![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
2-َ الآب والابن والروح القدس ء) البشارة بميلاد يسوع المسيح (لو 1: 26- 38) يؤكد هذا النصّ بوضوح الأقانيم الثلاثة وعملها في تاريخ الخلاص: فالأب هو الله الذي اختار مريم العذراء وملأها نعمة لتكون أمَّا لابنه: "السلام عيك يا ممتلئة نعمة، الرب معك" (28)، "لقد نلت حظوة عند الله" (30). وهو"الرب الإله الذي سيعطي المسيح عرش داود أبيه" (32). وهو الذي يرسل روحه القدوس ليحلّ على العذراء ويظلّلها بقدرته لتحبل دون مباشرة رجل (35)، وهو "الله الذي "ليس من أمر يستحيل عليه" (37). ويسوع الذي يولد من العذراء دون مباشرة رجل هو ابن الله منذ الحبل به، وليس بالتبّني: "انه يكون عظيماً، وابن العليّ يدعى" (32). وعلى سؤال مريم: "كيف يكون ذلك، وأنا لا أعرف رجلاً؟"، يجيب الملاك: "الروح القدس يأتي عليك، وقدرة العليّ تظلّلك"، ثم يردف: "ومن أجل ذلك، فالقدوس الذي يولد منك يدعى ابن الله" (35). وابن الله هو نفسه المسيح الخلّص ابن داود، الذي "سيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الدهر، ولن يكون لملكه انقضاء" (32- 33). والروح القدس هو روح الله وقدرة الله، وهو الذي يظلّل العذراء (35). إنّ عمل خلاص البشر هو عمل روح القدرة الإلهية. وهذا العمل يبدأ منذ الحبل بيسوع. وفي هذا أيضا يقول إنجيل متّى: "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم، فان الذي حبل به فيها إنّما هو من الروح القدس. وستلد ابناً، فتسميه يسوع، لأنه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى 1: 20- 21). إن مجيء يسوع إلى العالم بقدرة روح الله في مريم العذراء هو حقًا. مجيء الله نفسه. معمودية يسوع (متى 3: 13- 17) في هذا النص أيضاً تظهر الأقانيم الثلاثة ظهورًا واضحًا: "فلمّا اعتمد يسوع، خرج كل الفور من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، ورأى روح الله ينزل بشكل حمامة ويحلّ عليه. وإذا موت من السماوات يقول: هذا ابني الحبيب، الذي به سررت" (3: 16- 17). لقد رأى بعض المبتدعين في هذا المشهد تأييدًا لقولهم إنّ يسوع هو مجرّد إنسان تبنّاه الله يوم معوديته، إذ في تلك اللحظة نزل عليه روح الله، وأعلنه الآب ابنه الحبيب. جوابًا على هذه النظرة الخاطئة، نقول إنّ النصوص الإنجيلية يكمّل بعضها البعض الآخر، فيجب ألاّ يؤخذ نصّ بمعزل عن باقي الإنجيل. وقد رأينا في الفقرة السابقة أنّ يسوع حُبل به من الروح القدس، وأنّه بالتالي ابن الله منذ الحبل به، أي في صميم كيانه، وليس بالتبنّي. وما هذا المشهد سوى إعلان للملإ لمَا هو عليه يسوع في شخصه، وإعلان لرسالته. وممتلئ من الروح القدس، وهو ابن الله في عمق كيانه. فالأقانيم الثلاثة تظهر في بدء حياة يسوع العلنية، منبئة بأن عمل الخلاص الذي سيقوم به المسيح ليس عملاً إنسانيًا وحسب، بل هو أوّلاً عمل الله في أقانيمه الثلاثة. ج) المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس (متى 28: 19) "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس". يرجّح مفسرو الكتاب المقدس أنّ هذه الوصية التي وضعها الإنجيل على لسان يسوع ليست من يسوع نفسه، بل هي موجز الكرازة التي كانت تُعدّ الموعظين للمعمودية، في الأوساط اليونانية. فالمعمودية في السنوات الأولى للمسيحية كانت تعطى "باسم يسوع المسيح" (أع 2: 38؛ 10: 48) أو "باسم الرب يسوع" (أع 8: 16؛ 19: 5). ففي الأوساط اليهودية، لتمييز المعمودية المسيحية عن غيرها من طقوس التنقية والتطهير، كان يكفي أن يلفظ اسم يسوع المسيح على المعتمد، دليلاً على أنه صار خاصة المسيح وخُتم نختمه. أمّا في الأوساط اليونانية الوثنيّة، فكان يسبق المعمودية "تعليم أوّلي" ينقل المهتدين "من عبادة الأوثان ليعبدوا الله الحيّ"، كما جاء في رسالة بولس الأولى إلى التسالونيكيين (1: 3). وفي ذلك تقول الرسالة إلى العبرانيين: "فلندَع التعليم الأوّلي عن المسيح، ولنرتفع إلى الكامل من غير ما عودة إلى ما هو أساسي: إلى التوبة من الأعمال الميتة، والإيمان بالله، والتعليم بشأن المعموديات، ووضع الأيدي، وقيامة الأموات، والدينونة العامة" (عب 6: 1- 2). كان هذا التعليم الأوّلي يُعدّ الموعوظين فيعلّمهم أنّ الله سيرسل إلى قلوبهم روح ابنه ليستطيعوا أن يقولوا بكل ثقة: "أبّا، أيّها الآب" (غلا 4: 6، رو 8: 15). من هنا يرجّح المؤرخون أن صيغة المعمودية الثالوثية هي موجز للكرازة التي كانت تعدّ للمعمودية. وهكذا توسّع استدعاء اسم يسوع ليشمل أبوّة الله وموهبة الروح القدس. ونجد أيضاً ذكر الأقانيم الثلاثة بمناسبة ذكر المعمودية في قول بولس الرسول: "إنّكم قد اغتسلتم، قد تقدّستم، قد برّرتم باسم الرب يسوع المسيح وبروح إلهنا" (1 كو 6: 11). ففي المعمودية يصير الإنسان ابن الله بالتبنّي، بالإيمان بيسوع المسيح ابن الله وبالمعمودية باسمه: "إنّكم جميعًا أبناء الله، بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنّكم أنتم جميع الذين اعتمدوا للمسيح، قد لبستم المسيح.. والدليل على أنّكم أبناء كون الله أرسل إلى قلوبنا روح ابنه ليصرخ فيها: أبّا، أيها الآب" (غلا 3: 26- 27؛ 4: 6). د) عبارات ثالوثية في رسائل بولس الرسول نجد في رسائل بولس الرسول عبارات يذكر فيها الآب والابن والروح القدس في وحدة عمل وتثليث أقانيم، دون ذكر لفظة "أقنوم"، التي لا وجود لها في العهد الجديد، إنّما سيلجأ إليها اللاهوت المسيحي ابتداء من القرن الثالث عندما سيبدأ باستعمال لفظة "الثالوث". في ختام الرسالة الثانية إلى الكورنثيين، يقول بولس الرسول: "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله، وشركة الروح القدس معكم أجمعين" (2 كو 13: 13). يعتبر معظم المفسرين اليوم أن هذه العبارة الثالوثية التي تذكر نعمة الله، أي الآب، ويسوع المسيح، أي الابن، والروح القدس، تعود إلى اللّيتورجيا الأولى. ونجد مقابلها عبارات مختلفة، يختم بها بولس رسائله، ويذكر فيها فقط يسوع المسيح الرب: "نعمة الرب يسوع معكم" (1 كو 16: 23)؛ "نعمة ربنا يسوع المسيح مع روحكم" (غلا 6: 18)؛ "نعمة الرب يسوع المسيح مع روحكم" (في 4: 23)؛ "نعمة ربنا يسوع المسيح معكم أجمعين" (1 تسا 5: 28؛ 2 تسا 3: 18). إن الصيغة الثالوثية لا تتوسعّ في تفسير العلاقة التي تربط "الأقانيم أحدهم بالآخر، ولا تذكر لفظة "ثالوث"، ولكنّها تضع المؤمنين في نعمة الله التي تجلّت لنا بشكل ثالوثيّ في ربنا يسوع المسيح الذي أظهر لنا محبة الله الآب، ويشترك فيها المؤمنون بواسطة الروح القدس وفي الرسالة إلى الفيليبيين يعود بولس إلى الصيغة ذاتها، ولكن هذه المرة ليس في إطار ليتورجيّ بل في إطار تحريض على المحبة والاتحاد بين المسيحيين: "ومن ثمّ أناشدكم بمَا في المسيح من دعوة ملحّة، وفي المحبّة من قوّة مقنعة، وفي الروح من شركة، وبالحنان والرحمة، أن أتمّوا فرحي بأن تكونوا على رأي واحد، فتكون لكم محبّة واحدة ونفس واحدة، وفكر واحد" (في 2: 1- 2). تلك الدعوة إلى الوحدة يبنيها بولس أيضاً على وحدة الآب والابن والروح في حديثه عن مواهب الروح المتعددة. يقول: "ما من أحد ينطق بروح الله، ويقول: يسوع مبسل؛ ولا أحد يستطيع أن يقول: يسوع ربّ إلاّ بالروح القدس". نجد هنا ذكر الله، أي الآب، والرب يسوع، أي الابن، والروح القدس. ثم يتابع بولس: "لا جرم أنّ المواهب على أنواع، إلاّ أنّ الروح واحد، وأنّ الخدم على أنواع إلاّ أنّ الربّ واحد، وأن الأعمال على أنواع، إلاّ أنّ الله واحد، وهو يعمل كلّ شيء في الجميع" (1 كو 12: 3- 6). يؤكّد بولس أنّ مواهب الروح القدس، مهما تنوّعت، فمصدرها واحد، وهو الله، لأنّ الروح هو"روح الله"، و"الله هو الذي يعمل كلّ شيء في الجميع". وهذا الروح عينه هو الذي يقود إلى الإيمان بأنّ يسرع هو رب. من هنا نخلص إلى القول أن الحياة المسيحية بمجملها تستند إلى محبة الله الآب التي ظهرت لنا بالابن وفي الروح القدس والصيغة الثالوثية هذه لا نجدها في العهد الجديد إلاّ لدى ذكر عمل الله الخلاصيّ تجاه البشر، وفي وصف اختبار المسيحيين لهذا العمل الخلاصي. ففي الوعظ والإرشاد، كما في الليتورجيا الافخارستية، وكما في المعمودية، نجد ذكر الله الآب والربّ يسوع المسيح والروح القدس في وحدة عمل. وهذا العمل هو تقديس الإنسان وإشراكه في حياة الله الواحد. ولا يرى العهد الجديد أنّ ذكر الآب والابن والروح القدس في العمل الخلاصي الواحد يشكّل أي خطر على وحدانية الله. ومجرّد عدم طرح أيّ مشكلة من هذا القبيل هو دليل على وضوح الرؤية لدى الرسل ومدوّني أسفار العهد الجديد في موضوع وحدانية الله، الإله الواحد الذي ظهر في تاريخ الخلاص ثالوثًا: إلا وابنًا وروحًا قدسًا. أي إن الله، بواسطة الابن والروح، منحنا مغفرة الخطايا وأشركنا في حياته الإلهية. ه) لاهوت الثالوث في انجيل يوحنا لقد رأينا في الفقرة السابقة كيف يؤكّد يوحنا علاقة الابن بالآب منذ مطلع إنجيله.. وكذلك في الفصل الأول من إنجيله يؤكّد علاقة الروح بالآب والابن: "وشهد يوحنا قائلاً: إنّي رأيت الروح نازلاً من السماء بهيئة حمامة، وقد استقرّ عليه. فأنا لم أكن أعرفه. إلا أن الذي أرسلني لأعمّد هو قال لي: إنّ الذي ترى الروح ينزل ويستقرّ عليه هو الذي يعمّد بالروح القدس. فذلك ما قد عاينت، وأشهد أنّ هذا هو ابن الله" (1: 32- 33). "إنّ الذي أرسله الله ينطق بكلام الله، لأن الله لا يعطيه الروح بمقدار. الآب بحبّ الابن، وقد جعل في يديه كل شيء" (3: 34- 35). إن الله، أي الآب، يحب الابن، وقد جعل كلّ شيء في يديه، وأعطاه الروح، "لا بمقدار"، بل بكل ملئه. لذلك يستطيع الابن أن يعمّد بالروح القدس. ويفسّر القديس كيرلس الاسكندري هذا النص بقوله: "إنّ الابن، الذي هو ممتلئ من الروح، يعطي الروح "من ملئه الخاصّ". وهذا ما يشير إليه النص التالي: "وفي اليوم الأخير العظيم من العيد، وقف يسوع وصاح قائلاً: إن عطش أحد فليأت إليّ، وليشرب من آمن بي. فكا قال الكتاب: ستجري من جوفه أنهار ماء حيّ. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه. فالروح لم يكن بعد قد أعطي، لأنّ يسوع لم يكن بعد قد مُجّد (7: 37- 39). إن الروح سيعطيه يسوع للمؤمنين به بعد تمجيده، أي بعد قيامته. وهذا ما يبيّنه هو نفسه لتلاميذه في حديثه الأخير معهم في العشاء الفصحيّ. إننا نجد في هذا الحديث توضيحًا لعلاقة الروح القدس بالآب والابن، وأوّل موجز لاهوتي لعقيدة الثالوث الأقدس. يقول يسوع: إن كنتم تحبوني تحفظون وصاياي، وأنا أسأل الآب فيعطيكم محاميًا آخر ليقيم معكم إلى الأبد، الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنّه لا يراه ولا يعرفه، أمّا أنتم فتعرفونه، لأنه يقيم معكم ويكون فيكم" (14: 15- 17). "قلت لكم هذه الأشياء وأنا مقيم معكم، وأما المحامي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو الذي يعلّمكم كلّ شيء، ويذكّركم جميع ما قلت لكم" (14: 25- 26). "ومتى جاء المحامي الذي أرسله إليكم من لدن الآب، روح الحق الذي ينبثق من الآب، فهو يشهد لي" (15: 26). "إن في انطلاقي لخيرًا لكم. فإن لم أنطلق لا يأتكم المحامي، وأما إذا انطلقت فإني أرسله إليكم.. وعندي أشياء كثيرة أقولها لكم، غير أنّكم لا تطيقون الآن حملها. ولكن، متى جاء هو روح الحق، فإنه يرشدكم إلى الحقيقة كلّها، لأنّه لن يتكلّم من عند نفسه، بل يتكلّم بمَا يكون قد سمع، ويخبركم بمَا يأتي. انه سيمجّدني لأنَه يأخذ ممّا لي ويخبركم. جميع ما للآب هو لي، من أجل هذا قلت لكم: إنه يأخذ ممّا لي ويخبركم" (16: 7- 15). من هذه النصوص يمكننا استخلاص التعاليم التالية في الثالوث الأقدس: 1) الروح القدس متميّز عن الآب والابن. فهو ليس شكلاً من أشكال، ولا حالة من حالات الآب أو الابن. فالابن يسأل الآب أن يرسل الروح: "وأنا أسأل الآب فيعطيكم محاميًا آخر" (14: 16)، "الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي" (14: 26). والروح يرسله الابن من لدن الآب، وهو في آن معًا ينبثق من الآب: "متى جاء المحامي الذي أرسله إليكم من لدن الآب، فهو يشهد لي" (15: 26). فالمقصود اذن ثلاثة أقانيم متميزة. 2) أما عن علاقة الأقانيم بعضها ببعض، فنرى أولاً أ، علاقة الروح بالابن هي على مثال علاقة الابن بالآب. فكما أنّ الابن يشهد للآب: "انّا ننطق بمَا نعلم، نشهد بما رأينا" (3: 11)، "أنا أتكلّم بمَا رأيت عند أبي" (8: 38)، كذلك الروح يشهد للابن (15: 26). وكما أن الابن يمجد الآب: "أنا مجّدتك على الأرض" (17: 4)، كذلك الروح سيمجد الابن: "انّه سيمجدني.." (16: 14). وكما أن الابن لايقول شيئاً من نفسه، بل يقول ما حدّده له الآب الذي أرسله" (12: 49؛ 7: 16)، كذلك الروح "لن يتكلّم من عند نفسه بل يتكلّم بمَا يكون قد سمع.. انه يأخذ ممّا لي ويخبركم" (16: 13- 14). وأخيراً كما أن الابن قد أرسله الآب، هكذا الروح قد أرسله الابن (15: 26، 16: 7). 3) إن علاقة الروح بالابن لا تنفي أوّليّة علاقته بالآب. فالابن يرسل الروح، ولكن "من لدن الآب" (15: 26). ثم إن الابن يسأل الآب، والآب يرسل الروح. والروح سيمجّد الابن: فيسوع يقول: "يأخذ ممّا لي ويخبركم"، ولكنّه يضيف: "جميع ما للآب هو لي، من أجل هذا قلت لكم: انه يأخذ ممّا لي ويخبركم" (16: 14- 15). فالابن هو ابن الآب، وقد أعطاه الآب كل شيء. وكذلك الروح "ينبثق من الآب" (15: 16). فالآب هو مصدر ولادة الابن، ومصدر انبثاق الروح. |
![]() |
|