عندما يتغير الإنسان في المسيحية، يبدأ حياة جديدة والتغير لا يحدث نتيجة انفعال لحظي، بل هو بداية رحلة صعود إلي مجد، فيها يتغير الإنسان ويواصل التغيير، ثم ينظر إلى الأمس، فيجد أنه لم يأخذ بعد، وأن الطريق ما يزال أمامه طويلاً. هذا يُشبه تلميذاً مجتهد كلما يتقدم في المعرفة يدرك أنه لم يكن يعرف شيئاً فيما سبق. وكلما ازدادت معرفته وحقق المزيد من النجاح، يتعطش أكثر إلى أن ينهل من ينابيع المعرفة. ولأن العلوم البشرية بحر واسع لا حدود له من يدرس الطب مثلاً ويتخصص في فرع واحد، لا يتوقف عن تحصيل العلم لأن هناك الجديد والأحدث في كل مجال كل يوم. الحياة مع المسيح تبدأ بانفتاح القلب والحواس والضمير. ثم يستمر الإنسان في النمو الروحي والتقدم، ولا يكون لنموه نهاية بعد أن تذوق المسيح واستطعم الحياة به. وتذوق طعم المحبة، بعد أن عاش عمراً يسعى خلف حقوقه وتذوق طعم القداسة والحياة مع الله ونقاوة القلب، بعد أن عاش عمراً في الكورة البعيدة. ولن يكون لتقدمه في الحياة الجديدة مع الله منتهي، بل يتقدم من مجد إلى مجد ومن حياة إلى حياة ومن عمق إلي عمق. كبار القديسين وصلوا لمستويات وآفاق مرتفعة جداً كالجبال، وكان راسخاً في أعماقهم أنهم لم يدركوا بعد. القديس بولس الرسول الذي أقام موتي يقول: لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلَا، وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرك”. بولس كارز المسيحية الأعظم، الذي كانت مَنَادِيلة تشفي الأَمْرَاضُ وَتُخْرِجَ الْأَرْوَاحُ الشَّرِّيرَةُ يقول: ” لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئاً وَاحِداً : إِذْ أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ. أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحَ يَسُوعَ. ولربنا المجد دائماً أبدياً آمين.