لما كانت خدمة يوحنا المعمدان فى البرية وليست فى هيكل سليمان ؟؟؟
كان القدّيس يوحنا يكرز "في برّيّة اليهوديّة"، ولم تكن برّيّة قاحلة، إنّما كانت تضم ست مدن مع ضياعها
(يش 15: 61-62)،
لكنها منطقة غير مزدحمة ولا مُحاطة بالحقول والكروم كبقيّة البلاد.
لم يخدم القدّيس يوحنا ككاهنٍ في هيكل سليمان، لكنّه خرج إلى البرّيّة ليفضح ما وصلت إليه الطبيعة البشريّة، التي تخلّت عن عملها المقدّس كهيكل لله فصارت مملوءة جفافًا؛
صارت برّيّة قاحلة وقفرًا محتاجة إلى المسيّا الملك أن ينزل إليها ليرويها بمياه روحه القدّوس،
فيجعلها فردوسًا تحمل ثمار الروح.
يقول إشعياء النبي على لسان الطبيعة البشريّة المتعطّشة لعمل المسيّا الملك:
"يسكب علينا روح من العلاء، فتصير البرّيّة بستانًا"
(إش32: 15)،
"تفرح البرّيّة والأرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس، يزهر إزهارًا، ويبتهج ابتهاجًا ويُرَنِّم"
(إش 35: 1-2).
هكذا يقدّم القدّيس يوحنا البشريّة كقفرٍ للملك، فيحوّلها فردوسًا أبديًا، بل ويجعلها هيكله المقدّس.
لقد حُرم يوحنا المعمدان من خدمة الهيكل الكهنوتية ليهيّئ الطريق لرئيس الكهنة الأعظم ربّنا يسوع، الذي يجعل من برّيتنا هيكلاً جديدًا سماويًا.
لعلّ داود النبي قد رأى بروح النبوّة هذا المنظر، فتهلّلت نفسه فيه، إذ قدّم لنا في ذات البرّيّة مزموره الثالث والستين،
فيه يقول:
"عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء... التصقت نفسي بك. يمينك تعضدني"
(مز 63: 1، 8).
لقد رأى داود النبي جموع التائبين على يديّ يوحنا المعمدان في هذه البرّيّة،
وقد التهبت قلوبهم بالعطش، وعطش جسده لمياه نعمته...
فجاء السيّد لتلتصق هذه النفوس به، وتستند بقوّته بكونها يمين الرب.
ويرى القدّيس أمبروسيوس أن البرّيّة التي كرز فيها القدّيس يوحنا المعمدان هي الكنيسة التي قال عنها النبي إشعياء
"لأن بنيّ المستوحشة أكثر من بنيّ ذات البعل" (إش 54: 1)
فقد جاء كلمة الله حتى تثمر من كانت قبلاً مستوحشة وبرّيّة.