![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() الفصل الرابع والعشرون العذراء مريم في دار قيافا كانت العذراء المباركة متّحدة دوماً بابنها الإلهي باتصالات رّوحية دّاخلية؛ لهذا كانت مُدركة بالكامل لكل ما يحدث له, لقد عانت معه، وانضمت إلي صلاته المستمرة من أجل قاتليه. لكن مشاعرها الأمومية حثّتها أن تتضرّع إلى الرب القدير بكل تأجج ألا يجعل الجريمة تكتمل، وأن ينقذ ابنها من هذا العذاب المخيف. لقد رغبت بلهّفة أن ترجع إليه؛ وعندما جاء يوحنا إلى دار لعازر ليعتني بها بعدما ترك المحكمة في اللحظة التى ارتفع فيها الصياح المخيف : " أنه مذنب ومستحق الموت " وروى تفاصيل المشهد المخيف الذى شهده، ترجته العذراء والمجدلية وبعض من النّساء القدّيسات الأخريات أن يأخذهن إلى حيث يعاني يسوع. يوحنا، الذي كان قد ترك مُخلصنا تواً من أجل أن يواسي تلك التى يحبها أكثر من أى أحد بعد مُعلمه الإلهى، استجاب فى الحال لطلبهم وقادهم خلال الشّوارع التي كانت مضاءة بالقمر فقط، ومزدحمة بأناس يتعجلون للرجوع لبيوتهم. النّساء القدّيسات قد تحجبن بإحكام؛ لكن البكاء الذي لم يستطعن منعه جعل عديد ممن يعبرن عليهن يلاحظهن، وتعَذَّبت مشاعرهن بالألقاب البذيئة التى سمعنها مُصادفة والتى مُنحت ليسوع من قبل أولئك الذين كانوا يتحدّثون عن موضوع اعتقاله. العذراء المباركة، التي نظرت دوما بالروح المعاملة المخزية التي ينالها ابنها العزيز، استمرت تضع فى قلبها كل هذه الأشياء؛ وقد عانت مثله في صّمت؛ لكن أكثر من مرة كانت تغيب عن الوعي تماما. رآها بعض تلاميذ يسوع الذين كانوا عائدين من قاعة قيافا، وتوقفوا لينظروها بشفقة وحيوها بهذه الكلمات : " السلام لك! السلام للأم الحزينة، السلام لأم أقدس من فى إسرائيل، لأكثر الأمهات ابتلاء ! " فرفعت مريم رأسها وشكرتهم بامتنان، وواصلت رحلتها الحزينة. عندما اقتربوا من دار قيافا, ازدادت أحزانهم برؤية بعض الرّجال مُنشغلين فى إعداد الصليب لصلب يسوع. أصدر أعداء يسوع أوامر أن يُعدّ الصّليب بعد اعتقاله مباشرة، حتى ينفذوا العقوبة التي يأملوا أن يقنعوا بيلاطس أن يُجيزها عليه دون تأخير. كان الرومان قد اعدواّ صليبي اللّصين مسبقا، وكان العمّال الذي يُعدون صليب يسوع مُتذمرين كثيراُ لكونهم مُضطرين أن يعملوا خلال اللّيل؛ إنهم لم يحاولوا أن يخفوا تذمرهم من هذا، ونطقوا بأقسام ولّعنات مُخيفة طعنت قلب أم يسوع الحنونة مراراً وتكراراً؛ لكنها صلّت من أجل هذه المخلوقات العمياء التي تجدف بجهل على المُخلص الذي كان على وشك أن يموت من أجل خلاصهم ويعدون الصّليب ليُنفذ عليه هذا الحُكم القاسي بالإعدام. اجتازت مريم ويوحنا والنساء القدّيسات القاعة الخارجية الملحقة بدار قيافا. وقفوا عند الباب الذي يُفتح على القاعة الدّاخلية. قلب مريم كان مع ابنها الإلهى ورغبت بتوهج أن ترى هذا الباب مفتوحاً، كى تتمكن أن تراه لأنها عرفت أن هذا الباب هو الشيء الوحيد الذى يفصلها عن السّجن حيث قد سُجن. فُتح الباب وأسرع بطرس خارجاً، وجهه كان مغطّى بعباءته وكان يعتصر يديه ويبكى بمرارة. على ضوء المشاعل تعرف فى الحال على يوحنا والعذراء المباركة، لكن رؤيتهم جدّدت مشاعر النّدم التي أيقظتها نظرة يسوع في صدره. اقتربت منه العذراء على الفور وقالت : " سمعان، اخبرني، أتوسّل إليك، ما هو حال يسوع، أبني!" طعنت هذه الكلمات قلبه؛ لم يتمكّن حتى أن ينظر إليها، بل استدار، واعتصر يديه ثانية. اقتربت مريم منه وقالت في صوت يرتجف بالانفعال : " يا سمعان بن يونا، لماذا لا تجيبني؟ " صرخ بطرس بنغمة حزينة " أماه، لا تتكلّمي إلى, لأن ابنك يعاني أكثر مما تستطيع أن تعبر عنه الكلمات, لا تتكلّمي إلى! لأنهم قد أدانوه إلى الموت، وأنا أنكرته ثلاث مرات " جاء يوحنا ليسأل بضعة أسئلة، لكن بطرس ركض خارج القاعة ولم يتوقف للحظة واحدة حتى وصل مغارة في جبل الزيتون, تلك المغارة التى انطبعت على صخورها يدا مُخلّصنا على نحو عجيب. أعتقد إنها ذات المغارة التى أتخذها آدم مأوى ليبكي فيها بعد سقوطه. كانت العذراء المباركة حزينة بما يفوق الوَصْف بسماع ما أوقع الألم على قلب ابنها الإلهي الحبيب، الألم بأن يجد نفسه مُنكراً من قبل ذلك التّلميذ الذي كان أول من اعترف به كابن الإله الحيّ؛ لقد كانت عاجزة عن أن تسند نفسها، ووقعت على حجارة الباب، التي أنطبعت قدميها ويديها عليها حتى الوقت الحاضر. لقد رأيت الحجارة تُحفظ بمكان ما لكنى لا أستطيع أن أتذكر أين فى هذه اللّحظة. لم يُغلق الباب ثانية، لأن الحشد كان يتفرق، وعندما أفاقت العذراء المباركة، توسلت إليهم أن يأخذوها إلى أقرب موضع ممكن لابنها الإلهى. قادها يوحنا حينئذ هى والنّساء القدّيسات إلى مقدمة السّجن حيث قد أُحتجز يسوع. مريم كانت مع يسوع بالرّوح، ويسوع كان معها؛ لكن هذه الأم المحبّة رغبت أن تسمع بأذنيها صوت ابنها الإلهى. لقد أصغت وسمعت ليس فقط تأوهاته، بل أيضا اللّغة السّيئة لأولئك الذين حوله. كان من المستحيل على النّساء القدّيسات أن يبقين في القاعة أكثر من ذلك دون جذب الانتباه. حزن المجدلية كان عنيفاً جدا حتى أنها كانت عاجزة عن أن تخفيه؛ وعلى الرغم من أن العذراء المباركة، بنعمة خاصّة من الرب القدير، احتفظت بهدوئها ووقارها وسط آلامها، إلا أنها عرفت وسمعت كلمات قاسية مثل هذا : " أليست هذه أم الجليلى؟ سيُعدم ابنها بكل تأكيد، لكن ليس قبل الاحتفال، ما لم يكن قبله، حقا، إنه لمن أعظم المجرمين." تركت العذراء المباركة القاعة وصعدت إلى المستوقد في الدّهليز، حيث كان لا يزال بعض الأشخاص واقفين. عندما وصلت للبقعة التى أعلن يسوع فيها أنّه ابن الرب، وصرخ حينئذ اليهود الأشرار : " أنه مذنب ويستحق الموت " غابت عن الوعي ثانية، وحملها يوحنا والنّساء القديّسات بعيداً، بمظّهر يشبه مظهر جثة أكثر من كونها شخص حيّ. لم يتفوه المحيطين بهم بكلمة؛ بدوا مندهشين وصمتوا . عبرت النّساء القدّيسات المكان ثانية حيث كان يعدّ الصّليب؛ بدا أن العمّال يجدون صعوبة في إكماله بنفس قدر الصعوبة التى واجهها القضاة في إصدار العقوبة وكانوا مُجبرين أن يجلبوا خشباً جديداً فى كل لحظة، لأن بعض القطع لم تكن ملائمة، والأخرى تنشطر؛ استمر هذا حتى وضعت أنواع مختلفة للخشب في الصّليب طبقا لنوايا التّدبير الإلهى. رأيت الملائكة التي ألزمت هؤلاء الرّجال بإكمال عملهم، ولم يتركوهم يستريحون، حتى تم كل شئ بأسلوب صحيح؛ لكن تذكري لهذه الرّؤيا غَيْر متميِّز |
![]() |
|