رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تأملات في سفر نشيد الأناشيد4 أنا سوداء وجميلة ب السبت 03 نوفمبر 2012 بقلم قداسة البابا شنودة الثالث الروحيون يقرأون هذا السفر,فيزدادون محبة لله..أما الجسدانيون فيحتاجون في قراءته إلي مرشد يفسر لهم,لئلا يسيئوا فهمه ويخرجوا عن معناه السامي إلي معان عالمية الروحيون يقرأون هذا السفر,فيزدادون محبة لله..أما الجسدانيون فيحتاجون في قراءته إلي مرشد يفسر لهم,لئلا يسيئوا فهمه ويخرجوا عن معناه السامي إلي معان عالمية يمكن أن تستخدم عبارةأنا سوداء وجميلة للدلالة علي الإنسان الذي هو في حالة ضعيفة أو محتقرة أمام البشر. مثل الآباء الرسل الذين كانوا صيادين من جهال العالم,حيث قيل عن بطرس ويوحنا إنهماإنسانان عديما العلم وعاميانأع4:12وكما كانت القديسة العذراء في نظر الناس إنسانة فقيرة خطيبة رجل نجار,ومع ذلك جعلها الله أسمي من الشاروبيم وأعلي من السارافيم وقبل رؤساء الملائكة! ويمكن لعبارة أنا سوداء وجميلةأن تكون وصفا لغير الإنسان:كقرية بيت لحم التي كانت تعتبر أنها الصغري بين رؤساء يهوذاولكنها صارت من أعظم المدن إذ خرج منها مدبر يرعي شعب إسرائيلمت2:6هو المسيح الرب,وكذلك يمكن أن يوصف بنفس العبارة مذود البقرالذي ولد فيه رب المجد,أماكن سوداء ولكنها جميلة مثل مدينة الناصرة التي قيل عنها في تعجبأمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟!يو1:46ومع ذلك كل تلك الأماكن مواضع مقدسة:سوداء كما كانت في نظر ذلك الزمان ولكنها صارت جميلة. مذود البقر الذي تعافه النفس أتي إليه أباطرة وملوك لكي يتباركوا منه ويسجدوا فيه وكل حبة تراب من أرضه تغني قائلة:أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم. عبارة سوداء وجميلة تستخدم أيضا في مجال الفضائل والمثاليات. فكثير من الفضائل تبدو للإنسان سوداء بينما هي جميلة ومن أمثلة ذلك الباب الضيق والطريق الكربمت7:14وهكذا الصليب الذي ينبغي أن يحمله كل من يسير وراء الربمت10:38. وقد تبدو سوداء الأمور التي يتعب فيها الإنسان نفسه أو تضغط علي إرادته :مثل تقديم الخد الآخر لمن يلطمه اللطمة الأوليمت5:39وكأن يبارك لاعنيه ويحسن إلي مبغضيهمت5:44ويقبل الظلم في صمت كشاة تساق إلي الذبح ولايفتح فاهأش53:7..كل هذه تبدو أمامه أمورا ضاغطة ولكنها تهمس في أذنيهأنا سوداء وجميلة... هكذا كل أنواع التعب التي يتحملها الإنسان من أجل الخير: ليس في الروحيات فقط وإنما حتي في جميع الواجبات كتلميذ يسهر الليل ولايخرج لاهيا مع أصحابه إنما يحبس نفسه في بيته ويذاكر لكي ينجح وأيضا رب الأسرة الذي يكدح ليلا ونهارا لأجل الحصول علي قوت أسرته أمثلة كلها تعب ولكنها جميلة. الجلجثة عموما تبدو في نظر الناس سوداء وكذلك الصليب. سوداء كان ذلك لأجل الفضيلة أو في محيط الخدمة انظروا ماذا يقول القديس بولس الرسول عن خدمته وخدمة معاونية:مكتئبين في كل شيء ولكن غير متضايقين متحيرين ولكن غير يائسين مضطهدين لكن غير متروكين مطروحين لكن غير هالكين..نسلم دائما للموت لأجل يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضا في جسدنا المائت2كو4:8-11. وما عبارات:مكتئبين,متحيرين ,مضطهدين,نسلم دائما للموت إلا عبارات تبدو سوداء وهي جميلة. كذلك يقول بنفس المعني عن الخدمة كمضلين ونحن صادقون كمجهولين ونحن معروفون كمائتين وها نحن نحيا..كحزاني ونحن دائما فرحون كفقراء ونحن نغني كثيرين..2كو6:8-10. ونحن ننظر إلي عبارات:مضلين ,مجهولين ومائتين وحزاني وفقراء..فتهمس في آذانناأنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم وعبارات بنات أورشليمإنما ترمز إلي أولاد الله السائرين في طريقه الذين ينتمون إلي أورشليم مدينة الملك العظيممت5:35. إن أورشليم ترمز كثيرا إلي الكنيسة المقدسة والأبرار سوف يسكنون في أورشليم السمائية النازلة من السماء كعروس مزينة لعريسها رؤ21:2 وبنات أورشليم هي النفوس المنتمية إليها التي تتحدث إليها عذراء النشيد أنا سوداءأنا الباب الضيق الذي يوصل إلي الملكوت أنا الوصايا الصعبة التي تبدو ضاغطة عليالأناعلي الذاتية علي الكرامة البشرية علي الإرادة التي يناديها الرسول بقولهلاتحبوا العالم والأشياء التي في العالم1يو2:15بينما هي لم تتخلص بعد من محبة العالم... إننا مدعوون جميعا لأن نمشي في طريق الجلجثة حاملين الصليب. ولايوجد طريق إلي القيامة سوي الجلجثة وإن لم نتألم مع المسيح فلن نتمجد معهرو8:17آلام الزمان الحاضر قد تبدو سوداء ولكنها جميلة لأنها تؤدي إلي المجد العتيد الذي سيستعلن فينارو8:18. وجميع صلبان الحياة الروحية تصيح قائلة:أنا سوداء وجميلة. هذه الصلبانالسوداءخاف من سوادها بطرس الرسول,فقال للرب حاشاك يارب أن يكون لك هذامت16:22,21وظن بطرس أن الجمال يكون علي جبل التجلي فقال للربيا سيدي جيد أن نكون ههنامر9:5..كلا أيها الرسول العظيم أن المسامير والجلدات والأشواك كلها سوداء ولكنها جميلة لأنها تعبر عن الحب وفيها البذل والفداء. أيضا فضيلة الزهد والموت عن العالم هي سوداء وجميلة. قد يبدو صعبا ومتعبا أن يحرم الإنسان نفسه من كل ملاذ العالم حتي الحلال منها ويحيا الوحدة والفقر وفي العوز والفقر متجردا من كل الرغبات والشهوات..ولكنها حياة جميلة. صدقوني إن الحياة الروحية كلها يمكن أن تندمج تحت هذه العبارة:سوداء وجميلةإنها تذكرنا بقول الرب: من وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلي يجدها مت10:39. من ذا الذي يقبل أن يضيع نفسه؟!في نظرة هذه العبارة سوداء ولكنها جميلة لأنها الطريق الوحيد الموصل إلي الله ولهذا ذكرها الله كبداية للسير وراءه فقالإن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني مت16:24...نعم لابد أن تختفي ذاته لكي يظهر الله في حياته..تموت ذاته لكي يحيا الله فيه.. إن الحياة مع الله تبدأ بالموت فنموت لكي نحيا. ندفن معه في المعمودية لكي نقوم في جدة الحياة يموت إنساننا العتيق لكي يولد إنسان جديد علي صورة اللهرو6:3-8 وهكذا يصرخ الطفل حينما نغطسه في الماء ولكننا نلبسه بعد ذلك ملابس بيضاء رمزا للحياة الطاهرة الجديدة التي يحياها ونهنيء أهله علي أن ابنهم قد مات مع المسيح ماتت طبيعته القديمة كل شيء صار جديدا. التجارب والضيقات هي أيضا-في المفهوم الروحي-سوداء وجميلة. انظروا إلي تجربة أيوب كمثال كانت تبدو سوداء للغاية إذ قد تم تجريده من كل شيء من الأولاد والمال وكل غناه ومن صحته ومن راحته حتي من أصحابه الذين عيروه ظلما حتي من كرامته أيضا إذ يقول أيوبأقاربي قد خذلوني والذين عرفوني نسوني نزلاء...بيتي وإمائي يحسبونني أجنبيا صرت في أعينهم غريبا...عبدي دعوت فلم يجب بفمي تضرعت إليه نكهتي مكروهة عند امرأتي....وخممت عند أبناء أحشائي كرهني كل رجالي والذين أحببتهم أنقلبوا عليأي19. وبقدر ما كانت تجربة أيوب سوداء إلا أنها كانت جميلة إذ قال فيها لله:بسمع الأذن سمعت عنك والآن رأتك عينيأي42:5. دخل في التجربة السوداء فخرج أبيض أكثر من الثلج خرج منها بخيرات مضاعفةأي32:12,10وبخبرات روحية عميقةأي40:44أي42:2-6كما كانت تجربة جميلة كقدوة للآخرين ومثال يع5:11,10. إننا نصلي إلي الله قائلينلاتدخلنا في تجربةمت6:13ولكن جمال التجارب التي نخافها يظهر في قول يعقوب الرسول:أحسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعةيع1:2 خذوا تجربة ثانية هي تجربة أبينا إبراهيم كم كانت شديدة وحساسة جدا إذ قال له الربخذ ابنك وحيدك الذي تحبه نفسك إسحق وأصعده لي محرقة علي أحد الجبال الذي أريك إياهتك22:2أمر صعب ويبدو فوق الاحتمال وأخبار تبدو سوداء حتي أن إبراهيم لم يستطع أن يقولها لزوجته سارة خوفا من أن تسقط ميتة عند سماعها..!ومع ذلك كانت هذه التجربة جميلة في أنها أثبتت إيمان إبراهيم وطاعته وجعلته مثلا في الطاعة كما كان من نتيجتها قول الرب لهمن أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك عني أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء,وكالرمل الذي علي شاطيء البحر..تك22:17,16. ومع أن تجربة إبراهيم في ذبح ابنه كانت تبدو سوداء إلا أنها كانت جميلة كمثال للفداء وللطاعة وللإيمان صورة رائعة.. وبالفهم البشري كل تجربة كل تبدو سوداء ومن الناحية الأخري لابد أن وراءها خيرا....أول معرفة إبرآم بالله كانت تبدو تجربة حيث قال له اذهب من أرضك ومن عشيرتك وبيت أبيك إلي الأرض التي أريكتك12:1. حرمان من الأهل ومن الأقارب والوطن:ومع ذلك كانت تلك التجربة جميلة,إذ قال له الرب فيها'فأجعلك أمه عظيمة,وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة..وتتبارك; فيك جميع قبائل الأرضتك12:3,2 إن سواد التجربة يكمن في الفهم البشري الخاطيء لها أما جمالها فهو في القصد الإلهي منها والفهم الروحي لها. الطاعة أيضا قد تبدو سوداء أحيانا عندما تضغط علي الإرادة: صعب أن يتخلي الإنسان عن مشيئته ورغبته وربما عن فكره الخاص وينفذ مشيئة غيره..كالطفل الذي يحرمه أبوه من ألعابه وأصحابه ليجلس إلي دروسه..ولكن الطاعة جميلة لأن فيها الخير وبها تتدرب نفوسنا وتكبر وما أخطر أن يسلك الإنسان حسب هواه كما يفعل الابن الضال!وكما يفعل الوجوديون الملحدون يطيعون هواهم ليتمتعوا بوجودهم!! أيضا من الأشياء التي تبدو سوداء وجميلة:التوبيخ والتأديبات: صعب علي الإنسان المهتم بكرامته أن يسمع كلمة توبيخ أو كلمة انتهار أو أن توقع عليه عقوبة..!بينما نري النفس التي تسعي إلي خلاصها ترحب بكلمة التوبيخ وتفرح بها لأنها تكشف لها أخطاءها لكي تعالجها فتخلص... إن التأديبات جميلة لأن الذي يحبه الرب يؤدبهعب12:6. ولكنها سوداء في نظر الذين لايحتملونها إذ تخدش الذاتالتي يحرصون عليها وتحرم من المديح الذي يحبونه! عندما قال الرب لبطرس اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لاتهتم بما لله لكن بما للناسمت16:23...لم يغضب بطرس بل سمع عبارة التوبيخ في محبة لخلاص نفسه. إن الله يعلمنا الحياة:بكلمات الحب حينا وبكلمات التوبيخ حينا آخر. بالبشارة المفرحة حينا وبالصليب حينا آخر..بالخيرات التي تنسكب من السماء حتي نقول كفانا كفانا وأيضا بالتجارب والضيقات... أيضا فضيلة التعب من أجل الرب هي كذلك سوداء وجميلة.... سواء بالتعب في السهر والصوم والنسك والمطانيات وضبط النفس... ما أسهل أن يستريح الإنسان ويسترخي تحت فراشه الدفيء..ولكن الجميل هو أن يقوم ويصلي صلاة نصف الليل فيجد التعزيات الجميلة كذلك الذين يمارسون المطانيات لايشعرون فيها بتعب إنما بلذة روحية والصوم أيضا ليس حرمانا للجسد بل هو نشوة الروح كما أنه مفيد للجسد من نواح متعددة... نفس الكلام نقوله عن العشور والبكور والعطاء عن احتياج. ما أصعب ممارسة البعض لهذه الوصية مع شعورهم باحتياجهم لكل قرش يدفعونه!ولكن ما أجملها في البركة وفي البذل وفي المحبة التي نظهرها نحو الفقراء وفي إطاعة الوصية.... إن الفضيلة قد تكون صعبة وسوداء بالنسبة إلي المبتدئين الذين يشتهي فيهم الجسد ضد الروح,أما عند القديسين فهي جميلة ومحبوبة. إن الكاملين الذين ذاقوا حلاوة الحياة الروحية ولذة العشرة مع الله لايرون الفضيلة سوداء مهما بدت صعبة!بل هي في نظرهم جميلة يشتهونها بكل قلوبهم وهكذا يقول القديس يوحنا الحبيبووصاياه ليست ثقيلة1يو 4:3ويتغني داود كثيرا بوصية الرب فيقول إنهامضيئة تنير العينينمز19وإنها أحلي من العسل في فمه وأغلي من الجوهرمز119. إن النفس التي تعبت من أجل الرب,وعاشت في العالم كسوداء لاصورة لها ولاجمالأش53:2في مذلة الاتضاع والاحتمال لا متعة لها بالعالم وكل مافيه ولاغني فيه ولاجاهخسرت كل الأشياء وهي تحسبها نفاية لكي تربح المسيحفي3:8وأضاعت نفسها لكي تجدها. هذه النفس عندما تصعد إلي فوق ستقول لنفوس الأبرار في الفردوسأنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم. |
|