منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 26 - 08 - 2012, 03:14 PM
الصورة الرمزية john w
 
john w Male
| غالى على قلب الفرح المسيحى |

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  john w غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 38
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 45
الـــــدولـــــــــــة : فى قلب يسوع
المشاركـــــــات : 1,280

وحى الكتاب المقدس . 1 _ إعلان الله العجيب

إعلان الله العجيب




الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه

(عبرانيين 1:1)




الله المتكلم

في أول أصحاح من الكتاب المقدس ترد عبارة هامة مليئـة بالدلالات تتكرر فيه إحدى عشرة مرة ، هى عبارة « قال الله ». فالله الذي نعرفه هو الله المتكلم. أما الأصنام فلها أفواه لكنها لا تتكلم، ولها آذان ولا تسمع (مز115: 5،6)، وعليه فلا يمكن للبشر أن يكونوا في شركة مع تلك الآلهة الوهمية. على عهد إيليا صرخ أنبياء البعل لساعات طويلة « يا بعل أجبنا، فلم يكن صوت ولا مجيب » (1مل 18: 26-28). أما الله الحي الحقيقي فليس كذلك، وأن يصمت الله فهذا في ذاته قضاء رهيب (1صم28).

والآية التي صدرنا بها هذا الفصل والتي تحدثنا عن الله المتكلم تعتبر تلخيصاً للكتاب المقدس كله. فالعهد القديم تلخصه العبارة « الله ... كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة »، والعهد الجديد تلخصه العبارة « كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه »!

يظن البعض أن الله في العصور المتأخرة فقط فكر أن يعطى للنـاس كتاباً، وأنه قبل ذلك لم يكن لدى البشر إعلان من عند الله. ترى أيمكن أن يكون ذلك كذلك؟ هل الكتاب الذي يعلن لنا الله يعتبر ترفاً للبشرية يمكن الاستغناء عنه، أم أنه ضرورة حتمية لا غنى عنها كالماء والهواء؟! قال المسيح في رده على الشيطان أثناء التجربة فى البرية، ما اقتبسه من سفر التثنية « ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله » (مت4:4، تث8: 3).

نعم، إن الإنسان المخلوق من الله لا يحتاج إلى الخبز فحسب، بل إلى كلام الله أيضاً. وما كان يمكن مطلقاً أن يترك الله البشرية تتخبط في دياجير الظلام والجهل قروناً بدون إعلان منه، فبدون إعلان الله نمسي في ظلمة حالكـة. من كان بوسعه أن يجيب عن تساؤلات الإنسان العديدة والملحة؛ إنه يتساءل هل من إله يتحكم في هذا الكون؟ وإذا كان هناك إله فهل هو يدري بنا أو يهتـم بشئوننا، أم أنه مشغول بنفسه في عليائه؛ خلقنا وتركنا نسير كيفما نسير؟

عن هذا قال واحد من أصحاب أيوب « أَإلى عمق الله تتصل ؟ أم إلى نهاية القدير تنتهي؟ هو أعلى من السماوات، فماذا عساك أن تفعل؟ أعمق من الهاوية فماذا تدرى؟ أطول من الأرض طوله، وأعرض من البحر!» (أى 11: 7-9). وهذه العبارة تعنى ببسـاطة أن إدراك كنه الله ليس في حدود إمكانيات عقولنا البشرية. لذا نقرأ أيضاً في نفس السفـر « القدير لا ندركه »(أى37: 23). وقال إشعياء النبي « حقاً أنت إله محتجب يا إله إسرائيل المخلص » (إش 45: 15). وهو نفس ما أكده الرسول بولس في العهد الجديد عندما قال عن الله « المبارك العزيز الوحيد... ساكناً في نور لا يُدنى منه » (1تى6: 15،16).

أحد القديسين القدامى، هو القديس إيرينيوس قال: "علمنا الرب أن لا أحد يقدر أن يعرف الله إلا إذا كان الله بنفسه هو المعلم". أي أننا لا نقدر أن نعرف الله بدون الله. أليس أمراً حتمياً ومنطقياً أنه لكي نحصـل على معرفة صحيحة عن الله كان يجب أن يتنازل هو ويعلن لنا عن ذاته؟ كما قال المرنم «بنورك نرى نوراً» (مز 36 : 9). أو بكلمات أخرى؛ بالإعلان الإلهي يمكننا أن نفهم.

لكن ليس معرفة الله فقط هي التي يجهلها الإنسان، بل هناك أسئلة كثيرة عند الإنسان عن أشياء خارج دائرة المنظور ودائرة ما قد يستطيع الإنسان بالبحث أن يصل إليه، وتحتاج إلى إجابة مقنعة، ولا يوجد سوى الله الذي بوسعه أن يعطى إجابة عليها. مثل : من أنا؟ ولماذا أتيت؟ وإلى أين أسير؟ وما هو المصير؟ حتى سليمـان في كل حكمته - بغير إعلان إلهي - قال « من يعلَم روح بنى البشـر هل هى تصعـد إلى فـوق؟ وروح البهيمة هل هى تنزل إلى أسفل؛ إلى الأرض؟» (جا 3 : 21).

نعم يفكـر الإنسان في هذا السؤال الهام: هل هناك خلاص للإنسان؟ وما السبيل إليه؟

بل ويفكر أيضاً في الألم ويتساءل لماذا يتألم البشر؟ ويفكر في الموت ويتساءل ماذا بعد الموت؟

هذه الأسئلة عينة للعديد من الأسئلة الجادة الموجودة في قلب الإنسان؛ فأين يجد الإنسان الإجابة الشافية عليها؟ أيمكن أن الله يخلق الإنسان ويتركه حائراً لا يعرف لماذا جاء ولا إلى أين يمضى؟

الله تكلم بأنواع وطرق كثيرة

يخبرنا الكتاب المقدس أن الله عندما خلق الإنسان لم يقصد أن يتركه لحال سبيله، بل إذ كان يحب الإنسان، فقد قصد أن تكون له شركة معه. فمحبة الله للإنسان لم تكن وليدة الزمان، لكنها أزلية. نحن نعرف أن الله أزلي ولا يتغير، وعليه فهو لم يكن في البداية مشغولاً عنا ثم أخيراً فكر فينا، بل هو منذ البداية يحبنا. ومن سفر التكوين 2،3 نفهم أن الله بعد خلقه للإنسان كان يأتي إليه ويتمشى معه، يتكلم إليه ويسمعه، كان بينهما أخذ وعطاء، مودة وشـركة . لقد ميز الله الإنسان عن باقي الخلائق بأن جعله عاقلاً ناطقاً؛ عاقلاً يستقبل كلامه ويفهمه، ناطقاً يتكلم مع الله، وهذا ما يميز الإنسان عن الحيوان

هذا ما كانه الإنسان فى البداية يوم خلقه الله. ثم دخلت الخطية (تك3) التي أفسدت كل شئ، فتمت كلمات إشعياء النبي « آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم » (إش59: 2). وبعد السقوط، عندما جاء الرب كالعادة للإنسان، اختبأ آدم وامرأته خلف أشجار الجنة، لأن الخطية قطعت العلاقـة بين الإنسان والله. لكن الله لم يترك الإنسان، بل أتى إليه مقدِماً الإعلان العظيم عن نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية. وهذا معناه أن الله لم يترك الإنسان بعد السقوط يتوه في الظـلام، بل زوده بنور الإعـلان العظيم عن المسيح « نسل المرأة ». ثم في تكوين 4 نرى تعامل الله مع الإنسان المطرود خارج الجنة وكيف « بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحـة أفضل من قايين » (عب11: 4). بل ولقد تكلم الله أيضا إلى قايين ليقوده إلى الطريق الصحيح المقبول عند الله. كل هذا يبرهن على أن الله اتصـل بالإنسان منذ البداية. ويختم نفس الأصحاح (تك4) بعبارة « حينئذ ابتُدِئ أن يُدعى باسـم الرب »؛ أي أنه كانت هناك شهادة لله على الأرض ابتداء من أنوش بن شيث الذي ولدته حواء عوضاً عن هابيل.

ثم يأتي الأصحاح الخامس من سفر التكوين لنرى كيف دعم الله الشهادة الشفهية بالأعمار الطويلة. ففي هذه الحقبة من الزمان، ولم يكن فن الكتابة قد اختُرع بعد، كانت الشهادة لله تنتقل من السلف إلى الخلف شفاهة، والرب قصد أن يطيل في عمر البشر لدعم هذه الشهادة، حتى أن متوشالح الذي مات في سنة الطوفان، بعد الخليقة بمدة 1656 عاماً، عـاصر آدم نفسه مدة 143 سنة!

ولكن الإنسان بعد الطوفان بفترة وجيزة تهور في مأساة الوثنية، فلم تعد المشكـلة هي إبعاد الله وكلامه عن فكر الإنسان كما كان فى العالم القديم؛ عالم ما قبل الطوفان، بل إن الإنسان في هذه الحقبة استبدل حق الله بالكذب، فاستلزم أن يكون لله شعب يحافـظ على الشهادة له، فاختار الله إبراهيم وعائلته الذي قال له « هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله، وإبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية... لأني عرفته لكي يوصى بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب » (تك18: 17-19). ولما تكوّن هذا الشعب الذي اختاره الرب، وفي نفس الوقت قصرت أيام سني الإنسان إلى طولها الحالي، وكان موسى هو الإناء المستخدم من الله لإعلان هذا الأمر (مز 90: 10)، كان هو نفسه الإناء المستخدم لكتابة الأسفار الأولى للكتاب المقدس.

الكلمة المكتوبة

رغم أن الله لم يترك نفسه قط بدون شاهد (أع 14: 17)، ورغـم أن الشهادة لله كانت في البداية شفاهية - كما رأينا - فقد أتى الوقت الذي أصبح ينبغي أن يكون فيه لله شهادة مكتوبة.

وهناك عدة مميزات للشهادة المكتوبة عن الشهادة الشفاهية:

1- حفظها من الفساد والتلف: بالإضافة عليها أو الحذف منهـا أو التبديل فيها. فطالما أن الوثنية دخلت، ومن ورائها الشيطان بقدرته الفائقة على التزوير (كما اتضح من تجربته لحواء في الجنة - تك3)، أصبح لازماً أن يكون لله شهادة مكتوبة.

2- حفظها من النسيان: وهو الغرض الذي ذكره الرب في أول إشارة إلى كتابة كلامه بالوحي «فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكاراً في الكتـاب وضعه في مسامع يشوع» (خر17: 14 انظر أيضاً يش1: 8).

3- نقلها من جيل إلى جيل: فعندما تكتب الشهـادة لا تكون مقتصرة على عمر الإنسان الذي أوحى الله إليه بها، لا سيما بعد أن قصرت الأعمار (2بط1: 14،15، 1كو10: 11).

4- لنشرها في كل مكان: فلا تقتصر على ظروف من يتلقى الوحي؛ من مرض أو شيخوخة أو حتى سجن (إر 36: 5،انظر أيضا إر 32: 2، 3، 33: 1، 39: 15،...)، بل يمكنها الانتشار في كل العالم (انظر كو4: 16).

وعندما أعطى الله كلمته مكتوبة حرص على أن يوضح أهمية تلك الكلمة؛ فهو أولاً طلب حفظها في أهم بقعة في كل الأرض « خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم » (تث31: 26) « فكتبت علـى اللوحين مثل الكتابة الأولى الكلمات العشر التي كلمكـم بها الرب . . . ووضعت اللوحين في التابوت الذي صنعت فكانا هناك كما أمرني الرب » (تث10: 4،5). فلقد وُضعت « الشهادة » داخل « تابوت الشهادة » في « خيمة الشهادة ». لاق بالمرنم أن يقول فيما بعد « أنت أوصيت بوصاياك أن تُحفظ تماماً» (مز119: 4).

وكتابنا المقدس لم يهبط من السماء دفعة واحدة، بل لقد استغرقت كتابته فترة زمنية نحو1600 سنة، وفى خلال هذه السنين كان الكتاب ينمو شيئا فشيئاً. الكتاب إذاً كائن حي؛ بدأ صغيراً، ومع ذلك كان كاملاً وفيه حياة. ولما نما ظل كاملاً وظلت فيه الحياة.

والكتاب في مولده ونموه يذكرنا بمولد الفجر وشـروق الشمس، ثم ازدياد نورها إلى أن تصل إلى أوج النور عندما تتوسط الشمس كبد السماء، ولا شئ يختفي من حرها.

لقد عامل الله البشرية في طفولتها كما نتعامل مع الطفل في روضة الأطفال. فالأطفال في سني الروضة يتعلمون الأبجدية وشيئاً من الدروس الأولية البسيطة؛ إننا طبعاً لا نعلمهم الخرافات،بلما هو صحيح، لكن على قدر مستواهم البسيط. ثممع نمو الطفل، تكبر معارفه؛ وعندها نحنلا نقوم بتصحيح ما تعلمه الطفل فى البداية، بل فقط نعمق معارفه إذ يبنى على ما سبق أن تلقنه بصورة أولية بسيطة.

ولقد شبه أحدهم نمو الكتاب المقدس تدريجياً بامرأة تسير في حديقة غناء إلى جوار الرجل العظيم الذي يمتلك تلك الجنة. والمرأة ممسكة في يدها باقة رائعة من الورود الجميلة أهداها لها صاحب الحديقة. ومن آن إلى آخر يقطف الرجل وردة أخرى من فردوسه ويضيفها إلى باقة الورود التي تمسكها السيدة، إلى أن اكتملت تلك الباقة الرائعة. ولو أن الباقة كانت مقدرة ومعتبـرة من السيدة حتى قبل اكتمالها؛ من بداية أول خمس زهرات قدمها ذلك السيد العظيم، وسلمها لهذه المرأة العزيزة على قلبه. هكذا تماماً كان تقدير المؤمنين إلى أسفار الوحي المقدس منذ البداية.

وعندما نقرأ في سفر المزامير؛ المزمور التاسع عشـر مثلاً، كان ما يقرب من ثلثي أسفار الكتاب المقدس لم يُكتب بعد، فإننا نجد كيف كان داود يُقـدِّر الكتاب الذي بين يديه ويعتبره وحي الله الكامل، المحيى، والحق (ع7-9).

كتاب الله

سُئِل مرة أحد قادة المسيحية في القرن الثالث، اشتهر بالحكمة، عن المصدر الذي منه استقى المعرفة والحكمة، فأجاب: "إن كل ما تعلمته يرجع الفضل فيه لكتابين، الكتاب الأول هو ظاهرياً كتاب صغير، وأما الكتاب الآخر فهو كبير جداً. الكتاب الأول يتكون من صفحات عديدة، بينما الكتاب الثاني يشتمل على صفحتين فقط. صفحات الكتاب الأول بيضاء ومكتوب فوقها بأحرف سوداء، أما الكتاب الثاني ذو الصفحتين فإحداهما زرقاء والأخرى خضراء؛ وفى الصفحة الزرقاء حرف كبير ذهبي، وعدة أحرف أصغر فضية، والصفحة الخضراء عليها حروف كثيرة من كل الألوان".

وغنى عن البيان أن الكتاب الكبير الذي قصده هذا الحكيم هو كتاب الطبيعة، وأما الكتاب الصغير فهو الكتاب المقدس. الله هو كاتب كلا الكتابين؛ أرسل أحدهما لكل الخليقة، والثاني لشعبه فقط. كتاب الطبيعة هو الكتاب الأشمل الذي بوسع كل البشر أن يقرأوه، والكتاب المقدس هو الكتاب الأكمل الذي يحدثنا عن جوانب لم يخبرنا بها الكتاب الأول. الكتاب الأول حدثنا عن قدرة الله وحكمته، والثاني عن قداسة الله ومحبته. الكتاب المنظور يشتمل على أعمال الله والكتاب المسطور يشتمل على أقوال الله؛ لكن كليهما يحدثنا بطريقة صريحة ومقنعة عن مجد الله.

ما أسعدنا إذاً بهذا الكتاب المقدس. إنه رسالة الله إلي الإنسان، لا رسالة الإنسان إلى أخيه الإنسان. السماء والأرض تزولان، وهذا الكتاب لا يزول (مت24: 35). تنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها، وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد (2بط3: 10، 1بط1: 25). ومع أنه أقدم كتاب عرفته البشرية، ولكنه لا يبلى ولا يتغير. لقد مرت عليه ألوف السنين ومع ذلك فهو لا يحتاج إلى تحديث ولا إلى تنقيح. هو كتاب لا يشيخ ولا يهرم، بل كالنسر يجدد شبابه دائماً. إنه كتاب كل العصور، فلا يوجد كتاب نظيره لا زال البشر يقرؤونه بشغف ولذة وخشوع، ويجدون فيه دائما شيئاً جديداً، مما يبرهن على أن صاحبه هو الله الأزلي الأبدي. ولا زال هو موضع احـترام الملايين الذين آمنوا به فصار لهم نبراساً وهدى، صحح أخطاءهم، وقوّم اعوجاجهم، وأرشدهم إلى الطريق الأبدي.

يتكون هذا الكتاب من قسمـين رئيسيين؛ العهد القديم والعهد الجديد. كل صور ورموز وطقوس العهد القديم تتجاوب مع الشخص المحوري في العهد الجديد بصورة فائقة، لا يمكن أن تكون من صنع إنسان كائن من كان.

هو أكثر جدا من مجرد كتاب، إنه مكتبة تضمنت أسفاراً من شتى البلاد ثم جُمعت معاً فإذا هي كتاب واحد. فيه تاريخ وفيه نبوة، فيه قصة وفيه رسالة، فيه شعر وفيه شريعة، لكن النبوة فيه صادقة ودقيقة مثل التاريخ، والقصة مملوءة بالتعاليم مثل الرسالة، والشعر يعبر عن فكر الله مثل الشريعة.

نعم ما أسعد البشر بهذا الكتاب؛ فهو يضفي على القصور بهجـة وعلى الأكواخ نوراً وسعادة. يصلح للمتعلم ولغير المتعلم، وفيه يجد الإنسان حاجته في المعرفة عن الله، وعن نفسه، عن التاريخ وعن المستقبل، عن الخلاص وعن الثواب والعقاب.

ثم إنه كتاب الأجيال كلها، إذ لا توجد قصص ملذة للصغـار مثل قصص الكتاب المقدس، ولا نصائح أنفع للشباب من نصائح الكتاب المقدس، ولا رفيق للرجال أو أنيس للشيوخ أعظم أو ألذ من الكتاب المقدس. بل إنه كتاب كل الأوقات والظروف والأحوال. الكتاب الذي يفوق الكتب جميعا سـداً لحاجات النفس البشرية.

هذا هو كتاب الله العجيب الذي لم يترك شيئاً من الأمور إلا وحدثنا عنه. حدثنا عن الأزلية والأبدية، وعن الحياة اليومية. حدثنا عن الخوف والسلام، عن الحب والحسد، عن هيكل الله وبيوت الأوثان. وفيه نسمع أصوات الحرب وترانيم السلام، صرخات المجاعة وأناشيد الحصاد. نلتقي فيه بالملوك والكهنة، بالرعاة والجنود. نشاهد فيه مناظر في الأرض ومناظر في البحر، مدناً وقرى، جبالاً وودياناً. لكن الأجمل من ذلك أننا من خلال هذا كله - كما سنري فيما بعد - نستطيع أن نستمع إلي صوت الله متكلماً إلينا.

إنك إذا أمسكت به سرعان ما تجده قد أمسك بك. حسناً قال نابليون بونابرت القائد الفرنسي الشهير مرة مشيراً إلي الكتاب المقدس في حضور ثلاثة من كبار قادته: "الكتاب الذي علي المائدة هو بالنسبة لكم كتاب. لكنه أكثر من ذلك بالنسبة لي. إنه يتحدث إلـىّ. إنه كما لو كان شخصاً"

الكتاب الفريد

قبل أن ندخل في تفصيلات عظمة هذا الكتاب، وهو ما سنفعله بالتفصيل في الفصول التالية، نحب أن نمر في عجالة سريعة على بعض نواحي تفـرد هذا الكتاب الفذ.

أولاً : هو أقدم كتاب في العالم - فلا يوجد اليوم كتاب بقدم هذا الكتاب الذي كُتبت أسفاره الأولى بواسطة موسى من قبل 3500 سنة ، أي نحو عام1500 ق. م.

ثانياً: أطول فترة كتابة - فهناك أشخاص عملوا مراجع قيمة استغرقت منهم عشرات السنين، لكن لا يوجد كتاب قط استغرق ما استغرقه الكتاب المقدس لكي يُكتب، فلقد كتب على مدى 1600 سنة.

ثالثاً: أكبر عدد مخطوطات - فإن عـدد المخطوطات القديمة للكتاب المقدس هو 24600 مخطوط، وهو يمثل أكبر عدد مخطوطات قديمة لأي كتاب قديم، والكتاب الذي يليه في كثرة عدد مخطوطـاته هو إلياذة هوميروس وعدد مخطوطاتها هو فقط 643 (ستمائة وثلاثة وأربعون)!!

رابعاً: أول كتاب تُرجم في العالم - لم يسبقه في ذلك أي كتاب على الإطلاق، إذ تُرجم العهد القديم من العبرية إلى اليونانية نحو عام 282 ق. م، كما سنشرح ذلك بأكثر تفصيل في الفصل السادس.

خامساً: أغلى مخطوط في العالم - عندما عرضت حكومة روسيا الشيوعية المخطوط السينائى - الذي سنتحدث عنه في الفصل الخامس - للبيع، اشترته الحكومة البريطانية بمبلغ 510 ألف دولار أمريكي ، وهو يمثل أعلى مبلغ يدفع في أي مخطوط على الإطلاق حتى ذلك التاريخ.

سادساً: أول كتاب طبع بأسلوب الطباعة الحديثة، عندما قام جوتنبرج مخترع ماكينة الطباعة بألمانيا بطبع مائة وعشرين نسخة منه (الفولجـاتا) على الورق وكان ذلك في أواخر القرن الخامس عشر.

سابعاً: أكبر عدد ترجمات - فلقد تُرجـم حتى الآن؛ كله أو أحد أجزائه إلى نحو 1946 لغة ولهجة، بل إن بعض هذه اللغات التي تُرجـم إليها الكتاب ليس لها كتابة إلا الكتاب المقدس. والكتاب الذي يليه هو أعمال لينين، الذي تُرجِم إلى أكثر قليلا من مائتي لغة فقط.

ثامناً: أعلى معدل توزيع في العالم - لقد كان الكتاب المقدس ولا يزال أوسع الكتب انتشاراً، إذ يطبع ويوزع من هذا الكتاب نحو 150 مليون نسخة سنوياً، أي نحو 5 نسخ في كل ثانية من ثواني الليل والنهار.

بالإضافة إلى كل ما سبق فقد كان أول تلغراف فى العالم آية من آيات الكتاب المقدس، عندما أرسل البروفيسور مورس مخترع التلغراف أول إشـارة تلغرافية فى 24 مايو سنة 1844 نصها « ما فعل الله » (وهي الآية الواردة في سفر العدد23: 23).

كما أنه يمثل أطول تلغراف في العالم، حيث تم إرسال العهد الجديد كله في تلغراف طويل من نيويورك إلى شيكاجو عندما ظهرت ترجمة الملك جيمس المنقحة Revised Version في مايو عام 1881.

كما كان أول كتاب يسافر إلى الفضاء الخارجي إذ حُمل مصوراً على ميكروفيلم. كما أن أول آية من آياته قُرِئت على سطح القمر، عندما قال رائد الفضاء الأمريكي وهو هناك « في البدء خلق الله السماوات والأرض ».

الكتاب المقدس بالإضافة إلى ما سبق هو الكتـاب الأول من حيث الإعجاب به. فمنذ عصر الرسل وحتى اليوم نشاهد نهراً متدفقاً لا ينقطع من الأدب الذي أوحى به الكتاب المقدس؛ من فهارس وقواميس وموسوعات وأطالس ومعاجم وجغرافية وعلم آثار الكتاب، بالإضافة إلى ما لا يحصى من الكتب اللاهوتية والتربية المسيحية والترانيم التعبدية، وسير القديسين وتاريخ الكنيسة والكتابات التأملية والتفاسير إلى غير ذلك من المؤلفـات ما يعسر على الحصر.

لكنه أهم من كل ذلك هو الكتاب الوحيد الذي يعطي تاريخاً متصـلاً للبشرية من آدم إلى يومنا الحاضر. وهو الكتاب الوحيد الذي عندما يذكر التاريخ القديم لا يذكره كمجرد قصة بل نرى فيه غرضاً إلهياً في هذا التاريخ. كما أنه هو الكتاب الوحيد الذي يحتوي على نبوات مفصلة بصـورة عجيبة، تمت ولا زالت تتم بكل دقة. ثم إنه الكتاب الذي يقدم أسمى روحيات، وأرقى أدبيات عرفها بنو البشر. وأخيراً وليس آخراً؛ هو الكتاب الوحيد الذي يقنع الإنسان بخطئه، من ثم يقوده إلى الشخص الوحيد الذي بوسعه أن يحرر من الخطية.

نعم هو الكتاب الوحيد الذي يشير لنا إلى الشخص الوحيد. فكما أن المسيح ليس له في كل الكون نظير، هكذا كتاب الله ليس له نظير. في مزمور 40 نقرأ « بدرج الكتاب مكتوب عني » (ع7). ترى من هو هذا الشخص المتكلم هنا؟ وإلى أي كتـاب هو يشير؟ إنه الشخص الفريد ويشير إلى الكتاب الفريد. فالمتكلم هو المسيح ابن الله، والكتاب هو الكتاب المقدس كلمة الله. الشخص هو الكلمة المتجسد، والكتاب هو الكلمة المكتوبة.

إننا في الكتاب المقدس نلتقي بذاك « الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة » (يو1: 45). فأينما قرأنا في الكتاب نجد المسيح. الكلمة المكتوبة تقدملنا الكلمة الحي الأزلي. وإن كنت مشتاقاً أنتعرف هذا الشخص الفريد أو هذا الكتاب الفـريد فإننا ندعوك إلي الكتاب المقدس قائلين لك كما قال فيلبس لنثنائيل في يوحنا1: 46

للكاتب المهندس : يوسف رياض
رد مع اقتباس
قديم 26 - 08 - 2012, 03:16 PM   رقم المشاركة : ( 2 )
john w Male
| غالى على قلب الفرح المسيحى |

الصورة الرمزية john w

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 38
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 45
الـــــدولـــــــــــة : فى قلب يسوع
المشاركـــــــات : 1,280

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

john w غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وحى الكتاب المقدس

وحى الكتاب المقدس . 2 _ الكتاب المقدس كلمة اللة

2 - الكتاب المقدس, كلمة الله




لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ

(عبرانيين 4: 12)




ختمنا حديثنا في الفصل السابق بالمشابهة بين كتاب الله ومسيح الله. لعل أوضح تلك المشابهات هو أن كليهما يسمى كلمة الله*. فالكتاب المقدس هو الكلمة المكتوبة، والمسـيح هو الكلمة المتجسد. وسنخصص هذا الفصل للحديث عن هذا الموضوع المنعش

الكلمة المكتوبة والكلمة الحية

هناك مشابهة قوية بين إيماننا بالوحي، وإيماننا بالتجسد. الطبيعتان (الطبيعة الإلهية والإنسانية) ظاهرتان في الواحد، والصوتان (صوت الله وصوت الإنسان) يُسمعان في الآخر.

سَلْ أي مؤمن حقيقي؛ من هو المسيح؟ والإجابة على ذلك واضحة من قول الرسول بولس « وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد » (1تي3: 16). لما سألت المطوبة مريم سؤال الدهشة: كيف أحبل وألد ابناً وأنا عذراء؟ أجابها المـلاك « الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله » (لو1: 35). وكما أتى الروح القدس إلى بطن المطوبة العذراء مريم، وأنـتج فيها هذا الشئ القدوس المولود منها، هكذا أيضاً أتى الروح القدس إلى عقل بل وكيان موسى وداود وإشعياء وباقي كتبة الوحي؛ لقد ظللتهم قـوة العلي، ولذلك فإن الشيء المقدس الذي أنتجوه من عقولـهم وكتبوه بأقلامهم ودونوه بلغتهم؛ يدعى كلمة الله.

بالنسبة للمسيح كان هناك إناء بشري هو العذراء مريم؛ تكوّن ناسوت المسيح في بطنها، لكن الروح القدس حل عليها وقوة العلي ظللتها، فنتج المسيح الخـالي من الخطية. وبالنسبة للكتاب المقدس هناك أواني بشرية، لكن الروح القدس هيمن تماماً عليهم (2بط1: 21)، فنتج الكتاب المقدس الخالي من الخطأ.

بناء على ما سبق يمكن القول: كما أن شخص المسيح له طبيعتان؛ الطبيعة الناسوتية، والطبيعة اللاهوتية؛ عنصر بشرى استمده من المطوبة مريم، وعنصر إلهي بالروح القدس، هكذا أيضاً الكتاب المقدس يتكون من عنصر بشري مستمد من كتبة الوحي؛ علمهم واختباراتهم ولغتهم... إلخ وعنصر إلهي من الروح القدس، ونتيجة لذلك فإنه كما كان المسيح كلمة الله المتجسد خاليـاً من الخطية، هكذا كلمة الله الموحى بها خالية من الخطأ. إن بشرية الرب يسوع المسيح هي مثل بشريتنا تماماً في كل شئ ماخلا الخطية، وبشرية الكتاب هى مثل كل الكتب ما خلا الخطأ.

العنصران: الإلهي والبشرى

لا مجال للقول إذاً أنه إن كان المسيح هو الله فكيف يكون إنساناً، أو إن كان هو إنساناً فكيف يكون الله. وبالمثل لا مجال للقول إذا كان الكتاب المقدس هو كلمة الله فكيف يكون قد كتبه إنسان، ولا إن كان قد كتبه البشر فكيف يكون كلام الله. وإنجيل لوقا الأصحاح الأول يحدثنا عن العنصرين في المسيح (ع35،42)، كما حدثنا أيضا في فاتحته عن العنصرين في الوحي. ونحن كما نؤمن بالحقيقة الأولى، نؤمن أيضاً بالحقيقة الثانية. وسوف نعود في الفصل التالـي إلى هذه النقطة الهامة

التشابه بين الكلمة المكتوبة والكلمة المتجسد

1- السرمدية: فالمسيح أزلي (يو1:1)، والكلمة المكتوبة تعلن لنا أشياء سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا (1كو2: 7-10). والمسيح أبدي (رو9: 5) وكذلك أيضاً الكلمة المكتوبة (مز119: 89، 1بط1: 25).

2- التكوين: لقد تكون المسيح بالروح القدس « هيأت لى جسداً » (عب10: 5، انظـر أيضاً لو1: 35)، ونفس الأمر يقال عن الكلمة المكتوبة، فلقد « تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس » (2بط1: 21).

3- البشرية: فالله الساكن فى نور لا يدنى منه، أصبح قريباً من الإنسان فى شخص المسيح، ووصل إلى أبسط البشر إذ أخذ صورة عبد صـائراً فى شبه الناس ووضع نفسه، وهكذا أيضاً أفكار الله التي لا تُفحَص كُتبت في لغة بشرية يستطيع أبسط البشر أن يقرأها ويفهمها (يو5: 39).

4- النمو: بدأ المسيح جسداً صغيراً ثم أخـذ ينمو شيئاً فشيئاً (لو2: 40)، وهكذا أيضاً الكتاب؛ بدأ صغيراً ثم أخذ ينمو.

5- الاتساع: قبل الصليب كان المسيح محدوداً بالجسد، داخل حدود اليهودية، لكن بعد الموت والقيامة ملأ الكل، وأومن به فى العالم (أف4: 10، 1تى 3: 16). وكذلك أيضاً الكتاب، فكان أولاً كتاباً يهودياً، وبعد حلول الروح القدس انتشر فى كل العالم، وتُرجم إلى كل اللغات.


6- العصمة : فالمسيح عندما تجسد أشبهنـا فى كل شئ ما عدا الخطية، والكتاب المقدس هو كتاب مثل باقى الكتب ما خلا الخطأ.

7- العنصران: يحتوى شخص المسيح على العنصر الإلهـي والعنصر البشرى، فهو إله كامل وهو إنسان كامل، إنه إنسان لكنه كلى العلم وكلى القدرة، وهكذا الكتاب أيضاً كامل يرد النفس (مز19: 8) وكلمة الله حية وفعالة (عب4: 12).

8- السلطان: المسيح كان يتكلم بسلطان وليس كالكتبة (مر1: 22، مت7: 29) ولم يتكلم قط إنسان هكذا مثله (يو7: 46) وهكذا الكتاب المقدس له سلطانه على القلوب والضمائر (2مل22: 11).

9- التحدي: لا تقدر أن تقف من المسيح موقف الحياد؛ كثيرون يرفضون المسيح، لأن أعمالهم شريرة (يو3: 19) كما أن الكثيرين يقدرونه فوق كل شخص آخر ويؤمـنون به بكل قلوبهم. وهكذا الكتاب المقدس، يرفضه الكثيرون لأن أعمالهم شريرة، ويقدره الآخرون فوق أى كتاب آخر، ويعظمونه كعظمة اسم الله ذاته (مز138: 2)

10- النصرة: اضطُهد المسيح حتى الموت لكنه غلب الموت وقام من القبر. والكتاب المقدس حاولوا إبادته بكل الوسائل؛ ظنوا أنهم مشوا في جنازته، لكنه لازال كتاباً حياً ويهب الحياة.

11- الإعـلان: المسيح يعلن نفسه لمن يؤمن به (يو9: 35-38) والكتاب المقدس لن يفهمه سوى من يؤمن به (1كو1: 18، 2: 14، 2كو3: 14-16، 4: 3،4).

12- التأثير: المسيح يخرج من فمه سيف ماض ذو حدين (رؤ1: 16، 2: 12، 16، 19: 15)، وكذلك يُشبّه أيضا الكتاب المقدس بالسيف (عب4: 12، أف6: 17).

13- التطهير والاغتسال: كلاهما يطهر الحياة (تى2: 14، يو13: 8، 1بط1: 22، أف5: 26)

14- كلاهما يقدس: المسيح هو الذي قدّسنا (عب2: 11، 13: 12)، وكذلك الكلمة المكتوبة (يو17: 17).

15- كلاهما الحق: فلقد قال المسيح عن نفسه « أنـا هو الطريق والحق والحياة » (يو14: 6) وهكذا كلمة الله هي الحق (يو17: 17، مز119: 142).

16- كلاهما الحيـاة: فلقد قال المسيح « أنا هو ... الحياة » (يو11: 25، 14: 6)، وهكذا أيضا الكلمة المكتوبة (1بط1: 23، يو6: 63، 68).

17- الخبز للجائع: المسيح قال عن نفسه « أنا هو خبز الحياة » (يو6: 35،48)، والكتاب المقدس هو أيضا خبز (مت4: 4).

18- النور للأعمى: قال المسيح « أنا هو نور العالم » (يو8: 12)، والكلمة المكتوبة هي أيضا نور (مز119: 105).

19- كلاهما يخلص ويدين: فالمسيح يخلص الخاطئ التائب وهو الديان للرافضين (أع4: 12، 10: 42)، والكتاب أيضا يخلص (2تى3: 15، 1كو15: 2) ويدين (يو12: 48).

20- كلاهما يشهد للآخر: فالمسيح شهد باستمرار للكلمة المكتوبة؛ لوحيها وسلطانها، والكلمة تشهد باستمرار للمسيح، فهو موضوعها (1بط1: 10-12، لو24: 27، 44).

إن الذين يعتبرون المسيح هو المخلص الوحيد هم أنفسهم الذين يعتبرون الكتاب المقدس هو المرجع النهائى والفريد، وكذلك الذين لم يكتفـوا بالمسيح فى أمر خلاصهم، فإنهم أيضا لم يكتفوا بالكتاب كمرجعهم النهائى. أما نحن فإننا بسرور نقبل الأول كأساس الخلاص الكامل، والثاني كمصدر التعليم النهائي. فالمسيح بالنسبة لنا هو المخلص وليس سواه (أع4: 12)، وكتابه مرجعنا للتعليم وليس غيره.

ليس معنى ذلك أننا نجعل الكتاب المقدس هدفاً لسجودنا، أو موضوع عبادتنا، كلا فليس إلى جوار المسيح مخلص أو رب. إن الكتاب المقدس هو فقط الوسيلة الإلهية التي سُرَّ الله أن يستخدمها لكيما يعلن لنا عن شخصه ويقودنا بهذا الأسلوب إليه. ومع أننا نحترم كلمة الله وننحني باحترام أمام كلامه، لكننا لا نعبد سوى الله الآب والابن والروح القدس.

سلطان الكتاب المقدس، وقوة تأثيره

أشرنا فيما سبق إلى المشابهة بين الكلمة الحي المتجسد؛ ربنا يسوع المسيح في تأثيره العجيب، وبين تأثير الكلمة المكتوبة بالوحي. والواقع إن الكتاب المقدس كأنه يشير إلى الأعمال العظيمة التي عملها فى الإنسانية مما نسمعه وننظره ويقول نفس ما قاله المسيح مرة لرسل يوحنا المعمدان « اذهبا وأخبرا . . . بما تسمعان وتنظـران؛ العمى يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر فيَّ » (مت 11: 4-6).

بل ويستطيع المؤمن أن يشير إلى كتاب الكتب هذا قائلاً ما قالته السـامرية عن المسيح: هلموا انظروا (كتاباً) قال لى كل ما (نويت)، أليس هذا كتاب الله؟!

يقول الرسول « لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكـار القلب ونياته » (عب4: 12).

حقيقة لا تقبل الجدل أنه لا يوجد فى كل العالم كتاب مثل الكتـاب المقدس له من الأعداء ومن المحبين العدد الذي لا يُحصى من الملايين!! لماذا يعادونه ويكرهونه؟! لأنه الحق - لو لم يكن قد وصل إلى ضمائرهم وبكتّهم ما كانت لهم حاجة إلى إجهاد أنفسهم في مقاومته، فكما قال رجل الله داربى "الناس لا يسلحون أنفسهم ضد القش بل ضد السيف الماضي الذي يرتعبون من مضاء حديه".

وإلى أي حد يحبونه؟ إلى الحد الذي جعل الآلاف من المؤمنين تضحي بكل شيء حتى الحياة من أجله. إن من يقرأ التاريخ يقف بإعجاب خشوعي أمام العديد من الرجال والنساء على مر الأجيال والقـرون، الذين جُـلِدوا أو نُشِروا أو أُحرِقوا أو ماتوا بالجوع أو الصلب لسبب إيمانهم بأن الكتاب المقدس هو كتاب الله.

منذ أعوام، عندما كانت الشيوعية لا زالت تسيطر على دول الاتحاد السوفيتي، أُلقى القبض على شابة مسيحية فى روسيا اسمها عايدة بتهمة مجاهرتهـا وكـرازتها بالمسيح، وقضت في أحد معسكرات الاعتقال 4 سنوات. وعندما سُئلت بعد ذلك عن أصعب ما كان في السجن، فإنها لم تتحدث عن الطعام،ولا البرد، ولا الوحدة. لكنها قالت "هو أن تعيش بدون الكتاب المقدس5"

لماذا أحب كل هؤلاء الكتاب المقدس إلى هذا الحد؟ السبب لأنه كتاب غير عادى. إنه كتاب الله، رسالة السماء. وكما تعلو السموات عن الأرض هكذا يعلو هو عن سائر الكتب!

مرة وقف أحد المبشرين يعظ، فقاطعه فيلسوف كان حاضراً الاجتماع بالقـول إنك تعظ من الكتاب المقدس معتبراً إياه كلمة الله. فمن قال لك إنه كذلك؟ رد المبشر عليه بهدوء طالباً منه إن كان بوسعه أن يحضر إلى الاجتماع في اليوم التالي ومعه شخص واحد كان معروفاً فى المدينة بفساده وشره، ولما قرأ فلسفاته أو أية فلسفة أخرى تغيرت حياته إلى حياة جديدة فاضلة؛ وفى المقابل لذلك فإنه (أى المبشر) مستعد أن يحضر معه عشـرات ممن كانوا أشـراراً وسكيرين وتعساء جداً لكن الكتاب المقدس بدّل حياتهم إلى حياة التقوى والسعادة.

أليست هذه حقيقة واقعة؟ أليس لكلمة الله تأثير عجيب في النفوس؟! ومرة ثانية نتساءل لماذا يكره الناس الكتاب المقدس؟

حدث مرة أن سافر رجل من أمريكا مع ابن أخيه فى رحلة تجارية، وكان معهما مبلغ كبير من المال. وكان عليهما أن يجتازا منطقة نائية غير مأهولة بالسكان فى وسط غابات أمريكا. وإذ أرخى الليل سدوله على المسافرين أخذا يبحثان عن أقرب مأوى يأويان إليه. فرأيا من بعيد كوخاً، اتجها إليه وقرعا بابه. ولما فتح لهما رجل قروي عجوز، هو صاحب الكوخ، سألا إن كانا بوسعهما أن يبيتا ليلتهما عنده. فرحب بهما، وقادهما إلى غرفة بسيطة كان عليهما أن يفترشا أرضها ليبيتا هناك. قرر الرجل أن يتناوب هو وابن أخيه السهر لحراسة الثروة التي معهما. لكن - وفى أثناء نوبة نوم الرجل - لاحظ أن ابن أخيه يستعد أيضاً للنوم. فذكره بما اتفقا عليه من ضرورة سهر أحدهما لحراسة المال. فقال له الشاب: لا حاجة لنا إلى ذلك، فإننا هنا في أمان نحن وأموالنا، فلقد رأيت صاحب البيت يقرأ في الكتاب المقدس مع أفراد أسرته، ثم يصلي طالباً البركة والراحة لهم ولضيوفهم!!!

وكم من شعوب بدائية وهمجية حولتها كلمة الله إلى شعوب راقية! يُذكَر أن رجلاً كـان قبلاً من آكلي لحوم البشر، كان جالساً يقرأ في كتابه المقدس بخشـوع، فمر عليه أحد الأوربيين الملحدين، وسأله عن الكتاب الذي يقرأه. فأجاب الرجل البربري : أنا أقرأ كتاب الله. فردّ عليه المتمدن قائلاً: هذه سخافات تغلبنا عليها قبلكم، ولابد أنكم يوماً تعرفون الحق مثلنا. فأجابه الرجل البربري: لولا هذه السخافات في نظرك لكنت اليوم طعامي في غذائي، لكن ما تسميه أنت سخافات كان له الفضل في تغيير حياتي! نعم كم غيرت كلمة الله من حياة الكثيرين. واليوم حدث العكس بالأسف، فما التشويـش الحاصل فى العالم إلا نتيجة انصراف تلك الشعوب وتحولها بعيداً عن الكتاب المقدس.

ونحن نقول ما قاله المسيح مرة « من ثمارهم تعرفونهم؛ هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً؟ » (مت7: 16). ألم يتغير الشاب الماجن أغسطينوس إلى أشهر قديسي المسيحية بفضل هذا الكتاب؟ إن آية واحدة هي تلك الواردة في رومية 13: 11 كانت كافية لإحداث تغيير كامل في حياة أغسطينوس! ونحن نعـرف أن الميـاه لا تعلو فوق مصدرها. لو لم يكن هذا الكتاب سماوياً لما أمكنه أن يغير حياة الملايين إلى حياة القداسة والتقوى!

قال خادم الرب توري أنه عندما يتقابل مع أفاضل النـاس الذين لهم علاقة حية مع الله ومع الكتاب المقدس فإنه يقول لهم عادة أشكر الله لأجـل إيمانكم بالكتاب المقدس لأن هذا يقوى إيماني أيضاً. كما أنه عندما يتقابل مع الذين لا يؤمنون بالكتاب المقدس ويلاحظ فسـاد سلوكهم وشر أفعالهم فإنه يقول فى نفسه: إنى أشكر الله أيضاً، فهؤلاء الناس هم أيضاً يزيدون إيماني فى الكتاب المقدس!

وكلمة الله ليس فقط تغير الحياة بل تملؤها بالسعادة. تحـدث "سبرجن" عن سيدة عجوز كانت تجلس لتبيع الفاكهة، وكانت تصرف وقت فراغها فى قراءة الكتاب المقدس، عندما سألها أحد الزبائن "ماذا تقرأين؟" فقالت "أقرأ كلمة الله" -أجابها: "كلمة الله! ومن أدراك إذا كانت هذه كلمة الله؟" ارتبكت المرأة فى البداية، لكنها سألته "أفي إمكانك أن تبرهن لي أن الشمس ساطعة؟" فقال "ما أيسر ما تطلبين. فإن برهاني على ذلك هو ما تشعرني به من دفئها وما أراه من نورها" فأجابت المرأة وقد شاع الفرح في قسمات وجهها "والكتاب المقدس هو كلمة الله لأنه يبعث فيَّ الدفء والنور"!!

قال عنه رجل الله داربي6 "فرحى، وتعزيتي، وطعامي، وقوتي لنحو ثلاثين سنة كان هو الكتاب المقدس الذي قبلته بلا أدنى ريب ككلمة الله".

مرة أرسل واحد من الملحدين إلى مؤمن شاب مجموعة من الكتب التي تنكر وجود الله، ونصحه أن يقرأ في هذه الكتب الأدبية، لا في ذلك الكتاب البالي المسمى بالكتاب المقدس. فرد عليه المسيحي قائلاً: عزيزي، إذا عرفت أي كلام أفضل من موعظة الجبل، أو من مثل الابن الضال، أو إذا كان لديك أية موضوعات تعزي النفس وتطمئنها أفضـل من مزمور 23، أو وقع تحت سمعك أو بصرك أية كتابات تلقي الضوء على المستقبل، وتكشف لنا قلباً أكثر لطف وصلاح من قلب الآب أفضل مما يفعله العهد الجديد، فإني أرجوك أن ترسلها إليَّ7!

وبعد، فإننا بصدد الحديث عن هذا الكتاب العظيم، نذكر تلك الحادثة للشاعر والقصصي الإنجليزي الشهير "والتر سكوت" الذي عاش من عام 1771 إلى 1832 وكانت مكتبته العامرة تحتوى على نحو 20 ألف كتاب. قال وهو على فراش الموت لصديقه لوكهارت أن يقـرأ له في الكتاب. ولما نظر ذاك إلى المكتبة الضخمة وما فيها من كتب عديدة سأله "أي كتاب تقصد؟" أجابه السير والتر "لا يوجد إلا كتاب واحد يجب أن ندعوه الكتاب، وهو الكتاب المقدس".

صدقت يا والتر. إن الكتاب المقدس هو كتاب الكتب لأنه هو كلمة الله. ومع بطرس يقول كل مؤمن للرب يسوع:

« يا رب إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك!!» (يو 6: 68).
م : يوسف رياض
  رد مع اقتباس
قديم 26 - 08 - 2012, 03:18 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
john w Male
| غالى على قلب الفرح المسيحى |

الصورة الرمزية john w

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 38
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 45
الـــــدولـــــــــــة : فى قلب يسوع
المشاركـــــــات : 1,280

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

john w غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وحى الكتاب المقدس

وحى الكتاب المقدس . 3 _ الوحى ومعناة

3 _-_ الوحى ومعناة






تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس

(2بطرس 1: 21)




ما هو الوحي؟

فهمنا من الفصل الأول أن الكتاب المقدس هو إعلان الله، وأنه الإعلان الوحيد الذى منه حصلنا على المعلومات الإلهية، وبدونه ما كنا نعرف أي شـئ عن خلاص النفس ولا عن الأبدية ولا عن الله. ولقد أصاب واحد عندما قال إن فلاحاً بسيطاً يقرأ الكتاب المقدس وهو سائر خلف محراثه يستطيع أن يعرف عن الله أكثر مما يعرف العالم فى مختبره، أو حتى أستاذ اللاهوت إذا كان ينكر وحي الكتاب المقدس.

الكتاب المقدس هو وحي الله. ومع أن تعبير «وحي الكتاب المقدس» ليس تعبيراً كتابياً بحصر اللفظ؛ إلا أن مضمونه واضح كل الوضـوح في الكتاب المقدس كله. ولقد نشأ هذا التعبير من قول الرسول بولس « كـل الكتاب هو موحى به من الله » (2 تي 3: 16). هذه الكلمة «موحى به من الله » لم ترد سوى فى هذا النص، لكن هذه المرة الفريدة، مليئة بالمعاني الغنية والمباركة. فهي باليونانية؛ لغة العهد الجديد الأصلية «ثيوبنوستوس»- وتعنى حرفياً؛ نفَس أو نسمة الله. فالكتاب المقدس هو إذاً أنفاس الله أرسلها إلى أواني الوحي. قديماً نفخ الله في أنف الإنسان نسمة حياة « فصار آدم نفساً حية » (تك 2: 7)، أما الكتاب المقدس فهو ذات أنفاس الله، وهو لذلك كتاب يهب الحياة الروحية، كقول الـرب له المجد للتلاميذ « الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة » وكرد بطرس عليه « يارب إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك » (يو 6 : 63، 68).

عرف "وبستر" الوحي كالآتي: "هو تأثير روح الله الفائق للطبيعة على الفكر البشرى، به تأهل الأنبياء والرسل والكتبة المقدسون لأن يقدموا الحق الإلهي بدون أى مزيج من الخطأ". ويوضح الرسول بطرس أن الأنبياء، أواني الوحي، أثناء كتاباتهم المقدسة كانوا تحت تأثير سلطان الروح القدس فيما كتبوا، ليس فقط مسترشدين به، بل أيضاً مسوقين منه (2بط 1: 21). علق على هذا وليم كلي بأن الله استخدم أناس الله كالعربات لتحمل إلينا قصده من إعطاء كلمته. فوظّف عقولهم وقلوبهم، لغتهم وأسلوبهم، لكنه أوصل إلينا بها حكمته في إتمام قصده بصورة تسمو فوق الأداة المستخدمة، وبمعزل تام عن أدنى خطأ.

طريقة الوحي

هناك فصل هام يشرح لنا مسألة الوحي فيه يقول الرسول بولس « كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه، فأعلنه الله لنا نحن بروحه، لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله. لأن من مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس، قارنين الروحيات بالروحيات. ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة. ولا يقدر أن يعرفه (يعرف هذه الأمور) لأنه إنما يُحكَم فيه (فى هذه الأمور) روحياً. وأما الروحي فيحكم في كل شئ وهو لا يحكم فيه من أحد» (1كو2: 9-15).

في هذا الفصل الهام يذكر الرسول بولس ثلاثة أمور هي:

أولاً : الإعلان؛ حيث أعلن روح الله القدوس لكتبة الوحي أفكار الله العجيبة. فهذه الأمور – كما فهمنا – هى ما لم تر عين ولا سمعت أذن ولا خطرت على بال إنسان، لكن روح الله القدوس – الذي يفحص كل شئ حتى أعماق الله – أعلنها لأواني الوحي. ويوضح الرسول في ع11 أن الإمكانية الوحيدة لحصولنا على هذا الإعلان هو روح الله. هذه هي الخطوة الأولى فى موضوعنا؛ أعنى الإعلان.

ثانياً : الوحي؛ فتحت السيطرة المطلقة والهيمنة الكاملـة من الروح القدس، تمت صياغة ذلك الإعلان بذات أقوال الروح القدس، فتم القول « قارنين الروحيات بالروحيات ». هذه الآية تفسَر في أحيان كثيرة تفسيراً خاطئاً، إنها لا تعنى مقارنين الروحيات بالروحيات، أو مقارنين أقوال الكتاب ببعضها، بل تعني أن الرسل كانوا موصلين الإعلانات المعطاة لهم من الروح القدس بذات العبارات التي يريد الروح القدس أن يستخدمها.

ثالثاً : الإدراك؛ وهذه هى المرحلة الثالثة من قصة وصول أفكار الله إلينا. فبعد أن أُعلن الحق بالروح القدس لرجال اختارهم الله، ثم أوحى الروح القدس إليهم ليوصلوا لنا هذه الأفكار بذات الكلمات التي أملاها عليهم روح الله، فإنه يلزم لإدراك الحق وامتلاكه أن يكون المؤمن في حالة روحية، لأن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله، ويستحيل عليه قبول وفهم الأمور الإلهية.

هذه الأمور الثلاثة هي إذا كالآتي:

الخطوة الأولى: من الله إلى كاتب الوحي، وفيه يصل إلى ذهن كاتب الوحي ما يريد الله أن يقوله. هذا هو الإعلان.

الخطوة الثانية : من أواني الوحي إلى الرقوق أو الورق. وفيه يكتب النبي ما يريده الله أن يكتبه. وهذا هو الوحي.

الخطوة الثالثة : من الرقوق أو الورق إلى قلب القارئ ، وفيه يتقبل الإنسان الاستنارة من جهة ما يريده الله أن يقوله، وما كتبه الله فى الكتاب. وهذا هو الإدراك

هذه هى الخطوات الثلاث لوصول أفكار الله إلى الإنسان. إنها تشمل المنبع والمجرى والمصب. والكل من عمل روح الله.

وواضح أننا اليوم لسنا في زمن الإعلان أو الوحي، لكننا لا زلنا نحتاج إلى استنارة من روح الله القدوس لنفهم المكتوب (مز119: 18).



الخطوات الثلاث من فكر الله إلى قلب المؤمن

نظريات الوحي

حاول اللاهوتيون تفسير الوحي ، وقدموا لذلك نظريات متعددة، نذكر منها:

1- النظرية الطبيعية: فاعتبر البعض أن الوحي هو إلهام طبيعي كذلك الإلهام الذي يصاحب الشعراء والأدباء فى كتابة قصائدهم وأعمالهم الفنية.

لكن هذه النظـرية مرفوضة لأنها تتجاهل العنصر الإلهي الذي يؤكده الكتاب المقدس عندما يقول « تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس » (2بط1: 21).

2- النظرية الميكانيكية أو الإملائية: وفيها قالوا إن الله قام بإمـلاء كتبة الوحي ما كتبوا، تماماً كما لو كان يحرك آلة كاتبة أو إنساناً آلياً.

هذه النظريـة على عكس النظرية السابقة تتجاهل العنصر البشرى، ولا يوجد أدنى سند لهذه النظرية في الكتاب المقدس، بل على العكـس إن لنا العديد من الأدلة على أن شخصية الكاتب ومشاعره ظاهرة فيما كتب (انظر رو9: 1-5). فكتابات الأنبياء والرسل تحمل طابع زمانهم وظروفهم واختباراتهم. لقد أحس إشعياء بالرهبة المقدسة وهو يحدثنا عن الرؤيا المسجلة فى أصحاح 6 من نبوته، كما وغمر إرميا في الأحزان الكثيفة وهو يكتب مراثيه، وامتلأ قلب داود بالفرح وبالعرفان وهو يكتب مزاميره الشهيرة مثل مزمور23، 103،...الخ

إننا نوافق تماما الكاتب الألماني "إريش ساور‎" الذي قال حاشا أن نقول إن الله ألغى شخصية كتبة الوحي فيما كتبوا، فهذا الأسلوب من الوحي لا يليق بالله مطلقا. إننا نجد مثل هذا الأسلوب فى الوثنيات والعبادات الشيطانية التي فيها تُفقِد الأرواح الشريرة الإنسـان شخصيته (انظر 1كو12: 2، مر5: 1-9). أما الإعلان الإلهي فإنه لا يلغى شخصية أواني الوحي، إذ أن أحد أهداف الإعلان الإلهي هو وجود شركة بين روح الإنسان وروح الله، فالله لا يسر بأن يشغل آلة ميتة، بل إنساناً ذا مشاعر، لا مجرد عبد بل صديق.

ولهذا فإننا نرفض أيضا نظرية الوحي الإملائي أو الميكانيكي.

3- النظرية الموضوعية: بمعنى أن الله أوحى لأواني الوحي بالفكرة فقط، دون العبارات نفسها، إذ ترك لكل كاتب أن يختار العبارات التي تروق له دون تدخل من جانبه. ولعل الذين اقترحوا هذه النظرية أرادوا بها تفـادى أية تناقضـات في الكتاب المقدس لا يعرفون حلها، أو أى عدم دقـة تاريخية أو علمية مزعومة.

لكننا أيضـاً نرفض هذه النظرية إذ أن الكتاب ينقضها. فكما أشرنا فيما سبق هناك فارق بين الإعلان والوحي، الإعلان كان للفكرة، لكن لئلا يعجز كتبة الوحي عن توصيل أفكار الله بكل دقة، فإن الله لم يتركهم يختارون العبارات. هذا ما أكده الرسول بولس عندما قال « لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية، بل بما (مشيراً إلى الأقوال) يعلمه الروح القدس » (1كو2: 13). وأيضاً قوله عن اليهود إنهم « استؤمنوا (لا على أفكار الله، بل) على أقوال الله » (رو3: 2). وأيضاً ما قاله استفانوس عن موسى إنه « قبل من الله أقوالاً حية ليعطينـا إياها » (أع7: 38). وداود يقول « روح الرب تكلم بي، وكلمته (وليس أفكاره) على لساني » (2صم23: 2)

إننا نتفق مع المصلح الشهير لوثر الذي قال: لم يقل المسيح عن أفكاره إنها روح وحياة، بل « الكلام (أو بالحري ذات الألفاظ) الذي أكلمكم به هو روح وحياة » (يو6: 63).

4- النظرية الجزئية: وتعنى أن هناك أجزاء فى الكتاب المقدس موحى بها، وأخرى غير موحى بها. ولكي ما يثبت أحد اللاهوتيين هذه النظرية، فإنه فسر الآية الواردة في فاتحـة الرسالة إلى العبرانيين « الله … كلم الآباء قديماً بأنواع (وفى حاشية الكتاب بأجزاء أو جزئياً) وطرق كثيرة »، والمقصـود من هذه الآية أن إعـلانات العهد القديم المتنوعة والكثيرة لم تكن كاملة، وكانت تنتظر الكمال في تجسد الكلمة، ومجيء الابن الحبيب بالجسد، لكن هذا اللاهوتي فسرها بأن ليس كل الكتـاب على نفس الدرجة من الوحي والعصمة؛ فنوع من الكلام هو وحي كامـل، والبعض الآخر وحي جزئي، وأجزاء ثالثة ليست وحياً على الإطلاق. لكن هذا اللاهوتي ارتبك ولم يعرف كيف يجيب عندما سأله واحد: وكيف تعرف أن عبرانيين 1:1 الآية التي بنيت عليها نظريتك هى ضمن آيات الوحي الكامل التي يمكنك الاستناد عليها؟

كلا ، بل إننا نتفق تمامـاً مع "رينيه باش" الذي قال: سواء كان الإناء المستخدم في الوحي مقتدراً فى القول كموسى، حكيماً كدانيـآل، فاسداً كبلعام، عدواً كقيافا، مقدساً كيوحنا، بلا جسد كالصوت الذي سُمِع فوق جبل سيناء، بلا شعور كاليد الكاتبة على حائط قصر بابل. . . فإن الفكـركان من الله، والعبارة أيضاً من الله.

5- النظرية الروحية: بمعنى أن الله أعطى الوحي للروحيـات فقط، أما الأمور الأخرى التاريخية أو العلمية. . .الخ فهي تحتمل الخطأ، شأنها شأن أية كتابات أخرى في ذلك الزمان. ويقول أصحـاب هذه النظرية إن الله تكلم إلينا فعلاً عن طريق كتابه المقدس، لكن ليست نصوص الكتاب هى كلمة الله، بل فقط الرسالة الروحية التي أتت إلينا من خلال هذه الكلمات. فحادثة دانيآل في جب الأسود مثلا هي في نظرهم قصة خياليـة لكنها مع ذلك تصور لنا أهمية الصلاة! ومعجزة تكثير الخبز لم تحـدث فعلاً - هكذا هم يقولون - لكنها تعلمنا الإيثار وتقديم ما عندنا للآخرين، وهكذا. عبر عن هذه النظرية واحد عندما علق على قصة إغلاق إيليا للسماء، وإعالة الغربان له بالقول: هذه القصة من الوجهة التاريخية خاطئة، ومن الوجهة الروحية صحيحة!!

ينتج عن هذه النظرية الفاسدة عدم قبول ذات كلمات الكتاب باعتبارها « أقوال الله »، كما أنها تجعل القارئ حراً تماماً أن يقبل أو يرفض ما يـراه هو صحيحاً أو خطأ فى عبارات وأقوال الوحي. وعندما نرفض إعطاء السلطان لكلمات الكتاب المقدس ففيمن نثق بعد ذلك يا ترى؟ أيجوز لنا أن نجعل من أنفسنا قضاة على أقوال الله؟

ترى من الذي يقرر ما هو صحيح، وما ليس له قيمة؟ كيف يمكنك التمييز بين الحقائق والتعاليم ؟ هل نترك ذلك لتذوقنا نحن للأمور؟ إننا بذلك نكون قد وضعنا أنفسنا فوق الوحي لنحكم نحن عليه، وبذلك يفقد الوحي معناه أصلاً. ثم كيف نفصل رسالة الوحي عن الخلفية التي منها قُدِمَت لنا هذه الرسالة؟ وأين في كل الكتاب نجد هذا الفاصل المزعوم؟ أين نجد ولو إشـارة أو تلميحاً عنه؟ أين في كل الكتاب يمكننا أن نستنتج أن جزءاً من الوحي مهم وآخر غير مهم؟

الوحي اللفظي أو الكلي

قال المعلم المقتدر ف.ب.هول: نحن لسنا بحاجة أن نضع نظرية لشرح الوحي الحرفي أو اللفظي، فهذه شأنها شأن كل الحقائق الإيمانية لا نفسرها بل نقبلها بالإيمان. ونحن إذ نوافق هذا المعلم المعتبر، فإننا لن نشرح الوحي لكننا نُعرّفه كالآتي: هو تأثير إلهي مباشر يؤثر على ذهن كتبة الوحي، به تأهلوا لأن يقدموا الحق الإلهي بدون أدنى مزيج من الخطأ؛ وبناء عليه فإن الروح القدس أعطى كتبة الوحي لا الأفكار فحسب، بل قادهم قيادة ماهرة في إنشاء العبارات اللازمـة للتعبير الخالي من الخطأ عن هذه الأفكار التي أعلنها لهم.

الإدراك هنا ليس له المركز الأول؛ فقد يكون ذهن النبي مستنيراً إلى حد ما من جهة ما يكتب، أما الوحي فلا يوجد فيه شئ اسمه "إلى حد ما"، بل هو تملُّك كامل من الروح القدس لأواني الوحي، سواء أدرك النبي ما يقول أو لم يدرك. فمع أنه توجد درجات فى الإدراك، إلا أنه لا يوجد درجات في الوحي. لقد كان لدى داود بعض الإدراك، ويوحنا المعمدان كان إدراكه أكبر من داود، ورسـل العهد الجديد كان إدراكهم أكبر من يوحنا المعمدان، أما الوحـي الذي أُعطى لداود، بل وأقول أيضاً الذي أُعطى قبله لبلعام، هو وحي بنفس القدر الذي أُعطى لبولس.

والوحي يجعل النبي يتكلم بغض النظر عن حالته؛ فقد يتكلم دون توقع منه كالنبي الشيخ في بيت إيل (1مل13: 20)، أو دون دراية بما يقول كما حدث مع قيافا (يو11: 51)، أو دون رغبة منه كما حدث مع بلعام (عد23،24)، أو دون إدراك كامل لكل أبعاد ما يقول كما حدث مع معظم أنبيـاء العهد القديم (دا12: 8،9 و 1بط1: 11،12).

ومع أن الوحي عصم الأنبياء من الخطأ، لكنه لم يفقدهم شخصياتهم. إن ظهور شخصياتهم يمثل العنصر البشرى في الوحي، وحفظ الروح القدس لهم من أي خطـأ في التعبير عن أفكاره السامية يمثل العنصر الإلهي. لقد تزود كتبة الوحي بمعونة خاصة من الروح القدس حفظتهم تماماً من الخطأ، دون أن يعنى ذلك أنهم تزودوا بقدرات إدراكية فائقة، فهذه القدرات خاصة بالله مصدر الوحي، لا الأنبياء أواني الوحي.

عن هذا الوحي اللفظي والكامل قال أمير الوعاظ سبرجون: إننا نناضـل لأجل كل كلمة في الكتاب المقدس، ونؤمن بالوحي الحرفـي واللفظي لكل كلمة من كلماته، بل إننا نعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك وحي للكتـاب إذا لم يكن الوحي حرفياً، فلو ضاعت الكلمات فإن المعاني نفسها تضيع.

وقال الأسقف رايل: إن الإيمان بالوحـي الحرفي اللفظي، رغم كل ما فيه من صعوبات، هو أفضل عندي من الشكوك والحيرة. فإني أقبل هذه الصعوبات وأنتظر باتضاع حلها، لكن طوال فترة انتظاري فإني أقف على الصخرة.

أمثلة لتوضيح «الوحي اللفظي»

والقصد من تسميته بالوحي اللفظي أن نبرز أهمية الألفاظ، فالألفاظ هامة جداً للتعبير الدقيق عن الفكر، وهي مختارة اختياراً إلهياً لهذا القصد. وهاك بعض الأمثلة التي توضح ذلك.

1- زمن الفعل: ففي محاورة للرب يسوع مع فريق من الصدوقيين (أحد الفرق الدينية على أيام المسيح) الذين ينكرون أمر القيامة، أوضح أن القيامة أمر متضمَّن في الكتب استناداً على قول الله لموسى « أنـا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب ». لقد بنى المسيح تعليمه في هذه الآية على زمن الفعل. فمن قول الرب « أنا إله » بصيغة الحاضر - وليس "أنا كنت إله" (I am, not I was) هذا معناه أنهم أحياء عنده، لأن الله ليس إله أموات (مت22: 31-33). ونفس هذا الأمر نجده أيضاً عندما أعلن الرب يسوع أمام اليهود قائلاً « قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (وليس أنا كنت) » (يو8: 58). وهذا معناه أنه الله الواجب الوجود.

2- ضمير الملكية (حرف الياء): إذ يسأل الرب يسـوع الفريسيين قائلاً « المسيح ابن من هو؟ » ثم يستطرد قائلاً « فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلا قال الرب لربى اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك؟ فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه؟» (مت 22: 43- 45).


3- المفرد وليس الجمع: يؤكد الرسول بولس تعليماً مبنياً علي لفظ واحد مكتوب بالمفرد لا بالجمع في قوله « أما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفى نسله (بالفرد لا الجمع. ثم يوضح قائلاً) لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين، بل كأنه عن واحد (وفي نسلك) الذي هو المسيح » (غل3: 16)

4- كلمة واحدة فقط عليها التركيز: فكلمة واحدة فقط يكون لها مدلول هام يؤثر بقوة في المعنى، وهو ما نجده فى الرسالـة إلى العبرانيين إذ يقتبس الرسول من نبوة حجى 2: 6 ويقول « أما الآن فقد وعـد قائلاً إني مرة أيضاً أزلزل لا الأرض فقط بل السماء أيضاً». ثم يعلق قائلاً « فقوله مرة أيضاً يدل على تغيير الأشياء المتزعزعة كمصنوعة » (عب12: 26،27). ومرة أخرى يقول المسيح لليهود « أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت إنكـم آلهة. ثم يعلـق قائلاً « إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن يُنقَض المكتوب » (يو 10: 34،35).

من هذا كله يتضح لنـا دقة تعبيرات الكتاب المقدس، بل وأهمية حروفه. وليس الحروف فقط بل النقط أيضاً، ولذلك قال المسيح « لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل» (مت5: 18).

«العنصر البشري»

لقد استخدم الله العنصر البشري في الكتاب المقدس. فالله استخدم لغة البشر لكي يخاطبنا بها، كما استخدم أيضاً عقول كتبة الوحي وأذهانهم وذاكرتهم وعلمهم واختباراتهم ومشاعرهم والظروف المحيطة بهم. ومن هذا الامتزاج بين العنصرين الإلهي والبشري معاً تكونت كلمة الله كما يقول داود « روح الرب تكلم بي وكلمته علي لساني » (2صم23: 2). لقد سيطر الله علي العنصر البشري للكاتب مما سمح بظهور الطابع الشخصي لا الخطأ الشخصي.

هذا الأمر نجده واضحاً في فاتحة إنجيل لوقا. فلوقا جمع الوثائق المعتمـدة من شهود العيان وتحقق بنفسه من صحتها، وكان هذا هو العنصر البشرى في المؤرخ المدقق. لكنه عندما قام بالكتابة فإنه لم يكتب من ذاته دون أن يستلم الروح القدس كيانه بأسلوب فائق كيما يختار الحقائق التي يذكرها وتلك التي لا يذكرها، ولكي يرتبها في نسق معين كيما يخرج منها باستدلالاته واستنتاجاته.

يمكننا تشبيه هذا الامتزاج بين العنصرين الإلهي والبشري بالفنان الذي يعزف علي عدة آلات موسيقية فنسمع أصواتاً مختلفة ولو أن العازف واحد، ومع عظمة العازف فإنه سيتحرك في حدود قدرات الآلة التي بين يديه. هكذا فإن الله الذي كوّن الإنسان وشكّل ظروف بيئته، جهز أيضاً كل واحد من كتبة الوحي، أفـرزه من بطن أمه ودعـاه بنعمته (غل1: 15) ليعزف بواسطته مقطوعته الرائعة. وإني أتساءل: هل كان ممكناً لشخص آخر غير سليمان أن يكتب لنا عن خواء العالم وبطله كما فعل هو في سفر الجامعة؟ إنه لم يكن ناقماً علي العالم إذ لم يُحرَم من شيء مما تحت الشمس، بل تمتع بلذائذ الحياة كلها دون أن يفقد الحكمة؛ وأخيراً سجل لنا اختباره « باطل الأباطيل الكل باطل »، لكن كتابته كانت بالوحي. ومن مثل بولس كان يمكنه أن يكتب لنا عن عدم امتلاك البر الإلهي بالأعمـال الناموسية؟ فمن مِن البشر كان لـه من الامتيازات نظيره حتى قال « إن ظن واحد آخر أن يتكل علي الجسد فأنا بالأولىَ» (في3: 4)، لكنه اعتبر هذا كله من أجل المسيح خسارة!! لكن ما كتبه أيضاً كـان بالوحي. وأنت إذ تقرأ كتابات لوقا تشعر إزاء اللمحات الطبية فيها* أن كاتبها طبيب؛ وهذا لا يتعارض مع كون الروح القدس أملاه ما كتب.

مشكلة واعتراض

هذه المشكلة هى كيف نسمي الكتاب المقدس «كلمة الله» رغم أنه يحتوي علي أقوال الشيطان وأقوال الأشرار، أو علي الأقل أقوال بعض القديسين الخاطئة في لحظات فشلهم وضعفهم (انظر جا2: 24)؟ والإجابة البسيطة علي ذلك هي أن الأمر بتسجيل هذه الأقوال هو الذي كان بالوحي لا الكلمات ذاتها.

في آيات مثل متى 12: 24، 26: 69،70 وتكوين3: 4 وغيرها، نحن عندنا تسجيل صحيح لأقوال خاطئة، أو بالحري التسجيل كان بالوحي، رغم أن الأقوال نفسها ليست موحى بها.

إذاً فالتعليم بالوحي الحرفي أو اللفظي لا يعلم بأن كل أقوال الوحي هي على ذات القدر من الأهمية، بل إنها كلها سجلت في الكتاب بالوحي.

ولقد أوضح بولس هذا الأمر عندما ميز آراءه الخاصة في مسائل خاصة بالزواج موضحاً بصريح العبارة أن هذا رأيه هو وحُكمه الروحي في الأمر وليس « وصايا الرب » (1كو7).

ويعترض البعض على هذه النظرية بقولهم إننا بهذه النظريـة عن الوحي اللفظيوالحرفي نؤلِّه النص، أما هم فيفضلون أن يضعـوا الرب وليس الوحي سيداً عليهم. ولقد أصاب د. لويد جونز في رده عليهم بالقـول: كيف تعرف الرب؟ ما الذي يمكنك أن تعرفه عنه خارج الكتاب المقدس؟ وكيف تتأكد أن ما تعرفه بالاختبار عنه ليس وهماً مستمدَاً من خيالك؟ أو أنه ليس من نتاج حالـة نفسية غير مستقرة؟ أو أنه ليس أحد تخاريف العبادات السرية الشيطانية التي انتشرت فى هذه الأيام؟ أولئك الذين يقولون نحن نتمسك بالرب وحده، أو الذين يقولون إننا نذهب إلى الرب مباشرة عليهم أن يجيبوا على هذه الأسئلة أولاً.

وإذا كان بوسع المرء أن يحكم على التعليم من الثمار التي تنشأ عنه؛ فما أمر ثمار إنكار الوحي الحرفي للكتاب المقدس.. فليس بمستغرب أن يتبنى كثير من لاهوتيِّ القرن العشرين الانحلال الجنسي بل والشذوذ الجنسي والطلاق، رغم تحذير الكتاب الصريح من هذه الشرور.

قديماً قال الجاهل في قلبه ليس إله، ففسدوا ورجسوا بأفعالهم (مز14: 1)، واليوم قالوا ليس وحي من عند الله وكانت نفس النتيجة من الفساد والرجاسة .................... م : يوسف رياض
  رد مع اقتباس
قديم 26 - 08 - 2012, 03:19 PM   رقم المشاركة : ( 4 )
john w Male
| غالى على قلب الفرح المسيحى |

الصورة الرمزية john w

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 38
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 45
الـــــدولـــــــــــة : فى قلب يسوع
المشاركـــــــات : 1,280

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

john w غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وحى الكتاب المقدس

وحى الكتاب المقدس . 4 _ الطعون والرد عليها

4 - _ بعض الطعون والرد عليها






التي فيها أشياْء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم

(2بطرس 3: 16)








لي قبل الدخول في سرد بعض الطعون عدة ملاحظات:

الملاحظة الأولى: عن الكيفية التي ينبغي أن نتصرف بها عندما نواجَه بمن يطعنون في كلمة الله، ويتهكمون بازدراء عليها، ناسبين إليها أخطاء ليست في الكلمـة بل في عقولهم هم. من الناحية الواحدة، لا ينبغي أن نسكت، فالسكوت في هذه الحالة جبن وخيانة للحق. والله لم يعطنا روح الفشل (أي التراجـع والجبن)، بل روح القوة والمحبة والنصح (2تى 1: 7). ومن الناحية الأخـرى، لا يليق بنا الانفعال أو العصبية، بل علينا في ردنا لا أن نبين الحق فحسب؛ بل نبين أيضاً الروح المسيحية الحقة. ينبغي أن يكون ردّنا مقترناً أيضاً بروح الإشفاق علي أولئك الذين قد اقتنصهم الشيطان لإرادته فيفترون ويتطاولون علي الله وكتابه.

الملاحظة الثانية: إنـه لم يخطـر على بالي أن أفنّد كل الاعتراضات التي يقدمها غير المؤمنين على الكتاب المقدس، لأن هذا يستلزم مساحة أكبر مما يحتمله هذا الكتـاب، ولأنه لا نهاية لافتراءات العقل البشري السقيم. فحتى لو أجبنا على كـل الطعون المقدمة حالياً، فإنه ليس عسيراً أن يجد العقل طعونـاً جديدة. نعم، ليس لهؤلاء أكتب ما أكتبه الآن، بل إني أقدم الإيضاحات لفائدة محبي الحق.

الملاحظة الثالثة: من مناقشـاتي مع عدد من هؤلاء الطاعنين، اكتشفت أن معظمهم لم يقرأوا الكتـاب المقدس على الإطلاق. لقد قرأوا الكتب التي تطعن في الكتاب المقدس، فتمت فيهم كلمات الوحي « هؤلاء يفترون على ما لا يعلمون... ويل لهم » (يه10،11). ليت هؤلاء يكون عندهم الإخلاص الكافي الذي سيكافئهم الرب حتماً عليه لو بحثوا باتضاع وانتظار لله.

الملاحظة الرابعة: يقيناً هناك مشكلات ستقابلنا في الكتاب المقدس، فإن إعلاناً غير محدود إلى عقول محدودة لابد أن يصاحبه مشكلات لا نعرف الرد عليهـا. نحن لازلنا على الأرض، وإلى الآن لم نعلم كل العلم، ولا نحن نمتلك المعرفة الكاملة. ومع ذلك فالإيمان يثق تماماً في حكمة الله، كما أنه يقيناً لا توجد صعوبة لن يجد القلب المؤمن الإجابة المريحة لقلبه وذهنه عليها إن آجلاً أو عاجلاً.

الملاحظة الخامسة: الكتاب المقدس لا يحتاج إلى دفاعنا نحن. وعندما طلب واحد من الواعظ الإنجليزي الشهير سبرجون أن يدافع عن الكتاب المقدس أجابه سبرجون: ماذا تقول؟ أدافع أنا عن الكتاب المقدس؟ وهل يدافع أحد عن الأسد؟

نعم ليس دفاعاً عن الأسد نكتب هذا الآن، بل إشفاقاً على نفوس الذين عن عمد ينطحون الصخـر برؤوسهـم. أولئك الذين سوف تدميهم الجراح، ويظل الصخر كما هو، حاملاً آثار دماء من هشموا أنفسهم عليه.

والآن إلى بعض عينات من هذه الطعون.

أولا: عدم معرفة أسماء كتبة بعض الأسفار المقدسة على وجه اليقين

قال واحد "لأجل أن يكون الكتاب الديني حُجة يجب ... أن تكون نسبة الكتاب إلي الرسول الذي نُسب إليه ثابتة بالطريق القطعي ... من غير أى مظنة للانتحال"

الرد: سبق أن أوضحنـا في الفصلين الأول والثالث أن الكتاب المقدس ليس كتاباً دينياً بل هو كتاب الله، وكاتبه الحقيقي هو الله. وهذا ما شهد به الكتاب عن نفسه، وهذا ما تأكد لنا بالعديد من الأدلة والبراهين العقلانية كما رأينا في الفصول السابقة. وعليه فليس مهماً أن نعرف الواسطة التي استخدمها الله إذا كان الله لم يشأ أن يطلعنا على اسم من استخدمه، سيما وأن كلمة الله لا تستمد قيمتها من الإنسان الذي استخدمه الله، بل من الله ذاته.

لو أن القائـد العام أرسل إلى أحد جنرالاته رسالة، فإنه يكون لرسالته كل التقدير من هـذا الجنرال سـواء رأى القائد العام أن يرسلها عن طريق ضابط اتصال معروف أو عن طـريق جندي مراسلـة مجهول، طالما أن الرسالة ذاتها تحمل الدليل الذي لا يقبل الشك على أنها من القائد العام.

ثانيا: خطايا الأنبياء

هذه عينـة من إحدى الطعنات: "إن القراءة المتأنية (للتوراة) المتداولة لا يخرج منها القارئ بأنه أمام كتاب أوحى به الله. فالأنبياء، الذين تعارفنا على إجلالهم واحترامهم؛ نراهم في (التوراة) عصبة من الأشرار، سكيرين ولصوصاً وزناة وكذابين ومخادعين وقتلة".

نجيب على قائل هذا الكلام - بعد أن ندعو له برحمة الله - بما يلي :

1 - احترام الأنبياء: الأنبياء الذين ورد ذكرهم في الكتاب المقدس لم يكونوا عصبة من الأشرار، ولا كانوا كما وصفهم صاحبنا، بل لقد عاشوا حياة الأمانة لله بصورة واضحة، وأظهروا كثيراً من الصفات المباركة في سلوكهم. على أن الكتاب المقدس لا يعلّم أبداً أنهم معصومون، فلكل إنسان نقاط ضعفه ولا كمال إلا لله. وهذا يتمشى تماماً مع تعليم الكتاب المقدس « إن قلنا إننا لم نخطئ نجعله كاذباً وكلمته ليست فينا »(1 يو1: 10).

2 - الكتاب الصريح: الكتاب المقدس لم يُكتَب لتمجيد الإنسان، ولا هو يحض على عبادة البشر، ولهذا فلقد سجل حياتهم بكل أمانة، حتى أخطائهم. إن غرض كتاب الله الوحيد هو إعلان الله لنا؛ هذا الإله الذي مع أنه يكره الخطية لكنه يحب الإنسان الخاطئ. الله يحبنا وهو غير مخدوع فينا على الإطلاق. من فينا ينكر - إلا المرائي والمخادع - أن في حياة كل منا صفحات لو أن يد الله الأمينة سجلتها سيغطينا الخزي تماماً، وسيتضح أنه « لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله » (رو3 :22، 23).

3 - لا تشجيع على الخطية: مع أن الكتـاب المقدس سجل خطايا الأنبياء، لكنه لم يمدح الخطيـة، ولا وضعهـا في إطار جذاب، بل على العكس صور بشاعتها ودنسهـا وقبحها في عيني الله، كما صور أيضاً ما سببته الخطية من أحزان ومرائر على مرتكبيها حتى إنه بسببها ذُرِفت أسخن الدموع ندماً وتوبة. فما كان أصعب على نوح أن يستخدمه الله بالنطق باللعنة على ذريته ! وما كان أشد آلام داود وهو يحصد نتيجة خطيته المعروفة!

لقد أصاب أحدهم عندما قـال: "إن الطبيب ليس مسئولاً عن أمراض الناس التي يشخصها، هكـذا الكتاب أيضاً ليس مسئولاً عن الشر الذي يصفه. والجـراح يكشـف الجراح ويعريها قبل أن يتمكن من معالجتها علاجاً كاملاً، هكذا يفعل الكتاب المقدس أيضاً".

4 - لا يأس بسبب الخطية: قصد الله أن يلقى الضوء على هذه الخطايا لكي يحذرنا من السقوط في الخطية مهما سمونا روحياً، وأيضاً حتى إذا سقط واحد منـا ( ولا عذر لنا ) فلا يهوي مع سقطته هذه إلى بالوعة اليأس، فعند الله نعمة أعظم من أعظم الخطايا.

5 - دليل مؤيد لا معارض: أخيـراً أقول إن تسجيل هذه الخطايا لا يُسقط صفة الوحي عن الكتاب بل علـى العكس هو يدعمها. فلو لم يكن هذا الكتاب كتاب الله، لكان اليهود أنفسهم هم أول من بادر بإزالة كل ما يشوه تاريخهم وينسب النقص لأنبيائهم كعادة البشر في تمجيد أبطالهم.

ثالثا: القسوة الواضحة في العهد القديم

أوصى الله شعبه المرة تلو المرة - قبل دخولهم أرض كنعان - أن يقتلوا سكان الأرض كلهم، لا يستبقوا صغيراً ولا كبيراً، وأن لا تشفق أعينهم عليهم (أنظر تث 7: 1-3،24، يش 6: 16-21، عز 9: 11 ، 12 أنظر أيضاً 1صم 15: 3 ...الخ). ويقولـون هل كتاب يحوى هذا التحريض السافر على القتل بلا تمييز يكون هو كتاب الله ؟!

وللإجابة على ذلك نقول.

1- قبل أن يدخل الشعب أرض كنعان بأكثر من أربعمائة سنة كان الله قد وعد إبراهيم بأن يعطي الأرض لنسله، لكنه أوضح لإبراهيم أن ذنب الأموريين (سكان تلك الأرض) لم يكمل بعد (تك15: 16). فكون الله أطال أناته عليهم كل هذه القـرون، وكان يقدر أن يحرقهم مع سكان سدوم وعمورة
بنار وكبريت، فهذا دليل على أناة الله ورحمته لا قسوته.

2- كانت الحالة الأدبية لهذه الشعوب مريعة للغاية. فلقد فاقت وثنيتهم، والشرور المقترنة بهذه الوثنية كل تصور. في سفر اللاويين 18 يرسم الرب صورة بشعة لأحط الخطايا، ويقول إن شعوب تلك الأرض نجست أرضهم بها، فقذفتهم الأرض (لا18 :24 ،25). لهذا عندما تذكر المرنم بعد ذلك كيف قضى الرب على هذه الشعوب لم يقل لأن إلى الأبد نقمته، ولا حتى لأن إلى الأبد عدله، بل « لأن إلى الأبد رحمته » (مز136: 17-21). فلقد كان تخليص الأرض من هذه الشعوب مظهر رحمة من الرب، تماماً كما يفعل الجراح عند استئصال العضو المفسد، رحمة بالجسد!

3- ثم لحكمة إلهية قصد الرب أن يقوم شعبه بأنفسهم بممارسة القضاء الإلهي على هذه الشعوب، لكـي يتعلموا عملياً كراهية الرب للخطية، فلا يتمثلوا بهذه الشعوب في نجاستهم. لكن الذي حدث بالأسف هو أن الشعب تهاون في تنفيذ أمـر الرب الصريح، وأبقوا علي كثير من هذه الشعوب، بل وتعلموا منهم خطاياهم. ولعل سفر القضاة خير شاهد علي ما وصلت إليه حالة شعب الله من وثنية ونجاسة بسبب اختلاطهم بهذه الشعوب!

4- لكن الله ليس عنده محاباة. فكما طرد شعوب هذه الأراضي لشرهم وأسكن فيها شعبه، فإنه حذر شعبه أيضاً أنهم لو تنجسوا سيبيدون بدورهم عن الأرض لا محالـة (لا18: 28، 26: 27-33، أش1: 19، 20). وهذا عين ما حدث فعلاً وسُجِل بالفعل في العهد القديم الذي يحتفظ به اليهود أنفسهم. وعليه يكون هذا الاعتراض أيضاً مؤيداً لوحي الكتاب المقدس ومصدقاً عليه.

رابعاً: تناقض أقوال الكتاب المقدس

في كثير من أسفار الكتاب المقدس، لا سيما الأسفار التاريخية في العهد القديم، والأنـاجيل في العهـد الجديد، عندما يتكرر ذكر الحادث في أكثر من موضع يبدو للقارئ السطحي تناقض ظاهري بينها في الأعداد أو الأسماء أو مضمون الرواية؛ الأمر الذي اعتبره خصوم الكتاب أنه هزيمة حاسمة للكتاب المقدس.

قام واحد من هؤلاء الخصوم فعدد مائه وستة اختلافات بين الأناجيل وبعضها، وسنبين فيما يلي بعض عينات للاختلافات المزعومة والرد عليها.

قال هناك أوجه اختلاف ستة في نسب المسيح كما ورد في متى 1 وفي لوقا 3.

هذا ما قاله صاحب الطعـن. أما الحقيقة فتبدو رائعة للمتأمل المدقق، لأن المسيح بخلاف باقي البشر جميعاً له سلسلتان للنسب لا سلسلة واحدة؛ واحدة رسمية ترجعإلىيوسف الذي نُسب المسيح إليه، وواحدة فعلية ترجع إلى مريم التي منها فعـلاً، لا من يوسـف، ولد المسيح! فإنجيل متى يقدم سلسلة نسب المسيح الرسمية، أي عن طـريق يوسف الذي كان اليهود يظنون أنه أبو يسوع، وهو فعلاً كان أبـوه من الناحيـة الرسمية لا الفعلية كما نعلم، لأنه ولد بقوة الروح القدس بـدون زرع بشر (مت 16:1). أما لوقا فيقدم لنا السلسلة الفعلية، أى عن طريق مريم أم يسوع (لوقا23:3). ومرجع ذلك أن متى - كما سبق أن ذكرنا في الفصل السابع - يقدم لنا المسيح الملك « أين هو المولود ملك اليهود؟» (مت2:2)، أما في لوقا « القدوس المولود منك (أي من العذراء مريم) يدعي ابن الله » (لو1: 35). متى الذي يكتب لليهود، ويشير إلي المسيح في إنجيله تسع مرات بألقاب ملكية، يذكر سلسلة المسيح الرسمية عن طريق سليمان بن داود منتهياً بيوسـف رجل مريم، أما لوقا فيقدم سلسلـة نسـب المسيح عن طريق المطـوبة العذراء مريم التي منها جاء المسيح فعلاً مروراً بناثان بن داود. والملفت للنظر أن سلسلتي النسب؛ السلسلة الرسمية والسلسلة الفعلية تؤكدان أن يسوع هو «ابن داود»!

مثال آخر ما ذكره البشيرون عن تلك الحادثة التي فيها سكبت مريم قارورة الطيب علي قدمي يسوع ورأسه. فمتى ومرقس يذكران أنها سكبت الطيب علي رأسه (مت26: 7، مر14: 3) أما يوحنا فيقول إنها سكبت الطيب علي رجليه (يو12: 3). وواضـح إن ذكر الجزء لا ينفي الكل. ثم إن يوحنا أشار تلميحاً إلي كـلا الأمريـن (يو11: 2). أما لماذا انفرد يوحنا بذكر سكب الطيب على قدميه فلأن لهاتين القدمين بحسب ما أورده يوحنا، غلاوة خاصة علي قلب مريم. فبهما سار الرب معها وقت حزنها، قبل فترة وجيزة، حيث أقام لعازر أخاها من الأموات (يو11). لـذا ففي مناسبة إكرامه لأجل إقامته للعازر (يو12)، فإنها سكبت الطيب علي قدميه ومسحتهما بشعر رأسها. من الناحية الأخرى يتحدث إنجيل متى عنه كالملك، ومـرقس كالنبي. وكل من الملك والنبي كان يمسح بسكب الدهن علي رأسه. أما يوحنا الذي يتكلم عنه باعتباره ابن الله، ويبرز من الأول للآخر مجد وجلال هذا الشخص السماوي، الله الظاهر في الجسد، فلم يكن مناسباً أن يذكر سكب الطيب علي رأسه بل علي قدميه فقط!!

خامسا: عدم دقة الاقتباسات أو تطابقها

إن عدم تمسك الرسل بالاقتباس الدقيق من كلمة الله اعتبره البعض تقليلاً من قيمة الآيات الموحي بها التي لا يصح تحريفها قط. مما يبرهن - بحسب رأيهم - علي عدم وحي الكتاب، أو علي الأقل يؤيد زعم القائلين بالإعلان، لا الوحي اللفظي لكلمات الكتاب (راجع الفصل الثالث).


والرد علي ذلك أننا في أحيان كثيرة، في الكلام الشفهي أو التحريري، نعيد ذكر ما قلناه سابقاً بنفس المعنى مستخدمين عبارات مختلفة، ويكون ذلك بقصد توكيد الفكرة وتوضيحها. أما بالنسبة للكتاب المقدس فلا تحريف فيه علي الإطلاق، فكل من الأصل والاقتباس موحى به من الله، فالروح القدس هو صاحب الكلمة من الأول للآخـر، ولا يوجد مثله من يعلم المعنى الكامل لكلماته. فإذا أعاد صياغة كلامه بأسلـوب جديد ليعطي نوراً جديداً علي قول قديم، لم يكن الوقت قد حان بعد لإعلانه عند إعطاء القول الأصلي (أنظر يو16: 12، 13)، فهذا ليس تحريفاً في الكتاب المقدس. ومن الجميل أننا باتضاع واعتماد علي الروح القدس نحاول اكتشاف الكنوز العجيبة التي وراء كل اختلاف. وسنحاول الآن توضيح بعض الأمثلة كعينات:

نبدأ بمثال بسيط ورد في عبرانيين 2: 12 « أخبر باسمك اخوتي وفي وسط الكنيسة أسبحك ». هذا الاقتباس ورد من مزمور 22: 22 حيث ترد العبارة الأخيرة هناك « في وسـط الجماعة أسبحك ». ولا غرابة، فالكنيسة في العهد القديم كانت لا تزال سراً لم يتم إعلانه بعد، لكنه أُعلن في العهد الجديد للرسل والأنبياء (أف3: 3-10)

مثـال آخر ورد في 1كورنثوس 2 :9 « كما هو مكتوب ما لم ترعين ولم تسمـع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه ». ولقد أتى بولس بهذا الاقتباس من إشعياء 64: 4 حيث يقول « منذ الأزل لم يسمعوا ولم يصغوا. لم تر عين إلهاً غيرك يصنع لمن ينتظره ». والاختلاف بين الأصل والاقتباس واضح.

النص الأصلي يتكلم عن صلاح أفكار الله في معاملاته مع شعبه الأرضي (اليهود) هنا في الزمـان. فيقتبسها الرسول مطبِقاً إياها علي صلاح مقاصد النعمة السامية قبل الدهور نحو الكنيسة. واضح أن العهد القديم لا يتحدث عن الأزلية ولا عن الأبديـة ولا عن الكنيسة. إن مجاله هو الأرض والزمان. على أن قلب الله لم يتـغيّر. لذا فالرسول يقتبس مبدأ النعمة والصلاح في قلب الله ليطبقه على مدلول أبعد مما يحتمله العهد القديم. وكما اقتبس الرسول بولس من إشعياء 64 وأضفي على اقتباسه بعداً أزلياً، اقتبس أيضاً بطرس من إشعياء 65: 17 وأضفي علي اقتباسه (2بط3: 13) بعداً أبدياً. فالقول في إشعياء 65 يقتصر على وضع السماء والأرض المجيد في الملك الألفي، أما بطرس فيطبقه على الأبدية.

مثال آخر ورد في عبرانيين 10: 5 « ذبيحة وقربانا لم تُرِد ولكن هيأت لي جسداً ». هذه الأقوال مقتبسة من مزمور 40: 6. حيث يقول « بذبيحة وتقدمة لم تسر، أذنيّ فتحت. محـرقة وذبيحة خطية لم تطلب » ومن ذا الذي لا يلاحظ الفارق بين الاقتباس والنص الأصلي.

وكلمة فتحت المذكورة في مزمور 40 بحسب الأصل العبري تعني حرفياً "حفرت". وعملية الحفر ينشأ عنها شيء لم يكن له سابق وجود. ما هو الشيء الذي لم يكن له سابق وجـود بالنسبة لله؟ إنه الجسد* لذا كان مناسباً أن يذكر الروح القدس هذه العبـارة في العهد القديم بهذه الصورة، حيث لم يكن قد آن الأوان بعد لإعـلان هذا التجسد، بل كان مجرد وصية قبلها الابن من أبيه في الأزل « أذنيَّ فتحت ». لكن بعد أن تم التجسد واستعلن سر التقوى (1تي3: 16)، فإن الروح القدس أماط اللثام عما كان يقصده من هذه العبارة.

والمثال الأخير ورد في عبرانيين 10: 37 « لأنه بعد قليل جداً سيأتي الآتي ولا يبطئ » وهو مقتبس من نبوة حبقوق 2: 3 « إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتياناً ولا تتأخر ». الكلام في حبقوق بالمؤنث لأنه يعود علي الرؤيا؛ أي منتهى آمال اليهودي التقـي، اقتبست في العبرانيين بالمذكر لأنها تعود على المسيح منتهى آمال المسيحي التقي. النصان موحى بهما من الله تماماً. لكن بينما في العهد القديم يحدثنا عن رجاء اليهودي، فإنه في العهد الجديد يحدثنا عن رجاء المسيحي. فرجاء اليهودي التقي هو مجيء المسيح إلى الأرض وتأسيس ملكوته السعيد وإخضاع كل الأعداء فتنعم الأرض بالبر والسلام والرخاء، أما المسيحي فإن له رجاء مختلفاً؛ هو شخص المسيح الآتي نفسه، فيأخذنا إليه حتى نكون كل حين معه.

سادساً : متفرقات

1) سفر أستير : المعضلـة أمام الذين يطعنون في وحي هذا السفر هي أن اسم الله لم يرد فيه ولا مرة. فكيف يكون سفـر من أسفار كلمة الله ولا يرد فيه اسم الله على الإطلاق!!

هذه المعضلة ليست جديدة. فيبدو أنه لما شرع اليهود في ترجمة هذا السفر إلى اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد كان كثيراً عليهم أن يتركوا السفر بهذه الصورة. ولهذا فقد قام أحدهم بكتابة أحد أسفار الأبوكريفا (انظر الفصل الثامن) هو تتمة سفر أستير، وفيه صلاة طويلة على فم مردخاي وأخرى أطول على فم أستير، وجـاء اسم الله في هذا السفر غير القانوني ما يزيد عن 40 مرة. لكن ما أبعد الفارق بين ما يكتبه الإنسان وما يكتبه الله!

إذاً فمن المؤكـد أنه لو كان للإنسان دخل أو اختيار في الموضوع، لما أمكنه أن يتجاهل اسم الله في السفر كله . فلماذا عندما أوحى الله بكتابة سفر أستير مُنِع الكاتب تماماً من أن يسجل أى صلاة أو أن يسجل اسم الله ولو مرة واحدة؟ للإجابة على هذا السؤال يلزم فهم جو السفر أولاً.

لقد كُتِب هذا السفر بعد حوادث هامة، تمت عندما أطلق كورش الفارسي نداء في كل مملكته ليرجع من يريد من اليهـود إلى أورشليم ليبنى بيت الرب. ولقد ورد هذا النداء في كتب الأنبياء وتسجل قبل حدوثه بفترة طويلة، لينال ختم المصادقـة الإلهية عليه. فلماذا ظل كثير من اليهود في فارس بعد أن فتح الرب لهم باب الرجوع؟ ليس من إجابة سوى أنهم استهانوا بهذا الباب المفتوح!

إذاً فأولئك اليهود الذين يحدثنا عنهم سفر أستير هم صورة للذين يرفضون خلاص الله المجاني. لا همَّ لهم سوى النجاح الزمني، أما الخلاص الأبدي فقلّما يشغل أفكارهم. ولأن الله مخلص جميع الناس (1تى 4: 10)، فهم بلا شك يتمتعون بخلاص من هذه الناحية؛ أي أنهم يتمتعون بعناية الله، لكن ليس لهم الله نفسه.

أو يمكن القول إنهم إذا كانوا يصورون المؤمنين، فإنما هم يصورون لنا المؤمنين العالميين الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة، أما أمور الرب فآخِر ما يشغل بالهم. وهؤلاء مع أنهم يمتلكون خلاص الرب فعلاً، إلا أن الله نفسه يستحي أن يُدعَى إلههم، بخلاف الذين رجعوا لبناء البيت حسب مسرته (قارن عب11: 16).

ثم إن هناك معنى أبعد لصمت الله المتعمد هذا، فإن هؤلاء الباقين في أرض فارس هم صورة لليهود الذين رفضوا خلاص الله في المسيح لما جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله. وكان نتيجة عدم إيمانهم أنهم تشتتوا مرة ثانية بين الأمم (سنة 70 م). إلا أن عدم إيمانهم لا يمكـن أن يُنسى الله كلمته التي سبق أن قالها « أبارك مباركيـك ولاعنك ألعنه » (تك 12: 3)، فمع أن الله لا يعترف بهم علانية كشعب في الوقت الحالي إذ يُدعون "لوعمي"؛ أي لستم شعبي، لكنه يعتني بهم من خلف الستار.

ما أجمل أن ما يعلمنا إياه الله بالكلام، يعلمنا إياه أيضاً في أحيان أخرى بالصمت، دون أدنى تناقض!!

(2) سفر نشيد الأنشاد: إن المشكلة بالنسبة لهذا السفر أعقد؛ فهي ليست فقط خلو السفر من اسم الجلالة، بل هي موضوع السفر نفسه الذي سبّب لأذهان غير المؤمنين تشويشاً كبيراَ حتى قال أحدهم "إذا جئنا إلى نشيد الأنشاد فنحن أمام ملحمة شعرية عن الحب والجنس لا نفهم أي علاقة بينها وبين الدين"!!

أما دارس الكتاب المقدس فلا يخفي عليه أن الكتاب المقدس كثيراً ما يستخدم لغة البشر لتفهيمنا حقائق روحية سامية، وإلا لاستحال علينا أن نفهم أى شئ عن الله. فالكتاب المقدس مثلاً يقول « عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم » (مز 34 :15) دون أن يقصد - كما لا يخفي علينا جميعا - أن لله عينين أو أذنين؛ لأن « الله روح » (يو4: 24). كما أنه يحدثنا عن معاملات الله معنا بلغة بشرية نفهمها، فيقول إنه يقف بجانبنا كالأخ (أم 17: 17)، ويشفق علينا كالأب (مز 103: 13، ملا3: 17)، ويعزينا كالأم (إش66: 13،49: 15)؛ لهذا فليس عجيباً أن يرسم محبته لنا وغيرته علينا كمحبة العريس وغيرته من نحو عروسه.

وهذه الصورة لم ينفرد بها سفر نشيد الأنشاد بل تحدث عنها إشعياء أيضاً عندما قال « كفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك » (62: 5). وتحدث عنها إرميا « ذكرت لك غيرة صباك، محبة خطبتك، ذهابك ورائي في البرية في أرض غير مزروعة » (2: 2). وتحدث عنه هوشع « أخطبك لنفسي إلى الأبد...» (2: 19، 20). وكثيراً ما صور الكتاب المقدس التحول عن الله وعبادة الأوثان بأنه زنا. وأخيراً نجد المعمدان يتحدث عن الذين تركوه وتبعوا الرب يسوع (المسيا) بأنهم هم العروس « أنتم أنفسكم تشهدون لي أنى قلت لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه. من له العروس فهو العريس » (يو3: 28، 29).

وتوُصف الكنيسة في العهد الجديد أيضاً بأنها عروس المسيح؛ العروس السمـاوية، نظراً للمحبة العميقة والعلاقة الوثيقة والرابطة الأبدية التي لها مع المسيح (2 كو 11: 2، أف5: 26، رؤ19: 7-9، 21: 9)

3- سفر دانيآل: أما سفر دانيآل فإنه لا يوجد في كل الكتاب سفر نظيره اجتمعت عليه كلمة كل النقاد حتى إن واحداً اعتبر ما كتبه النقاد بشأنه "واحد من أروع الانتصـارات وأفيد الإنجازات للنقد الحديث". وسأكتفي بالحديث عن نقطة واحدة هامـة، وهى تأخُر زمن كتابة هذا السفر، حيث يقولون إنه كُتب نحو عام 100 ق.م. ثم نُسِب إلى دانيآل هذا الذي مات قبل ذلك بأكثر من 370 عاماً. وسر إصرارهم على هذه النقطة واضح؛ لأن نبوة دانيآل تحتوى على أمور كثيرة مستقبلة ومحـددة بغاية الوضوح. ومشكلتهم أنهم ينكرون الإعلان والوحي والنبوة على الإطلاق.

وفي طعنهم للسفر قالوا إن ذِكـر التواريخ بالتحديد في النبوة ليس مألوفاً، وعليه يكون تسجيل هذه الحوادث قد تم بعد وقوعها وليس قبله*. ثم أضافوا إن عدم ورود اسم دانيآل في الأبوكريفا (سفر ابن سيراخ) مع زمرة الأنبياء يدعم وجهـة نظرهم. ثم قدموا الدليل القاطع على أن زمن هذه النبوة متأخر فعلاً (أى في زمن حكم اليونان وما بعده) إذ أن الآلات الموسيقية المذكورة في أصحاح 3 أربع مرات هي يونانية المصدر وأسماءها من أصل يوناني.

وردّنا على طعونهم تلك أن الكتاب المقدس سجل العديد من النبوات المحددة التاريخ. نجد هذا في سفر إشعياء (7: 8)، وفي سفر إرميا (25: 11، 12، 29: 10)، وفي سفر حزقيال (29: 11)…الخ. بل إن في أول أسفار الكتاب؛ في سفر التكوين نجد نبوة محددة التاريخ نطق بها الله لإبراهيم وتمت بكل دقة (تك15: 13).

كما أن اعتراضهم هذا كان يصبح مقبولاً لو أن دانيآل في كلامه توقف عند أنتيوخس أبيفانس في زمان حكم الرومان. أما انه استمر في النبوة إلى ما كان سيحـدث تحت الحكم الروماني، بل وإلى آخر الزمان؛ فهذا يجعل حجتهم غير ذات قيمة.

وعن عـدم ورود اسم دانيآل في سفر ابن سيراخ نقول إن الأنبياء الصغار أيضاً لم يرد ذكـرهم فيه. ومن قال إن ابن سيراخ هذا قام بعمل حصر شامل لكل الأنبياء؟ ومن قـال إن من لم يذكره ابن سيراخ هذا تسقط عنه صفة النبوة أو يصبح غير موجود على الإطلاق!!

أما عن الآلات الموسيقية الست فنقول إنه قد تبين فعلاً أن اسم آلتين من الستة من مصـدر يونـاني. لكن تبين أيضاً أن هذه هي الإشارة اليونانية الوحيدة في كل السفر. فإذا كانت حجتهم أن هذا السفر لابد وأن يكون قد كُتِب أيام حكم اليونان أو بعده نظراً لورود هذه الإشارة الفريدة، فإننا بنفس منطقهم نقول بل إن خلو السفر من أية إشارة يونانية أخرى لابد وأن تعيد السفر مرة ثانية إلى فترة سابقة لحكم اليونان.

ومن قال إنه قبل غزو الإسكندر الأكبر لبابل كانت بابل مغلقة على حضارة وفـن الإغريق أو غيرهم من الشعوب!! هناك إشارة عابرة في الكتاب المقدس تدل على أن البابليين كانوا مولعين بالموسيقى الأجنبية. ألم يسألوا اليهود أثناء سبيهم إياهم قائلين لهم « رنموا لنا من ترنيمات صهيون »؟! (مز137: 3)

4 ـ سفر يونان: لم يسلَـم هذا السفـر أيضاً من تهكمات العقليين إذ قالوا كيف يمكن أن يبتلع حوت إنساناً دون مضغ وأن يظل بداخله ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ؟!

لكن المشكلة تزول تماماً إذا لاحظنا قول الكتاب إن الرب ليس أرسل حوتاً لابتـلاع يونان، بل أعد الرب حوتاً (وفي الأصل العبري؛ سمكة كبيرة). فذاك الذي خلق العالمين بكلمة، لم يكن عسيراً عليه أن يعد سمكة لهذا الغرض المذكور.

لكن أحقاً لا توجد حيتان بمقدرتها ابتلاع إنسان؟ لقد طالعتنا إحدى المجلات الإنجليزية بهذه الحادثة العجيبة وملخصهـا أن إحدى سفن الصيد، كانت تصطاد في البحر الأبيض عندما رأى الرقيب حوتا كبيراً. فاتجهوا إليه بقواربهم ووجهوا حرابهم نحوه وأمكنهم صيده لكن بعد أن ضرب بذيله أحد القوارب فأغرقه، ولم يستطيعوا العثور على اثنين من زملائهم يدعى أحدهم "جيمس بارتلى". وبعد 36 ساعـة من العمل المستمر في تقطيع الحوت، شعروا بحركة غريبة داخل بطنه ولما فتحوها وجدوا بداخلها جيمس بارتلى هذا، الذي قال إن معدة الحوت كانت بالنسبة له كحجرة كبيرة، وكان يمكن أن يعيش فيها إلى أن يموت جوعاً. كما شهد أحد العلماء أنه طالما شاهد في معد بعض الحيتان حيوانات بحرية، حجم الواحد منها لا يقل عن حجم اثني عشر رجلاً.

ما أتفه العقبات التي يضعها الإنسان لتصديق أقوال الله القادر على كل شئ. لكن من الناحية الأخرى ما أحكم التعبير البسيط الذي قالته امرأة فقيرة وغير متعلمة. لقد قالت: لو كان مكتوباً أن يونان هو الذي بلع الحوت، لا أن الحوت هو الذي بلع يونان، لكنت آمنت به ببساطة لأنه مكتوب. قد يعتبر واحد أن هذا الرد نابع من جهل المرأة، لكننا نقول إن الجهل الذي يصدق الله، أحكم من فلسفة الإنسان التي تتصيد ما يظنوه أخطاء في كتاب الله وتنسب له جهالة.
م : يوسف رياض
  رد مع اقتباس
قديم 26 - 08 - 2012, 03:21 PM   رقم المشاركة : ( 5 )
john w Male
| غالى على قلب الفرح المسيحى |

الصورة الرمزية john w

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 38
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 45
الـــــدولـــــــــــة : فى قلب يسوع
المشاركـــــــات : 1,280

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

john w غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وحى الكتاب المقدس

وحى الكتاب المقدس . 5 _ الكتاب المقدس كتابة اللة

5 – كتاب الكتاب





ليت كلماتي الآن تكتب، ياليتها رسمت في سفر ونقرت إلى الأبد في الصخر بقلم حديد وبرصاص

(أيوب 19: 23،24)




الأمر بالكتابة

أشرنا فى الفصل السابق إلى الخطوات الثلاث للوحي؛ وعرفنا أن أولى تلك الخطوات الثلاث هى إعلان الحق الذى يريد الله أن يقدمه للإنسان مستخدماً أوانى الوحى، ثم تأتى بعد ذلك الخطوة الثانية إذ يقوم النبى أو الرسول، بقوة الروح القدس أيضاً، بكتابة ذات أقوال الله مسوقاً من الروح القدس.

إذاً فلقد تلقى كتبة الوحى أمراً صريحاً من الله بتسجيل الأقوال التى أعلنها الله لهم، فى كتاب. ولقد كان أول من تلقى هذا الأمر - على ما نعلم - هو موسى فى برية سيناء (خر 17 : 14) وكان آخرهم هو يوحنا الحبيب وهو منفىّ فى جزيرة بطمس عندما سمع صوتاً عظيماً : « الذى تراه اكتب فى كتاب » (رؤ 1: 11).

تُرى كيف كان يتم هذا الأمر؟ الإجابة أننا فى نبوة إرميا 36 نجد تصويراً للطريقة التى كانت تُكتـب بها الأسفار المقدسة. فلقد استدعى إرميا وهو فى السجن "باروخ بن نيريا" ليكتب فى درج كل كلام الرب على إسرائيل. وابتدأ إرميا يملي على باروخ الأقوال كلمة بعد كلمة حتى أن باروخ قال وصفاً لذلك « كان يقرأ لي كل هذا الكلام وأنا كنت أكتب فى السفر بالحبر » (ع18). لكن بعد أن انتهى باروخ من الكتابة لم تعد هذه الأقوال هى أقوال إرميا بل « كلام الرب » (ع 4، 6، 8، 11) . ثم لما تجاسر يهوياقيم الملك الشرير فشق هذا الدرج وأحرقه بالنار، مستخفاً بكلام الرب نفسه (ع 23)، فإن كلمة الرب صارت إلى إرميا قائلة « عُد فخذ لنفسك دَرجاً آخر واكتب فيه كل الكلام الأول الذى كان فى الدرج الأول الذى أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا » (ع28). لاحظ أن إرميا لم يكتب فقط الفكرة السابقة بل ذات الكلمات الأولى تماماً. وهكذا أُعيد الكتاب مرة ثانية كلمة بكلمة، وإن كان قد أُضيف عليه بعد ذلك كلام آخر كثير.

عملية الكتابة

في أسفار موسى الخمسة المعروفة بالتوراة، بل وفى سفر الخروج؛ السفر الذى وردت فيه أول إشارة إلى كتابة الكتاب، نقرأ عدة إشارات إلى الكتابة.

ففى خروج 17: 14 نقرأ « فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكاراً في الكتاب وضعه فى مسامع يشوع ».

وفي خـروج 40: 20 إشارة إلى لوحى الحجر اللذين كتب الله عليهما الوصايا العشر فنقرأ « وأخذ الشهادة وجعلها فى التابوت »

وفي خروج 24: 4،7 إشارة إلى كتاب العهد فيقول « فكتب موسى جميع أقوال الرب (وهى تلك الأقوال التى ذكرها سابقا فى خروج20: 22 إلى 23: 33)... وأخذ كتاب العهد وقرأ فى مسامع الشعب ».

أما عن أدوات الكتابة؛ فلقد كان اليهود القدماء يكتبون مخطوطاتهم عادة على الرقوق، وكانت هذه تُصنع من جلود حيوانات طاهرة، تُعَد بواسطة اليهود فقط، وتخيط بواسطة أوتار من حيوانات طاهرة أيضـاً. وكان العمود الذى يكتبون عليه لا يقل عن 48 سطراً، ولا يزيد عن 60. ويجب أن تكون الكتابة عليه بالحبر الأسود فقط، وكان يجهز بطريقة خاصة.

أما أصل كلمة «سفر» وتعني كتاب، فهو السَّفـر (بفتح السين المشددة) ومعناها السلخ، حيث مع تطور فن الكتابة بدأ الكتاب يسلخـون جلد الحيوان لكي يكتبوا عليه ثم يطوونه علي شكل درج. فكلمة «سفر» إذاً تعيد إلي أذهاننا هذه الذبائح التي علي جلودها كتب الأنبياء قديماً أقوال الوحي المقدس.

وكان هناك شكلان للمخطوطات التى كان يكتب عليها هما:

1- الدرج Scroll: وهى عبارة عن شريحة طويلة من الورق والجلد (يبلغ طولها إلى نحو تسعة أمتار)، تثبّت من جانب واحـد أو من جانبيها فى قطعة خشبية أو عصا وتطوى عليها. وكان فى هذه الحـالة يكتب على ناحية واحدة فقط من الشريحة، هى الناحية الداخلية.

2- الملازم أو المجلد Codex وهو قريب الشبه مما نستخـدمه الآن. ولقد قال أحد العلماء إن المسيحية (بنسخها لأسفار الكتاب المقدس) كان لها الفضل فى تطوير الكتاب إلى الشكل الذى نراه عليه اليوم.

الدقة المتناهية فى عملية النسخ

كان يقوم بهذا العمل جماعة متخصصة فى ذلك اسمها الكتبة. وكان الرابي (أى معلم الشريعة) يوصي النساخ الشباب قائلاً : احرصوا أشد الحرص فى عملكم الذى تعملونه، فهو عمل السماء، لئلا تُسقِطوا حرفاً، أو تضيفوا حرفاً فى نسختكم فتتسببوا فى هلاك العالم.

وكان يقال لهم: عندما تشرع فى النسخ، لو دخل عليك ملك إلى حجرتك وتحدث إليك، تجاهله تماماً لئلا تخطئ فى الكتابة.

وكان يُقال أيضاً: قبل أن تكتب كلمة واحدة من كتاب الله، عليك أن تغسل جسدك وتلبس الثياب العبرانية، وتجهز نفسك بالأفكـار الخشوعية. ومع أنك تعرف بل تحفظ كتاب الوحى عن ظهر القلب، فلا تكتب كلمـة واحدة من ذاكرتك. ارفع عينيك إلى نسختك، والفظ الكلمة بصوت عالٍ قبل أن تخطها. وقبل أن تكتب لقباً من الألقـاب الإلهية، عليك أن تغسل قلمك. وقبل أن تكتب اسم الإله الأعظم "يهوه" يجب أن تغسل جسدك كله.

وبعد الانتهاء من النسخ ومراجعتـها، كان إذا وجد فى أية صفحة غلطة واحدة تعدم تلك الصفحة. أما إذا وُجد فى أية صفحـة ثلاث غلطات فكان عليه أن يعدم النسخة كلها.

ويقول العلامة وستكوت إنه نتيجة هذه التعليمـات الحازمة فإن الأخطـاء فى عملية نسخ العهد القديم كانت نادرة فعلاً، بمعدل حرف واحد من كل 1580 حرفاً. ومعظمها في عدد قليل من النسخ أو أحياناً في نسخـة واحدة فقط، الأمر الذي يجعل اكتشاف الخطأ سهلاً وميسوراً جداً. كما يذكر أنه ولا خطأ واحد من هذه الأخطاء يؤثر على أى تعليم من التعاليم الأساسية فى العهد القديم.

والكتاب المقدس نفسه يشهد عن غيرة اليهود في الاحتفاظ بالأسفار المقدسة التي عندهم. ومع أن العهد القديم أشار إلى خطايا بلا حصـر لهذا الشعب، لكنه لم يُشِر قط فى أى جزء من الكتاب أن اليهود حاولوا تزييف كلمة الله التى بين أيديهم، بل بالعكس فعندما سأل الرسول بولس ما هو فضل اليهودى أو ما هو نفع الختان؟ أجاب « كثير علي كل وجه. أما أولاً (أي في المقام الأول) فلأنهم استؤمنوا علي أقوال الله*» (رو3: 1، 2).

وتتفق أقوال ثقاة المؤرخين فى الإشادة بغيرة اليهود فى هذا الأمر فذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير على ذلك بالقول "إنه لم يجرؤ أحد علي أن يزيد علي أسفار (العهد القديم) أو ينقص منها حرفاً واحداً عبر الأجيال، ولم يطرأ عليها أي تبديل مهما كان طفيفـاً منذ أن وُجد إلي يومنا هذا". كما قال العلامة باسكال أيضاً "إنه لا يوجد إخلاص بين كل الأمم نظير الإخلاص الذي عند اليهود في المحافظة علي الأسفار الإلهية. هذا الإخلاص نفسه ليس أصله من الطبيعة بل مصدر فائق للطبيعة". أما فيليو السكندرى فقد قال "إن اليهودى يفضل أن يموت عشرة آلاف مرة عن أن يسمح لكلمة واحدة أن تتبدل فى التوراة".

جماعة الماسوريين: كان لهذه الجماعة الفضل الكبير فى نقاوة المخطوطات من الأخطاء. فابتداء من القرن السادس الميلادي انتقلت مهمة نسخ أسفار التوراة من جماعة الكتبة إلى جماعة عرفت باسم الماسوريين. وهؤلاء اهتمـوا لمدة حوالي خمسمائة سنة بنقل المخطوطات بكل أمانة ودقـة. ويقال إن اسم الماسورين مشتق من فعل عبري يعني "يُسلِّم إلى". فهم الذين سلموا النص من جيل إلى جيل. ويعرف هذا النص العبري القديم باسم النص الماسوري. ولقد ثبت من اكتشاف قمران - الذى سنتحدث عنه فى الفصل القادم - مقـدار الدقة التى كانت لهذه الجماعة فى نقاء المخطوطات من أية أخطاء.

تجميع الكتاب

ذكرنا قبلاً إن الكتاب لم يهبط من السماء دفعـة واحدة، بل نمـا شيئاً فشيئاً. ولم يكن جمع الكتاب، بشكله الحالى، من عمل إنسان ما. وموسى بعد أن أكمل كتابة كلمات التوراة فى كتاب إلى تمامها، أمـر اللاويين حاملى تابـوت عهد الرب قائلاً: « خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم » (تث31: 24-26). لقد وُضِعت التوراة فى أقدس مكان فى العالم فى ذلك الوقت. ثم لما أكمل أسفاره الخمسة، حرّض موسى الشعب أن يحرصوا للعمل بجميع كلمات هذه التوراة (تث32: 46). ومن فاتحة سفـر يشوع نفهم أن ما كتبه موسى قبل ذلك بفترة وجيزة كان مقبولاً وقتها باعتباره كلام الرب نفسه.

ثم كان كلما أعطي الله وحياً جديداً يُضاف جنباً إلي جنب مع أسفار موسى، ويُعترَف به من كل شعب الله. وهكذا فإن سفر صموئيل يشير إلى سفر القضاة (1صم 12: 9-11 مع قض4، 10،..)، وسفر المزامير يشير إلى سفر صموئيل (انظر مز78: 61-66 مع 1صم 4،5)، وهكذا.

فى نبوة إشعياء نقرأ فى مطلع نبوته قول إشعياء للشعب « إلى الشريعة وإلى الشهادة » (إش8: 20) معترفاً بالأسفـار المقدسة التى كانت فى زمانه. كما نجد أن ميخا الذي كتب نبوته بعد إشعياء بسنوات قليلة يقتبس منه (إش2: 2-4، مي4: 1-3)، كما نجد أن إرميا يشيرإلى نبوة ميخا (إر26: 18 مع مي 3: 12)، ودانيآل يشير إلي نبوة إرميا التي كتبت قبله بفترة وجيزة (دا9: 2، أر25: 8-12، 29: 10-14). وهكذا فعل زكريا مع الأنبياء السابقين ونبواتهم (زك1: 1-6).

بهذا الأسلوب أخذ كتاب الله ينمو شيئاً فشيئاً. وأخيراً كما أوحي الله لأوانى الوحى بكتابة الأسفار فإنه أصدر الأمر لعزرا الكاتب، بعد الرجوع من السبي، بجمع هذه الأسفار معاً في كتاب واحد، عرف بين اليهود الذين استأمنهم الله على أقواله (رو3: 1،2) باسم « الكتاب ».

نفس الأمر حدث بالنسبة لأسفار العهد الجديد. فنحن نجد أن بولس في رسالته الأولي إلي تيموثاوس، والتي كتبت نحو عام 66م، يقتبس من إنجيل لوقا (1تي5: 18، لو10: 7) مما يبرهن علي أن هذا الإنجيل كان مقبولاً من جموع المسيحيين وقتها علي أنه جزء من « الكتاب ». وبالمثل نجد بطرس في رسالته الثانية، والتي كتبت نحو عام 66م أيضاً، يشير إلي رسائل بولس، مما يبرهن علي أنها كانت في ذلك الوقت معتبرة من الجميع أنها وحـي الله وجزء من كلمته المقدسة (2بط3: 15، 16). لأن كلمة «الكتب» المستخدمة في هذه الآية هي نفسها بحسب الأصل اليوناني التي ذكرها بولس في 2تيموثاوس3: 16.

ولقد بذل المؤمنون في العصر الأول عناية خاصة للتمييزيين أسفار الوحي وغيرها من الكتابات (انظر1يو4: 1، 2، 6، رؤ2: 2، 2تس3: 17)، ولم يقبلوا شيئاً إلا بعد التحري الدقيق. ولقد ضمن الرب لأولئك المؤمنين لا وصول الوحى إليهم فقط، ولا حتى استنارة المؤمن الفرد فحسب، بل أيضا تمييز جموع المؤمنين، واتفاقهم جميعاً معاً من جهة وحى الأسفار. فالرب عندما يتكلم يتكلم بسلطان، والراعى عندما يتكلم فإن الخراف تميز صوته عن صوت الغريب (يو10: 4،5). كما يقول الرسول يوحنا عن الأولاد إن لهم مسحـة من القـدوس، ويعلمون كل شئ (1يو2: 20، 27).

ولقد صار اعتماد هذه الأسفار بأنها وحي الله في نهاية العصر الرسولي. ويرى البعض أن الله قد أطال عمـر يوحنـا الرسول (نحو المائة سنة) لهذا الغرض السامي؛ وهو أن يسجل بنفسه اللمسـات الأخيرة من الكتاب المقدس ويسلم من تسموا فيما بعد "آباء الكنيسة" هذا الكتـاب ليصـل إلينا بقدرة الله الحافظة رغم كل المقاومات كما سنري في الفصل التاسع.

تقرير قانونية الأسفار

القانونية في عبارة "الأسفار القانونية" مستمدة من كلمة يونانية تعنى مسطرة قياس. مما يدل على أنه كانت هناك شروط معينة سواء عند اليهود فى العهد القديم أو الكنيسة فى العهد الجديد لقبول أى سفر إلى جملة الأسفار القانونية؛ فلقد أعطى الله لشعب إسرائيل قديماً، وللكنيسة الأولى بعد ذلك القدرة على التمييز بين ما هو من الله، وبين ما هو من اختراع وتأليف البشر. ليس أن مجمـع اليهود قديماً أو الكنيسة في العهد الجديد هى التى اختارت الأسفار، بل إنها فقط ميزتها وعرفتها، وإذ ذاك فإنها قبلتها بكل توقير.

إذاً فتقدير قانونية الأسفار جاء نتيجة وحيها وليس بقرار بشرى أو استحسان إنساني. إن كتابات الرسل - كما رأينا - قُبِلت من الكنيسة فى البداية وقـت أن كان الرسل لا زالوا موجودين. ثم عندما جاء دور تقرير قانونية الأسفار، فإن الكنيسة لم تقرر ما تقبله وما ترفضه، بل إنها انحنت فى تقدير واعتبار لما كان فعلاً بين أيديها.

فمثلاً لا نقرأ إطلاقاً أن الكنيسة اجتمعت لكى تقرر كم إنجيل يلزمها أو يكفيها، بل إذ كان بين أيدى القديسين أربعة أناجيل، بالإضافة إلى سفر الأعمال والرسائل وسفر الرؤيا، مزودة بسلطان الرسل والأنبياء، وداخلياً بشهادة الروح القدس، فقد ضُمت هذه إلى جملة الأسفار القانونية.

الكنيسة إذاً ليست هي مخترعة القانونية بل مكتشفة لها، ليست مهيمنـة عليها بل تابعة لها، ليست قاضية عليها بل شاهدة لها، ليست سيدة عليها بل خادمة لها.

ومع أن الإقرار الرسمي بما يسمى الأسفار القانونية للعهد الجديد قد تم في القرن الرابع الميلادي، وسنوضح الغرض من هذا حالاً؛ إلا أن كتابات الآباء الأولين فى القرون الثلاثة السابقة لتقرير تلك القانونية تؤكد لنا أن هذا ما كان بالفعل مقبولاً من جموع المؤمنين من قبل ذلك. فمثلا نجد تورتليان (نحو عام 200م) الذى كان أول من استخدم تعبير العهد الجديد لتمييزه عن أسفار العهد القديم، قد أعطى نفس تقدير الوحى لكل من الكتاب المسيحى والكتاب اليهودى عندما قال: "ما أسعد الكنيسة، فهى لديها مجموعة أسفار الناموس والأنبياء مع كتابات البشيرين والرسل". ثم قال: "ويل لمن يضيف أى جزء إلى المكتوب أو يحذف أى جزء منه".

بل وقبله أيضاً لدينا كلمات جوستين الملقب بالشهيد، والذي قُطِعت رأسه في روما عام 165 الذي قال: "كما صدّق إبراهيم صوت الله وحُسِب له ذلك براً، هكذا أيضاً يؤمن المسيحيون بصوت الله الذي وُجِه إليهم مرة أخري بواسطة رسل المسيح ونودي به بالأنبياء، الذين كتاباتهم تُقرأ كل أحد في الاجتماعات العامة".

لكن لماذا فكرت الكنيسة فى أن تتبنى هذه المسألـة؟ وما الذى دفعها إلى عمل كهذا؟ الواقع أنه كانت هناك جملة أسباب أضيفت إلى بعضها وأدت إلى هذا الأمر:

يذكر جوش ماكدويل في كتابه برهان يتطلب قراراً

1- أن ماركيون الهرطوقى (حوالى عام 140) كوّن أسفاراً قانونية من عنده وأخذ ينشرها، فكان لزاماً على الكنيسة أن توقف تأثيره المدمر بتحديد الأسفار القانونية الحقيقية لأسفار العهد الجديد.

2- بعض الكنائس استخدمت كتباً إضافية فى العبادة، وهذا أيضاً استلـزم تحديد الأسفار القانونية.

3- منشور دقلديانوس القاضى بتدمير الكتب المقدسة للمسيحيين (عام 303م)، فكان لزاماً على المسيحيين أن يعرفوا أى الكتب هى التى يستحق أن يستشهدوا فى سبيلها باعتبارها وحى الله لا مجرد كتب تفسيرية أو تاريخية.

وفى أواخر القرن الرابع عقد مجمع هبو سنة 393 وأقر قانونية الأسفار المقدسة، ثم تلاه مجمع آخر في قرطاجة (فى تونس) عام 397. ومن ذلك التاريخ ما عادت تناقش مسألة قانونية أسفار العهد الجديد. وباستثناء ثيودور موبسيدستيا (الذى أدين فى المجمع المسكونى الخامـس فى القسطنطينية سنة 553) لا يوجد مرجع واحد ممن يسمون بآباء الكنيسة طوال القرون الثمانية الأولى فى المسيحية إلا واعترف بقانونية الأسفار المقدسة، إلا طبعاً أصحاب الهرطقات وأعداء المسيحية. وبالنسبة لرجال الإصلاح فإنهم رغم اختلافهم فى العديد من المسائل الفرعية، إلا أنهم جميعا فى هذه النقطـة كان لهم الإيمـان الواحد وكان شعارهم العظيم: "الكتاب وحده، والكتاب كله".

أما بالنسبة للعهد القديم فكان المجمع الأخير الذى انتهى بتقريـر قانونية أسفاره هو مؤتمر جامنيا الذى عُقِد فى بلدة جامنيا القريبة من يافـا سنة 90 ميلادية وانتهى المجمع بالاعتراف بكل الأسفار المعروفة اليوم بأنها أسفار الوحي.

أما إذا سأل واحد اليوم: "كيف يمكنني أنا أن أعرف أسفار الوحي وأن أميز بين تلك الأسفار والتي هى بخلاف ذلك؟" فهو تماماً مثل السؤال كيف أميز بين الأبيض والأسود، أو بين الحلو والمر. فحقاً ما أبعد الفارق بين كلام الله وبين كلام الناس! في هذا قال عالم الكيمياء الإنجليزي الفذ روبرت بويل: "مثل الكتاب المقدس بين الكتب مثل الماس بين الحجارة، أثمنها وأشدها لمعانـاً، وأكثرهـا فعلاً في نشر النور، وأقواها وأصحها في التأثير".

قال الرب على فم إرميا النبي « ما للتبن مع الحنطة يقول الرب؟ أليست كلمتي هكذا كنار؟ وكمطرقة تحطم الصخر؟ ».

م : يوسف رياض
  رد مع اقتباس
قديم 10 - 09 - 2012, 03:49 PM   رقم المشاركة : ( 6 )
رمانة
| غالى على قلب الفرح المسيحى |

الصورة الرمزية رمانة

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 13
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلــــ غزة ـــب
المشاركـــــــات : 8,903

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

رمانة غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وحى الكتاب المقدس

مشاركة اكثر من راائعة ننتظر جديدك
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 09 - 2012, 12:03 AM   رقم المشاركة : ( 7 )
نونا بنت البابا Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية نونا بنت البابا

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 58
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 37
الـــــدولـــــــــــة : القاهرة
المشاركـــــــات : 8,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

نونا بنت البابا غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وحى الكتاب المقدس

ميرسى على الموضوع القيم
ربنا يباركك
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مخافة الرب يرد في الكتاب المقدس ٢١ مرة في الكتاب المقدس
الكتاب المقدس يُقدس العلاقة الزوجية سفر النشيد في الكتاب المقدس
ما هي أسفار الكتاب المقدس؟ ما معنى أن الكتاب المقدس يتكون من مجموعة من الأسفار؟
تبسيط لما يدور حوله الكتاب المقدس من تعاليم ( كيف افهم الكتاب المقدس)
الإعجاز العلمى فى الكتاب المقدس - الكتاب المقدس والعلم الحديث


الساعة الآن 12:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024