رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اختيار البابا البطريرك كنيستنا لا تقوم على الحُكم الفردي المُطلق، فعلى مستوى الكنيسة الشعب يزكّي كاهنه، وعلى مستوى الإيبارشية يزكي أسقفه، وعلى المستوى العام ينتخب البابا البطريرك؛ لأن للشعب حق التزكية وللأساقفة وضع اليد (انتخبوهم أنتم؛ فنقيمهم نحن) وعلى هذا النحو يشترك الشعب في اختيار راعيه...ومشيئة الله أن يتم الاختيار في حضرة الشعب وتحت بصر الجميع؛ فلا تتم الرسامة إلا لمن تتجه العيون إليه بالثقة؛ ويحظىَ بموافقة وقبول الرعية، ويتم غالبًا اختيار الشعب للآباء الأتقياء العارفين لعلوم الكنيسة؛ الزاهدين غير الطامعين في الكراسي والمناصب، أولئك الآباء الذي يعون جسامة دعوتهم ومقتضياتها... إنه اختيار إلهي / بشري؛ كثيرًا ما تتم فيه الموافقات الشعبية مؤيَدة بالاتفاق السماوي. لذا تُحسب نعمة عظمى للكنيسة؛ وبها أقام الله رعاة موقرين حسب مسرته الطوباوية. والله العارف قلب كل أحد هو الذي يعيِّن؛ لأن جميع الأمور هو سبق فرتبها وعيّنها ويدبرها للأفضل. إن التاريخ خير معلم لمن شاء أن يفتح ذهنه وقلبه، والعاقل من يتعظ بغيره؛ حتى لا يُدخل الكنيسة في مجادلات ودمدمات وتحزبات؛ تأتي معها العثرات. لذلك الحرص على الوقار المسيحي والاعتراف الصريح بحق الشعب والالتزام بالتقليد والقوانين المستقيمة يعفينا من الانغماس في المباحثات الخلافية؛ ويحُثنا على أن نرفع عيوننا نحو راعينا العظيم وأسقف نفوسنا صاحب البيت؛ ليدبر حياتنا كما يليق؛ وليتعهد هذه الكرمة التي غرستها يمينه؛ يُصلحها ويثبّتها. من المؤسف أن البعض يعتبر أنها معركة انتخابية ودعايات وإعلانات ومطاعن... بينما هي امتداد للعمل الرسولي على طريق الآباء، وهي عمل دؤوب بروح الأمانة لمعرفة مشيئة الله من نحو المختار لهذه الدرجة المقدسة؛ لرئاسة خدمة كنيسة الله الحي من أجل خلاص النفوس وحراسة العقيدة، فالبطريرك الصالح نعمة عظمى وبركة للكنيسة... سيرته الحسنة تبكّت الجميع وتتقدمهم؛ على اعتبار أنه وكيل لله وخادم للأقداس وراعٍ لخدام الله؛ صاحيًا عاقلاً محتشمًا؛ صالحًا للتعليم حليمًا غير مخاصم ولا طامع بالربح القبيح والمال؛ غير معجب بنفسه ولا غضوبًا؛ ورعًا يعظ بالتعليم الصحيح؛ موبخًا للمنافقين؛ حي القلب في التعليم؛ مُشبعًا لشعبه؛ غنيًا بالعلم والمعرفة الروحية... لذلك تتثبت وتتأكد السلطة الكنسية والشعب من صلاحيته وكفاءته؛ لأن الدسقولية وقوانين مجمع نيقية تمنع وضع اليد على أحد إلا بعد اختبار طويل؛ أي لا يتم وضع اليد على أحد بالعجلة؛ أو على الذي لم يُظهر كفاءة بعد، فبدون التمحيص واختيار الشعب؛ لا يكون مستحقًا للرئاسة. إن صراحة الإيمان تستلزم الابتعاد عن التعتيم والتكميم والإلهاء والقمع؛ ما دُمنا لا نبتغي إلا سلامة الكنيسة في وقار وعدل... إن صراحة الإيمان تحتاج إلى محبة الصلاح والشجاعة؛ بل والرجولة الروحية (كونوا رجالاً)؛ فالرجولة لا تعني الذكورة؛ لكنها تعني التعقل والغيرة والمصارحة... بحيث أننا نحلم أن يترشح للبطريركية مَن يزكيه الناس لعطر سيرته وحُسن عبادته وتقواه؛ لا أن يتكالب أحد ليزكّي نفسه بذاته... نحلم بمن يترشح محمولاً من الناس إلى المقدمة؛ لا بمن يحفظ المتكأ الأول لنفسه؛ معتبرًا أنه الأقدر والأليق. نحلم بمن يشير عليه الروح ويدفع به عبر الشهود الأتقياء والمختبرين؛ لا مَن تتقدمه الأهواء والمطامع ليقول ها أنذا؛ نحلم برجاء في من تسعى إليه الكرامة؛ لأنه يهرب منها؛ بينما هو جدير بها؛ لا عبر وساطات ولا بأيادي أية سلطة زمنية؛ لكن بيد القدير الحكيم العارف القلوب والخفايا. عندئذٍ ننعم بالهدوء والسلام الذي من السموات؛ فيعُمّ البيعة المقدسة؛ لأن الرب تكلم والروح أشار: هوذا عبدي وخادمي المختار الذي اخترته ليحمل نِير شعبي المطحون في الضيقة المتلاحقة... ربما لا يكون هناك فرصة مُتاحة لكي تشارك ملايين الأقباط في الانتخاب البطريركي؛ لكن الفرصة واسعة ومتاحة لجميعنا كي نختار ونصوِّت مع غير المرئيين محسوبين مع الطغمات الحارسة للكنيسة؛ بصومنا وصلواتنا وقرابيننا وسجداتنا ودعائنا؛ الليل والنهار؛ حتى يُنصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلاً... لا من أجل اسم بعينه ولا من أجل أي أسماء؛ بل من أجل مشئية الله العاملة في وسط كنيسته... فيا جيل مدارس الأحد؛ ويا خدام الله في كل مكان؛ كونوا جيشًا من المصلين؛ وكتائب من الصوّامين والراكعين؛ وألوية من الحافظين مرضاة الله بلا مجادلة ولا دمدمة؛ كي يرسل المسيح إلهنا بطريركًا صالحًا ليكون خليفة للآباء؛ أثناسيوس حامي الإيمان وكيرلس عمود الدين وكيرلس أبو الإصلاح وكيرلس السادس رجل الصلاة وأنبا شنودة رجل التعليم؛ بل نطمع في غنى أبينا السماوي الذي لا يُستقصىَ؛ بأن يُنعم علينا ببطريرك يجمع هؤلاء في شخص واحد... وهو لا يعثر عليه شيء وعنده تكثر النعمة وتُفاض؛ وهو الذي يحل تعاظم المستكبرين؛ ويُبطل حسد وسعايات ونميمة الساعين؛ ويبدد كل مشورة ذاتية ويجعل فضتها معها للهلاك. إننا أمام مصلحة الكنيسة العليا التي هي فوق كل اعتبار شخصي؛ ونثق أن الله الذي ينظر إلى القلب؛ سينعم علينا براعٍ صالح حسب قلبه ومن قلبه؛ ليرعى شعبه ببرّ وطهارة؛ ويفصل كلمة الحق بالاستقامة... وكم هو بحق مسكين من سيصير بطريركًا في هذا الزمان؛ فكم من وخزات شوك تنتظر جبينه؛ وكم من ثقل صلبان ليحملها؛ وكم جلدات ولطمات وبصقات وصفعات سينالها؛ لكن يد الله التي تحمل الكل ستختاره؛ وهي التي ستحمله وتحمل شعبه؛ وتضمن له ضمانة السعي والجهاد الحسن؛ حتى يقدم حسابًا عن دماء رعيته؛ مثلما قدمها أسلافه الأماجد؛ خلفاء مارمرقس الكاروز مؤسس هذا الكرسي الرسولي العريق. |
|