سيامة الأنبا غبريال و الأنبا يؤانس في القرن الثالث عشر:
انقسم الأراخنة والأساقفة على اختيار مرشح للبطريركية بعد نياحة أنبا أثناسيوس الثالث، ورغم الاحتكام إلى القرعة الهيكلية التي أفرزت غبريال، إلا أن أتباع الفريق الآخر رغم قبولهم مبدأ القرعة الهيكلية تشايعوا متشددين لمرشحهم يوأنس الملقب "السكري". ولأن أنصار يوأنس كانوا أقوى نفوذًا فقد رسموا مرشحهم بطريركًا باسمه وأعطوه لقب "السابع". استمر البابا يوأنس يحكم الكنيسة نحو ست سنوات وتسعة شهور كانت كلها منافسة ومعاكسة وخصام وفي خلالها تقوى حزب غبريال واتفق الأساقفة على عزل البطريرك يوأنس، وسجنوه بأحد الأديرة وولوا غبريال بطريركًا مكانه باسم غبريال الثالث. لم تستمر حبرية أنبا غبريال سوى سنتين وانتقل قبل أنبا يوأنس فاتحدت كلمة الجميع على إعادة البابا يوأنس إلى منصب البطريركية فأخرجوه من معتقله وأرجعوه إلى مقره، فقوبل فيه بإكرام زائد. وكان أنبا يوأنس أثناء حبرية البابا غبريال الثالث في الدير شاغلًا نفسه بالصوم والصلاة وترجمة الكتب. يلاحظ أنه لم يقم بطريركان على كرسى الإسكندرية في وقتٍ واحدٍ إلا هذه المرة، بينما جاء في تاريخ أساقفة كرسى روما أنه جلس أسقفان على الكرسى في وقت واحد 28 مرة، وثلاثة أساقفة ست مرات، وأربعة أساقفة أربع مرات. سيامة مطران لإثيوبيا:
انشغل هذا البابا بأحداث أثيوبيا ورسم لهم مطرانًا، وامتاز عصره بترجمة الكتابات القبطية والعربية إلى اللغة الأمهرية بالإضافة إلى تشييد الكنائس في أثيوبيا. واصطدم الأنبا يوأنس مع البطريرك الأنطاكي الذي رسم مطرانًا على أثيوبيا ولكن ثورة الأثيوبيين على المطران الأنطاكي ورفضهم إيّاه أصلحت الأحوال. العصر المملوكي:
مملوك، عثماني، لوحة لـ كارل فيرنيه عام 1810
ذاقت مصر وطنًا وشعبًا الأمرين في غضون تلك الفترة من القرن الثالث عشر، إذ شهدت مرحلة الانتقال من الحكم الأيوبي إلى الحكم المملوكي، وإن كانت مصر في العصر الأيوبي نهضت وانتعشت كنسيًا وسياسيًا، فقد جمدت الأحوال في عصر المماليك لانشغالهم وانشغال الشعب معهم في الفتن والمؤامرات. وإن كان الأقباط في العصر الأيوبي قد وجدوا راحتهم وبنوا الكنائس ورمموا ما تهدم وزينوها، وبرعوا في فن الأيقونات متأثرين بالنهضة الأوربية، فإن العصر المملوكي شاهد تحطيم المقدسات واستباحة الحرمات، ورغم هذا ظل الفن القبطي زاهرًا في كل مكان، وظل الأقباط يحتكرون صناعة الطب والأدوية والنسيج والعطور وتزيين الأواني والزجاج والذهب. نياحته:
بلغت خدمة البابا يوأنس ما يقرب من الثلاثين عامًا ثم تنيّح سنة 1293 م.، وقيل عنه: "كان رجلًا جليل القدر واسع العلم والمعرفة، فلما استقر به الأمر دبّر الأمور حسنًا وجمَّع القلوب، فعظمت شهرته وسُمعت كلمته وطالت أيّامه". رسالة إلى إمبراطور أثيوبيا:
حدث في أيّامه أن تاجرًا مصريًا أرسل مبلغًا من المال لشريك له في أثيوبيا، وحدث أن مات الرجل قبل وصول المال إليه، فرفع التاجر المصري أمره لوالي مصر، وهذا حوّله على البابا يوحنا، فوعده بالمساعدة. بعث رسالة إلى إمبراطور أثيوبيا مع التاجر، وحالما وصل به وعلم الناس أن البابا أرسل إليهم خطابًا أسرعوا لمقابلة حامله بكل إجلال وإكرام. وفى يوم الأحد تلا الإمبراطور بخشوع تام خطاب البطريرك على مسمع الجميع في الكنيسة الكبرى وعاد التاجر إلى مصر يحمل ماله وهدايا ثمينة.