون الماء خلواً من التلوُّث. وجميع الذكور يجب أن يُختنوا- وهي عملية يُعتقد أنها تقي المختون الأمراض التناسلية. ولا يحلُّ للرجل أن يتزوج بواحدة من أفراد أسرته. ومن الواجب الاعتناء جيداً بالنظافة سواءٌ في العادات الشخصية اليومية أو في العلاقات الزوجية. هذه أقدم بينات بين أيدينا في ما يتعلق بالطب الوقائي. وكان مطلوباً من الكهنة أن يقوموا بإجراءات معينة في حال أُصيب أحدٌ "بالبرص" (مع أنه ربما كان يختلف عن الجذام الذي نعرفه اليوم). وقد اهتم الأنبياء أحياناً بشؤون صحية. فأليشع أبطل مفعول نبات سام، ونقى مياه أريحا، وشفى نعمان وابن الشونمية. وفي 2 ملوك 20: 1- 7 ينصح أشعياء حزقيا بوضع لزقة تين على دُملة- وهذه هي فعلاً "الوصفة الطبية" الوحيدة في العهد القديم. واستُعمِلت أدهان وعطور شتى في مجال الصحة الشخصية، كالآس والزعفران والمر والناردين. وكان زيت الزيتون و "بلسان جلعاد" (راتينج عطر) يُبلعان أو يوضعان على الجروح والقروح. وفي وصف أشعياء لحالة يهوذا ما يُلقي ضوءاً على مداواة الجروح: "من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جُرح وأحباط وضربة طرية لم تُعصَر ولم تُعصَب ولم تُلين بالزيت". وربما استعملت بعض المستحضرات النباتية كمسكنات، مثلاً "الخمر الممزوجة بمر" والتي قُدِّمت للمسيح قبل الصلب فرفضها. وربما عُرفت أعشاب فعالة عديدة، ولكن لا بد أن خرافاتٍ غير قليلة كانت شائعة أيضاً. فمثلاً، كان يُعتقد على نطاقٍ واسع أن جذور اليبروح أو اللُّفاح تجعل المرأة تحبل بسهولة. وكانت الكسور في الأيدي والأرجل تُجبر بتميضدها جيداً، وربما استُعمِلت العكازات أيضاً. ولكننا لا نملك أية بينات على إجراء عمليات جراحية كبيرة في فلسطين في أزمنة العهد القديم، أللهم إلا اكتشاف ثلاث جماجم أُحدِثت فيها ثقوب، وجِدت في لخيش وترجع إلى القرن الثامن ق م. وقد شاعت مثل هذه العملية يومذاك لتنفيس الضغط (أو طرد الشياطين). وقد كان العبرانيين بالطبع قوابلُ لمساعدة الحوامل عند الوضع وذلك من قديم الزمان. ورُبما كُن قبل الخروج قد شكّلن ما يُشبه النقابة ولهن عرفٌ أخلاقي ورئيسات معترفٌ بهن (في خروج 1: 15 اسما اثنتين منهنّ). وكانت الوالدة تموت أحياناً وهي تلد، ولكن القابلة كانت ماهرة جداً في الغالب. وقد أفلحت ثامار في ولادة توأمين يبدو أنهما كانا في وضعٍ صعب (تكوين 38: 27- 30). وإذ يتكلم حزقيال عن أورشليم، يُلقي ضوءاً على ما كان يجري عادةً بعد الولادة: "أما ميلادك، يوم ولدت، فلم تقطع سُرَّتك، ولم تُغسلي بالماء للتنظف، ولم تُملحي تمليحاً، ولم تُقطمي تقميطاً". وربما كانت القِبالة أشرف وظيفة تقوم بها المرأة. خروج 20: 8؛ لاويين 11: 13- 23؛ 2 ملوك 4: 41؛ 2: 19- 22؛ 5؛ 4: 18- 37؛ إرميا 8: 22؛ لوقا 10: 34؛ أشعياء 1: 6؛ مرقس 15: 23؛ تكوين 30: 14؛ حزقيال 30: 21؛ 16: 4 في أزمنة العهد الجديد: شهد الطب والجراحة عند اليونان تقدُّماً ملحوظاً وصارا من المهارات المتطورة جداً، لكن كمية معينة من السحر ظلت تخالطهما. وأبقراط اليوناني هو الذي وضع جملة مبادئ منها أن حياة المريض وصحته يجب أن تنالا اهتمام الطبيب بالدرجة الأولى؛ وأن الأطباء الرجال ينبغي ألا يغرروا بالنساء المريضات وألا يقوموا بإجهاضهن؛ وأن على الأطباء ألا يبوحوا بمعلوماتٍ سرية. وقد كان زمنٌ وُظِّف فيه أطباء رسميون كانوا يقبضون أجورهم من الدولة ويعالجون المرضى مجاناً. وتبنى الرومان في ما بعد هذه الممارسات. وقد وُجِدت في خرائب مدنٍ يونانية أدواتٌ جراحية ووصفات طبية. وكان في الاسكندرية بمصر مدرسةُ طبٍ. ولوقا، مرافق بولس، كان طبيباً؛ واللغة التي يستخدمها في انجيل لوقا وسفر الأعمال تتضمن أحياناً تعابير يونانية طبية تقنية. وفي فلسطين بالذات طالب الرابيون (معلمو الدين) بأن يكون في كل مدينة طبيبٌ، وأيضاً جراح كما هو مفضل (فالمرأة نازفة الدم التي جاءت إلى المسيح كانت قد ذهبت إلى أطباء كثيرين). وكان بين موظفي الهيكل دائماً أحد الأطباء، وعمله الأساسي أن يُعنى بالكهنة الذين كانوا يسيرون حُفاةً، وبالتالي يتعرضون لالتقاط بعض الأمراض. وقد مارس طب الأسنان حتى المصريون القدماء (فبعض المومياءات وُجِدت فيها أضراسٌ محشوة ذهباً). ويفيدنا المؤرخ اليوناني هيرودوت أن الفينيقيين كانوا في السنة 500 ق م يعملون أسناناً مصنوعة. وليس ما يدلنا على وجود ذلك عند العبرانيين. كولوسي 4: 14؛ لوقا 5: 12؛ 13: 11؛ 14: 2؛ أعمال 12: 23؛ مرقس 5: 26 |